خطبة الجمعة.. الوصية وأهميتها في حياة المسلم

الوصية وأهميتها في حياة المسلم

فضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان

28 رجب 1445 هـ – 9 فبراير 2024 م

—————————————————————————

الحمد لله منّ على كثير من الناس بالأموال وجعلها قياماً للناس في مصالح الدنيا والدين، ونظّم لهم اكتسابها وتصريفها والتصرف فيها تنظيماً عادلاً مستقيماً لا يضاهيه شيء من النظم والقوانين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ملك يوم الدين، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله المصطفى على جميع الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله عز وجل، فهي الزاد في الدنيا والآخرة، وبها النجاة يوم القيامة (يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)

معاشر المسلمين: من رحمة الله تعالى بعباده أن فتح لهم أبواباً من الخير تبقى لهم بعد موتهم، بيّنها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله، كما في الحديث الصحيح، حيث قال: (إذا مات ابنُ آدمَ انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ:  صدقةٍ جاريةٍ، أو علمٍ ينتفعُ به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له) ولعل من أعظم ما يضبط ويعين على تحقيق هذه الأعمال: الوصيةُ الشرعية، التي حث عليها الشرع الحنيف، ورغّب في كتابتها، وحذّر من الجور والظلم فيها… ولما كان كثيرٌ من الناس -مع الغفلة، وربما الجهل- يفرط في هذا الموضوع المهم، كان لا بد من تذكير بشيء من أحكامها، حتى يكون المسلم على بيّنة من أمره فيما يأتي ويذر في هذا الموضوع المهم..  فالوصية التي هي: التبرع بالمال بعد الموت لها شأن في كتاب الله تعالى، تأمل قوله عز وجل: (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ) وقوله تعالى: (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ)

وفي الصحيحين من حديث عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال صلى الله عليه وسلم: (مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يُوصِيَ فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ) قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: ما مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قالَ ذلكَ إِلَّا وَعِندِي وَصِيَّتِي.) يقول الإمام الشافعي رحمه الله: من صواب الأمر للمرء ألا تفارقه وصيتُه.. ومن أعظم فوائد تحرير الوصية: امتثال الأمر الشرعي؛ وبراءة الذمة، وحماية الأموال، ورعاية القُصّر، إلى غير ذلك من الفوائد… ومما ينبغي أن يُعْلم -أيها المسلمون- أن الوصية تجب في أحوال، وتستحب في أحوال، وتحرُم في أحوال، وتُكرَه في أحوال أخرى:  فأما حال وجوبها: فعندما يكون على الإنسان ديون أو حقوق لغيره لا يعلم بها إلا هو وصاحبُ الحق، فهنا يجب عليه أن يكتب وصيته لتثبيت الحق لصاحبه، ولقطع الخصومة التي تنشأ غالباً في مثل هذه الأحوال بسبب عدم قدرة، صاحب الحق على إثبات حقه، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

أيها الراغبون في استمرار أعمالهم بعد مماتهم: وإذا كان الموصي غنياً، وذا جِدةٍ وغنى في ماله وورثته مستغنين؛ فيستحب له أن يوصي بشيء من ماله، على ألا يتجاوز الثلث؛ ليكون صدقة جارية له بعد موته. فإن كان الورثة محتاجين، والمال قليل؛ فيكره له أن يوصي بشيء من ماله، لقوله صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيحين من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:( إنَّك إنْ تَذَرْ وَرَثَتَك أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ).. وهنا تبرز عظمةُ هذا الدين بضبط العواطف التي تحيط بالناس في مثل هذه الأحوال، ليوازن بين مصلحة الحي ومصلحة الميت، وليبين السبيلَ الأعظم أجراً، ولئن كان المرء يُؤجَر على كل كبدٍ رطبة، ولو كانت حيواناً، فكيف بالورثة الذين هم أحق الناس بمال مورِّثهم.. وليس هذا فحسب، بل إن الشرع حرّم صوراً من الوصية، وضابطها: وجود الضرر، ومن صورها: أولاً: الزيادة على الثلث: لقوله صلى الله عليه وسلم: (الثلث، والثلث كثير) كما في حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه السابق..

ثانياً: ألا تكون الوصية لوارث: فإن الله تعالى قال بعد آيات المواريث: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) وقال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْطَى كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ، فَلَا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ)

ثالثاً: ومن صور الإضرار بالوصية -عياذاً بالله-أن يقِرَّ بكلِّ ماله أو بعضه لغير مستحقٍّ، أو يُقِرَّ على نفسه بدَين لا حقيقة له؛ من أجل أن يمنع الوارث من حقِّه! أو يبيع شيئاً بثمنٍ بخسٍ، أو يبيع بيعاً صورياً، أو يشتري بثمنٍ فاحشٍ من أجل أن يضر بالورثة ويمنعهم حقوقهم أو يبخسها.. سبحان الله عباد الله! كيف يتجرأ ذلك المخذول ليضار في وصاياه، وهو في حالة إدبار من الدنيا وإقبال من الآخرة؟ وفي حال يصْدق فيها الكذوب، ويتوب فيها الفاجر، وأي قسوة أشد من هذه القسوة!  فنعوذ بالله من الخذلان. إذا تبين ذلك -أيها الإخوة- فعلى مَن أُوكِل إليه أمر الوصية أن يبادر إلى تنفيذها، والعمل بها، ويجب ذلك إذا حلّ زمن الموصى به، كدَين ونحو ذلك، ولا يحل للموصى أن يتساهل بالوصية -كما هو حال بعض الناس وللأسف الشديد… وينبغي لمن أراد الوصية أن يكتبها واضحةً في لفظها ومعناها، مجودةً في كتابتها، عادلةً في شهودها؛ من أجل أن تُحمد سيرتُه، وتُحفظ حقوقُه، ولا يبقى أهلُه من بعده في شجار وخلافات ومنازعات، ويلقى ربَّه وقد أدى ما عليه، وأبرأ ذمته، وابيضت صحيفتُه، وحسنت بإذن الله خاتمته، وخف في الآخرة حسابُه، ومن قصَّر فقد تعرض لحرمان الثواب، وأهمل في براءة الذمة.. وليُعلم -وفقكم الله-: أن وجوه البر كثيرة، مِن فقراء الأقارب غير الوارثين، وعمارة المساجد وخدمتها، وبناء المساكن والشقق للفقراء والمحتاجين من أهل الفضل والصلاح، وقضاء ديون المعسرين، والصدقة على المحتاجين، وتزويج الشباب غير القادرين، والإنفاق على طلبة العلم، وطبع المصاحف، وتعليم القرآن، والدعوة إلى الله للمسلمين وغير المسلمين، وسقي الماء وتعبيد طرق المسلمين وطبع الكتب المفيدة ونشرها، والوصية بالحج والأضاحي عن نفسه وغيره، وهذا الباب بفضل الله واسع، ووجوه البر فيه لا تنحصر. وإن من التحجير الذي لا ينبغي، وقد درج عليه كثيرٌ من الناس عندنا أن يحصروا الوصية في أمورٍ غيرُها أهم منها بكثير، فترى بعضَهم يَقصُر وصيته على أضحية أو قراءة قرآن له، أو تفطير للصائمين في رمضان، وهذا وإن كان يؤجر عليه المسلم إلا أن نفعه ضعيف وقاصر، خاصة في هذا الزمان الذي اتسعت على أكثر الناس أرزاقهم.

وكم هو جميل وحَسَن أن نسأل ونستشير غيرَنا من أهل العلم والعقل في موارد أعظم للأجر، ونفكر في سُبُلٍ يمتد أثرُها، ويعظم نفعها، خاصة مع ازدياد حوائج الناس، وتنوّع مصارف البِر في هذا الزمان.

وإني ضارب لكم مثلاً أملاه الواقع: ذلك أن شريحة من المجتمع ليست بالقليلة -سواءٌ كانت من المواطنين أو من إخواننا الوافدين- لا تقدر على دفع تكاليف العلاج اللازم لبعض الأمراض التي تنوعت وكثرت في هذا العصر، وقد وقفت بنفسي على حالاتٍ من ذلك، فأسألكم بالله: أيهما أكثر نفعاً، وأعظم أثراً، تفطير للصائمين في رمضان ربما كلّف أكثر من مئة دينار! يوضع لأناس شباع لا يجد أحدُهم مكاناً للأكل والشراب، أم دفع قيمة ذلك الطعام لجمعية خيرية مثلاً، أو للمستشفى الخاص لتنفق منه على علاج المرضى الذين لا يجدون ما ينفقون، وربما فاضت أعينهم من الدمع والألم حزناً ألا يجدوا ما ينفقون؟

إن ما يسمى بالوقف الصحي لتَدعو إليه الحاجة اليوم، بل الضرورة، وإن أجره لعظيمٌ عند الله يومَ أن يكتب اللهُ على يدك تفريجَ كربة مريض، وتنفيس لوعةِ المرض عنه، وتخفيف شدة الألم الذي أصابه بوصوله إلى العلاج عن طريق مالك الذي أوصيتَ به!

أيها الأخوة والأخوات في الله: هذان تنبيهان مهمان يتصلان بموضوع الوصية، أجملهما فيما يلي: التنبيه الأول: يظن أكثرُ الناس أن الوصية بالثلث أفضل، وهذا في الواقع وهمٌ! فإن النبي صلى الله عليه وسلم حينما ألحّ عليه سعدٌ رضي الله عنه بأن يأذن له أن يوصي بماله أبى عليه، ثم بنصفه أبى عليه، ثم لمّا قال: (بثلث مالي) قال له صلى الله عليه وسلم: (الثلث، والثلث كثير). ولقد فهِم هذا أكابرُ أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا أسبق الناس إلى الإيمان والبذل والإنفاق: أبو بكر الصديق رضي الله عنه، لم يوصِ إلا بخمس ماله فقط، وقال: (أرضى من مالي بما رضي الله به من غنائم المسلمين) وهذا حَبر الأمة، وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يقول كما في الصحيحين: لو أن الناس غضّوا (أي نقصو) من الثلث إلى الربع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:(الثلث، والثلث كثير) وقد حكى أبو عبد الرحمن السلمي رحمه الله عن الصحابة رضي الله عنهم، أنهم كانوا يكرهون أن يوصى بالثلث، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (والثلث كثير). يقول أهل العلم: (فإذا أوصى الإنسانُ بالربع أو بالخمس كان أفضل من الثلث، ولا سيما إذا كان المال كثيراً، وإن أوصى بالثلث فلا حرج عليه)التنبيه الثاني: ينبغي للموصِي أن يوسّع في وصف المصرف، بحيث يقول في عبارة وصيته مثلاً: (أوصي بخمس مالي يُصرَف في أعمال البر فيما يناسب الزمان والمكان، والأحوال والأشخاص، ويتولى ذلك فلانٌ حسب ما يراه مناسباً ونافعاً)، نقول هذا؛ لأن بعض الموصين هداهم الله يحجِّر كثيراً في وصيته! حتى لا يكاد يُستفاد من الوصية إلا في نطاق ضيق جداً.. وهناك تفاصيل يطول ذكرها في هذا الموضوع يحسن السؤال عنها، وكم هو حسنٌ إذا أراد الواحد أن يوصي أن يذهب لطالب علم أو عالم فقيه أو مكتب مختص يُعيْنه على كتابة الوصية على الوجه الشرعي، وقد يشير عليه برأي غائبٍ عن ذهنه أو يدله على مصرف أحسن مما في ذهنه، ختاماً ما أجمل أن يجد الأبناءُ في وصية والدهم وصيةً كتلك الوصية التي أوصى بها يعقوب عليه السلام بنيه حين حضرته الوفاة: (أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) إنها وصايا قد لا يدرك كثيرٌ من الآباء أثرَها العظيم على نفوس أبنائهم وسلوكهم طيلة حياتهم.

رزقنا الله وإياكم الفقه في دينه، والبصيرة فيه، كما نسأله تعالى أن يطرح البركة فينا جميعاً، وفي ذرياتنا وأموالنا، وأن يجعلنا وإياكم ممن امتد أجرهم وثوابهم بعد مماتهم.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله الذي أمر بالوصية، وحذر من الجور والظلم، الذي خلق الموت والحياة؛ ابتلاء لعباده واختباراً، فمن أطاعه دخل الجنة، ومن عصاه فقد أبى الطريق السوية، ونشهد أن لا إله إلا وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان.

أما بعد فيا أيها المسلمون والمسلمات: اعلموا رحمكم الله أن الجور في الوصية، والإضرار فيها دليل واضح على سوء الخاتمة عياذاً بالله، لأن الإنسان حينما يكون في آخر لحظات عمره مودعاً لهذه الدنيا يجب عليه أن يكون في تلك اللحظات أقرب الناس إلى الله، وأبعدهم عن كل معصية ولو كانت صغيرة من صغائر الذنوب؛ فكيف بمن يكون في تلك اللحظات الوداعية مرتكباً لأشنع الذنوب وأعظمها وهو الظلم الذي حرمه الله عز وجل ونهى عنه وتوعد أهله في كثير من الآيات في كتابه العزيز؟! يقول الله تبارك وتعالى: (وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً)

فأي خسران وخيبة سيجدها من يحمل الظلم ويرتكبه في آخر لحظات حياته ويختم له به؟

عباد الله: إن صور ومظاهر الإضرار في الوصية كثيرة وعديدة ومن أشهرها:

أن يوصي الموصي في وصيته بحرمان بعض الورثة من الإرث، ويطلب منهم أن لا يعطوا فلاناً وفلاناً شيئاً من تركته، وهذا أعظم الحيف وأكبر أنواع الظلم في الوصية؛ لأن هؤلاء الذين أوصى بمنعهم وحرمانهم قد أعطاهم الله وقسم لهم؛ فكيف يأتي هذا الموصي ويوصي بحرمانهم وقد أعطاهم الله عز وجل؟ إنه التألي على الله والتعالي على أحكامه والكبر والحسد والحقد والشحناء والبغضاء… وللعلم فإن مثل هذه الوصية لا تجوز ولا يجوز تنفيذها، إذ لا يجوز لأحد أن يوصي بإلغاء أمر لزمه شرعاً، وهذه الوصية لا تجوز شرعاً لأنها مصادمة لنصوص الشريعة الإسلامية، فلا يعمل بها، ولا يجوز تمريرها ولا تطبيقها وتنفيذها.

عباد الله: ومن مظاهر الجور في الوصية: أن يوصي بحرمان الإناث من الميراث، وهذه ظاهرة جاهلية منتشرة في كثير من بلدان المسلمين، يعتبرون المرأة لا حظ لها في الميراث، وليس لها منه شيء، وهذا حيف عظيم وجور كبير، وكأنهم لا يقرأون القرآن الكريم الذي يقول: (لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) ومن يوصي بحرمانهن فإنه قد عارض القرآن الكريم واعترض على أمر الله، ومن يعترض على أمر الله فإن خاتمته سيئة والعياذ بالله وما سيلقاه بعد موته أخزى وأسوأ.

عباد الله: ومن مظاهر الجور في الوصية: أن يوصي الشخص بأمور لم يأمر بها الله، ولم يفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يأمر بها أصحابه الكرام رضي الله عنهم، من البدع والخرافات والمحرمات والشركيات، مخالفاً قول الله سبحانه وتعالى: (أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) فنبي الله إبراهيم عليه وعلى نبينا أزكى الصلاة والتسليم يوصي أبنائه عند موته بالتوحيد والانقياد والطاعة وهذا يوصي بعكس ذلك تماماً؛ فهل سمعتم بخاتمة سيئة كهذه؟

أيها المسلمون: ومن مظاهر الجور في الوصية: أن يوصي لوارث؛ لأنه لا وصية لوارث أبداً، فالله قد أعطى الورثة حقوقهم، وبيّن أنصبتهم وحظوظهم، فلا يجوز لأحد أن يُوصي لورثته.

فاتقوا الله -عباد الله- واجعلوا وصاياكم كما شرع الله، ولا تتعدوا حدود الله، وإياكم والظلم والجور في الوصية؛ فإنه المهلكة والخاتمة السيئة عياذاً بالله.

 نسأل الله أن يجنبنا ذلك، ونسأل الله لنا ولكم خاتمة الإحسان. اللهم أعنا على عمل الخيرات، واغفر لنا التقصير والتفريط والزلل، ووفقنا لكل عمل صالح يرضيك عنا يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم إنا نسألك من خير ما سألك منه عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحون ونعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك ورسولك محمد صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحون.. اللهمَّ أصلِحْ لنا ديننا الذي هو عِصمة أمرنا، وأصلِحْ لنا دُنيانا التي فيها معاشنا، وأصلِح لنا آخرتنا التي إليها معادنا. اللهم اجعل الحياة زيادةً لنا من كل خير، واجعل الموت راحةً لنا من كلِّ شرٍّ يا ربَّ العالمين.

اللهم أعز الإسلام وانصر والمسلمين اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين

 اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.. اللهم وفق ولاة أمورنا وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين

اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم كن لأهلنا في فلسطين وغزة وفي بيت المقدس كن لهم معيناً ونصيراً وظهيراً، اللهم فرج همهم ونفس كربهم وخفف عنهم آلامهم يا أكرم الأكرمين… اللهم أفرغ عليهم صبراً، وثبت أقدامهم وانصرهم على القوم الظالمين، اللهم آوهم وانصرهم وثبتهم وأطعمهم وأسقهم واكسهم واجبرهم وتولهم، اللهم نجهم واحفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم ونعوذ بعظمتك أن يغتالوا من تحتهم، اللهم كن معهم وانصرهم على القوم المعتدين.

اللهم اشفِ مرضانا، وعاف مبتلانا، وارحم موتانا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا.. اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان يا سميع الدعاء.

 الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)