خطبة الجمعة .. الأمنيات بين المشروع والممنوع

خطبة الجمعة .. الأمنيات بين المشروع والممنوع

لفضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان

30 جمادى الآخرة 1445هـ – 12 يناير 2024 م

————————————————————————–

الحمد لله خالق كل شيء، ورازق كل حي، أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً، وكل شيء عنده بأجل مسمى، نحمده سبحانه ونشكره، ونتوب إليه ونستغفره وهو بكل لسان محمود، ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وهو الإله المعبود، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الركع السجود، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى اليوم الموعود، وسلم تسليماً كثيراً.

 أما بعد: أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: للإنسان في هذه الحياة الدنيا مع نفسه أسرار وأمنيات، وتطلع وطموحات، فما من عبد إلا وقد طاف في هاجسه ألوان من الأماني، تختلف صورها باختلاف أهلها وأحوالهم، فالمريض يتمنى الصحة والعافية، والفقير يتمنى الغنى والثراء، والطالب يطمح للشهادة والوظيفة بعدها، هذا يتطلع للمسكن الواسع، وذاك يمني نفسه بالمركب الفاخر، وآخر تمتد عينه للمنصب والدرجة والرتبة العالية

 أماني وأماني لا تنقطع عن أهلها، وهم فيها ما بين مستقل ومستكثر؛ مستقل لا يقنع، ومستكثر لا يشبع، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول: (لَوْ كانَ لِابْنِ آدَمَ وادِيانِ مِن مالٍ لابْتَغَى ثالِثًا، ولا يَمْلَأُ جَوْفَ ابْنِ آدَمَ إلَّا التُّرابُ، ويَتُوبُ اللَّهُ علَى مَن تابَ)  فتعالوا إخوة الإيمان إلى حديث الأماني والأمنيات، وأحوالها وأحكامها، وخبر سلفنا معها، فالحديث عنها هو في الحقيقة حديث عن الحياة، حديث عن واقع ليس بخيال، فالأماني جزء من عيش العبد في دنياه، وكده وكدحه، ولأهمية هذا الموضوع أفرده علماؤنا بالتأليف، واقرؤوا إن شئتم كتاب التمني في صحيح البخاري. فبالأماني تتسلى النفوس، وتتحفز الهمم، ويبنى التفاؤل، ويصنع الأمل.

أُعَلِّلُ النَّفْسَ بِالْآمَالِ أَرْقُبُهَا

                                 مَا أَضْيَقَ العَيْشَ لَوْلَا فُسْحَةُ الأَمَلِ

أيها الأخوة والأخوات في الله: القلب مستودع الأماني، فبسلامته أو مرضه تصلح الأماني أو تفسد؛ يقول عليه الصلاة والسلام: (والقلب يهوى ويتمنى). الأماني سلاح ذو حدين، فإن تمنى العبد الخير والمعروف، فهي حسنات صالحات، وإن لم تعملها جوارحه، وإن تمنى الإثم والسوء فهي أوزار في صحيفته وشقاء لم يعمله… ويدل على هذا وذاك، ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ: عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالاً وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّاً، فَهَذَا بِأَفْضَلِ المَنَازِلِ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا، فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلَا يَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَخْبَثِ المَنَازِلِ، وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْماً فَهُوَ يَقُولُ: لَوْ أَنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ) أَيْ: فِي تَضْيِيعِ مَالِهِ وَصَرْفِهِ فِي وُجُوهِ الحَرَامِ، فهما في الوزر سواء.. وَإِذَا تَأَكَّد هَذَا فَإِنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْعَبْدِ أَنْ يُكْثِرَ مِنْ تَمَنِّي الصَّالِحَاتِ، فَكَرَمُ رَبِّهِ خَيْرٌ وَأَوْسَعُ، يقول صلى الله عليه وسلم: (إِذَا تَمَنَّى أَحَدُكُمْ، فَلْيَسْتَكْثِرْ، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ رَبَّهُ)

أيها المسلمون: وحين نورد القلوب مواعظ كتاب الله وسنة نبيه، نرى آيات الله تحدثنا عن أماني أهل الشقاء وأهل السعادة. نقترب من مشهد الآخرة، لنرى صوراً من الأماني متباينة، فإذا رأى كل إنسان عمله وما قدمت يداه، قال الكافر الشقي: يا ليتني كنت تراباً.. وصنف من أهل الشقاء يتحسر على علائق لم تبن على مرضاة الله، فينادي: (يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلاً) وَحِينَ يَرَى أَهْلُ الشَّقَاءِ العَذَابَ رَأْيَ العَيْنِ يَتَمَنَّوْنَ؛ (وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآَيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)

حَتَّى إِذَا دَخَلُوا دَارَ الشَّقَاءِ وَالبُؤْسِ وَالنَّكَالِ، وَذَاقُوا مَسَّ سَقَرٍ، تَمَنَّوْا حِينَهَا؛ (يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولاً) إنها زفرات وحسرات وأمنيات، ولكن لات حين مندم. وفي مشهد آخر من مشاهد الآخرة، نرى أمنيات أهل السعادة، فأقل أهل السعادة منزلة هو آخر أهل الجنة دخولاً، يدخل الجنة وقد انفهقت له وتزينت (أي أنفتحت واتسعت) فيقول له ربه: تمن، فيتمنى العبد ويتمنى، حتى إذا انقطعت به الأماني قال الله له: (ذَلِكَ لَكَ وَعَشْرَةُ أَمْثَالِهِ مَعَهُ).. وصنف من أهل السعادة باعوا أنفسهم لله، فودعوا دنياهم شهادة في سبيل الله، فيرون من الكرامة وحسن الحفاوة من ملائكة الرحمن ما يجعلهم يتمنون ويتمنون، يتمنون ماذا؟ يتمنون أن ترد أرواحهم في أجسادهم، حتى يقتلوا في سبيل الله مرة أخرى.

أيها المؤمنون: وهناك أمنيات محظورة نهى عنها الشرع، فواجب قفل القلوب دونها؛ حتى لا تتسرب إلى خلجات الصدور..

من هذه الأماني: تمني الموت، فهذا مما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:

(لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدَكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مُتَمَنِّياً فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِينِي مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيْراً لِي، وَتَوَفَّنِي مَا كَانَتِ الوَفَاةُ خَيْراً لِي) ومن الأماني المنهي عنها: تمني محاربة ومقاتلة الأعداء، يقول صلى الله عليه وسلم:  أيُّها النَّاسُ، لا تَتَمَنَّوْا لِقَاءَ العَدُوِّ، وسَلُوا اللَّهَ العَافِيَةَ، فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا، واعْلَمُوا أنَّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ، ثُمَّ قالَ: اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، ومُجْرِيَ السَّحَابِ، وهَازِمَ الأحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وانْصُرْنَا عليهم).

ومن الأماني المنهي عنها: تمنى زوال النعمة عن الغير وهي صفة إبليسية، ذمها القرآن، ونهى عنها، وأخبر أنها من خصال بعض الأقوام، يقول تعالى: (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) ويقول (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ)

عباد الله: وهناك أمنيات أخرى أثنى عليها الشرع، فامتثالها والسعي لبلوغها من المستحبات المؤكدة… من هذه الأمنيات: تمني الشهادة في سبيل الله، يقول صلى الله عليه وسلم: والَّذي نفسُ محمَّدٍ بيدِه لَودِدْتُ أنِّي أغزو في سبيلِ اللهِ فأُقتَلُ ثمَّ أحيا فأُقتَلُ  قالها ثلاثاً) ومن الأمنيات المستحبة: أن يتمنى المرء أن يكون من أهل القرآن ليحيا به آناء الليل والنهار، أو يكون من أهل الثراء والغنى، ليبذل نعمة المال في وجوه البر والإحسان، يقول صلى الله عليه وسلم: (لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ، فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ) ومن الأماني المشروعة: أن يتمنى المسلم الغنى فراراً من الفقر، فمع الغنى تكون الصدقة، ويكون البذل، وتسل سخائم الشح من النفوس، يسأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الصدقة أعظم أجراً؟  فيقول: (أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ شَحِيحٌ، تَخْشَى الْفَقْرَ وَتَأْمُلُ الْغِنَى، وَلَا تُمْهِلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ قُلْتَ: لِفُلَانٍ كَذَا وَلِفُلَانٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلَانٍ) ومن الأماني المستحبة: أن يتمنى العبد هداية الناس وحصول الخير لهم، لقد قص علينا القرآن الكريم خبر ذلك الرجل الذي جاء من أقصى المدينة يسعى، ناصحاً لقومه، مشفقاً عليهم، يناديهم: (يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا المُرْسَلِينَ، اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ) فَلَمَّا قَتَلَهُ قَوْمُهُ وَأَكْرَمَهُ رَبُّهُ بِالجَنَّةِ، قَالَ مُتَمَنِّيًا حَتَّى بَعْدَ مَوْتِهِ: (يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ المُكْرَمِينَ)

 أيها المسلمون: نعم ما كل ما يتمنى المرء يدركه، فقد يتمنى العبد أمنيات وأمنيات لا يبلغهن، لكن هناك أسباب تعين على بلوغ الأماني، وقد جعل الله لكل شيء سبباً؛ سواء أكانت هذه الأمنيات دنيوية محضة، أم مما يراد به ثواب الآخرة.

  فمن المعالم المعينة على إدراك الأمنيات: أن يكون المرء جاداً في تحقيق ما تمنى، عازماً للوصول إلى هدفه، أما إذا عدم الجد والصدق والعزم فما هذه الأماني إلا خواطر بطالين، وقديماً قيل:(الأَمَانِيُّ رُؤُوسُ أَمْوَالِ المَفَالِيسِ)

ومع الصدق والعزيمة لا بد من الصبر والإصرار والثبات على الطريق حتى يبلغ المرء مناه، ولله در القائل:

    لَأَسْتَسْهِلَنَّ الصَّعْبَ أَوْ أُدْرِكُ المُنَى

                                            فَمَا انْقَادَتِ الآمَالُ إِلَّا لِصَابِرِ

وإذا تحلى العبد بالجد والعزم، وتدثر بالصبر والإصرار، وصل بعد توفيق الله إلى مبتغاه. وإذا وصل إلى مناه، فليحمد الله، وإن كانت الأخرى فليحمد الله أيضاً؛ فتدبير الله أصلح، وقضاء الله خير.

          يُرِيدُ المَرْءُ أَنْ يُعْطَى مُنَاهُ

                                                 وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا مَا أَرَادَا

اللهم يا خير من سئل، وأجود من أعطى، وأكرم من عفى، وأعظم من غفر، وأعدل من حكم، وأوفي من وعد، وأسرع من حاسب وأرحم من عاقب، اللهم اعطنا كل سؤلنا وحقق أمانينا واقض حوائجنا ولا تمنعنا الإجابة، وانت القائل ادعوني استجب لكم فلا تحجب دعائنا برحمتك يا ارحم الراحمين.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد فيا أيها المسلمون والمسلمات: نقلت لنا دواوين السنة النبوية أن نبينا وقدوتنا محمداً صلى الله عليه وسلم، تمنى أمنيات عدة، تمنى الشهادة في سبيل الله، في سبيل رب الأرض والسماء، فقال: والذي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بيَدِهِ، لَوَدِدْتُ أنِّي أغْزُو في سَبيلِ اللهِ فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أغْزُو فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أغْزُو فَأُقْتَلُ).

وتمنى صلى الله عليه وسلم لو أن له مثل أحد ذهباً، فلا يأتي عليه ثلاث ليال إلا وقد أنفقه في سبيل الله. وتمنى هداية قومه؛ حتى قال له ربه: (فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ) وتمنى أن يكون أكثر الناس تبعاً له يوم القيامة. وتمنى رؤية إخوانه؛ يقول صلى الله عليه وسلم: وَدِدْتُ أنِّي قد رَأيتُ إخوانَنا، قالوا يا رسولَ اللَّهِ ألَسنا إخوانَكَ؟ قالَ: بل أنتُمْ أصحابي وإخواني الَّذينَ لم يَأتوا بعدُ وأَنا فرَطُهُم على الحَوض) أي أن النبي صلى الله عليه وسلم هو سابقهم ومتقدمهم على الحوض يوم القيامة، وهو حوض النبي صلى الله عليه وسلم الذي يسقي منه الواردين عليه من أمته..  وتمنى صلى الله عليه وسلم أن تكون أمته شطر أهل الجنة

 ومن أمنيات الأحياء إلى أماني الأموات، نعم يتمنى الأموات أمنيات، ولكنها أمنيات منسية ورغبات غير مقضية. لنستمع إلى شيء من أمنيات من استقبلوا الدار الآخرة، وردوا إلى الله مولاهم الحق. لقد أخبرنا ربنا أن الأموات يتمنون أماني، فأول ما يتمناه الموتى هو الرجوع إلى الدنيا، لا ليستكثروا منها، ولا ليزاحموا عليها، وإنما ليعملوا فيها صالحاً؛ (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ)

ومن أعظم الصالحات التي يتمناها الموتى هذه الصلاة، التي طالما قصرنا في أدائها، وفرطنا كثيراً في نوافلها إلا من رحم الله.

 مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى قَبْرٍ، فَسَأَلَ عَنْ صَاحِبِ هَذَا القَبْرِ، قَالُوا: فُلَانٌ، فَقَالَ: (رَكْعَتَانِ خَفِيفَتَانِ مِمَّا تَحْقِرُونَ يَزِيدُهَا هَذَا فِي عَمَلِهِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ بَقِيَّةِ دُنْيَاكُمْ). ومما يتمناه الأموات من العمل الصالح: الصدقة، تلك الحسنة التي وعد الله بمضاعفتها أضعافاً كثيرة؛ يقول سبحانه وتعالى: (وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) فيا من يملك نعمة الحياة، هذا خبر من سبقك لكأس المنون، فما خبرك أنت هنا؟ ها أنت في زمن الإمهال، ودار العمل التي يتمناها غيرك، فالغنيمة الغنيمة، اغتنم صحتك وفراغك فيما تبنيه غداً هناك. يا من يملك نعمة الحياة، استكثر من الحسنات، وباعد من السيئات، وكفر عما مضى من الذنوب والمعاصي والخطيئات

يا من يملك نعمة الحياة، زر المقابر، وتأمل ضيق القبور واللحود، واغف إغفاءة وتخيل أنك أنت أنت المجندل المدفون في هذه الحفرة، وقد أغلق عليك باللبن، وانهال عليك التراب، وفارقت الأهل والأحباب، فأصبحت رهين عملك، تتمنى ركعة أو سجدة أو صدقة أو تسبيحة، ولكن هيهات هيهات، رفعت الأعمال، وبقي البعث والعرض والحساب! فالأمر جد خطير، والشأن والله عظيم، ولا دار ثالثة إنما جنة ورحمة، وإما نار تلظى، وحسرة ليس فوقها ندم وحسرة

اللهم وفقنا للاستعداد ليوم الرحيل، ولا تجعلنا من الغافلين، ولا عند فراق دنيانا نادمين برحمتك وفضلك يا أكرم الأكرمين.

اللهم إنك تجيب المضطر، وتكشف السوء، وتغيث الملهوف، وتشفي السقيم، وتغني الفقير، وتجبر الكسير، وترحم الصغير، وتعين الكبير، وليس دونك ظهير ولا فوقك قدير، وأنت العلي الكبير، اللهم اوجب لنا بجودك عظيم الاجر، ودوام اليسر، واغفر لنا بمنك وإحسانك يا أرحم الراحمين.

اللهم يا سميع يا بصير يا من هو على كل شيء قدير، حقق أمنياتنا وبارك اللهم فيها، يا مسبب الأسباب، يا مفتح الأبواب، يا مجيب الدعوات، يا قابل الحاجات يا سامع الأصوات حقق لنا ما نريد فأنت على كل شيء قدير.

اللهمَّ إنِّا نعوذُ بك من الهمِّ والحزنِ، ونعوذ بك من العجزِ والكسلِ، ونعوذ بك من الجُبنِ والبُخلِ، ونعوذ بك من غلبة الدَّينِ وقهر الرجالِ.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.

اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعله آمناً مطمئناً سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين. اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم أعنهم على أمور دينهم ودنياهم.  وهيئ لهم من أمرهم رشداً، وأصلح بطانتهم ومستشاريهم ووفقهم للعمل الرشيد، والقول السديد، ولما فيه خير البلاد والعباد إنك على كل شيء قدير..

اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان ناصراً ومؤيداً ومعيناً، اللهم اجعل لأهل فلسطين وغزة النصرة والعزة، والغلبة، والقوة، والهيبة، وارزقهم الثبات والنصر والتمكين، وبارك لهم في إيمانهم وصبرهم.

واجبر كسرهم، واحقن دمائهم، واشفي جرحاهم، وتقبل شهدائهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم وأخرجهم من أشد الضيق إلى أوسع الطريق، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى وأهله واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين.

اللهم اشفِ مرضانا، وعاف مبتلانا، وارحم موتانا، وبلغنا فيما يرضيك آمالنا، واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا..

الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ. (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)