الجمعة 25 ربيع الأول 1441 هـ

الموافق 22 نوفمبر 2019 م

الحمد لله، لا مانعَ لما أعطى، ولا معطيَ لما منَع، نحمده سبحانه ونشكره، فضلُه مرتَجَى وفي عفوِه الطّمَع، ونشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، منَح الخيرَ وللمكروه دفع، ونشهد أنّ سيّدنا ونبيّنا محمَّداً عبده ورسوله، دَعا إلى الحقّ وجاهَد في الله وأشاد منارَ الإسلام ورفع، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابِه، أهلِ الإيمان والرّضا والتّقى والورَع، والتّابعين ومن تبِعهم بإحسان إلى يومِ الدين، وسلّم تسليماً كثيراً…

أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ)

معاشر المسلمين: إن الله تعالى بحكمته ينوّع الأحوالَ على عباده، فيبتليهم بالسَّراء، كما يبتليهم بالضراء، ويبتليهم بالغنى كما يبتليهم بالفقر، ومن هذه الأحوال التي يبتليهم بها: الابتلاء بالمرض بشتى صوره؛ مِن الهمّ والغم والحزن، ومن الأمراض النفسية والعضوية، ومِن الآلام الجسدية التي تصيبهم يبتليهم  سبحانه بذلك ليستخرج منهم عبودية الضراء، ويُظهر مِن آثار أسمائه وصفاته ما لم يَظهر لأكثر العباد في حال السَّراء.. وهذا المرض لم يسلمْ منه أحدٌ، حتى سيَّدُ ولدِ آدمَ محمد صلى الله عليه وسلم. والمؤمنُ مع هذه الحقيقة مطالَبٌ دوماً بسؤال الله العافية، فلا ينبغي للمؤمن الغر أن يتمنى البلاء، ولا أن يسأل الله أن ينزل به المرض؛ ففي الحديث الصحيح عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه، قال: قلتُ يا رسولَ اللَّهِ علِّمني شيئاً أسألُهُ اللَّهَ؟ قال سلِ اللَّهَ العافِيةَ، فمَكثتُ أيَّاماً ثمَّ جئتُ فقلتُ: يا رسولَ اللَّهِ: علِّمني شيئاً أسألُهُ اللَّهَ، فقالَ لي: يا عبَّاسُ: يا عمَّ رسولِ اللَّهِ، سلِ اللَّهَ العافيةَ في الدُّنيا والآخرةِ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (سَلوا اللهَ العفوَ والعافيةَ، فإنَّ أحداً لم يُعطَ بعدَ اليقينِ خيراً منَ العافيةِ) وقال أحد السلف الصالح: (لأن أُعافى فأَشكر، أحب إلي من أن أُبتلى فأَصبر) ومن هنا نعلم جيداً، أن المرض ليس مقصوداً لذاته، وإنما لما يفضي إليه من الصبر والاحتساب وحسن المثوبة، وحمد المنعم على كل حال.

عباد الله: ولا يدرك هذه الحقيقة إلا من فاتته بعضُ العافية في وقتٍ من الأوقات، أو حالٍ من الأحوال، ووفقه الله عز وجل، فاللهم إنا نسألك العافية في الدين والدنيا والآخرة.

أيها الأخوة والأخوات في الله: وما يصيب الإنسان في هذه الدنيا، إن كان يسره فهو نعمة بينة، وإن كان يسوؤه فهو نعمة أيضاً؛ من جهة أنه يكفر خطاياه ويثاب عليه، ومن جهة أن فيه حكمة ورحمة لا يعلمها، وصدق الله العظيم حيث يقول: (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ، وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) والمؤمن في حال سرائه وضرائه، يستحضر قولَ نبيه صلى الله عليه وسلم: (عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ) فالمؤمن يحمد ربَّه على كل حال، ويتقلب بين عبوديتي الصبر والشكر.

عباد الله: إن البشر قاطبة مجمعون إجماعاً لا نقصان فيه، على أن الصحة تاج فوق رؤوس الأصحاء، لا يراه إلا المرضى، وأن الصحة والعافية، نعمة مغبون فيهما كثير من الناس…  الأمراض والأسقام أدواء منتشرة انتشار النار في يابس الحطب، لا ينفك منها عصر، ولا يستقل عنها مصر، ولا سلم منها بشر، ولا يكاد أن يسلم منها أحد؛ إذ كلها أعراض متوقعة، وهيهات هيهات أن تخلو الحياة منها، وإذا لم يصب أحد بسيلها الطام، ضربه رشاشها المتناثر هنا أو هناك.

ثَمَانِيَةٌ تَجْرِيْ عَلَى النَّاسِ كُلِّهِمْ

وَلا بُدَّ لِلإِنْسَانِ يَلْقَى الثَّمَانِيَهْ

سُرُوْرٌ وَحُزْنٌ وَاجْتِمَاعٌ وَفُرْقَةٌ

وَعُسْرٌ وَيُسْرٌ، ثُمَّ سُقْمٌ وَعَافِيَهْ

الأمراض والأسقام عباد الله هي وإن كانت ذات مرارة وثقل، واشتداد وعرك، إلا أن الباري جل شأنه جعل لها حكماً وفوائد كثيرة، علمها من علمها وجهلها من جهلها.

ولقد حدث ابن القيم رحمه الله عن نفسه في كتابه (شفاء العليل) أنه أحصى ما للأمراض من فوائد وحكم، فزادت على مائة فائدة، وقال أيضاً: (انتفاع القلب والروح بالآلام والأمراض، أمر لا يحس به إلا من فيه حياة، فصحة القلوب والأرواح موقوفة على آلام الأبدان ومشاقها) انتهى كلامه رحمه الله.

أيها المؤمنون: وإذا أراد أحدُنا أن ينظر ويستعرض شيئاً من فوائد المرض، الذي يبتلي به اللهُ من شاء من عباده؛ فإنه سيجد في نصوص الوحيين عجَباً، ولولا أن المؤمن مأمورٌ بسؤال الله العافية لتمنى المرضَ؛ مِن كثرة ما يجد من فوائده! ومن تلكم الفوائد: أولاً: أن المرض كفارة ورفعة للعبد، فهو كفارة لما يقترفه العبدُ من ذنوبٍ وسيئات، ففي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبٍ، وَلَا وَصَبٍ، وَلَا هَمٍّ، وَلَا حُزْنٍ، وَلَا أَذًى، وَلَا غَمٍّ، حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا، إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا مِنْ خَطَايَاهُ) وقال صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى من مَرَض فَمَا سِوَاهُ، إِلَّا حَطَّ اللَّهُ لَهُ سَيِّئَاتِهِ كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا) وقال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت هذه الأمراض التي تصيبنا مالنا بها؟ قال: (كفارات)  قالوا وإن قلّت قال: (وَإِنْ شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا) وفي هذا بشارة عظيمة، جعلت بعضَ السلف رحمهم الله تعالى يقول: (لولا مصائب الدنيا لوردنا القيامة مفاليس)

دخل الصحابي سلمان الفارسي رضي الله عنه على مريض يعوده فقال له: (أبشر، فإن مرض المؤمن يجعله الله له كفارة ومستعتباً، وإن مرض الفاجر كالبعير؛ عقله أهله ثم أرسلوه فلا يدري لم عُقِل ولم أرسل)

ثانياً: ومن فوائد المرض: ظهور عبودية الصبر، ومَن رُزق الصبر فليبشر بموعود الله تعالى: يقول جل وعلا: ﴿إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) وإذا كان الذي سيُكرم الصابر، ويَعِد عبدَه بعطاء لا عد له ولا حساب هو أكرم الأكرمين؛ فما ظنك بعطائه وجوده سبحانه وتعالى؟! وقد قال صلى الله عليه وسلم – كما في الصحيح: (وما أُعطي أحدٌ عطاء خيراً وأوسع من الصبر)

ثالثاً: ومن فوائد المرض: تعلُّق القلب بالله جل وعلا، وانقطاعه من الخلق، فالمريضُ يدعو ربَّه مخلصاً له الدين، فيستخرج اللهُ بهذا المرض عبوديةَ الدعاء وعبودية الاضطرار، فيَحدث للعبد من التضرع والتوكل وإخلاصِ الدعاء ما يزيد إيمانَه ويقينه، ويحصل له من الإنابة وحلاوة الإيمان وذوق طعمه ما هو أعظم من زوال المرض، فلا يتعلق المؤمنُ المريض بغير ربه عز وجل، لا بكاهن ولا بساحر بل ولا بطبيب، بل يفعل المؤمن المريض ما أُمِر به من أسبابٍ شرعية، ويُنزِل حاجته بالله وحده حاله كحال نبي الله أيوب الذي قال الله عنه: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِين) فسبحانك ربي ما أرحمك!

رابعاً: ومن فوائد المرض: أن الله عز وجل يُخرج به من العبد ما قد يوجَد فيه من كِبر وعُجب، فلو دامت للعبد جميعُ أحواله لتجاوز وطغى، ولكن الله جل وعلا يرحمه بالمرض، ويرحمه بما يبتليه من الأسقام والآفات ليكسره، وليعرّفه قدْره، واضطراره لربه، فإذا انكسر القلبُ لله عز وجل، وحصل القربُ من الله، فقد نال لذة من أعظم اللذات، وهي الانكسار والقرب من الله، فحينئذ إذا دعا وقلبه منكسر وهو مضطر فهو أقرب إلى الإجابة، وهذه من أعظم الفوائد والبركات.

خامساً: ومن فوائد المرض: أن المريض يتعبد لله عز وجل بعبادة جليلة ألا وهي: انتظارُ الفرج، الذي يجعل قلب العبد متعلقًاً بالله وحده، وهذا ملموس وملاحَظ على أهل المرض والمصائب، خصوصاً تلك الأمراض التي يقال عنها: إنها مستعصية أو مخطورة، فينقطع تعلق القلوب من جهة الخلق؛ ولا يبقى للقلب تعلق إلا بالله وحده، فحينئذ يجد المريضُ نفسَه بلسان الحال والمقال يقول: يا رب! يارب! يارب! ليس لها من دونك كاشفة! فيحصل له بإذن الله تعالى مطلوبُه، وينفرج عنه الكرب إن شاء الله تعالى. وقد ذُكر أن رجلاً أخبره الأطباءُ بأن علاجَه أصبح مستحيلاً بأيديهم، وأنه لا يوجد له علاج عندهم وفي علمهم، وكان مريضاً بالسرطان، فألهمه الله عز وجل الدعاء والتضرع في لحظات الأسحار، فشفاه الله عز وجل بعد حين، وسمع دعاءه وأجاب سُئلَه: وصدق الله العظيم: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ)

سادساً: ومن فوائد المرض: أن يعرف العبدُ مقدارَ نعمةِ العافية ونعمة الصحة، فإن العبد إذا تربى في العافية فلا يعلم – غالباً- ما يقاسيه المبتَلى، ولا يعرف مقدار النعم التي يعيشها، فإذا ابتُلي أو سلبت عنه العافية ولو مؤقتًاً؛ كان أكثر همّه العودة إلى حاله الأولى، فلولا المرض ما عرف قدر الصحة، ولولا الليل ما عرفت نعمة النهار، ولولا الشتاء ما تمنى الناس الصيف، وهكذا ..

لولا هذه الأضداد لما عُرفت كثيرٌ من النعم، فكل مريض يجد مَن هو أشد منه مرضاً فيحمد الله، وكل غني يجد من هو أغنى منه، وكل فقير يجد من هو أفقر منه، فليحمد الله على نعمه وآلائه الكثيرة.

سابعاً: ومن فوائد المرض: أن الله يستخرج به عبوديةَ الشكر، فإن العبد إذا ابتُلي بعد الصحة بالمرض، وبعد القرب بالبعد؛ اشتاقت نفسُه إلى العافية، ثم اشتاقت إلى التعرض إلى نفحات الله عز وجل بالدعاء، فإنه (لا يرد القضاء إلا الدعاء)، فإذا منح اللهُ العبدَ العافيةَ عرف قدْر تلك النعمة؛ فلهج بشكره عز وجل، شكر مَن عرف المرض وباشر وذاق آلامَه، لا شكر مَن عرف وصْفه ولم يُقاسِ ألمه.

وثمة معانٍ ولذّات لا يمكن التعبير عنها – فيما يذوقه المريضُ المؤمن- مِن اللذات العظيمة التي يجدها ساعةَ اللجوء إلى ربه، وعندما يدعوه مخلصاً مضطراً، وحدِّث ولا حرج عن لذة الرضا عن الله عز وجل والأنس به، عندما تمر لحظات الضيق على المريض وهو مقيد بسرير أو بغير ذلك من أنواع القيود، وما يجده من لذة مناجاة الله تعالى بالتضرع والدعاء في معان لا يمكن أن يسطرها الإنسان أو يعبر عنها البيان.

ثامناً : ومن فوائد المرض، أن يكونَ المرض سبباً لرفع منزلة المريض في الآخرة، يقول صلى الله عليه وسلم:(إِنّ المرء تَكُونُ لَهُ المَنزِلَةُ عِندَ اللهِ فَمَا يَبلُغُهَا بِعَمَلٍ، فَلَا يَزَالُ يَبتَلِيهِ بِمَا يَكرَهُ حَتَّى يُبَلِّغَهُ ذَلِكَ) ومن عجائبِ المرضِ  عباد الله أنَّ صاحبَه تُكتبْ له جميعُ أعمالِه التي كانَ يَعملُها وهو صحيحٌ،  فتستمرُ حسناتُه على ما كانَ يعملُ وهو مُعافى لا ينقصُ منها شيءٌ، قَالَ صلى الله عليه وسلم: (إذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ صَحِيحاً مُقِيماً)

فاللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة…اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبداً ما أحييتنا، واجعلها عوناً لنا على طاعتك يا ذا الجلال والإكرام.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي لا يحمد على مكروه سواه، نحمده سبحانه ونشكره، من توكل عليه كفاه،ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،لا إله غيره ولا نعبد إلا إياه، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله،أكرمه الله بالرسالة واصطفاه، وأحبه فضعف عليه الوجع وابتلاه، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد فيا أيّها المسلم: إذا ابتُليتَ بالمرض فاصبر، والجأ إلى الله، واعلَم أنّ الأسبابَ كلَّها لا تؤثّر إلا بإرادة الله، فمع تعاطيك للأسبابِ فلتكن ثقتك بالله، ورجاؤك في الله، وأملُك معلَّقًاً بالله، واعلم أنَّ الأمرَ بيد الله، قال الخليل إبراهيم عليه السلام: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) فالشفاءُ بيد الله، والأسباب التي نتعاطاها إنما هي أسبابٌ خاضعة لإرادة الله جلّ وعلا، لكن يكون متعلّقنا بالله، وثقتنا بالله، وآمالنا في الله تبارك وتعالى.

احذَر أيها المريض أن تكونَ في شدّتك مطيعاً، وفي رخائك عاصياً متمرِّدًا، وأعظمُ من ذلك من يعصي الله في شدَّته ورخائه، يقول نبيّكم صلى الله عليه وسلم : (تعرّف إلى الله في الرخاء، يعرفك في الشدّة) أكثِر من ذكر الله والثناء عليه، واعلم أنه أرحم بك من نفسك، ابتلاك ليطهِّرك من الخطايا، ابتلاك ليرفعَ درجاتِك، ابتلاك لتكون مقبِلاً عليه منيباً إليه، راجعاً إليه، عالماً أن النفعَ والضرَّ بيده، (وَإِن يَمْسَسْكَ ٱللَّهُ بِضُرّ فَلاَ كَـٰشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلّ شَىْء قَدُيرٌ)

أيّها المسلم: إذا ابتُليتَ بمرض لا سمح الله، فاعلم أنه لا بدَّ من أداء الصلاة، ولا تسقطُ عنك هذه الفريضة بشروطها ما دمت قادراً على الأداء، وربُّك جلّ وعلا قد يسَّر لك الأمور، (يُرِيدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلْيُسْرَ، وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ ٱلْعُسْرَ) ويقول تعالى: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ فِى ٱلدّينِ مِنْ حَرَجٍ) ،فالحمد لله على تيسير هذه الشريعة.. أيّها المسلم:مرضُك لا يسقِط عنك الصلاةَ، ولا يُسقِط عنك الطهارةَ لها، فالطهارة للصلاةِ شرطٌ لصحة الصلاة، يقول صلى الله عليه وسلم : (لا يقبل الله صلاةَ أحدِكم إذا أحدثَ حتى يتوضأ) ويقول: (لا يقبل الله صلاةً بلا طهور)… إذًاً أيها المريض المسلم، عندما تُبتَلى بالمرض فلا بدّ من طهارةٍ قبل الصلاة، تطهَّر بالماء، فإن عجزتَ عن الماء لمرضك بأن كان الماءُ يزيدُ المرضَ مرضاً أو يؤخّر البرء أو كان هذا الماء يؤثِّر على عضوٍ ما من الأعضاء، فتيمَّم، إمّا بدلاً عن كلّ البَدن، أو تيمَّم عن ذلك العضوِ الذي لا تستطيع أن تُمرّ الماءَ عليه، فإن كان عليه جبيرة قد لُفَّ بلفافةٍ فإن مسحَك عليها قائمٌ مقامَ غسل العضو بمنزلة الخفين… أيّها المسلم: اعلم أنَّ الصلاة لا بدّ من أدائها كاملةَ الأركان والواجبات، هذا هو الواجب، (صلُّوا كما رأيتموني أصلي) ولكن من رحمةِ الله أنَّ المريض يسقط عنه ما يعجز عن أدائه من أركانِ الصلاة، فإن كان هذا المريضُ يستطيع أن يصلّي قائماً لكنه لا يستطيع الركوعَ فليومئ برأسه عن الركوع، أولا يستطيع السجود فليومئ برأسِه عن السجود، أو يصلي على كرسيّ ونحو ذلك.

وإن كان هذا المريضُ لا يستطيع أن يصلِّيَ قائماً صلّى قاعداً، وأومأ بالركوع والسجود، يقرأ الفاتحة ثم يطأطئ رأسه كراكِع، ثم يطأطئ كساجد. وإن كان لا يستطيع أن يصلّيَ جالساً فليصلِّ وهو مستلقي، وإن كان يستطيع على جنبِه الأيمن ليتَّجه إلى القبلة، وإن عجز عنها صلّى على حاله، يصلّي إلى جهة القبلة أو رجلاه إلى القبلة، فإن تعذّر الأمر عليه أو كان وضعُ سريره على خلاف ذلك فكلُّها تسقط عنه، ويصلّي على قدر حاله. فإنّ الله تعالى يقول: (فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ مَا ٱسْتَطَعْتُمْ) ويجوز للمريض أن يجمَع الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء على قدرِ ما يناسبه، إن كان التقديم أنسبَ جمع تقديماً، وإن كان التأخير أنسبَ جمع تأخيراً، وكلّ هذا من تيسير الله عز وجل على عباده.

نسأل الله تعالى أن يعافيَنا وإيّاكم في الدين والبدَن والأهل والمال، وأن يمتِّعنا بقوانا متاعاً حسَنا، إنه على كل شيء قدير.

اللهم إنا نسألك بأنك أنت الله لا إله إلا أنت، إذا أردت شيئاً إنما تقول له كن فيكون. نسألك يا سامعاً لكل شكوى، ويا عالماً بكلّ نجوى.

يا حسن التجاوز، يا واسع المغفرة، يا باسط اليدين بالرحمة. يا فارج الهمّ ويا كاشف الغمّ، يا مجيب دعوة المضطرّين. يا رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما. اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين الذين أعجزتهم الأمراض والأسقام وأقعدهم قضاؤك عن المشي والقيام، هبهم يا ربنا الصحة والعافية، وهبهم الشفاء العاجل منك، فإنه لا شفاء إلا شفاؤك، هبهم شفاءً لا يغادر سقماً، لا إله إلا أنت ولي المؤمنين،وعدة الصابرين، يا أرحم الراحمين… اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في وطننا، ووفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين… اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العلى، وبرحمتك التي وسعت كلّ شيء، أن تكتب الشفاء العاجل لسمو رئيس الوزراء خليفة بن سلمان،اللهم أحفظه من كل سوء ومكروه،  ومتعه بالصحة والعافية، وأمد في عمره، ورده إلى أرض الوطن سالماً معافى يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم من أراد بلادنا وبلاد الحرمين الشريفين وخليجنا وجيشنا ورجال أمننا، بشر وسوء وفتنة فأشغله بنفسه، وأجعل كيده في نحره، وأدر دائرة السوء عليه يا سميع الدعاء…

اللهم انصر عبادك المستضعفين المظلومين في كل مكان، اللهم ارفع البلاء عنهم، اللهم احقن دماءهم، وأحفظ أعراضهم، وأطفالهم ونساءهم ورجالهم وشيوخهم، ولا تسلط عليهم من لا يخافك ولا يرحمهم..

اللهم حرر الأقصى وأرضك المقدسة من أيدي الصهاينة الغاصبين، وارزقنا فيه صلاة طيبة قبل الممات يارب العالمين.

اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا، وعاف مبتلانا، واشف مرضانا، وارحم موتانا، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين…(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

    خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين