الجمعة 4 شوال 1440 هـ

الموافق 7 يونيو 2019 م

الحمد لله جلّ جلاله، وجلّ ثناؤه، وتقدّست أسماؤه، سبحانه وبحمده، لا تحصى نعماؤه، نحمده سبحانه ونشكره ونتوب إليه ونستغفره، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، المبعوثُ بالهدى ودين الحق، ارتفعت به أعلامه، وعلا ضياؤه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، بدور الدجى وسناؤه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان

أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى، اتقوا الله رحمكم الله، واحذروا الغفلة، فالموت على جميع الخلائق قد كُتب، والحساب عليهم قد وجب، تشيّعون الأموات، وتودِعونهم قبورَهم، وتأكلون تراثهم وميراثهم، وكأنكم مخلّدون بعدهم، خذوا بالمواعظ، وتيقّظوا للحوادث، إن بعد العزّ ذلاً، وبعد الحياة موتاً، وبعد الدنيا أخرى، وإن لكلّ شيء حساباً، ولكلّ أجل كتاباً، ولكل حسنة ثواباً، ولكل سيئة عقاباً، فاستعدوا لمُلِمَّات الممات، واستدركوا هفوات الفوات، (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)

معاشر المسلمين: ما أسرع ما تنقضي الليالي والأيام، وما أعجل ما تنصرم الشهور والأعوام، وهكذا حال الدنيا، سريعة الزوال، قريبة الاضمحلال، لا يدوم لها حال، ولا يطمئن لها بال،وهذه سنة الله عز وجل في خلقه،أدوار وأطوار تجري بأجل مسمى، (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ، فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ) وإن أهل التفكر والتعقل، وأصحاب التبصر والتأمل، ليدركون تلك الحقائق حق الإدراك،فيأخذون من تعاقب الأزمان أعظم معتبر،ويستلهمون من انصرام الأيام أكبر مزدجر، يقول جل وعلا: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ)

أيها الأخوة والأخوات في الله: ها قد رحل عنا شهر رمضان المبارك، ومضى مع الراحلين، ورحيله خير شاهد على أن الله يرث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.. مضى الشهرُ الكريم وقد أحسن فيه أناسٌ وأساء آخرون، وهو شاهدٌ لنا أو علينا، شاهدٌ للمشمِّر بصيامه وقيامه، وعلى المقصِّر بغفلته وإعراضه، ولا ندري -يا عباد الله- هل سندركه مرة أخرى، أم يحول بيننا وبينه الموت، هادم اللذات ومفرِّق الجماعات… فاللهم أعد علينا شهر رمضان أعواماً عديدة، وأزمنة مديدة، ونحن في أمن وإيمان وصحة وطاعة وحياة سعيدة يا رب العالمين.. وسلام الله على شهر الصيام والقيام، لقد مر كلمحة برق، أو غمضة عين، كان مضماراً يتنافس فيه المتنافسون، وميداناً يتسابق فيه المتسابقون، فكم من أكُفٍّ ضارعةٍ رُفعت! ودموعٍ ساخنةٍ ذُرِفت! وعَبَراتٍ حرَّاءَ سُكِبَت ! وحُق لها ذلك في موسم المتاجرة مع الله، موسمِ الرحمة والمغفرة والعتق من النار.

إن السؤال المطروح الآن بإلحاح يا عباد الله: هل أخذنا بأسباب القبول بعد رمضان، وعزمنا على مواصلة الأعمال الصالحة، أو أنَّ واقعَ كثير من الناس على خلاف ذلك؟! هل تأسينا بـالسلف الصالح رحمهم الله، الذين تَوْجَل قلوبهم، وتحزن نفوسهم، عندما ينتهي رمضان؟ لأنهم يخافون أن لا يُتَقَبَّل منهم عملهم، لذا فقد كانوا يكثرون الدعاء بعد رمضان بالقبول…حيث كانوا رحمهم الله يجتهدون في إتمام العمل، وإكماله وإتقانه، ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله، ويخافون من ردِّه… سألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قوله سبحانه: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ ٌأنهم إلى ربهم راجعون).. أهم الذين يزنون ويسرقون ويشربون الخمر؟ قال: لا. يا ابنة الصديق؛ ولكنهم الذين يصلُّون ويصومون ويتصدقون ويخافون أن لا يُتَقَبَّل منهم!… ويقـول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: (كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل، ألم تسمعوا إلى قول الله عزَّ وجلَّ:إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).. وقال فَضالة بن عبيد رحمه الله:(لو أني أعلم أن الله تقبل مني مثقال حبة خردل أحبُّ إلي من الدنيا وما فيها؛ لأن الله يقول: إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ). وقال عطاء بن أبي رباح رحمه الله:(الحذر: الاتقاء على العمل أن لا يكون لله).. أيها المسلمون: وماذا بعد شهر رمضان؟ ماذا عن آثار الصيام التي خلفها وتركها في نفوس الصائمين؟ لننظر في حالنا، ولنتأمل في واقع أنفسنا ومجتمعاتنا وأمتنا، ولنقارن بين حالنا قبل حلول شهر رمضان، وحالنا بعده: هل ملأت التقوى قلوبنا؟ هل صلحت أعمالنا؟ هل تحسنت أخلاقنا؟ هل استقام سلوكنا؟ هل اجتمعت كلمتنا وتوحدت صفوفنا ضد كل من يريد أن يفرقنا؟ هل زالت الضغائن والأحقاد من نفوسنا؟ هل تلاشت المعاصي والمنكرات والمحرمات من أسرنا ومجتمعاتنا وبلداننا؟ أما آن أن تخشع لذكر الله قلوبنا؟! وتتوحد على الصراط المستقيم دروبنا؟!

عباد الله: لقد جاءت النصوص الشرعية بالأمر بعبادة الله والاستقامة على شرعه عامة في كل زمان ومكان، ومطلقة في كل وقت وآن، وليست مخصصة بمرحلة من العمر، أو مقيدة بفترة من الدهر، بل ليس لها غاية إلا الموت. يقول الحسن البصري رحمه الله:( لا يكون لعمل المؤمن أجل دون الموت)، وقرأ قوله سبحانه: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) ولمَّا سُئِل بشر بن الحارث رحمه الله عن أناس يتعبدون في رمضان ويجتهدون، فإذا انسلخ رمضانُ تركوا، قال: بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان!

أيها المؤمنون: إنه إن ودَّعتِ الأمة الإسلامية شهر رمضان المبارك بعد الإقبال على الله والإكثار من الأعمال الصالحة، فينبغي أن لا يودع المسلمون صالح العمل بعد رمضان، بل يجب أن تبقى آثار الصيام شعاراً متمثلاً في حياة الفرد والأمة، وما أعطاه الصيام من دروس في الصبر والتضحية والإذعان لأمر الله والوحدة والتضامن والألفة والمودة بين أفراد هذه الأمة؛ يجب أن يستمر عليها المسلمون، وتُرى متجسدةً في حياتهم العملية بعد رمضان، وما تدنَّى واقع الأمة وأصيب المسلمون بالوهن في أنفسهم والضعف أمام أعدائهم إلا لما تخلوا عن أعز مقومات نصرهم وسيادتهم، وهو الدين الإسلامي الحق.  ولِما أساء بعض أبناء الإسلام فَهمه فجعلوا للطاعة وقتاً وللمعصية أوقاتاً، وللخير والإقبال زمناً، وللشر والإدبار أزماناً، عند ذلك لم تعمل مناسبات الخير والرحمة ومواسم البر والمغفرة عملَها في قلوب كثير من الناس، ولم تؤثر في سلوكهم وأخلاقهم، ولم تُجدِ في حل مشكلاتهم وقضاياهم إلا مَن رحم الله. وإن الناظر في حياة كثير من المسلمين اليوم في رمضان وبعد رمضان يأسف أشد الأسف لما عليه بعض الناس -هداهم الله- بعد شهر الصيام من هجر المساجد، وترك الجماعات، والتساهل في الصلوات، واعتزال الطاعات؛ من قراءة القرآن والذكر والدعاء والبذل والإحسان والصدقة، والإقبال على أنواع المعاصي والمنكرات، واستمراء الفواحش والمحرمات، وما ذاك -أيها الإخوة في الله- إلا من قلة البصيرة في الدين، وسوء الفَهم لشعائر الإسلام.. وما إضاعة الصلوات، وإتباع الشهوات، والإغراق في الملذات، والعكوف على المحرمات عبر السهرات والسمرات، والعودة إلى ارتكاب الفواحش والمنكرات والمحرمات من زناً ورباً ورشوة وسرقة واختلاس إلا دليل على ضعف الإيمان في نفوس فئام من الناس؛أصلحهم الله…

أما علم أولئك أن الموت يأتي بغتة، وما مرور الأعوام بعد الأعوام، وتكرار الليالي والأيام، إلا مذكِّر بتصرُّم الأعمار وانتهاء الآجال، والقدوم على الكبير المتعال…

ألا فليَعْلَم ذلك جيداً مَن ودَّعوا الأعمال الصالحة بوداع رمضان، أفأمِنَ هؤلاء أن ينزل بهم الموت ساعة من ليل أو نهار وهم على حال لا ترضي العزيز الجبار، ولا تنفعهم يوم العرض على الله الواحد القهار؟! (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً)  نعوذ بالله من الحور بعد الكور! أما آن لنا -أمة الإسلام- أن ندرك أن ما أصابنا من ضعف وهوان؛ إنما هو من عند أنفسنا، ونتيجة لعدم استفادتنا من مواسم البر والإحسان؟! إذْ لم تعمل هذه المواسم عمَلَها في القلوب؛ فتحييها بعد مَوات، وعمَلَها في الأمة؛ فتجمعها بعد فرقة وشتات، ولم تُجْدِ في حل ما استعصى من مشكلات، وعلاج ما استفحل من معضلات، فإن ذلك دليل على عدم الوعي، وقصور الفهم للإسلام.. أما إذا استقامت الأمة على العبادة، ولَمْ تَهدم ما بنته في مواسم الخير، ولَمْ يستسلم أفرادُها وأبناؤها لنـزغات الشيطان وأعوانه، ولم يُبْطلوا ما عملوه في رمضان، فإن الأمة بإذن الله تُمْسِك بصِمام الأمان وحبل النجاة؛ لتصل إلى شاطئ الأمان وبر السلام بإذن الله تعالى… ونداءٌ مِلْؤه الإشفاق والحنان إلى الذين نقضوا العهد مع ربهم  وعادوا إلى المعاصي والمحرمات بعد رمضان: أن يتقوا الله سبحانه، فالعمر قصير، والآجال محدودة، والأنفاس معدودة، كفى مخادعة للرحمن، وانزلاقاً في طريق الشيطان، وعبثاً بشعائر الإسلام! إلى متى الاسترسال في الغفلة والإعراض؟! ألا فلتعلنوها عباد الله توبة صادقة نصوحاً لا رجعة بعدها إلى الذنوب والمعاصي، فهذا والله هو الشكر الحقيقي لنعمة الصيام… وهمسةُ في آذان شباب الإسلام أن يتقوا الله تبارك وتعالى ويُقبلوا عليه، ويحفظوا أوقاتهم بعد رمضان، ويشغلوها بطاعة الرحمن، فلا يغتروا بعمل المفتونين بمعصية الله، وليحذروا ما يُسِيء إلى دينهم وقيَمهم ويُضعِف الإيمان في نفوسهم، ويَئِد الأخلاق في قلوبهم وأعمالهم وواقعهم؛ مما يثير الغرائز، ويهيج المشاعر، مما يُرى ويُسمع ويُقرأ عبر بعض وسائل الإعلام المختلفة ووسائل التواصل، من معصية الله  عزَّ وجلَّ.. وعلى الشباب الحذر من الانخراط  مع الأحزاب السياسية التي تزين لهم الباطل وتدعوهم إلى التخريب وزعزعة الأمن في بلدانهم، وتحرضهم على العنف والإرهاب وأذية البلاد والعباد، فكل هذه الأمور محرمة شرعاً ولا تسوغ لهم ما يزعمون  المطالبة به من إصلاحات…

وعلى المرأة المسلمة أن تتقي الله عزَّ وجلَّ، وتستمر على طاعة ربها بعد رمضان حجاباً وعفافاً وحشمة، وأن تحذر كل الحذر من دعاة الضلال والفتنة.

وعلى أرباب الأسر وأولياء الأمور  أن يتقوا الله عزَّ وجلَّ في مسئولياتهم، ويحافظوا على أماناتهم من الأولاد والبنات وذلك بمتابعتهم وتربيتهم والعناية بهم تحقيقاً لقوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيْكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)

نسأل الله عزَّ وجلَّ بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا أن يهدينا جمعياً صراطه المستقيم، وأن يثبتنا على الدين القويم، كما نسأله جل وعلا أن يرزقنا الاستمرار على الأعمال الصالحة بعد رمضان، وأن يَمُنَّ علينا بالقبول والتوفيق، إنه خير مسئول، وأكرم مأمول.

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين،  أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً..

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله، واشكروه جل وعلا أن هداكم للإسلام، ووفقكم للصيام والقيام فيما مضى من أيام، واعلموا -رحمكم الله- أن رسولكم صلى الله عليه وسلم، نَدَبَكم وسنّ لكم بعد رمضان،  صيام ستة أيام من شوال، فقد روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (مَن صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر). فمَنْ صام هذه الأيامَ السِّتَّ؛ كان كمَنْ صام الدهر؛ يعني: السّنَةَ كلَّها. وجاء ذلك صريحاً في حديثٍ صحيحٍ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم حيث قال: (صيامُ شهرِ رمضانَ بِعَشْرَةِ أشْهُرٍ، وَصِيامُ سِتَّةِ أيامٍ بِشَهْرَيْنِ؛ فَذَلِكَ صِيامُ السّنَةِ)

ثم إنّ من الفوائد المهمّة لصيام ستّ من شوال تعويض النّقص الذي حصل في صيام الفريضة في رمضان إذ لا يخلو الصائم من حصول تقصير أو ذنب مؤثّر سلباً في صيامه، ويوم القيامة يُؤخذ من النوافل لجبران نقص الفرائض كما يقول صلى الله عليه وسلم : (إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ، صَلَاتُهُ فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ ، فَإِنْ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْءٌ، قَالَ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ : انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلَ بِهَا مَا انْتَقَصَ مِنْ الْفَرِيضَةِ ؟ ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ) ويجوز لمن أراد صيام ستة أيام من شوال أن يتابعها، أو يفرقها في الشهر، ولا بأس في ذلك كله بحمد الله تعالى.

كما أن من عليه قضاء من رمضان خصوصاً المرأة  فلا حرج عليها أن تصوم ستاً من شوال ثم تؤخر قضاء رمضان، على الصحيح من قول أهل العلم، وذلك لحديث أم المؤمنين عائشة الثابت في الصحيح أنها قالت: (كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلا فِي شَعْبَانَ ، وَذَلِكَ لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مني) فقد كانت تصوم الست، وكانت تصوم عرفة، كما ثبت في الموطأ، وكانت تصوم يوم عاشوراء، ولذلك قالوا: إنه يجوز تأخير القضاء..

فلا تفوِّتوا -رحمكم الله- على أنفسكم هذه الفضيلة العظيمة، فإن أحدنا لا يدري هل يدرك رمضان مرة أخرى أو لا يدركه، وكلنا بحاجة إلى سد ما نقص من صيامنا بصيام التطوع.. ألا فحاسبوا أنفسكم رحمكم الله بعد صيام شهركم، إذا كان أرباب الأموال وأصحاب التجارات الدنيوية ينظرون في أرباحهم بعد مواسم التجارة، فأصحاب المتاجرة مع الله أولى وأحرى أن ينظروا في أرباحهم. فانظروا ماذا قدمتم لأنفسكم في رمضان، واستمروا عليه بعده وضاعفوه، وتقربوا إلى الله بأنواع الطاعات؛ فتلك والله هي التجارة الرابحة في أسواق الآخرة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) اللهم وفقنا جميعاً إلى عمل الصالحات وجنبنا المعاصي والمحرمات وثبتنا بالقول الثابت في الحياة وعند الممات، اللهم تقبل منا صالح أعمالنا، وارزقنا الاستقامة على دينك في رمضان وفي غير رمضان يا رب العالمين.. اللهم أعد علينا رمضان أعواماً عديدة وأزمنة مديدة، اللهم أعده على بلادنا وعلى الأمة الإسلامية وهي ترفل في ثوب الصحة والمنعة والنصر على الأعداء يا سميع الدعاء…

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.

اللهم أحفظ بلادنا البحرين وبلاد الحرمين الشريفين، وخليجنا، واجعله آمناً مطمئناً سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين. اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى، وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان  وولي عهده سلمان بن حمد، اللهم أعنهم على أمور دينهم ودنياهم.  وهيئ لهم من أمرهم رشداً، وأصلح بطانتهم. ووفقهم للعمل الرشيد، والقول السديد، ولما فيه خير البلاد والعباد إنك على كل شيء قدير.. اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان ناصرا ومؤيدا، اللهم كن لهم في فلسطين وفي بلاد الشام وفي اليمن وفي كل مكان، اللهم أصلح أحوالهم وولي عليهم خيارهم يا رب العالمين

اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين..

اللهم نور على أهل القبور من المسلمين قبورهم، واغفر للأحياء ويسر لهم أمورهم،، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.. اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وإيتآء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) فاذكروا الله العلي الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ويغفر الله لي ولكم.

            خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين.