خطبة الجمعة .. أهمية العمل وحقوق العمال في الإسلام

أهمية العمل وحقوق العمال في الإسلام

فضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان

24 شوال 1445 هـ – 3 مايو 2024 م

———————————————————————————–

 

الحمد لله على توفيقه وإحسانه وإرشاده، والشكرُ له على توالِي فضلِه وازدياده، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تقُودُ صاحبَها إلى فوزه وإسعاده، ونشهد أن سيدَنا ونبيَّنا محمداً عبدُ الله ورسولُه، أفضلُ رُسُله وخيرُ عباده، صلّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ، وسلَّم تسليماً كثيراً إلى يوم معاده.

أما بعــد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: لقد جعل الله تعالى الأرض مستقر حياة الإنسان ومعاشه في هذه الحياة الدنيا، وأوجد فيها الكثير من النعم، وسخر جميع المخلوقات لخدمته، ونوع له أبواب الرزق وطرقه، وذلل له سبل الوصول إليه، يقول تعالى: (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ، وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ

وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) والمطلوب يا عباد الله أن ينزل المسلم في ميادين الحياة مكافحاً، وإلى أبواب الرزق ساعياً، ولكن قلبه معلق بالله عز وجل، وفكره لا يغيب عن مراقبة الله وخشيته، والالتزام بحدوده والتقيد بأوامره، يقول تعالى: (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ)

أيها الإخوة والأخوات في الله: إن من الأمور التي يجب على العامل أن يلتزم بها ويراعيها ويؤديها، حق العمل وواجباته وآدابه. فالعمل عبادة لله عز وجل والقيام به على أكمل وجه، علامةٌ من علامات الإيمان، وأداء حقوقه والالتزام بآدابه، براءة من المسئولية يوم القيامة بين يدي الواحد الديان

عباد الله: إن نظام هذه الحياة، يتطلب السعي والعمل، فجميع المخلوقات من حولنا تسعى بجد وتعمل بنشاط، فكان من الواجب أن ينهض الإنسان للعمل، مستشعراً بشعار الجد والنشاط، طارحاً القعود والكسل وراءه ظهرياً، حتى يقوم بما فرضته عليه طبيعته الإنسانية وهي سنة الله في خلقه، وبما أوحته إليه القوانين الشرعية… والعاقل لا يرضى لنفسه أن يكون كَلاً على غيره، وهو يعلم أن الرزق منوط بالسعي، وأن مصالح الحياة لا تتم إلا باشتراك الأفراد حتى يقوم كل واحد بعمل خاص له، وهناك تتبادل المنافع، وتدور رحى الأعمال، ويتم النظام على الوجه الأكمل، يقول تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ، وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ويقول سبحانه: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ)

ويقول عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما: كان آدم عليه السلام حراثًاً، ونوح نجاراً، وإدريس خياطًاً، وإبراهيم ولوط كانا يعملان في الزراعة، وصالح تاجراً، وداود حداداً، وموسى وشعيب ومحمد صلوات الله تعالى عليهم كانوا رعاة للأغنام، وعمل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أيضاً في التجارة..  فعلى الشاب أن يبدأ مسيرة العمل بما تيسر له، وألا يأنف ويستكبر من أي عمل يبدأ به ولو كان بسيطاً، والله يعينه وسيوفقه إلى عمل أرقى ومنزلة أسمى طالما بدأ، قال عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه: لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة)

أيها الأخوة والأخوات: لقد عظم الإسلام من شأن العمل مهما كانت طبيعة هذا العمل، في وزارة، أو إدارة، أو مصنع، أو متجر أو في مستشفى أو في سوق أو في محطة وقود أو عامل تنظيف أوفي بناء العمارات وتشييد المباني أو في زراعة وحراثة للأرض أو كان العمل في حفظ الأمن وحراسة الأموال والأعراض أو كان في القضاء والفصل بين الناس أو غير ذلك، بل حتى عمل المرأة في بيتها لزوجها وأولادها فإنها تؤجر عليه..  فعلى قدر عمل الإنسان يكون جزاؤه، يقول الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) بل لقد جعل الإســلام العمل نوع من أنواع الجهاد في الإسـلام، وما ذلك إلا لأهميته وفضــله وثمـــرته، فعن أنس رضي الله عنه قال: مَرَّ عَلى النَّبِيِّ ﷺ رَجُلٌ فَرَأى أصْحابَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِن جَلَدِهِ ونَشاطِهِ فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْ كانَ هَذا في سَبِيلِ اللَّهِ. (يعنون النشاط والقوة) فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: إنْ كانَ خَرَجَ يَسْعى عَلى أولاده صِغاراً فَهو في سَبِيلِ اللَّهِ، وإنْ كانَ خَرَجَ يَسْعى عَلى أبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ فَهو في سَبِيلِ اللَّهِ، وإنْ كانَ خَرَجَ يَسْعى عَلى نَفْسِهِ يُعِفُّها فَهو في سَبِيلِ اللَّهِ،

وإنْ كانَ خَرَجَ يَسْعى رِياءً ومُفاخَرَةً فَهو في سَبِيلِ الشَّيْطانِ) … عبــــــاد الله: وإن من الآداب والواجبات التي ينبغي لكل مسلم أن يلتزم بها، وهو يقوم بأي عمل من الأعمال، أن يتقن في عمله، وتلك صفة عظيمة في حياة المؤمن، لذلك كانت مطالبة الرسول صلى الله عليه وسلم من العمال إلى الإتقان في أعمالهم، فقد قال: (إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ) إن الإتقان سمة أساسية في الشخصية المسلمة، يربيها الإسلام عليه منذ أن يدخل المرء فيه، وهي التي تحدث التغيير في سلوكه ونشاطه، فالمسلم مطالب بالإتقان في كل عمل تعبدي أو سلوكي أو معاشي؛ لأن كل عمل يقوم به المسلم بنيّة العبادة، هو عمل مقبول عند الله يُجازى عليه سواء كان عمل دنيا أم آخرة. يقول تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)

ومن الآداب عباد الله أن الإسلام نهى أن يجلس الرجل بدون عمل، ثم يمد يده للناس يسألهم المال، فالذي يطلب المال من الناس مع قدرته على العمل ظالم لنفسه؛ لأنه يُعرِّضها لذل السؤال، وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من المسألة، وبالغ في النهي عنها والتنفير منها، فقال صلى الله عليه وسلم: الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنى، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ الله، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ الله) وقال صلى الله عليه وسلم: (لَأَنْ يأخذَ أحدُكم حَبْلَهُ، فيَأْتِي بحِزْمَةِ الحطبِ على ظهرِهِ فيَبيعها، فيَكُفَّ اللهُ بها وجهَهُ، خيرٌ لهُ من أن يسألَ الناسَ، أعطوهُ أو منعوهُ) فعلى المسلم أن يعمل ويجتهد ولا يتسرع حتى تتحقق قيمته في الحياة.

أيها المؤمنون: ومن آداب العمل في الإسلام، أن يكون العامل قويّاً أميناً.. والقوة تتحقق بأن يكون عالماً بالعمل الذي يسند إليه، وقادراً على القيام به، وأن يكون أميناً على ما تحت

يده، يقول الله تعالى: (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)، وأن يكون العامل بعيداً عن الغش والتحايل، فالغش ليس من صفات المؤمنين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا) وقد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يبيع طعاماً (حبوباً) فأعجبه، فأدخل يده فيه فرأى بللاً، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام، قال: أصابته السماء (أي المطر) فقال عليه الصلاة والسلام: فهلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس، (من غشنا فليس منا).. أيها المؤمنون: ومن الآداب والواجبات على العامل المسلم، الالتزام بالمواعيد، والنصح لصاحب العمل، وتحري الحلال، والبعد عن الأعمال المحرمة، ويجب على العامل أن يحفظ أسرار عمله، فلا يتحدث إلى أحد -خارج عمله- عن أمورٍ تعتبر من أسرار العمل، وعليه أن يلتزم بقوانين العمل، ويجب على العامل أيضاً، أن يحافظ على أداء الصلوات، والقيام بسائر العبادات على أكمل وأحسن وجه، بل إن ذلك من أسباب الحصول على الرزق والتوسعة فيه، يقول تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًاً نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) ويقول صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنْ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً، وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ)… وعلى صاحب العمل أن يأذن للعامل بأداء فريضة الصلاة إذا دخل وقتها، وعلى العامل أن يقتصر على أداء الصلاة في أقل وقت، وألا ينتهز فرصة ترك العمل للصلاة لقَضاء بعض مصالحه أو تضييع بعض الوقت في راحة أو تسوق وتجول، فإن الوقت ثمين، وصاحب العمل يعطيه الأجر على كل الوقت المخصّص للعمل ومن حقِّه أن يستوفِيَ منه العمل كاملاً في كل الوقت، فعليه أن يتق الله في ذلك الأمر.

أيها المسلمون: ومن الآداب والواجبات على العامل المسلم عدم استغلال الوظيفة والمنصب لأجل تحقيق مصلحة شخصية (لنفسه أو قرابته) دون وجه حق شرعي أو قانوني.

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًاً فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ) أي خيانة.

ومن آداب العمل والوظيفة الالتزام بالدوام، والتبكير إلى العمل حيث يكون النشاط موفوراً، وتتحقق البركة، يقول صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ بَارِكْ لأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا)

عباد الله: تلك بعض آداب العمل، وواجبات العامل في الإسلام وغيرها كثير، فيها الراحة والسعادة، والأمن والأمان للفرد والمجتمع، وفيها رضا الله وسعة رزقه، وتتابع بره، وحلول بركته…

اللهم تقبل أعمالنا، وارزقنا الإخلاص فيها، وتجاوز عن تقصيرنا وهفواتنا إنك سميع مجيب الدعاء

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمدُ لله وليِّ الصّالحين، ونشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريك له إله الأوّلين والآخرين، ونشهد أنّ سيدنا ونبيّنا محمّداً عبده ورسوله سيّد الخلق أجمعين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابِه والتّابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها المسلمون: لقد نظم الإسلام العلاقة بين العامل وصاحب العمل، وجعل لكلِّ منهما حقوقًاً وواجبات، فقد ضمن الإسلام حقوقًاً للعامل، يجب على صاحب العمل أن يؤديها له، ومنها الحقوق المالية: وهي دفع الأجر المناسب له، حسب العقد والاتفاق، يقول الله تعالى: (وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ، وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ). ويقول عليه الصلاة والسلام: (أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ). ويقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ، وذكر منهم، (رَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيراً فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُوفِهِ أَجْرَهُ) فمن أكل أجرة عامل فليبشر بخصومة الله له يوم المعاد، فلا يجوز يا عباد الله تأخير مستحقات ورواتب العاملين، والمماطلة بها إلى أن تمضي الشهور العديدة وهم يطلبونها ولا يحصلون عليها، لأن هذا من الظلم المنهي عنه، ففي الحديث القدسي الذي يرويه نبينا عن ربنا جل جلاله قال: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّماً فَلَا تَظَالَمُوا) ويقول صلى الله عليه وسلم: (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ)

ويقول صلى الله عليه وسلم: (واتَّقِ دَعوةَ المظلومِ؛ فإنَّهُ ليسَ بينَها وبينَ اللَّهِ حجابٌ)

ومن حقوق العامل على رب العمل، الحقوق البدنية: وهي حق العامل في الراحة والاستراحة، يقول تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) فلا يجوز إرهاق العامل إرهاقًاً يضر بصحته، ويجعله عاجزاً عن العمل، ولقد قال شعيب لموسى عليه السلام حين أراد أن يعمل له في ماله: (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ) وقال صلى الله عليه وسلم:  إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ (أي الذين يصلحون أموركم ويخدمونكم) جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلا تُكَلِّفُوهُمْ مِنَ الْعَمَلِ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَأَعِينُوهُمْ عَلَيْهِ)

وكذلك يجب على صاحب العمل أن يوفر للعامل ما يلزمه من رعاية صحية، فالعامل مخلوق مكرم في الإسلام، لا تعرض حياته وصحته للخطر ولا يضام، وإذا ما تعرضت صحته لمرض أو إصابة غير مقصودة، فإن يد العلاج يجب أن تكون ممدودة، فتوفير الرعاية الصحية، وتسهيل الخدمات العلاجية، حق أساسي من الحقوق العمالية.. كذلك ينبغي على صاحب العمل أن يمكن العامل من أداء ما افترضه الله عليه من طاعة كالصلاة والصيام، فالعامل المتدين أقرب الناس إلى الخير، ويؤدي عمله في إخلاص ومراقبة وأداء للأمانة، وصيانة لما عهد إليه به، وليحذر صاحب العمل أن يكون في موقفه هذا ممن

يصد عن سبيل الله ويعطل شعائر الدين، يقول تعالى: (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ)

هكذا يا عباد الله أعز الإسلام العامل ورعاه وكرمه، واعترف بحقوقه لأول مرة في تاريخ العمل، بعد أن كان العمل في بعض الشرائع القديمة معناه الرق والتبعية، وفي البعض الآخر معناه المذلة والهوان..

فاتقوا الله عباد الله والتزموا رحمكم الله، بآداب العمل وقوموا بحقوق العمال، واشكروا ربكم على نعمه الغزار تفلحوا في الدنيا والآخرة.

اللهم تقبل أعمالنا، وارزقنا الإخلاص فيها، وتجاوز عن تقصيرنا وهفواتنا، إنك سميع الدعاء…اللهم أقل عثراتنا، واغفر زلاتنا، وكفر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار.

اللهم أكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين. اللهُمَّ كن للمظلومين في فلسطين وغزة وفي كل مكان، اللهمَّ اجعل لهم من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية.

اللهم احفظهم واحرسهم بعينك التي لا تنام، وأرزقهم الثبات والقوة والنصر والتمكين وبارك في إيمانهم وصبرهم يا سميع الدعاء.

اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى وأهله واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين.

اللهم اشفِ مرضانا، وعاف مبتلانا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا.. اللهم اغفِر لآبائنا وأمهاتنا كما ربَّونا صغاراً، اللهم من كان منهما ميتًاً فأنزِل على قبره شآبيبَ الرحمات، وافسِح له في قبره مدَّ بصره، واجمَعنا به في جناتك جنات النعيم، من غير حسابٍ ولا عقابٍ، برحمتك يا أرحم الراحمين، ومن كان منهما حيًّاً فأطِل في عمره، وأحسن في عمله، واختِم لنا وله بخاتمة الإحسان برحمتك يا ذا الجلال والإكرام

الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)