خطبة الجمعة.. النذير المبين لمن جاوز الستين

النذير المبين لمن جاوز الستين

فضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان

16 جمادى الآخرة 1445 هـ – 29 ديسمبر 2023 م

————————————————————————-

الحمد لله العلي القدير، السميع البصير، الذي أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً، وهو اللطيف الخبير، علم ما كان وما يكون وخلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نرجو بها النجاة في يوم النشور، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، البشير النذير والسراج المنير، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أمّا بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى :(وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)

معاشر المسلمين: الدنيا دار ممر وليست بدار مقر، والعمر قصير وإن هو طال، والبقاء في هذه الدار محدود وإن امتد، وكل حي مصيره إلى الفناء، وكل موجود فهو إلى العدم والزوال، وصدق الله العظيم: (كُلُّ مَن عَلَيهَا فَانٍ، وَيَبقَى وَجهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ وَالإِكرَامِ).. عباد الله:  نؤمن بهذا جميعاً ولا نشك فيه أبداً، بل حتى غير المسلمين والملحدين، قد تيقنوا أن لا بقاء لهم على الأرض، وأن مصيرهم إلى الزوال، غير أن الفرق بين مؤمن بربه وملحد مكذب، أنه إذا كان الملحد يعتقد أن الموت هو النهاية  ومن ثم فهو يحرص أشد الحرص على ما جمع من دنياه وحازه من متاعها، ويندم على ما فاته من زخارفها وشهواتها، فإن المؤمن موقن بأن الموت هو البداية لحياة الإنسان الحقيقية، إما في نعيم أبدي، وإما في عذاب سرمدي، يقول تبارك وتعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُم فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ، خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ، وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيرَ مَجذُوذٍ)  ومن ثم فإن المؤمن على هذه الأرض يمشي مشي مسافر مكتفياً من زاد الدنيا بما يبلغه غايته، متذكراً في ذلك قول القدوة والأسوة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، حِينَ دَخَلَ عَلَيهِ الفاروق عُمَرُ بن الخطاب رضي الله عنه وَهُوَ عَلَى حَصِيرٍ قَد أَثَّرَ في جَنبِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ لَوِ اتَّخَذتَ فِرَاشًاً أَوثَرَ مِن هَذَا! (أي أنعم وألين) فَقَالَ: بأبي هو وأمي (مَا لي وَلِلدُّنيَا مَا مَثَلِي وَمَثَلُ الدُّنيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ سَارَ في يَومٍ صَائِفٍ، فَاستَظَلَّ تَحتَ شَجَرَةٍ سَاعَةً ثم رَاحَ وَتَرَكَهَا) إن اليقين بالرحيل والموت عباد الله أمر مسلم به، لا يختلف فيه مسلمان ولا يتمارى فيه مؤمنان ، إلا أن العاقل يلحظ أن ثمة غفلة شنيعة قد أطبقت على القلوب في زماننا هذا، وإعراضاً استولى على النفوس وملك زمامها وأخذ بخطامها حتى أذعنت لعدوها الشيطان وأعرضت عن عبادة الرحمن، وتهاونت بالطاعة، وتمادت في العصيان، وإن هذه الغفلة وإن كانت مؤلمة وموجعة متى ما حصلت ممن يوقن أن الموت حق والساعة حق، وأن الجنة حق والنار حق، وأن الله يبعث من في القبور، ويحصل ما في الصدور، فهي أشد إيلاماً ومرارة حين تحصل ممن جاوز الخمسين أو الستين أو أكثر، وتوالت عليه النذر وبان فيه أثر السنين، فاشتعل الرأس شيباً وابيض العارضان، واحدودب الظهر، وجفت الركبتان، وثقل السمع، وضعفت العينان، وقل النوم منه والرقاد، وكثر في الفراش التململ وطال السهاد، ومات الأقران والأصحاب وذهب الخلان، وتتابعت عليه حوادث الزمان، ومرت به أحداث وفواجع ومصائب وحادثات وحصلت له متغيرات ومتغايرات، فعايش فقراً وغنى، وأدرك خوفاً وأمناً، وذاق سروراً وحزناً، ولبس عافية وبلاء، وطعم شفاء وسقماً، عركته الحياة بهمومها وأحزانها، وذاق منها ما ذاقه من كدرها، عرف كثيرين من أقارب وأباعد، وصحب من صحب وشاهد من شاهد، ثم فرق بينه وبينهم الموت، ومضوا إلى الآخرة وتركوه ينتظر، فيا أيها المسلمون، يا من بلغتم الخمسين أو الستين أو أكثر، وأقبلتم على معترك المنايا، راجعوا أنفسكم، وتأملوا مسيرتكم، فلعل لدى أحدكم مظهراً أو أكثر من مظاهر الغفلة التي لا تليق بالكهول والشيوخ. إنه لعيب والله وأي عيب، وخسارة فادحة ومصيبة موجعة، أن ترى من تجاوز الخمسين أو بلغ الستين وأكثر، وهو ما يزال في غفلة الصبا وسكرة الشباب، لا يهتم بصلاة في جماعة، ولا يحرص على صلاة فجر أو تبكير لجمعة، يتشاغل عن الفرائض والمكتوبات، ويزهد في النوافل والمسنونات، شديد على الدنيا حرصه، قليل بالآخرة اهتمامه، ثم هو مع ذلك ما زال يقارف بعض الكبائر والمحرمات، ويصر على الصغائر والمحقرات، فتراه إما مدمناً على شرب المسكرات أو المخدرات والمفترات، أو قاطعاً للرحم هاجراً للقرابات أو آكلاً للربا، والغاً في الحرام والمشتبهات، فيا لها من غفلة عظيمة وبلاء مستطير، أن يغفل الكهل والشيخ عن قول العلي الكبير: (أوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ) وَعَن قَولِ البَشِيرِ النَّذِيرِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ: (أَعذَرَ اللهُ إِلى امرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً) وفي رواية: (من أتت عليه ستون سنة فقد أعذر الله إليه في العمر). والإعذار هو إزالة العذر، والمعنى أنه لم يبق له اعتذار كأن يقول: لو مد لي في الأجل لفعلت ما أمرت به؛ لأن الله عز وجل بلغه أقصى الغاية في العذر، ومكنه منه، وإذا لم يكن له عذر في ترك الطاعة مع تمكنه منها بالعمر الذي حصل له فلا ينبغي له حينئذ إلا الاستغفار والطاعة والإقبال على الآخرة بالكلية. أجل أيها المسلمون إن من بلغ الستين فقد تم عذره، وقامت عليه الحجة، ولم تبق له شبهة، لأنه رأى وسمع من دلائل الحق، ومواعظ الإيمان، ومشاهد العبرة، ما لا يغفل بعده إلا منتكس الفطرة ميت القلب، يقول صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وآله وَسَلَّمَ: (أَعمَارُ أُمَّتي مَا بَينَ السِّتِّينَ إِلى السَّبعِينَ، وَأَقَلُّهُم مَن يَجُوزُ ذَلِكَ) وقد لحق نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، بالرفيق الأعلى وودع الدنيا وهو ابن ثلاث وستين سنة وعلى مثل تلك السن مات أبو بكر وعمر وعلي رضي الله عنهم وهكذا هي أعمار أمة محمد صلى الله عليه وسلم، من بلغ منهم الستين سنة، فكأنما قد استوفى حظه من السنين، وصار ما بعدها عطية وهبة، فإن لم يكن في كل يوم يحياه بعد ذلك يزيد اجتهاداً وتقرباً وطاعة، واستعداداً للموت وتهيئاً للقاء ربه، فهو في خسران مبين وضلال كبير، يقول صلى الله عليه وسلم: (خَيرُ النَّاسِ مَن طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ وَشَرُّ النَّاسِ مَن طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ)  إنه لا يليق بمن بلغ الخمسين أو الستين عباد الله إتباع الهوى واللهث وراء الشهوات، والإعراض عن الباقيات الصالحات  فقبيح بمن خارت قواه ووهن عظمه، وضعف رجاؤه من الدنيا وأقبل على الآخرة، وكادت شمسه تغيب ولم يبق في عمره مثل ما مضى منه، قبيح به أن يكون سفيهاً مفتوناً متشبباً، زاهداً في الحسنات متلطخاً بالذنوب والمعاصي والسيئات.

ما أحرى من هذا شأنه بالتوبة النصوح، وتجديد العهد مع الله، والإقلاع عن الذنوب صغيرها وكبيرها، والزهد في الدنيا قليلها وكثيرها، والهجرة إلى الآخرة والعمل على إحسان الخاتمة، والحرص على أن يموت على الطاعة، لا أن يبقى على الغفلة والشرود والهروب، حتى ينزل به الموت وهو في سكرته، ويختم له على أسوأ حال ويمضي بغصته عياذاً بالله، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا أَرَادَ اللهُ بِعَبدٍ خَيراً استَعمَلَهُ) قِيلَ: كَيفَ يَستَعمِلُهُ؟ قَالَ: (يُوَفِّقُهُ لِعَمَلٍ صَالِحٍ قَبلَ المَوتِ، ثم يَقبِضُهُ عَلَيهِ.) ويقول عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: (مَن مَاتَ عَلَى شَيءٍ بَعَثَهُ اللهُ عَلَيه)

قال الزاهد العابد الفضيل بن عياض رحمه الله لرجل: كم أتت عليك؟ أي كم بلغت من العمر؟ قال ستون سنة، قال: فأنت منذ ستين سنة تسيرُ إلى ربك يُوشِكُ أن تَبلُغَ وتصل، فقال الرجل: إنا لله وإنَّا إليه راجعون، فقال الفضيل: هل تعرف تفسير ما تقول: قال: لا ؟ قال : أنت لله عبد وإليه راجع، فمن علم أنه لله عبد، وأنه إليه راجع  فليعلم أنه موقوفٌ،  ومن علم أنه موقوف، فليعلم أنه مسؤول، ومن علم أنه مسؤولٌ، فليُعِدَّ للسؤال جواباً، فقال الرجل: فما الحيلةُ؟  قال يسيرة، قال ما هي؟ قال: تُحْسِنُ فِيمَا بَقِيَ، يُغْفَرُ لَكَ مَا مَضَى وَمَا بَقِيَ، فَإِنَّكَ إِنْ أَسَأْتَ فِيمَا بَقِيَ أُخِذْتَ بِمَا مَضَى وَمَا بَقِيَ.

أيها المؤمنون: إن المسلم إذا بلغ الكهولة أو الشيخوخة، لم يكن شيء أوجب عليه من الحرص على أداء الصلوات الخمس في بيوت الله، وأداء ما عليه من حقوق مالية لربه كالزكاة والنذر، أو للخلق كالديون والقروض ثم يكثر بعد ما استطاع من أعمال التطوع ونوافل العبادات بأنواعها، ويلازم الذكر ويكثر الاستغفار وقراءة القرآن ، ويبتعد عن مواطن الفتن ويجتنب أسباب الضلال، ويحذر مهلكات الحسنات ومحبطات الأعمال، ويجتهد طاقته ليترك له آثاراً حسنة، وأعمالاً طيبة جارية، يستمر بها ثوابه بعد مماته، يقول صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ مِمَّا يَلحَقُ المُؤمِنَ مِن عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعدَ مَوتِهِ: عِلماً عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَداً صَالِحاً تَرَكَهُ، أَو مُصحَفاً وَرَّثَهُ  أَو مَسجِداً بَنَاهُ، أَو بَيتاً لابنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَو نَهَراً أَجرَاهُ، أَو صَدَقَةً أَخرَجَهَا مِن مَالِهِ في صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ تَلحَقُهُ مِن بَعدِ مَوتِهِ) وَعَن عَبدِ اللهِ بنِ بُسرٍ رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنَّ رَجُلاً قَالَ:  يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ شَرَائِعَ الإِسلامِ قَد كَثُرَت علي فَأَخبِرْني بِشَيءٍ أَتَشَبَّثُ بِهِ، قَالَ: (لا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطباً مِن ذِكرِ اللهِ) أَلا فَاتَّقُوا اللهَ عباد الله (وَتُوبُوا إِلى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا المُؤمِنُونَ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ) اللهم ارزقنا حسن الخاتمة، وأعّذنا من سوئها، واجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، اللهم اجعل آخر كلامنا من الدنيا شهادة ان لا إله الا الله وأن محمداً رسول الله، وثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة برحمتك يا أرحم الراحمين.

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله، حكم بالفناء على هذه الدار، وأخبر أن الآخرة هي دار القرار، وهدم بالموت مشيد الأعمار، نحمده على نعمه الغزار، ونشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، حذر من الركون إلى هذه الدار، وأمر بالاستعداد لدار القرار، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها المسلمون والمسلمات: في انقضاء السنين تذكرة بحقارة الدنيا الفانية، فأين من تجبروا وتكبروا فيها، وأين من عمروا، وطالت أعمارهم، واراهم الثرى، ولم تبق إلا أعمالهم. كم من أناس عاشوا بيننا وماتوا أمامنا، فارقوا الدنيا وبقينا، وغداً نفارقها مثلهم، تخطانا ملك الموت إلى غيرنا، وغداً يتخطى غيرنا إلينا. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في وصية لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وللأمة كلها: (كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ، أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ)، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ: (إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرِ الْمَسَاءَ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ) كم من أناس ماتوا قبلنا كانت لهم آمال كآمالنا، ولكنهم لم يحققوها، بل باغتهم الأجل وفاجأهم هادم اللذات ومفرق الجماعات. وتلك سنة الله تعالى في خلقه، فلا مفر من هذا المصير المحتوم، والأجل الموعود، قال سبحانه: (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ) أيها الإخوة والأخوات في الله: ومن لم يغتنم عمره ندم عند بلوغ أجله وهناك لا ينفع الندم ولا تجدي الحسرات كما قال سبحانه: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) هؤلاء الذين لا يستعدون للنهاية، ولا يتزودون للآخرة، يقضون حياتهم في اللهو واللعب، سيعلمون يوم القيامة أن دنياهم كانت قصيرة كأنها حلم في منام، وكأنها ساعة مضت من نهار كما أخبر سبحانه في قوله: (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أو لُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إلا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إلا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ) فهذا هو حال الدنيا وهذا هو عمر الإنسان. عباد الله: إن الموفق من ينتهي عمره ولا تتوقف حسناته، لأنه ترك له أثراً دائماً من عمل صالح يجري له بعد الموت، من عِلم أو صدقة أو ولد صالح، كما قال صلى الله عليه وسلم: (إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له) فماذا أعددت أخي الكريم من هذه الأعمال ليجري عليك أجرك. فعمرك رأس مالك، وهو مزرعتك للآخرة، فزد في عملك في كل يوم فإن أجلك ينقص. قال عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه: (ما ندمتُ على شيءٍ ندَمِي على يومٍ غربَتْ شمسُه اقتَرَب فيه أجلي ولم يزدَدْ فيه عملي) وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: (ابْنَ آدَمَ طَأِ الْأَرْضَ بِقَدَمِكَ، فَإِنَّهَا عَنْ قَلِيلٍ تَكُونُ قَبْرَكَ، ابْنَ آدَمَ إِنَّمَا أَنْتَ أَيَّامٌ، فَكُلَّمَا ذَهَبَ يَوْمٌ ذَهَبَ بَعْضُكَ. ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ لَمْ تَزَلْ فِي هَدْمِ عُمُرِكَ مُنْذُ يَوْمِ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ) فوقت الإنسان وعمره أغلى من الذهب ولذلك كان الصالحون أحرص على أوقاتهم من حرصهم على أموالهم، قال الحسن البصري رحمه الله: أَدْرَكْتُ أَقْوَاماً كَانَ أَحَدُهُمْ أَشَحَّ على عُمُرِهِ مِنْهُ على دَرَاهِمِهِ وَدَنَانِيرِه)

عباد الله: هذا باب التوبة مفتوح، وقوافل التائبين تغدو وتروح، فالبدار البدار إلى توبة نصوح، قبل الممات والفوات، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً)، (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)

اللهم إنا نستغفرك من كل ذنب يمحق الحسنات ويضاعف السيئات ويحل النقمات ويغضبك، اللهم إنا نستغفرك من كل ذنب أذنبناه وتعمدناه أو جهلناه، ونستغفرك من كل الذنوب التي لا يعلمها غيرك، ولا يسعها إلا حلمك.. اللهم إنا نسألك حسن الختام، وأعالي الجنان، اللهم اجعل آخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله، اللهم ارزقنا عيش السعداء، وموت الشهداء، اللهم اجعل قبورنا روضة من رياض الجنة، اللهم اجعل خير أعمارنا أخرها، وخير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، اللهم أطل أعمارنا وأصلح أعمالنا، اللهم امنن علينا بتوبة نصوح قبل الموت، وشهادة عند الموت، ورحمة بعد الموت يا رب العالمين.

 اللهم اختم لنا بخاتمة السعادة، واجعلنا ممن كتبت لهم الحسنى وزيادة برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم اجعل آخر كلامنا من الدنيا لا إله إلا الله، اللهم ارزقنا عيش السعداء، وموت الشهداء، اللهم اجعل قبورنا روضة من رياض الجنة، اللهم اجعل خير أعمارنا أخرها، وخير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، اللهم أطل أعمارنا وأصلح أعمالنا، اللهم امنن علينا بتوبة نصوح قبل الموت، وشهادة عند الموت، ورحمة بعد الموت يا رب العالمين.

 اللهم اختم لنا بخاتمة السعادة، واجعلنا ممن كتبت لهم الحسنى وزيادة برحمتك يا أرحم الراحمين...  اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائرَ بلاد المسلمين، الْلَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أُمُوْرِنَا، الْلَّهُمَّ وفق مَلِكِنَا حَمِدَ بْنَ عِيْسَىْ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ رئيس وزرائه سلمان بن حمد، الْلَّهُمَّ وَفِّقْهُمْ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَىَ وَخُذْ بِنَوَاصِيْهِمْ لِلْبَرِّ وَالْتَّقْوَىْ وَسَدِّدْ عَلَىَ طَرِيْقِ الْخَيْرِ خُطَاهُمْ، وَهَيِّئْ لَهُمْ الْبِطَانَةَ الْصَّالِحَةَ الْنَّاصِحَةَ يَا رَبْ الْعَالَمِيْنَ..

اللهم كن لإخواننا المستضعفين المظلومين في فلسطين وغزة ناصراً ومؤيداً ومعيناً، اللهم أفرغ عليهم صبراً واحقن دمائهم وفرج همهم ونفس كربهم، وانصرهم على القوم الظالمين، اللهم آوهم وأطعمهم وأسقهم واكسهم واجبر كسرهم وتولهم، واحفظهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ومن فوقهم ونعيذهم بعظمتك أن يُغتالوا من تحتهم.

اللهم لا تسلط عليهم من لا يخافك ولا يرحمهم… اللهم ألف بين قلوبهم واجمع كلمتهم ووحد صفوفهم على من بغى عليهم.

اللهم أحفظ المسجد الأقصى والمرابطين فيه، مسرى نبيك وحصنه بتحصينك وأكلاه برعايتك وعنايتك واجعله في حرزك وأمانك وضمانك يا ذا الجلال والإكرام… اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا وعاف مبتلانا واشف مرضانا، واشف مرضانا وارحم والدينا، وارحم موتانا وارحم موتانا وشهدائنا برحمتك يا أرحم الراحمين.

الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)