خطبة الجمعة.. من أسباب تحصيل السعادة زمن الفتن

من أسباب تحصيل السعادة زمن الفتن

فضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان

17 شوال 1445هـ – 26 إبريل 2024 م

———————————————————————————-

الحمدُ للهِ الذي وَسِعَ كلَّ شيءٍ رحمةً وعلماً، سبحانه هو الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، ونشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، أحقُّ مَنْ عُبِدَ، وأنصرُ مَنِ ابْتُغِيَ، وأرأفُ مَنْ مَلَكَ، وأوسعُ مَنْ أَعطى، نحمده سبحانه حمداً كثيراً، كما يحب ويرضى، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه، ومصطفاه وخليلُه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان على يوم الدين.

أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: إن راحة الضمير واطمئنانه وهدوء البال، وصفاء النفس، وسرور القلب، وزوال همومه وغمومه، هو المطلب الأعلى، والهدف الأسمى الذي يسعى إليه كل واحد في هذه الحياة الدنيا، فالناس كلهم ينشدون السعادة، ويرغبون الخير والفلاح، ويرجون التوفيق والنجاح في جميع أمورهم، لذلك ابتغوا في الحصول على هذه الغاية أسباباً متعددة ووسائل مختلفة، ولكن زلت في هذا المطلب أقدام، وضلت من أجله أفهام، وكثرت بسببه الخواطر والأوهام، حتى ظن الكثير من الناس لغفلة قلوبهم، وضعف عقولهم، وسطحية تفكيرهم: أن قمة السعادة والفلاح في الحصول على حظوظ الدنيا العاجلة وشهواتها الفانية، والأموال الوافرة، والمساكن والمراكب الفارهة، والمراتب الوفيرة، والترفّع والجاه والشهرة، والتمتع بالملذات، والتفنن في الشهوات، في زمن كثرت فيه الفتن والمغريات… ومن الناس من يتوهم بأن السعادة والفلاح، تكمن في السبق في مجالات التقدم المادي، والتحضر العصري، وصرفوا لها جل اهتمامهم، وفاضل أوقاتهم، وزعموا أن هذه الأشياء هي الضالة المنشودة، وهي السبيل على القوة والعزة والطمأنينة والأمان، ولم يدركوا أنها كانت سبباً في هلاك أمم سابقة، وقرون ماضية، بل وشقاء أمم حاضرة، وصدق الله العظيم حيث

يقول في محكم التنزيل: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) وهكذا -أيها المسلمون- إذا لم يكن الإيمان هو الأساس، والعقيدة الصحيحة هي القاعدة الصلبة؛ عند ذلك تفتقد البشرية مقومات الحياة الطيبة، وعندما يتحقق الإيمان والعمل الصالح تسعد البشرية، يقول تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً، وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) فلا سعادة لهذه البشرية في زمن الفتن، إلا تحت راية الإيمان، ولا عزة ولا رفعة، إلا في ضلال كتاب الله تعالى..

عباد الله: ومن فضْل الله تعالى على عباده المؤمنين، أن جعَل لهم أسباباً للسعادة، يجتهد الإنسانُ في تحصيلها فمن أراد أن يحقق السعادة في حياته، فليلتزم بهذه الأسباب التي تحقق له السعادة والحياة الطيبة في دنياه وأخراه.

أيها الأخوة: فمن أسباب السعادة: الإيمان بالله والعمل الصالح: يقول تعالى: (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى، وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى..) ويقول سبحانه (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ) ويقول: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ)  ويقول جل وعلا: (إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ * وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ)

فالحياة الطيبة تكون لأهل الإيمان والعمل الصالح، وأما غيرهم، حتى وإن تمتعوا بالملذات المحسوسة، فإنهم في ضيق ونكد؛ لأن مدار السعادة على القلب وراحته.

عباد الله: ومن الأسباب التي تتحقق بها السعادة: الإحسان إلى الخلق، بالقول والعمل وأنواع المعروف: فإن الله يدفع به الهموم والغموم عن العبد، ويعاملك الله وفق معاملتك لعباده يقول علماء السلف الصالح: من رفق بعباد الله رفق الله به، ومن رحمهم رحمه، ومن أحسن إليهم أحسن الله إليه، ومن جاد عليهم جاد الله عليه، ومن نفعهم نفعه الله، ومن سترهم ستره الله، ومن منعهم خيره منعه الله خيره، ومن عامل خلقه بصفة، عامله الله بتلك الصفة بعينها في الدنيا والآخرة، فالله لعبده حسب ما يكون العبد لخلقه.. قال تعالى: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيماً) وقال صلى الله عليه وسلم: من نفَّسَ عن مسلمٍ كُربةً مِن كُربِ الدُّنيا نفَّسَ اللَّهُ عنهُ كربةً مِن كُرَبِ يومِ القيامةِ، ومن يسَّرَ على مُعسرٍ في الدُّنيا يسَّرَ اللَّهُ عليهِ في الدُّنيا والآخرةِ ، ومن سَترَ على مُسلمٍ في الدُّنيا سترَ اللَّهُ علَيهِ في الدُّنيا والآخرةِ ، واللَّهُ في عونِ العَبدِ ، ما كانَ العَبدُ في عونِ أخيهِ) فإن أحسنت الى الناس شعرت بلذة في قلبك، وسعادة في صدرك، توصلك الى السعادة الحقيقية في الآخرة ألا وهي في التمتع بجنة الله والنظر الى وجه الله جل وعلا. قال صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله تَعالَى لأهْلِ الجَنَّةِ: يا أهْلَ الجَنَّةِ، فيَقولونَ: لَبَّيْكَ رَبَّنا وسَعْدَيْكَ، فيَقولُ: هلْ رَضِيتُمْ؟ فيَقولونَ: وما لنا لا نَرْضَى وقدْ أعْطَيْتَنا ما لَمْ تُعْطِ أحَدًا مِن خَلْقِكَ؟ فيَقولُ: أنا أُعْطِيكُمْ أفْضَلَ مِن ذلكَ، قالوا: يا رَبِّ، وأَيُّ شَيءٍ أفْضَلُ مِن ذلكَ؟ فيَقولُ: أُحِلُّ علَيْكُم رِضْوانِي، فلا أسْخَطُ علَيْكُم بَعْدَهُ أبَداً).

أيها الأخوة والأخوات في الله: ومن الأسباب التي تتحقق بها السعادة: الإكثار من ذكر الله وملازمته، والصلاة على النبي صلى عليه وسلم، فإن ذلك من أكبر الأسباب لانشراح الصدر وطمأنينة ‏القلب، وزوال همه وغمه، قال تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) وقال صلى الله عليه وسلم (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرِ أَعْمَالِكُمْ، وَأَزْكَاهَا عِنْدَ مَلِيكِكُمْ، وَأَرْفَعِهَا فِي دَرَجَاتِكُمْ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ إِنْفَاقِ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ، وَخَيْرٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَلْقَوْا عَدُوَّكُمْ فَتَضْرِبُوا أَعْنَاقَهُمْ وَيَضْرِبُوا أَعْنَاقَكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: ذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى) وقال رجل يا رسولَ اللهِ أَجْعَلُ ثُلُثَ صَلاتِي عليكَ؟ قال: نَعَمْ إنْ شِئْتَ قال: الثُّلُثَيْنِ؟ قال: نَعَمْ . قال : فَصَلاتِي كلَّها ؟ فقال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: إذا يَكْفيكَ اللهُ ما أَهَمَّكَ من أَمْرِ دُنْياكَ وآخِرَتِكَ .

أما من أعرض عن ذكر الله، فهو من التعساء البؤساء وصدق الله العظيم: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ)

عباد الله: ومن الأسباب التي تتحقق بها السعادة: حضور حِلَق الذِّكْر، ومجالِس العلم، وتدارس القرآن: حيث تتنزَّل على أصحابها الملائكةُ، وتغشاهم رحمة الله، وتُغفَر ذنوبهم، ويذكُرهم الجليل تبارك وتعالى فيمَن عنده، وتدعو لهم الكائناتُ مع الملائكة رِضاً بما يصنعون من طلب للعلم ومشي في سبيله يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَقْعُدُ قَوْمٌ يَذْكُرُونَ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا حَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ، وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ) وثبت عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ قَدْ كَثُرَتْ عَلَيَّ، فَأَخْبِرْنِي بِشَيْءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ، قَالَ :(لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْباً مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ)… ومن الأسباب التي تتحقق بها السعادة: اجتماع فكر العبد كله، على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر، وترك الخوف من المستقبل وعلى المستقبل، أو الحزن على الماضي، فيصلح يومه ووقته الحاضر، ويجد ويجتهد في ذلك.   يقول صلى الله عليه وسلم: (احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ، وَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَلَا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ، فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كذا كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ) ومن الأسباب التي تتحقق بها السعادة: أن ينظر الإنسان إلى من هو أسفل منه، ولا ينظر إلى من هو أعلى منه، في الرزق والصحة وغيرها، قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (انْظُرُوا إِلَى مَنْ هو أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ، فَهُوَ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللهِ) ‎‎فبهذه النظرة يرى أنه يفوق كثيراً من الخلق في العافية وتوابعها، وفي الرزق وتوابعه، فيزول قلقه وهمه وغمه، ويزداد سروره واغتباطه بنعم الله تبارك وتعالى.

عباد الله: ومن الأسباب التي تتحقق بها السعادة: السعي في إزالة الأسباب الجالبة للهموم وفي تحصيل الأسباب الجالبة للسرور، وذلك بنسيان ما مضى عليه من المكاره التي لا يمكنه ردها، ومعرفته أن اشتغال فكره فيها من باب العبث والمحال، فيجاهد قلبه عن التفكير فيها…  ومن الأسباب التي تتحقق بها السعادة: تقوية القلب وعدم التفاته للأوهام والخيالات التي تجلبها الأفكار السيئة، لأن الإنسان متى استسلم للخيالات وانفعل قلبه للمؤثرات من الخوف والأمراض وغيرها، أوقعه ذلك في الهموم والغموم والأمراض القلبية والبدنية والانهيار العصبي.‏

ومن الأسباب التي تتحقق بها السعادة: الاعتماد والتوكل على الله عز وجل والوثوق به والطمع في فضله، فإن ذلك يدفع الهموم والغموم، ويحصل للقلب من القوة والانشراح والسرور الشيء الكثير.‏. فأساس السّعادة ومرتكزها هو الإيمان بالله تبارك وتعالى؛ الإيمان به جلّ وعلا ربّاً وخالقاً ورازقاً، متصرِّفاً ومدبِّراً، معطياً ومانعاً، وخافضاً ورافعاً، قابضاً وباسطاً.  

نسأل الله تعالى أن يوفقنا جَميعاً لفعلِ أسباب الخير، وأن يجنبنا أسبابَ الشرِّ والفسادِ، وأن يوفقَنا لحسنِ التوكُّلِ عليه والثقةِ به سبحانه، وألا يكلَنا إلى أنفسنا طَرفَةَ عينٍ.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله عالم السر والنجوى، يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور؛ نحمده ونشكره، ونتوب إليه، ونستغفره، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان.

أما بعد فيا أيها المسلمون والمسلمات: ومن الأسباب التي تتحقق بها السعادة: تحقيق توحيد الله تعالى، والخضوع لمنهجه جل وعلا، على المستوى الفردي والجماعي.

قال العلامة ابن القيم رحمه الله: اللذة التامة والفرح والسرور، وطيب العيش، والنعيم، إنما هو في معرفة الله، وتوحيده والأُنس به، والشوق إلى لقائه، واجتماع القلب والهمِّ عليه، فإن أنكد العيش عيش من قلبه مُشتت، وهمه مفرَّق؛ فاحرص أن يكون همُّك واحداً، وأن يكون هو الله وحده لا شريك له، فهذا غاية سعادة العبد، وصاحب هذه الحال في جنة معجلة قبل جنة الآخرة وفي نعيم عاجل.

ومن أسباب السعادة عباد الله أنه إذا أصاب العبد مكروه أو خاف منه، فليقارن بينه وبين بقية النعم الحاصلة له دينية أو دنيوية، فإنه سيظهر له كثرة ما هو فيه من النعم وتستريح نفسه وتطمئن لذلك… ومن الأسباب التي تتحقق بها السعادة: الرضا بالقضاء والقدر: وذلك لِمَا يورثه من طُمأنينة وراحة بالٍ، حيث يوقِن الإنسانُ بأنَّ ما أصابه لم يكن ليخطئَه، وأنَّ ما أخطأه لم يكن ليصيبَه، وهذا الرِّضا هو أعظمُ علاج يمكن أن يُعالِج الإنسانُ به نفسَه؛ ليحصلَ على السعادة؛ لأنَّه يمثِّل القاسمَ المشترك بيْن السعداء حيث يرضَوْن بما هم فيه ويستمتعون به كما هو دون تفكيرٍ في غيره.  ومن الأسباب التي تتحقق بها السعادة

الاستغفار فقد جعل الله سبحانه للاستغفار والإكثار منه ثماراً عديدة، وخيراتٍ عميمةً، وفضائلَ متعددةً في الدنيا والآخرة: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً، يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ

لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً) وجعل سبحانه لنيل مغفرته ورحمته والفوزِ برضَاهُ أسباباً عظيمة، جمعها جلَّ وعلا في قوله: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى

ومن طرق الحصول على السعادة مصاحبة الأخيار؛ فإنهم يقودون الإنسان إلى الخير ويدلُّونه عليه، وكما قيل: (الصاحب ساحب) والصاحب إما حامل مسك يدلُّك على الخير ويقودك إليه، وإما نافخ كير يوقعك في الإثم والشر، ويجرك إليه؛ قال عز وجل: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ)

ومن أهم الوسائل للحصول على السعادة أن تدعو الله، وتسأله الهداية وخاصة في أوقات الإجابة؛ كالثلث الأخير من الليل، وبين الأذان والإقامة، وفي آخر ساعة من نهار الجمعة تلجأ إلى الله وتدعوه: يا رب، اللهم مُنَّ عليَّ بالهدى والتُّقى. فإن الدعاء من أعظم وسائل التوفيق إلى الهداية، وقد كان صلى الله عليه وسلم يكثر من قوله: (اللهمَّ يا مقلب القلوب،

ثبِّت قلوبنا على دينك، اللهم يا مصرِّف القلوب، صرِّف قلوبنا إلى طاعتك)

نسأل الله عز وجل أن يهدينا إلى سبل السعادة والرشاد، وأن يجعلنا ممن قال فيهم: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ، نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ، نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيم) اللَّهُمَّ إنِّا نسأَلُكَ إيماناً لا يرتَدُّ، ونَعيماً لا ينفَدُ، ومُرافقةَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، في أَعلى غُرَفِ الجنَّةِ، جنَّةِ الخُلدِ يا رب العالمين.

اللهم إنا نعوذُ بكَ منَ الهمِّ والحزَنِ، ونعوذُ بكَ منَ العجزِ والكسلِ، ونعوذُ بكَ منَ الجُبنِ والبخلِ، ونعوذُ بكَ مِن غلبةِ الدَّينِ وقهرِ الرجالِ) (اللَّهُمَّ إنِّا نعُوذُ بكَ مِن زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ.) (اللهمَّ أَصلِحْ لنا دِيننا الذي هو عصمةُ أمرنا، وأَصلِحْ لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأَصلِحْ لنا آخرَتنا التي إليها مَعادنا، واجعلِ الحياةَ لنا زيادةً في كل خيرٍ، واجعلِ الموتَ راحةً لنا من كلِّ شرٍّ)

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.

اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا وأجعله آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً، وسائر بلاد المسلمين. اللهم جنبنا الشرور والفتن والمحن ما ظهر منها وما بطن، وأنعم علينا بالأمن والأمان والخير والرخاء والعزة والمنعة يا رب العالمين. اللهم وفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا سميع الدعاء. اللهم كن لإخواننا المظلومين في كل مكان، ناصراً ومؤيداً وظهيراً اللهم أنج المستضعفين من المؤمنين في فلسطين وغزة، اللهم إن إخواننا هناك يقتلون ويشردون ويجوعون وتنتهك حرماتهم، اللهم فأنزل عليهم رحماتك ونصرك اللهم احفظهم بحفظك وانصرهم على القوم الظالمين المعتدين يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، وأشف مرضانا وارحم والدينا وارحم موتانا برحمتك يا أرحم الراحمين. (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)