خلال الاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف.. د. المفتاح: فهمنا لديننا لا بد أن يكون حضاريا مواكبا لمعطيات العصر وحاجات الزمن المعاصر

رفع وكيل الوزارة للشؤون الإسلامية بوزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف الشيخ الدكتور فريد بن يعقوب المفتاح أسمى آيات التهاني والتبريكات إلى حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى أيَّده الله، وصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء الموقر، وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، ولشعب البحرين الوفي الكريم، بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف.

 

جاء ذلك خلال الاحتفال السنوي بذكرى المولد النبوي الشريف والذي نظمته إدارة الشؤون الدينية بالوزارة يوم أمس الأول تحت رعاية رئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية سمو الشيخ بن خالد آل خليفة، بمركز أحمد الفاتح الإسلامي، وأضاف المفتاح: إنها ليلة عظيمة الشأن، جليلة المنزلة، رفيعة المكانة، كيف لا وهي ليلة ذكرى مولد خاتم الأنبياء والمرسلين، منقذ البشرية، نبي الإسلام ونبي الرحمة والسلام، نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فلم تكن تلك الليلة ظرفًا لمولد رسولٍ فحسب؛ بل كانت ميلادًا جديدًا للبشرية جميعًا، فببعثته المباركة تَحَرّرُ العقل البشري من قيود الإنغلاق والتقليد، واتسعت آفاقه لترتقي البشرية بفكرها، وتسمو بعبوديتها لخالقها، وتتحقق فيها مكارم الأخلاق. ولقد أرست الشريعة المحمدية الغراء قواعد العدل والتسامح والإنصاف، وأسست لمبادئ المواطنة الصالحة، فتعمقت الروابط الإنسانية، والأخوة الإسلامية، وترسخت قيم التعايش والانفتاح بين الشعوب والمجتمعات.

 

مؤكداً إن محبتنا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعني إتباعه، فلتكن هذه الليلة منطلقاً للمراجعة في مدى قربنا أو بعدنا من منهاجه صلوات الله وسلامه عليه، ولنتخذ من ذكرى مولده دافعاً للعمل الذي يسعد به الفرد والمجتمع، وتتحقق به وحدة الكلمة التي تحفظ لنا كياننا ومكتسباتنا، ولنعمل جميعاً يداً واحدة من أجل أمن هذا الوطن واستقراره ورفعته وتقدمه وتميزه وتحضره.

 

واستطرد قائلاً: إنَّهُ لمن بشائر الخير، وأمارات اليُمن، أن نحتفل بعد أيام معدودات بالعيد الوطني المجيد وبعيد جلوس جلالة الملك حفظه الله تعالى ورعاه، ثم بدخول عام ميلادي جديد. مناسباتٌ متتالية جميلة مباركة، ملؤها التفاؤل والأمل بغدٍ مشرق، وبهذه المناسبة؛ مناسبة العيد الوطني المجيد التي تلي احتفالنا الميمون بذكرى مولد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، نرفع أسمى أيات التهاني، ونجدد الولاء والوفاء لقيادتنا الرشيدة.

 

ودعا المفتاح إلى استلهام الدروس والعبر من السيرة النبوية الشريفة، في عصرٍ نحن فيه بأمس الحاجة إلى تجديد وتحديث حياتنا في شتى مناحيها؛ الشخصية، والاجتماعية، والانسانية، على هدي من الأخلاق المحمدية، وأن نلتمس في رياضها علاجًا من الأزمات والصعاب التي تمر بها أمتنا العربية والإسلامية، فَنُحَوِّلَ التحدياتِ إلى فرص، ونُحَوِّلَ الفرص إلى إنجازات ونجاحات ومكتسبات، داعياً في الوقت ذاته التسابق للخيرات، والعمل الجاد بمزيد من الجهد والعطاء لترسيخ الأمن والأمان والاستقرار، وتحقيق الخير والنماء، والوقوف صَفَّاً واحدًا في وجه كل ما يعكر صفو ووحدة نسيج مجتمعنا المتمازج بجميع أطيافه ودياناته، وترجمة فهمنا لديننا ولقيمنا الراسخة، فهماً دقيقاً راقياً، فهماً حضارياً سامياً، فهماً مواكباً عصرياً صحيحاً يستوعب حاجات ومعطيات العصر ومستجداته، بانفتاح وتحضر يليق بهذا الدين العظيم وبأخلاقه وقيمه ورقيه وبهذه الشريعة السمحاء، سائلاً المولى عز وجل أن يعز هذه الأمة، وأن يحفظ عليها دينها ومقدساتها، وأن يوفق قادتنا وولاة أمورنا لما فيه خير وصلاح البلاد والعباد وأن يحفظهم ويحفظ بهم دينه وكتابه ويحفظ المسلمين جميعاً.

 

بعدها ألقى الشيخ الدكتور إبراهيم المريخي رئيس محكمة الاستئناف العليا الشرعية كلمة، قال فيها: نحن في هذه الأمسية نتذاكر معكم السيرة العطرة لرسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام، وهذه ليلة من أيام الله، والحق سبحانه وتعالى يقول: “وذكرهم بأيام الله”، نتدارس معكم فيها سيرة الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم من جانب عظيم، هو جانب الرحمة، لأنه عين الرحمة، لقوله سبحانه وتعالى: “وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين”، فالحق سبحانه وتعالى أرسل النبي العظيم رحمة للعالمين، وقال عزوجل أيضاً: “لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم”.

 

وأشار المريخي إلى أن الحق سبحانه وتعالى قد نعت المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام بهذا الاسم وهذه الصفة التي تجلت فيه رسول الله، أيما تجل. فكله رحمة وعلم وحلم ووقار وعصمة وحياء.

 

وأضاف: كانت رحمته صلى الله عليه وآله وسلم شاملة عامة، ونحن نتذاكر الرحمة لوجود وشيوع القساوة في قلوب الناس لاسيما من يتجه منهم اتجاهات دينية يرى في حقيقة منهجه ليس منهجاً نبوياً اطلاقاً، لأن المنهج النبوي مبني على الرحمة، ومن تجاوز هذا المنهج فقد تجاوز منهج النبي ومنهج الإسلام كله، لأن النبي جاء بهذه الرحمة فأي تطرف وأي قساوة وأي مخالفة للرحمة فهي مخالفة لمنهجه عليه الصلاة والسلام الذي جاء به إلى الأمة.

 

ودعا المريخي إلى التمسك بمنهاجه عليه أفضل الصلاة والسلام، لأنه المنهج الذي يحفظ هذه الأمة من بعض الكبوات ومن بعض التطرفات التي نشهدها في بلدان العالم الإسلامي، سائلاً المولى عزوجل أن يرفع عن هذه الامة، ويجعل هذا اليوم انطلاقاً إلى الرحمة في قلوب الناس.

 

من جانبه ألقى الشيخ جواد عبدالله بوحسين عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية كلمة، قال فيها: عندما نلتقي بذكرى ولادة نبّيُنا وهادينا وسيدنا وإمامنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله  وسلم، فإننا نفخرُ بهِ ونعتزُبهِ ونرتفعُ إلى الآفاق العليا من خلالِ فضلهِ وكرمهِ وأخلاقهِ وعلومهِ الغزيرة، فضلهُ الذي هدانا إلى اللهِ وقرّبنا إليه، وفتحَ عُقُولنا على أسرارِ وحيه، وانطلقَ في المستقبلِ لَيفتحَ لنا كمُسلَمين أبواب الحياة بكُلِ عناوِينها الإنسانية الرحيمة، فتحَ لنا أبواب المستقبل الذي ينتظِرُنا لِنكُون أكثر علماً وأكثر وعياً وأكثر حركة وأكثر إستقامة وأكثر دعوة في الوسطيةِ والاعتدال والعفو والرحمة والرفق والتعاون بيننا كمسلمين، حينما ننطلق من خلالهِ لِنقتدي به فلم يكن لديهِ ليلٌ يرتاحُ فيه، ولم يكن لهُ نهارٌ يسترِيحُ فيه، كانت الرسالةُ الإسلامية كلّ حياتهِ، وكان اللهُ كُل آفاقِهِ وكانَ الناس كل همه وكانت الحياةُ كُلُ دعوتِهِ الكريمة.

 

وأضاف بو حسين: نحن نعلم أن دينَ الإسلام أكملُ الأديان وشريعةُ الإسلام أكملُ الشرائع، ونعلم بالضرورةِ أن نبينَّا نبيُ الإسلام هو أكملُ الأنبياء وأكثرَهُم علماً وأقربَهُم إلى اللهِ تبارك وتعالى، وهذا التكاملُ في الإسلام وفي الدين وفي التشريع والتكاملُ في الأنبياء أمرٌ ضروري يتماشى مع الزمن ويتماشى مع الحضارات، كما يتماشى مع العقل لأن العقلَ البشري يتقدمُ شيئاً فشيئاً، فالبشريةُ في حضاراتِها المتنوعة في كمالِها في علومِها المتطورة في ثقافتِها في تقدمِها العلمي تتقدمُ يوماً بعد يومٍ إلى الأكملِ فالأكمل، داعياً المسلمين إلى الانتهاج بنهجه عليه أفضل الصلاة والسلام حياتهمِ والتمسّكِ به وعدم الحيدةِ عن هذا الطريق.

 

واختتم الحفل بقصيدة للشاعر الشيخ محمود آدم بعنوان: (جاء البشير)، حيث تناول فيها الشاعر شوق وحنين الأمة إلى نبيها صلوات الله وسلامه عليها، في وقت أصبحت الأمة أحوج ما تكون إلى الاقتداء بهديه واتباع سنته.