الجمعة 19 جمادى الأولى 1440هـ

الموافق 25 يناير 2019م

 

الحمد لله خالق كل شيء، ورازق كل حي، أحاط بكل شيء علماً، وأحصى كل شيء عدداً، وكل شيء عنده بأجل مسمى، نحمده سبحانه ونشكره، ونتوب إليه ونستغفره وهو بكل لسان محمود، ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وهو الإله المعبود. ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الركع السجود، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى اليوم الموعود، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى، فهي السعادة في الدارين، والنجاة يوم يقوم الناس لرب العالمين، (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمنوا ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: تتوالى نعم الله تعالى على عباده في كل وقت، وتنهمر عليهم في كل أوان وحين، يعجز المرء عن حصرها، ويضعف عن استقصائها وعدِّها، يقول الله تعالى:(وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا،إن الإنسان لظلوم كفار) وبين وقت وآخر تظهر لنا المكتشفات الحديثة وسائل جديدة تعينُ الإنسانَ على تسهيل أموره، وقضاء حاجاته، وتلبية رغباته. ولا شك أن المسلم الواعي يختار من ذلك ما لا يتعارضُ مع أهداف الشريعة ومقاصدها، ويأخذ ما يتوافق مع أصولها ومبادئها….

عباد الله: ومن أعظم النعم التي يسَّرها الله تعالى وسخَّرها للبشرية في هذه الأزمنة، ما هيأه جل وعلا من ظهور المركبات(أي السيارات) وتسخيرها لخدمة الإنسان، بأشكالها المتعددة، وأحجامها المختلفة، وهي من المخلوقات أو المصنوعات التي أشار إليها القرآن الكريم في قول الحق جل وعلا:( وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لا تَعْلَمُونَ) فكان من فوائدها، أن أراحت الإنسان من عناء السفر، وأزاحت عنه كثيراً من المشاق والمتاعب، التي كان يواجهها في رحلاته وتنقلاته. كما أن السيارات قربت المسافات، واختصرت الأوقات، ووفرت كثيراً من المجهودات. وذلك شيء من المنافع التي تُجنى من الحديد، والتي ذكرها القرآن الكريم في قوله تعالى:( وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ). والسيارة عباد الله وسيلة ينبغي قصر الانتفاع بِها على الجوانب الإيجابية، وأداة حَرِيٌ بصاحبها أن يجعلها مجلبةً للخير والنفع، وأن لا تكون مفتاح شر أو مصدر قلق أو وسيلة إزعاج أو أذى يضر بِها نفسه وغيره… إن هذه المركبة(أي السيارة) لم تُصَنَّع إلا لخدمة الإنسان ونفعه، وهي كذلك إن أحسن استعمالها والتزم الطريقة المثلى في قيادتها، والمنهج السليم في استخدامها، والأدب المروري في تنقلاته عليها…

إن على قائد السيارة أن لا يخرج عن القواعد الصحيحة حين يقود سيارته، وعليه أن يلتزم بأنظمة المرور التي وضعت في الأصل لحماية السائق نفسه، من الأخطار التي قد تناله عند ارتكابه أدنى مخالفة، كما أنها وضعت لحفظ حقوق الآخرين من المشاة وقائدي السيارات الأخرى، حتى لا يصيبهم أذى أولئك السائقين المتهورين المخالفين الذين لا يعبئون بالقواعد والتعليمات، ولا يعيرونها أدنى اهتمام، إذ ترى المخالفات الصريحة، والتجاوزات المفرطة منهم، وهم يقودون سياراتهم، وبالأخص حين يغيبون عن أعين رجال المرور… وهذا ليس من الأدب الإسلامي في شيء، فإن ديننا الإسلامي الحنيف يحث أفراده على احترام مشاعر الآخرين، ومعاملتهم بالطريقة التي يرضاها المرء لنفسه، يودّ لهم ما يودّ لشخصه من الخير والنفع، ويكره لهم ما يكرهه لها من الشر والأذى والضرر، وقد قال الله تعالى:( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده).. وقد رسم لنا المصطفى صلى الله عليه وسلم ووجهنا وحثنا على الالتزام بآداب الطريق، ومراعاة الآداب العامة فيه، فذكر من تلك الآداب كف الأذى، وذلك يحتم على السائق وهو يقود سيارته أن يعمل بهذا التوجيه المحمدي، فلا يؤذي إخوانه قائدي السيارات الأخرى، أو المشاة بمضايقتهم، أو تعريض أرواحهم للخطر… فهو حين يقود سيارته يلتزم بالسرعة المحددة التي حَدَّدَتها الجهات المختصة لسلامة الجميع، ورسمتها لكل سائق حتى يحفظ نفسه، ويحفظ غيره ممن يرافقه، أو يستخدم الطريق التي يسلكها… والسائق الذي يسير في طريقه باعتدال واتزان وتعقل وتروٍّ، وهو يمسك بمقودِ سيارته سائق مثالي، يحسب ألف حساب لأي خلل يصدر منه أثناء القيادة، قد تكون عاقبته وخيمة، ونتائجه سيئة أليمة، وهو يتوقع المفاجآت من الآخرين أثناء قيادته، ولذلك لا يرضى أن يوقع نفسه في موقف لا يحسد عليه. كما أنه يدرك أن أي عبث يمارسه وهو يقود السيارة قد يؤدي إلى اختلال سيرها، وعدم قدرته على التحكم بها، فينتج عنه اصطدامها بأي جسم آخر، فيلحقه الضرر بنفسه وسيارته، فضلاً عن تضرر بعض المشاة أو الركاب أو إصابتهم في أجسادهم أو ممتلكاتهم…

أيها المسلمون: إن السائق الفطِنَ، ذا الفكر الناضج، والفهم السليم، والشعور الإسلامي المتمكن في قلبه ـ الذي استقاه واستلهمه من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه)، وقوله عليه الصلاة والسلام: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى). إن هذا السائق ـ هو السائق العاقل الذي أيقن أن مخالفته في قيادة سيارته قد يتمخض عنها إهدار أموال أو إتلاف أعيان أو ترمل نساء أو تيتم أطفال أو تفكيك أُسر أو إصابة آخرين بإعاقات كاملة أو جزئية، وتصَّور تلك النتائج السلبية المفزعة، والعواقب الوخيمة والمفجعة، التي ترتبت على المخالفات المرورية، والاستهتار بآداب السير، وعدم المبالاة بالتعليمات المستمرة والتوجيهات المتكررة التي تصدرها الجهات الأمنية، والحريصة على سلامة أفراد المجتمع والحفاظ على مقدراته وممتلكاته.

وإننا في هذا المقام نتوجه بالشكر والتقدير لوزارة الداخلية ووزيرها ولرجال الأمن والقائمين على إدارة المرور على ما يقومون به من جهد وحفظ للأمن وتنظيم للمرور في سبيل خدمة المواطنين والمقيمين من أجل الحفاظ على أرواحهم وممتلكاتهم، فجزاهم الله خير الجزاء، وأجزل لهم المثوبة.

أيها الإخوة والأخوات في الله:إن على كل واحد منا أن يلتزم وهو يقود سيارته بآداب القيادة، وأن يحافظ على نفسه ومن معه ومن هم في الطرقات التي يسلكها إخوانه… إن التؤدة والتأني في السير، من الأمور المحمودة، ومن الصفات المرغوبة،التي دعا إليها ديننا الحنيف، يقول تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمْ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا)

أيها المؤمنون: ولو تأملنا الحال في تعامل بعض السائقين مع الشارع والمشاة وإخوانهم السائقين، لوجدنا بعض الأخطاء التي ترتكب من قبل البعض، بقصد أو بغير قصد، مما يتعلق بالسير في الطرقات العامة، والشوارع المخصصة لسير السيارات أو المشاة. فالأصل أن يسلك السائق الطريق بسيارته بهدوء واتزان، وأن يراعي أحوال المشاة ومن يسلك الشارع من إخوانه السائقين بسياراتهم، وأن يتجنب الوقوع في أي مخالفة قد تكون سبباً في إلحاق الضرر بالآخرين أو إيذائهم، وإذا كانت النصوص الشرعية تبين أن إزالة الأذى وإماطته عن الطريق يكتب به الأجر والثواب للمؤمن، فإن إلحاق الأذى والضرر بالآخرين يكون سبباً في تحمل الفاعل للإثم ووقوعه في الذنب…. فبعض السائقين قد يقود سيارته بسرعة هائلة في الشوارع المزدحمة وفي وسط المدن والقرى ، حيث تكتظ الشوارع بالسيارات والمشاة، مما يتسبب في كثير من الأحيان بوقوع الاصطدام أو إزهاق نفس بريئة، فيتسبب في أذية نفسه بإتلاف سيارته وتحمله مبالغ لإصلاحها وإعادتها لحالتها الأولى، كما يتسبب في تحميل الآخرين تكاليف إصلاح سياراتهم، أو يكون ذلك عليه إذا كان هو المتسبب الرئيس فيه… كما لا ننسى أنه حين تُزهق روح إنسان بسبب سرعته هذه فإنه يتسبب في إدخال الحزن واليتم والترمل لأفراد أسرة ذلك الذي تسبب في وفاته، بسبب سرعته الجنونية وعدم التزامه بآداب قيادة السيارة والتمهل في مشيه وسيره. ولا شك أن الحكم الشرعي في ذلك أنه يكون ضامناً لكل ما يترتب على التلف الذي وقع بسبب سرعته، سواء كان تلفًاً في آلة أو مركبة أو إزهاق نفس أو إلحاق ضرر بإنسان كإصابته بجروح أو كسور أو نحو ذلك… وإننا لنسأل الله عز وجل أن يتغمد برحمته ومغفرته كل من راح ضحية حادث مروري، وأن يلهم أهلهم وذويهم الصبر والسلوان، وأن يمن على كل مصاب ومعاق بالشفاء العاجل إنه على كل شيء قدير.

عباد الله: ومما يتصل بهذا الجانب، المخالفات المرورية التي يرتكبها كثير من السائقين، من عكس خط السير، أو تجاوز إشارة المرور الحمراء، أو الوقوف في الأمكنة والمواقف التي يُمنع الوقوف فيها، أو غير ذلك من المخالفات الأخرى، وكم رأينا من مشاهد محزنة وصور دامية لحوادث ذهب ضحيتها الأنفس البريئة، أو كانت سبباً في إصابة البعض بإعاقات تامة أو جزئية، والسبب في ذلك قلة الوعي لدى البعض في قيادة السيارات والمركبات، أو إصرار بعض السائقين على عدم التنازل عن شيء من حقوقهم المؤقتة في القيادة التي يكتسبونها أثناء السير، كأفضلية المرور والأولوية في استخدام الطريق ونحو ذلك، مما يؤدي إلى وقوع الحوادث…

أيها المسلمون: إن قائد السيارة ينبغي عليه مراعاة عدة أمور أثناء القيادة، فعند ركوبه يبتدئ بالأدب الإسلامي الذي وجه إليه، وهو ما ورد أن علياً رضي الله عنه أُتي بدابة ليركبها، فلما وضع رجله في الركاب قال: (بسم الله)، فلما استوى على ظهرها قال: (الحمد لله الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون)، ثم قال: (الحمد لله) ثلاث مرات، ثم قال: (سبحانك إني ظلمت نفسي فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)، ثم ضحك عليٌ فقيل له: يا أمير المؤمنين، من أي شيء ضحكتَ؟ فقال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فعل مثل ما فعلتُ ثم ضحك، فسألته فقال: (إن ربك سبحانه يعجب من عبده إذا قال: اغفر لي ذنوبي، يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيري)…. وإن كان قائد السيارة مسافراً دعا بدعاء السفر المشهور المعروف، وهو (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر،(سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ) (اللهم إنا نسألُكَ في سفرنا هذا البرَّ والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعْثاءِ السفر، وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل) وإذا رجع قالهن وزاد فيهن (آيبون، تائبون، عابدون، لربنا حامدون) وكذلك إذا خرج يدعو بالدعاء الآخر الذي رغب فيه المصطفى صلى الله عليه وسلم بقوله: (من قال ـ يعني إذا خرج من بيته ـ: بسم الله، توكلت على الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له: كفيتَ ووقيتَ وهديتَ، وتنحى عنه الشيطان) ، وهذا عام في كل من خرج من بيته…. وعليه أن يتفقد سيارته من أي خلل قد يكون فيها؛ لأن المركبة إذا كانت غير صالحة للاستعمال بسبب خلل في بعض أجزائها قد يؤدي إلى إلحاق الضرر بقائدها وبالآخرين، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مَرَّ أحدكم في مجلس أو سوق وبيده نبل فليأخذ بنصالها، ثم ليأخذ بنصالها، ثم ليأخذ بنصالها؛ أن يصيب أحداً من المسلمين منها بشيء). وهذا تأكيد منه صلى الله عليه وسلم لأمته بعدم إيذاء الآخرين بشيء من الآلات المستعملة في ذلك الوقت كالسهام، وفي معناها كل شيء يملكه الإنسان يؤدي استعماله إلى إلحاق الضرر بالناس، والسيارات من أكثر ما يستخدم في هذا الوقت، فينبغي أن يكون الاستعمال بالطريقة المثلى الصحيحة، والتي لا تؤدي إلى إيذاء الآخرين وإضرارهم…. وعلى السائق أن يلتزم بأنظمة المرور وقواعده التي وضعت لسلامة السائق وسلامة غيره من إخوانه الذين معه، أو الذين يقودون سياراتهم، أو يعبرون الطريق، أو يمشون في الشوارع والممرات، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (لا ضرر ولا ضرار). كما على السائق أن يراعي غيره من إخوانه المشاة عند قيادته السيارة، فإذا رأى أحداً يريد عبور الطريق فليعطه الفرصة ليمر، وليقف حتى يتخطى من أمامه، فإن ذلك من تفريج الكربات، وقد قال صلى عليه وسلم : (من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة). وينبغي للماشي أن يشكر السائق على وقوفه له؛ لأن ذلك من باب المكافأة، وقد قال: عليه الصلاة والسلام (من لم يشكر الناس لم يشكر الله)

ومن العادات التي ينبغي للسائقين نبذها تلك التي يقوم بِها البعض ـ وهم قلة ـ حين يقف اثنان كل واحد منهما بسيارته وسط الطريق يتحدثان، أو يسلم أحدهما على الآخر، ووراءهما رَتَلٌ من السيارات، مما يتسبب في عرقلة حركة المرور، وذلك من الأذى المنهيّ عنه، (والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)

فاحرص أخي المسلم أن تكون مثالياً وأنت تقود سيارتك، وتذكّر دائماً أن هذه المركبة نعمة تفضّل الله بِها عليك، وهيّئها لك لتقضي بِها حاجاتك، أو وسيلة تكسب به معيشتك، فاستخدمها للغرض الذي وُجِدت من أجله، ولا تجعلها سبباً في إلحاق الضرر بك أو الأذى بإخوانك الآخرين، صحبتك السلامة، في حلك وترحالك،وحفظنا الله وإياك من شر الحوادث وتهور السائقين.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه،وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه سبحانه،وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله الداعي إلى سبيل الله ورضوانه،صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد فيا أيها المسلمون: إن الإفراط في السرعة بالسيارة، مصدر لإلقاء الرعب والخوف في قلوب الآمنين، وإفساد في الأرض، وإهلاك لأنفس بريئة، واعتداء على أثمن شيء يملكه الإنسان في هذا الوجود، ألا وهو حق الحياة، وليعلم الذين يتعجَّلون أن خلْفَهُم نساءً وأطفالاً هم بأشد الحاجة إليهم، وعليهم أن يفكروا في مصير أسرهِم وأولادهم…

عباد الله: إنَّ حوادثَ السيارات ألحقتْ أضراراً جسيمةً بالفرد والأسرة والمجتمع والدولة، وأدّت إلى تيَتُّم أطفال أبرياء، وخسارة شباب أقوياء، وقتل شيوخ ضعفاء، وترمّل نساء عفيفات، وهدر للوقت والمال في الدواء والعلاج..

وقد دلَّت الإحصاءات على أن أعداد القتلى والجرحى والمعاقين بسبب حوادث المرور في ارتفاع دائم وازدياد مستمر، وكل هذا يُخلِّفُ الحسرة في النفوس، وتَبْقَى الجروحُ الغائرةُ شاهدةً على ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، وفي الحديث الشريف: (الأَنَاةُ مِنَ اللَّهِ وَالْعَجَلَةُ مِنَ الشَّيْطَان). فلا تجعل يا عبد الله مقود سيارتك في يد الشيطان .

إخوة الإيمان: من منا يرضى أن يكونَ سبباً في تحوُّل أسرة تنعم في ظل راعيها بالبهجة والسرور إلى أسرةٍ كئيبة حزينة تعيش حالة من البؤس والتعاسة والشقاء صباح مساء ولسنين عديدة؟! من منا يرضى أن يكونَ سبباً في حفر ذكريات أليمة في مهج أطفال صغار ينتظرون بشوق عودة أبيهم أو أخيهم؟! من منا يرضى أن يجعل السيارة التي هي وسيلة نقل وسيلةَ قَتْلٍ ودمار؟!

عباد الله: ما أجدرنا بأن نتحلى بالصفة الأولى من صفات عباد الرحمن الذين قال اللـه فيـهم: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامً) وما أجمل أن نقتديَ بنبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم في سيره ليلةَ أن دفع من عرفة إلى المزدلفة ومعه ذلك الجمع الهائل من الحجيج، فكان يناديهم ويرفع يده اليمنى قائلاً: (يا أيها الناس، السكينةَ السكينةَ). وكان يكبح من سرعة راحلته بشدّ زمامها حتى كادَ رأسها أن يلامس رحلها، وذلك خشية أن يشق على المسلمين في سيرهم، أو أن يضايق أحدًا منهم في طريقه..

عباد الله: ولا ينبغي لقائد السيارة أن ينشغل بشيء يؤثر على رؤيته وتركيزه أثناء القيادة؛ كالهاتف أو المسجل أو المذياع في السيارة مثلاً، لأنه مسئول أمام الله عن سلامة نفسه وسلامة الآخرين، وعليه أن يسير بهدوءٍ وسكينة، وأن يتذكر وصية لقمان عليه السلام لابنه وفِلْذة كبده: (وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ)…نسأل الله سبحانه وتعالى أن نكون ممن يحفظون دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم، وأن يكتب لنا وللمسلمين جميعاً السلامة والعافية في البر والبحر والجو، وأن يحفظ أهلنا وأبناءنا وبناتنا وبلدنا هذا خاصة وسائر بلاد المسلمين. …. اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين،اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين ، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم وعبادك الصالحين. اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين.اللهم وفق ولاة أمورنا ملكنا ورئيس وزراءه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد،وفقهم لما تحب وترضى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين…اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان،اللهم كن لهم في فلسطين وفي بلاد الشام وفي اليمن وفي كل مكان، اللهم فرج همهم ونفس كربهم، وأصلح أحوالهم،وألف بين قلوبهم،ولا تجعل لعدو عليهم سبيلا..                             اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا،وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا،واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر..اللهم فرج الهم عن المهمومين،ونفس الكرب عن المكروبين،واقض الدين عن المدينين،واشف مرضانا ومرضى المسلمين،برحمتك يا أرحم الراحمين.( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.) اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات،والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات إنك على كل شيء قدير..

عباد الله :إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ويغفر الله لي ولكم.

     خطبة جامع الفاتح الإسلامي- عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين