الجمعة 23 ذو القعدة 1440 هـ 

الموافق 26 يوليو 2019 م

الحمد لله الذي شرح بفضله صدور أهل الإيمان بالهدى، وأضل من شاء بحكمته وعدله، فلن تجد له ولياً مرشداً، نحمده سبحانه ونشكره، ونتوب إليه ونستغفره، أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهاً واحداً فرداً صمداً، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، كرم أصلاً وطاب محتداً، خصه ربه بالمقام المحمود وسماه محمداً، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه، هم النجوم بهم يهتدى، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعــد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله عز وجل، فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم، وأطيعوا الله ورسوله إن كنتم مؤمنين.

معاشر المسلمين: إن من أكبر المصائب التي ابتليت بها هذه الأمة، وفتكت في سواعد أبنائها، وأطاحت برايات مجدها، الاختلاف والشقاق والتفرق، والعصبية المقيتة، والطائفية البغيضة، والتنازع على توافه الأمور، والتخاصم والفجور في الخصومة، وفساد ذات البين على مستوى الأسرة والطائفة والمجتمع والدول والأوطان. وبالتالي ضعفت هذه الأمة، وخارت قواها، وتشتت جهودها، وتعرضت للنكسات والهزائم، وتوقف الإبداع والتطور والازدهار الحضاري فيها، وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَلاَ تَنَـٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ، وَٱصْبِرُواْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ).. إن الخلاف والتنازع يا عباد الله مهلك للشعوب والأمم والأوطان، مفسد للبيوت والأسر، مسفك للدماء، مبدد للثروات.. نعم (وَلاَ تَنَـٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ، وَٱصْبِرُواْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّـٰبِرِينَ). بالخصومات والمشاحنات تنتهك حرمات الدين، ويعم الشر القريب والبعيد. ومن أجل ذلك سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم فساد ذات البين بالحالقة، فهي لا تحلق الشعر، ولكنها تحلق الدين، فمن خطورتها أنها تذهب بدين المرء وخلقه وأمانته ..

فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ، قَالُوا بَلَى يا رسول الله، قَالَ صَلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ) ويروى عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (هِيَ الْحَالِقَةُ لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ) ويقول صلى الله عليه وسلم :(دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ الْحَسَدُ وَالْبَغْضَاءُ هِيَ الْحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِمَا يُثَبِّتُ ذَاكُمْ لَكُمْ، أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ)…

أيها المؤمنون : لقد حرص الإسلام على إقامة العلاقات الأخوية، والوشائج الودية، بين الأفراد والجماعات المسلمة، ودعم هذه الصلات الأخوية بين الأمم والشعوب، وجعل الأساس لذلك أخوة الإيمان، لا نعرة الجاهلية ولا العصبيات القبلية ولا الطائفية، ورسولنا صلى الله عليه وسلم أقام الدليل القاطع على حقيقة رابطةِ الأخوة الإيمانية، وتقديمها على كل علاقةٍ أخرى، فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم  يؤاخي بين المسلمين المهاجرين والأنصار، في بداية بناء دولة الإسلام، وأخذ ينمي هذه الأخوة، ويدعمها بأقوال وأفعال منه عليه الصلاة والسلام، تؤكد هذه الحقيقة الغالية قوله بأبي هو وأمي ( لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) وقوله صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ المُؤْمِنينَ في تَوَادِّهِمْ وتَرَاحُمهمْ وَتَعَاطُفِهمْ، مَثَلُ الجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الجَسَدِ بِالسَّهَرِ والحُمَّى) ولقد أينعت هذه الأخوة، وآتت أكلها أضعافاً مضاعفة، وكان المسلمون بها أمة واحدة، تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، فكانوا متحدين أقوياء، يوم اعتصموا بحبل الله المتين،  فنبذوا  كل ما يفرق الأمة من قوميات وعصبيات وعنصريات وطائفيات ونَعَرَات جاهلية؛ وأطماع دنيوية، وتحصنوا بهذه الأخوة وبذلك الاتحاد، من مكر الأعداء وتخطيطهم، لضرب الإسلام والوقيعة بين المسلمين، وإثارة الخلافات والنعرات بينهم .. مر رجل من اليهود بملأ من الأوس والخزرج، فساءه ما هم عليه من الاتفاق والألفة، فبعث رجلاً معه وأمره أن يجلس بينهم، ويذكرهم ما كان من حروبهم يوم بعاث (وهي المنطقة التي وقعت فيها الحرب بينهم) وتلك الحروب، ففعل، فلم يزل ذلك دأبه حتى حميت نفوس القوم، وغضب بعضهم على بعض وتثاوروا، ونادوا بشعارهم، وطلبوا أسلحتهم ، وتواعدوا إلى الحرة،(وهي منطقة في الجهة الغربية من المدينة المنورة) فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فأتاهم فجعل يسكنهم ويقول: أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟وتلا عليهم قول الله تعالى: ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) فندموا على ما  كان منهم، وتصالحوا وتعانقوا وألقوا السلاح رضي الله عنهم جميعاً….

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِن اللَّهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًاَ وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًاً، فَيَرْضَى لَكُمْ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًاً وَلَا تَفَرَّقُوا، وَأَنْ تُنَاصِحُوا مَنْ وَلَّى اللَّهُ أَمْرَكُمْ، وَيَكْرَهُ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ وَإِضَاعَةِ الْمَالِ) عبــــــاد الله: إن هؤلاء المتصارعين والمتخاصمين أفراداً كانوا أو جماعات أو طوائف أو أحزاباً أو دولاً، في المجتمع الواحد، والوطن الواحد،والأمة الواحدة، ماذا يريد كل واحد من هؤلاء؟ ما هي أهدافهم ؟ ما هي طموحات كل فريق؟  فإن كانوا يريدون خيراً للبلاد، ومصلحة للعباد، وعملاً صالحاً ليوم المعاد … فإن العنف والإرهاب والتفجير والقتل، وسفك الدماء، وترويع الآمنين، وزعزعت المجتمع، ونشر الخوف، وبث الرعب، وظهور الثارات والطائفيات، ومحاولة معاداة الشركاء في الوطن الواحد من أي طرف كان، وإلغاء الآخر، وتصنيفه كعدو بسبب خلاف سياسي أو مذهبي أو قبلي أو طائفي.. فإن هذا الطريق لا يكون طريقاً للبناء والإصلاح والتعمير، وهو بالتالي ليس طريقاً لأصحاب الأهداف السامية والغايات النبيلة .. وهو كذلك طريق لم يسلكها العظماء ولا المصلحون لأوطانهم، ولا المجددون في حياة شعوبهم .. فالعنف والقوة والاستعلاء، والتسلط وإثارة الفتن، وفساد ذات البين، لم تكن طريقاً إلا لمزيد من العنف والصراعات والخصومات ولن تتحقق مصلحة … وانظروا رحمكم الله إلى بعض الدول والشعوب من حولكم، عشرات السنيين لم تجد الاستقرار، ولم تهنأ بالعيش، ولم تجف الدماء، ولم ينعم أي طرف من المتخاصمين، فشلال الدماء والثارات والنزاعات والطائفيات لم تتوقف .. والدعم الخارجي الخبيث، الذي يسعى إلى تحقيق أهدافه، يتواصل وهو دعم للهدم، وزرع الشقاق، وإضعاف البلاد للسيطرة على مقدراتها وثرواتها وخيراتها، وهكذا في بلاد المسلمين جميعاً… لقد أصبح العالم العربي أضحوكة بين دول العالم، ومثاراً لسخرية الشعوب حولنا، فنحن أمة الإسلام، أمة القرآن، الأمة الواحدة بدينها وعباداتها وشعارها، الأمة التي من واجباتها دعوة الأمم، وتربية الشعوب، ودعوة العالم من حولنا إلى الإسلام والعدل والتعايش والتسامح والتآلف، وبذل المعروف، أصبح بأسنا بيننا شديداً، وأصبح لا يطيق بعضنا بعضاً بسبب خلافات تافهة، وأطماع شيطانية، ونوازع خبيثة ليست من الدين في شيء … وفي الغرب أو الشرق دول مختلفة الأعراق والأجناس و الأديان والثقافات و القوميات والمذاهب والطوائف، غير أنهم يتعايشون مع بعضهم البعض، في أمن وأمان وسلام، يعيشون في بلد واحد أو في عمارة واحدة، وفي حارة ومدينة وبلد واحد، يحتكمون إلى القانون جميعاً، ويعملون من أجل الوطن الذي يعيشون فيه.. ونحن قد ضاقت علينا الأرض بما رحبت، وخبثت نفوسنا إلا من رحم الله، وساءت أعمالنا، ونسينا ديننا وآخرتنا، ولقاء ربنا، وتركنا الكثير من تعاليم ديننا، فأنزل الله عقوبته علينا، حتى نعود إلى الحق والخير الذي أمرنا به، قال تعالى:( قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَىٰ أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ ۗ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ).أليس هذا هو واقعنا وما نحن فيه؟  بل حذر النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم من فساد ذات البين، التي تؤول إلى الفجور في الخصومة، حتى يستطيل المسلم في عرض أخيه وماله ودمه، ففي حَجَّةِ الْوَداعِ، قال صلى الله عليه وسلم : (أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ إِلَى أَنْ تَلْقَوْا رَبَّكُمْ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا. أَلَا هَلْ بَلَّغْتُ؟ اللَّهُمَّ فَاشْهَدْ! وقال عليه الصلاة والسلام:(لا تَرْجِعُوا بَعْدي كُفَّاراً يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقابَ بَعْضٍ).. ألا فاتقوا الله رحمكم الله، (وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ، وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ)

اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وأهدنا سُبُلَ السَّلَامِ، وَنَجِّنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَجَنِّبْنَا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، إنك على كل شيء قدير..

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي بين سبل الفلاح، ورتب الرحمة على التقوى والإصلاح، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له سبحانه وبحمده بالغدو والرواح، والمساء والصباح، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، جعله الله أسوة في الصلاح والإصلاح، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين سعدوا بالفلاح والنجاح، وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد فيا أيها المسلمون: وإذا أردنا أن نخرج من هذه الفتنة، وهذا الابتلاء الذي أبتلينا به، وابتليت به هذه الأمة المستضعفة، في هذا الزمان، فإن علينا القيام بأمور: أولاً: أن نوقن أن ما أصابنا من المصائب والكروب والفتن العظيمة، إنما هو من عند أنفسنا، وبسبب ذنوبنا ، وبما طرأ على حياتنا من بُعد عن الله عز وجل ، ونسيان للآخرة، وإقبال على الدنيا، والجري وراءها، والانغماس في متاعها،وصدق الله العظيم حيث يقول: :(وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ).. ويقول سبحانه:(أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) لذا وجب علينا جميعاً  التوبة الصادقة النصوح إلى الله من جميع الذنوب والمعاصي، توبة تدفع غضب الله ومقته عنا، يقول تعالى:(قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ويقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ، حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا)

ثانياً: أن ندرك جيداً، حقيقة الحياة الدنيا، وأنها لاتدوم، وأن بعدها موت وحساب وجنة ونار، فلنجعل أعمالنا صالحة، ونياتنا خالصة لله عز وجل. يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ، فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) ويقول سبحانه: (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ، وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)

ثالثاً: علينا أن نستشعر أن الأخوة والوحدة دين أمرنا الله بها  في كتابه، شأنها كالصلاة والصيام والحج، ولها أهمية عظيمة في حياة الفرد وآخرته، فلا نفرط في شأن الأخوة، وعلينا القيام بحقوقها من الحب، والتناصح، وسلامة الصدر، والتعاون، وأن ننبذ العصبية والطائفية والمذهبية والقبلية، بأي شكل وتحت أي مبرر وغير ذلك ..

رابعاً: يجب أن نستوعب حقيقة بشرية، أن التعايش سمة حضارية، وحقيقة إنسانية، مهما كانت الخلافات والنزاعات، ولن يكون العنف بديلاً عن التفاهم، ولا بديلاً عن الحوار وحل المشاكل وبناء الأوطان وازدهارها …

خامساً: كلنا والله ينشد الإصلاح، ويحارب الفساد والمفسدين، ونشترك جميعاً في بناء هذا الوطن العزيز ملكاً وحكومة وشعباً ونواباً، كل حسب مجاله وتخصصه.

وإذا كان الحال كما ذكر فعلينا المطالبة جميعاً بحكمة وتعقل بكل ما نريد بلا إفراط أو تفريط، عن طريق القنوات المشروعة، في المجالس النيابية والشورية والبلدية، أو عن طريق الحوار المتزن، ولتكن كلمتنا واحدة، لتجتمع القلوب ولا تتشتت الجهود، وتضيع المكتسبات والمنجزات التي تحققت في الأعوام الماضية.

سادساً: إحياء شعيرة التناصح فيما بيننا، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، وقول كلمة الحق، ونصرة المظلوم، والوقوف ضد المعتدي والباغي حتى لا يتمادى في طغيانه… سابعاً: وعلينا أن نسعى جادين للإصلاح بين المتخاصمين على مستوى البيت والأسرة والمجتمع والوطن، قال تعالى:(إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ، وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)

ثامناً: علينا أن نثق بالله بعد ذلك، ونتصل به وندعوه ونتوكل عليه، فبيده كل شيء، وقلوب العباد بين أصابعه يقلبها كيفما يشاء، ومهما خطط البشر، ومكر البشر، وأمتلك البشر من مقومات القتل والتدمير، وكثر عددهم وأتباعهم، لن يضروا شيئاً ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله، ولن يرضى الله لعباده إلا كل خير وإن ابتلاهم … ولن يحق إلا الحق ولو كره المعاندون، وأمره لا يحجبه حاجب، ولا ترده قوة ولا يعجزه جبار أو ظالم أو متكبر .. اللهم هيأ لنا من أمرنا رشداً، وألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واجمع كلمتنا على الحق والهدى، وخذ بنواصينا إلى كل خير، وأهدنا إلى سبل السلام،وأخرجنا من الظلمات إلى النور،وَاصْرِفْ عَنَّا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وقواتنا، وَقُلُوبِنَا وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا، وَتُبْ عَلَيْنَا؛ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ، اللهم اجْعَلْنَا شَاكِرِينَ لِنِعْمَتِكَ، مُثْنِينَ بِهَا، قَائِلِينَ بِهَا، وَأَتْمِمْهَا عَلَيْنَا‏ يارب العالمين. اللهم إنا نسألك في هذا اليوم المبارك، رَحْمَةً مِنْ عِنْدِكَ تَهْدِي بِهَا قُلُوبَنا، وَتَجْمَعُ بِهَا أَمْرَنا، وَتَلُمُّ بِهَا شَعَثَنا، وَتُصْلِحُ بِهَا غَائِبَنا، وَتَرْفَعُ بِهَا شَاهِدَنا، وَتُزَكِّي بِهَا ٍعَمَلنا، وَتُلْهِمُنا بِهَا رُشْدَنا، وَتَرُدُّ بِهَا أُلْفَتَنا، وَتَعْصِمُنا بِهَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ، اللَّهُمَّ أَعْطِنا إِيمَانًا وَيَقِينًا لَيْسَ بَعْدَهُ كُفْرٌ، وَرَحْمَةً نَنَالُ بِهَا شَرَفَ كَرَامَتِكَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ… اللهم ذا الأمر الرشيد، والحبل الشديد، نسألك الأمن يوم الوعيد،والجنة يوم الخلود، مع المقرّبين الشهود، إنك رحيم ودود،فعّال لما تريد. اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين. اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائرَ بلاد المسلمين. اللهم وفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى، ورئيس وزراءه خليفة بن سلمان، وولي عهده سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين.. اللهم كن لإخواننا المستضعفين المظلومين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصراً ومؤيداً، اللهم أصلح أحوالهم في فلسطين وفي بلاد الشام وفي اليمن وفي السودان وفي الجزائر وفي كل مكان، اللهم فرج همهم، ونفس كربهم، وأصلح أحوالهم، وألف بين قلوبهم، واحقن دماءهم، ولا تجعل لعدو ولا طاغية عليهم سبيلاً.. اللهم حرر الأقصى من أيدي الصهاينة المعتدين الغاصبين، وارزقنا فيه صلاة طيبة قبل الممات يا رب العالمين. اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين. الْلَّهُمَّ نَوِّرْ عَلَىَ أَهْلِ الْقُبُوْرِ مَنْ الْمُسْلِمِيْنَ قُبُوْرِهِمْ، وَاغْفِرْ لِلأحْيَاءِ وَيَسِّرْ لَهُمْ أُمُوْرَهُمْ. اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. عِبَادَ الْلَّهِ: إِنَّ الْلَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِيْ الْقُرْبَىَ وَيَنْهَىَ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ، فَاذْكُرُوْا الْلَّهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيْمُ الْجَلِيْلِ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَىَ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ الْلَّهِ أكبر والله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُوْنَ وَيَغْفِرْ الْلَّهَ لِيَ وَلَكُمْ.

            خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان- مملكة البحرين