خطبة الجمعة.. وداع رمضان، ليلة القدر، زكاة الفطر

وداع رمضان، ليلة القدر، زكاة الفطر

فضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان

26 رمضان 1445هـ – 5 إبريل 2024 م

—————————————————————————-

الحمد لله الذي جعل لكل حي في هذه الدنيا زوالاً، ولكل مقيم انتقالاً، ليعتبر أهل الإيمان فيبادروا بالأعمال الصالحات في زمن الإمهال، ولا يغتروا بطول الأعمار والآمال، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العظيم في قدره، المتعال فوق خلقه، الكريم في عطائه وفضله، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل في سنته: (بادروا بالأعمال) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله، اتقوا الله تعالى، وتفكروا في سرعة مرور الليالي والأيام، واعلموا أنها تنقص من أعمارنا، وتطوى بها صحائف أعمالنا، فلنبادر بالتوبة الصادقة، والأعمال الصالحة، قبل أن يتخطفنا الموت، فنندم على ما أعطانا الله من الفرص السانحة. (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)

معاشر المسلمين: ما أسرعَ ما تنقضِي الليالي والأيّام وما أعجلَ ما تنصرِم الشهور والأعوام وهذه سُنّة الحيَاة. أيّامٌ تمرّ وأعوَام تكرّ، وفي تقلّب الدّهر عِبر، وفي تغيُّر الأحوال مدّكَر، يقول الله تعالى: ( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ) فهذا شهرُ رَمضانَ تقوَّضَت خِيامه، وتصرَّمت لياليه وأيّامُه، قرُب رَحيلُه، وأزِف تحويلُه، انتصَب مودِّعاً، وسَار مسارعاً، ولله الحمد على ما قضَى وأبرَم، وله الشّكر على ما أعطى وأنعم فاستدركوا رحمكم الله بقيّتَه بالمسارعة إلى المكارم والخيرات واغتنامِ الفضائل والقرُبات، ومن أحسن فعليه بالتمام، ومن فرَّط فليختم بالحسنى فالعمل بالخِتام، يقول جل وعلا، (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ، وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ، أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) فمن لم يختم قراءة القران، فليكمل ما تبقى عليه من آياته وسوره، ومن أكمل فليضاعف من حسناته وأجوره، هكذا عباد الله يجب أن نودع رمضان، بعمل صالح نقدمه بين يدي الله، فكتاب الله لا تمله النفوس، ولا تشبع منه القلوب، فهو منهج أمة ودستور حياة

يقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ) 

 كما ينبغي لنا أن نودع رمضان، بإتمام الأعمال والعزم على الاستقامة على الطاعات، و بكثرة الدعاء بأن يتقبل الله منا صيامه وقيامه وسائر العبادات والطاعات فيه، فقد وصف الله تعالى حال عباده المؤمنين، بعد القيام بالعبادات والطاعات بأنهم: (يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ، أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) أي يخافون أن ترد أعمالهم ولا تقبل  فهل شغلك يا عبد الله هذا الهاجس، وأنت تودع شهر  رمضان ، يقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل ، ألم تسمعوا إلى قول الحق عز وجل : (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) وكان رضي الله عنه: ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان (ياليت شعري من هذا المقبول منَّا فنهنيه، ومن هذا المحروم فنعزيه، ثم ينادي  أيها المقبول هنيئاً لك،  أيها المردود جبر الله مصيبتك) فودعوا عباد الله شهركم بخير ختام، فربما لا يعود على أحد منا رمضان مرة أخرى بعد هذا العام، فاختموا شهركم بخير، واستمروا على مواصلة الأعمال الصالحة التي كنتم تؤدونها فيه في بقية العام، فإن رب الدهر هو رب رمضان، وهو مطلع علينا وشاهد على أعمالنا، وقد أمرنا سبحانه بفعل الطاعات في جميع الأزمنة والأوقات، ومن كان يعبد شهر رمضان، فإن شهر رمضان سينتهي وينقضي، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، فلنستمر عباد الله على عبادة الله جل وعلا في جميع أيام أعمارنا، يقول تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) نعم إن بعض الناس هداهم الله، يتعبدون في شهر رمضان خاصة، فيحافظون فيه على الصلوات في المساجد، ويكثرون من البذل والإحسان وتلاوة القرآن، فإذا انتهى رمضان، تكاسلوا عن الطاعات، وبخلوا بما كانوا يبذلون من الصدقات، بل ربما تركوا الصلوات والجمعة والجماعات، فهؤلاء قد هدموا ما بنوه، ونقضوا ما أبرموا، وكأنهم يظنون أن اجتهادهم في رمضان، يكفر عنهم ما يجري منهم في سائر العام من القبائح والموبقات، وترك الواجبات، وفعل المحرمات، ولم يعلم هؤلاء أن تكفير رمضان وغيره للسيئات، مقيد باجتناب الكبائر، يقول تعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ، وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً) ويقول صلى الله عليه وسلم: (الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبت الْكَبَائِرَ) وأي كبيرة بعد الشرك أعظم من إضاعة الصلوات؟ وقد صارت إضاعتها عادة مألوفة عند بعض الناس أصلحهم الله. وقد سُئل بعض السلف الصالح رحمه الله عن قوم يجتهدون في شهر رمضان، فإذا انقضى ضيعوا وأساءوا، فقال: (بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان). لأن من عرف الله خافه في كل زمان ومكان. وقال الحسن البصري رحمه الله: (أبى قوم المداومة، والله ما المؤمن بالذي يعمل الشهر والشهرين، أو العام أو العامين، لا والله، ما جعل لعمل المؤمن أجل دون الموت).

عباد الله: هذه أيامُ شهر رمضان تتقلص، ولياليه الشريفةُ تنقضي، شاهدةٌ بما عملنا، وحافظةٌ لما أودعنا، هي لأعمالنا خزائن محفوظة، ينادي ربنا يوم القيامة: (يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِـيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ) هذا هو شهرنا، وهذه نهاياته، كم من مستقبلٍ له لم يستكملهُ، وكم من مؤمل بعود إليه لم يدركهُ، هلا تأملنا الأجل ومسيرَهُ وهلا تبينا خداع الأمل وغرورَهُ.

أيها الأخوة والأخوات في الله: إن كان في النفوس زاجر، وإن كان في القلوب واعظ، فقد بقيت من أيام هذا الشهر بقية، بقيةٌ من عشره الأواخر، كان يحتفي بها نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم أيما احتفاء، فإذا دخلت العشر الأخيرة من رمضان، شمر وجدَّ وشدَّ المئزرَ، وهجر فراشه وأيقظ أهله، تحرياً لليلة القدر، يطرق الباب ليلاً على أبنته فاطمة وزوجها علي رضي الله عنهما قائلاً:(ألا تقومان فتصليان؟) يطرق الباب عليهما وهو يتلو: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ) ويتّجه صلى الله عليه وسلم إلى حجرات نسائه رضي الله عنهن آمراً: (أيقظوا صواحب الحجر، فرب كاسية في الدنيا عاريةٍ يوم القيامة) لم يكن نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم إذا بقي من رمضان عشرة أيام، يدع أحداً من أهله يطيق القيام إلا أقامه)... أيها المؤمنون: إن من رحمة الله تعالى بنا، أن اختصنا من بين سائر ليالي وأيام العام، بليلة القدر، إنها ليلة شرفها الله بأن أنزل فيها كتابه، أنزل فيها القرآن العظيم الذي بين أيدينا من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، وأخبرنا بذلك في قوله: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ) وفي هذه الليلة المباركة العظيمة، يحدث أمر عظيم، يقول عنه الخبير اللطيف: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) أي: في هذه الليلة المباركة يقضى ويفصل كل أمر أحكمه الله تعالى في تلك السنة إلى مثلها من السنة الأخرى، من مقادير العام وما يحدث فيه، وما يكون فيه من الآجال والأرزاق والأحداث، قال بذلك غير واحد من السلف الصالح.. فعجباً لعبد تكتب مقاديره، وما يحدث له طوال العام، وهو في حالة غفلة عن الله عز وجل، وما أسعد عبداً كان في تلك الليلة مقبلاً مناجياً لربه ومولاه… هذه الليلة أكرمنا الله فيها بالأجر المضاعف العظيم، يقول سبحانه: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) فما أعظمها من منحة، وما أكرمها من عطية، ليلة واحدة تقومها لله تكون خيراً لك من عمرك كله، خير لك من ثلاثة وثمانين عاماً وربع العام، فأنت قد لا تعمر حتى تصل الثمانين، وإن وصلت فهل ستنفق عمرك كله في العبادة؟ يقول صلى الله عليه وسلم: (تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي العَشْرِ الأوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ). فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتحري هذه الليلة في العشر الأواخر، ثم خص من العشر الليالي الوتر منها، وهي ليلة إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين وخمس وعشرين، وسبع وعشرين، وتسع وعشرين. وأرجى لياليها هي ليلة سبع وعشرين.. ولم يحددها النبي صلى الله عليه وسلم بليلة محددة، ليجتهد العباد في طلبها ويجٍدوا في العبادة، وحتى يظل الأمل موجوداً عند العباد في فضل الله تعالى وكرمه وعفوه ومنته.. فاغتنموا رحمكم الله بقية عشركم هذه طلباً لها، واشغلوها بالصلاة والقيام والذكر وقراءة القرآن، وعُجُّوا بالدعاء؛ فقد قال ربكم عز شأنه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ، فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي

وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) تقول أمُ المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله، أرأيتَ إن علمتُ ليلة القدر ماذا أقول فيها؟ قال قولي: (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني)، اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا.

نسأل الله تعالى أن يمن علينا بالقبول والمغفرة والعتق من النار بمنّه وكرمه، وأن يبلغنا ليلة القدر ويوفقنا لقيامها، وأن يجبر كسرنا على فراق شهرنا، ويعيده علينا وعلى بلادنا أعواماً عديدة، وأزمنة مديدة، وعلى الأمة الإسلامية وهي ترفل في حلل العز والنصر والتمكين، وقد عاد لها مجدها وهيبتها بين العالمين، إنه خير مسؤول وأكرم مأمول.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد فيا المسلمون والمسلمات: جمعتكم هذه آخر جمعة من رمضان، فانظروا ماذا أودعتم فيه من الأعمال، فمن أودعه عملاً صالحاً فليحمد الله على ذلك، وليُبْشِر بِحُسْنِ الثوابِ، فإن الله لا يضيعُ أجرَ مَنْ أحسنَ عملاً، ومن أودَعه عملاً سيئاً، فَليتُبْ إلى ربِّه توبةً نصوحاً، فإن الله يتوبُ على من تاب.

 عباد الله: إن انقضاء شهر رمضان بهذه السرعة، آية للمعتبرين، وليس الأمر فقط في رمضان، بل في أيامنا كلها، فنهاية الأمر تلوح قبل بدايته، وإن ذلك من حكم الله تعالى حتى يعلم المسلم والمسلمة أنه راحل ومنتهي، كما انتهى ورحل غيره، بل وعلى وجه العجلة، فهذا شهر رمضان تصرم وانقضى في أسرع وقت، فبهذا يوقن العبد أن عمره منتهٍ بهذه السرعة وهو لا يشعر، فرمضان صورة مصغرة لعمرك الذي تراه طويلاً لا نهاية له، فيا سعادة من عمره بالطاعة وأتقى الله فيه، فرمضان مدرسة عظيمة يتعلم فيها المسلم والمسلمة كلَ خلق كريم، و يتجنب كل خلق سيء ذميم، فيخرج الموفق من هذا لشهر كاملاً في الخير، فإن من حكم الصيام تحصيل التقوى، فمن حصل التقوى من صيامه فليبشر بالخير ومن خرج من هذا الشهر الكريم كما دخل فيه، فإنه في عداد المخذولين أعاذنا الله وإياكم من ذلك.

أيها الأخوة والأخوات في الله: اعلموا رحمكم الله، أن الله شرع لكم في ختام شهركم أعمالاً عظيمة، تسدُّ الخلل، وتجبر التقصير، وتزيد المثوبة والأجر، فندبكم في ختام شهركم إلى الاستغفار والشكر والتوبة، فقال تعالى:  (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) كما شرع لكم زكاة الفطر شكراً لله على نعمة التوفيق للصيام والقيام، وطهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، وتحريكاً لمشاعر الأخوة والألفة بين المسلمين، وهي صاع من طعام من برّ أو نحوه من قوت البلد كالأرز وغيره، فيجب إخراجها عن الكبير والصغير والذكر والأنثى من المسلمين، ويستحب إخراجها عن الحمل في بطن أمه، والأفضل إخراجها ما بين صلاة الفجر وصلاة العيد، وإن أخرجها قبل العيد بيوم أو يومين فلا حرج إن شاء الله.

 ولا بأس في دفع القيمة في زكاة الفطر، وقد جوز إخراج القيمة جمع من العلماء والأئمة الأعلام (ومقدارها دينار ونصف)، فأدوا رحمكم الله زكاة الفطر طيبة بها نفوسكم، وادفعوها إلى مستحقيها من الفقراء والمساكين والأرامل والأيتام والمحتاجين ونحوهم، وراقبوا الله فيها وقتاً وقدراً ومصرفاً فقد أعطاكم مولاكم الكثير وطلب منكم القليل. واشكروا ربَّكم على تمامِ فرضكم، وابتهجوا بعيدكم بالبقاء على العهدِ وإتباع الحسنةِ بالحسنة، وإيّاكم والمجاهرةَ في الأعياد بقبيح الفعال والآثام، يقول أحد السلف: كلّ يوم لا يُعصَى الله فيه فهو عيد، وكلّ يوم يقطعه المؤمن في طاعة مولاه وذكره فهو عيد. تقبل الله منّا ومنكم صالحَ الأعمال، وجعلنا وإيّاكم والمسلمين جميعاً مِن عتقائه من النّار، إنّه سميع مجيب الدعاء.

اللهم اختم لنا شهر رمضان برضوانك، والعتق من نيرانك، وجد علينا بلطفك وامتنانك، وهب لنا ما وهبته لأوليائك، اللهم اجعلنا ممن قبلت صيامه، وأسعدته بطاعتك فاستعد لما أمامه، وغفرت له زلله وآثامه. اللهم أعد علينا رمضان أعواماً عديدة، وأزمنة مديدة، اللهم وفقنا لتدارك بقايا الأعمار، وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار اللهم ارزقنا الاستقامة والعمل الصالح في رمضان وبعد رمضان يا رب العالمين... اللهم إن كان في سابق علمك أن تجمعنا في مثل هذا الشهر فبارك لنا فيه، وإن قضيت بقطع آجالنا وما يحول بيننا وبينه فأحسن الخلافة على باقينا، وأوسع الرحمة على ماضينا، وعمنا جميعاً برحمتك ورضوانك، واجعل الموعد بحبوح جنانك وغفرانك، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.

اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا وأجعله آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً، وسائر بلاد المسلمين.  اللهم جنبنا الشرور والفتن والمحن ما ظهر منها وما بطن، وأنعم علينا بالأمن والأمان والخير والرخاء والعزة والمنعة يا رب العالمين. اللهم وفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا سميع الدعاء.

اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان، ناصراً ومؤيداً وظهيراً، اللهم كن لهم في فلسطين وغزة وفي كل مكان، اللهم فك الحصار عنهم وآوهم وأطعمهم واسقهم واكسهم وانصرهم على عدوهم، وثبت أقدامهم واشف مرضاهم وداوي جرحاهم وتقبل شهدائهم، فلا ملجا لهم ولا منجا إلا أنت... اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا، وارحم والدينا وارحم موتانا، برحمتك يا أرحم الراحمين.

الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)