الجمعة 21 ربيع الآخر 1440هـ
الموافق 28 ديسمبر 2018م

الحمد لله المتفرد بالبقاء والدوام، الملك القدوس السلام، نحمده سبحانه ونشكره، ونتوب إليه ونستغفره، غافر الذنب وقابل التوب، شديد الانتقام، ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة تبلِّغ رضوانَ اللهِ ودارَ السلامِ، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداَ عبد الله ورسوله، خاتم النبيين وسيد الأنام، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه السابقين إلى الإسلام، والتابعين وَمَنْ تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى، فهي النجاة وسبيل الفلاح في الدنيا والآخرة،(وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)

معاشر المسلمين: لقد أدى التواصل العجيب، بين أجزاء الكرة الأرضية، إلى نوع من دفق الثقافات،وتعدد منابع التلقي، وأصبح العالم اليوم، يهدر بسيل جارف من العقائد والأفكار والتصورات والمفاهيم… ترى فيه أخلاقاً متباينة، واتجاهات مختلفة، وأنماطاً متفاوتة، يبرز ذلك، واقع المجتمعات البشرية اليوم، وما تعيشه من عذاب في ضميرها، واضطراب في بنيتها، وانحدار في أخلاقها، ومسخ لشخصيتها.. وسبيل النجاة لتلك المجتمعات، إعلان الاستسلام لله حقيقة، والانقياد لطاعته صدقاً، إذ لا سبيل غيره، وصدق الله العظيم: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)

أيها المؤمنون: لقد تأثرت الشخصية الإسلامية عبر القرون وتعرضت وما زالت إلى حملات آثمة، استهدفت إزالتها وتدميرها وتشويهها ومسخها، وذلك بما يلقيه الأعداء من شبهات وشهوات، وبما جاءوا به من فلسفات وثقافات، لذا كان لزاماً على الآباء والمربين، والمعلمين ومؤسسات التربية والتعليم، ووسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية،أن تقوم بتأصيل بناء الشخصية الإسلامية، وتغذية المناعة الداخلية، وإيجاد الحصانة الذاتية.

بناء شخصية واضحة المعالم، تطبق الإسلام واقعاً محسوساً ومشاهداً، كما جلُتها نصوص القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة… فكلما كان بناء الفرد سليماً، نشأ المجتمع ونشأت الأمة قوية متينة، وفي ذلك وقاية للأفراد والمجتمعات، من خلل عقدي، وتطرف وغلو ديني، أو انحلال خلقي، وانحراف سلوكي.. فرقي المجتمعات يا عباد الله لا يقاس بما حققته من منجزات العلم، وما تقدمت به في عالم المادة، بل يقاس بتمسكها بدينها وعقيدتها ومثلها، وسيادة القيم والمبادئ والأخلاق التي نشأت عليها وربت عليها أجيالها… عباد الله: إن للمسلم  رجلاً كان أو امرأة، شخصية متميزة ميزه الله بها عن الناس، حيث إنه إنسان عقيدة، فالمسلم يؤمن بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد  نبياً ورسولاً، ويؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره، ينطلق المسلم في نظرته إلى الحياة على أساس هذا الإيمان، الذي يحدد له منطلقاته وأهدافه وسلوكه، ونظرته إلى هذا الكون والحياة وتعامله فيها، وعلى هذا الأساس تقوم حياته، وتتحدد نظراته، وتسير أموره بوضوح وجلاء، فلا تخبط ولا تيه، ولا تغير ولا تبديل، ولقد ركز الإسلام على هذا المعنى الكبير لأنه هو الذي يحدد بداية مسار الإنسان في هذه الحياة ومنطلقه منها، يقول تعالى: (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ).. أيها الأخوة والأخوات في الله: ومن سمات الشخصية المسلمة، عبادة الله عز وجل، فحياتها عبادة لله سبحانه وتعالى، تسير بنظام واتساق وتوازن، وهي ملتزمة بهذه العبادة الجليلة، التي تشمل جميع جوانب الحياة، يقول تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)، وعليه فالمسلم يقوم بهذه العبادة مخلصاً فيها لله عز وجل، يقول تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ)… ومن سمات الشخصية المسلمة، أن المسلم إنسان أخلاق، يتميز بخلقه الكريم، وتعامله الحسن، وسلوكه الحميد، مقتدياً في ذلك كله، بقدوته الأولى محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أثنى الله تعالى عليه في هذا الجانب فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ)، وسئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن خلقه عليه الصلاة والسلام فقالت: كان خلقه القرآن.. وزخرت سنته  بالحث على الالتزام بالأخلاق، والتأدب بآداب الإسلام، قال صلى الله عليه وسلم : (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقا)، وقال  لمن طلب منه الوصية: (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن).

أيها الإخوة والأخوات في الله: من سمات الشخصية الإسلامية، أنها طائعة لله، منصاعة لهديه، أوابة إلى حماه، راضية بقضائه وقدره، إنها شخصية متوازنة، لا تهرب من الحياة وتعذب الجسد، وتكبت هواتفه، ولا تنغمس في ملذات الحياة الدنيا، متجاوزة حدود الله تعالى، قال سبحانه: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) إنها شخصية متميزة، تعطي للجسم حقه من العناية، وللمظهر ما يستوجبه من الرعاية، فمع نظافة البدن والثوب، تكون نظافة اللسان، فلا يؤذيك ببذيء الألفاظ، ولا يجرحك بالطعن في الأحساب والأنساب،ولا يتلوث بالفحش والثرثرة وكثير الكلام، يُتُوج ذلك بطهارة القلب من مشاعر الحقد والحسد والبغضاء.. الشخصية الإسلامية مع الوالدين: برٌ وإحسانٌ ووفاء، قال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا).

ومع الزوجة، معاشرة حسنة، وكلمة طيبة، وقوامة حكيمة،لا يستبد بها،ولا يهينها ولا يضربها، ولا يستولي على مالها وحقوقها، يقول تعالى: (وَلَهُنَّ مِثلُ الَّذِي عَلَيهِنَّ بِالمَعرُوفِ)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (استوصوا بالنساء خيراً)، ويقول: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي)، ويقول: (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائهم).الشخصية الإسلامية مع الأرحام: ودٌ وصلة ورحمة، يقول صلى الله عليه وسلم: (الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ : مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ ، وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ) الشخصية الإسلامية مع الجيران: حسن جوار،وأدب واحترام، وتحمُل للأذى، يقول صلى الله عليه وسلم: (مَا زَالَ جِبْرِيلُ يُوصِينِي بِالْجَارِ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ سَيُوَرِّثُهُ)، صاحب الشخصية الإسلامية، إخوة الإسلام، يتقن عبادته، وينطلق في سماء الإبداع، في العمل والمهنة،يحقق أعلى معدلات الإنتاج، في صناعة أو زراعة أو حرفة، ليكون عضواً عاملاً في جسد الأمة، ودماً يجري في عروقها، يمدها بالقوة والنماء، فهو إذا صنع أتقن، وإذا زرع أحسن، وإذا تاجر برع وتفنن، لا يرضى لوطنه وأمته أن تتأخر بعد تقدم، وان تذل بعد عزة، يقول صلى الله عليه وسلم: (الْمُؤْمِنُ الْقَوِىُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِى كُلٍّ خَيْرٌ) فمع قوة الإيمان والأخلاق والجسم،تكون القوة في العلم والمعرفة والمهنة، وفي كل ما يعطيه لفظ القوة من دلالة، فالأمة موقعها الصدارة، وفي أبنائها من المقومات ما يجعل لها وزناً حضارياً.. أيها المسلمون: التعاون لجلب الخير والنفع، ودفع الضر والشر، من سمات الشخصية الإسلامية، يقول تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَان) ويقول صلى الله عليه وسلم: (الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ الْمَرْصُوصِ؛ يَشُدُّ بَعْضَهُ بَعْضًا)، ويقول: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى).. وإنقاذ كلب وسقيه بماء، كان سبباً في مغفرة الله لمن فعل ذلك.فماذا يكون الثواب، لو كان التعاون في سبيل إنقاذ نفس أو نفوس من الضلال أو الجوع.

المسلم يا عباد الله معطاءٌ بطبيعته الإسلامية، يطعم جائعاً، يغيث ملهوفاً، يحمل عاجزاً، يعود مريضاً، يساعد مكروباً، يعلم جاهلاً، يرشد ضالاً، ينصر أخاه ظالماً بردعه عن الظلم والبغي، وينصره مظلوماً بتأييده وحمايته والدفاع عنه، يقول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ)…

أيها المؤمنون: من سمات الشخصية الإسلامية، العزة: عزة التمسك بدين الله، لا يتوارى من القوم، بسبب التزامه بتعاليم دينه في لباسه وهيئته، ولا يخجل من إعلان عقيدته وشريعته، لا يبقى منزوياً معزولاً عن الحياة، والتفاعل معها، يقول الله عز وجل: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) ويقول تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)، يطلب المسلم العزة والرفعة بالعبودية الخالصة لله سبحانه، يقول تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) وإذا فقد المسلم اعتزازه بدين الله، ضعفت شخصيته وشعر بالنقص والانهزامية النفسية، فانساق وراء كل ناعق، يقلد ويحاكي، يهيم على وجهه تائهاً بلا هوية، إمعة بلا نفس أبية.. إن الإسلام عباد الله لا يعارض الأخذ بالمفيد الصالح، والجديد النافع، ولو كان من العدو، مما اشتمل على مصلحة دنيوية، ولا يخالف حكماً شرعياً، أو أدباً نبوياً، فالحكمة ضالة المؤمن حيث وجدها فهو أحق بها، يدخل في ذلك، مجاراة الآخرين في العلوم والاختراعات والصناعات وأسباب التقدم والتطور والازدهار.

عباد الله: ومن مميزات الشخصية الإسلامية، العلم والدعوة إلى الله، وحسن التعامل مع الآخرين، يسير في الحياة على علم وبصيرة، ويتعامل مع الآخرين بما يحب أن يعاملوه به، فينطلق في تعامله من محبته لهم، وتمني الخير لهم، والدعاء لهم، بكل ما يصلح حالهم ويسعدهم في دنياهم وأخراهم، فالمسلم ليس أنانياً لا يريد الخير إلا لنفسه، وليس حسوداً يتمنى زوال النعمة عن غيره، وليس حقوداً يتمنى الشر للآخرين، وهكذا كان رسول الله  صلى الله عليه وسلم ودعوته قائمة على ذلك، والمسلم الحق من يكون كذلك، فيوصل أعظم الخير إلى الناس من هدايتهم وإرشادهم وتوجيههم، وخيرية هذه الأمة قائمة على أساس هذا المبدأ العظيم، يقول تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ).

فاتقوا الله عباد الله، واعتزوا بشخصيتكم الإسلامية،والتزموا بتعاليم دينكم الحنيف،  وخذوا بهدي نبيكم صلى الله عليه وسلم في لزوم الحق والتمسك به، تفلحوا فترحموا وترزقوا وتنصروا في الدنيا والآخرة.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآنِ العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، وأقول قولي هذا، وأستغفِر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي خصنا بخير رسله، وأنزل علينا أكرم كتبه، وشرع لنا أكمل شرائعه، نحمده سبحانه ونشكره، لا نحصي ثناء عليه، أكمل لنا الدين، وأتمّ علينا النعمة، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

أما بعد فيا أيها المسلمون: إن محور بناء الشخصية الإسلامية، هو غرس العقيدة الصحيحة، وتقوية الإيمان بالله عز وجل، فالعقيدة الصحيحة تكشف زيف الشبهات، والإيمان بالله يربي على الثبات أمام المطامع والشهوات، كما أن العبادة بمفهومها الشامل، تغذي البناء، يقول تعالى:﴿وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)… أسلوب الحوار المثمر،والمكاشفة والمصارحة للفتيان والفتيات، للإقناع بالحجة والبيان، من وسائل بناء الشخصية الإسلامية..جاء شاب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وبطبيعته وفطرته، قال: يا رسول الله ائذن لي بالزنا؟ فأقبل القوم عليه فزجروه، قالوا: مه مه (أي أصمت، أصمت)، فوسعه حلم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال للشاب: “ادنه” فدنا منه قريباً  وجلس، قال له الرسول : أتحبه لأمك؟  قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: (ولا الناس يحبونه لأمهاتهم) قال: (أفتحبه لابنتك؟) قال: لا والله يا رسول الله جعلني الله فداءك، قال: (ولا الناس يحبونه لبناتهم) قال: (أفتحبه لأختك؟) قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: (ولا الناس يحبونه لأخواتهم) قال:(أفتحبه لعمتك؟) قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: (ولا الناس يحبونه لعماتهم) قال: (أفتحبه لخالتك؟) قال: لا والله جعلني الله فداءك، قال: (ولا الناس يحبونه لخالاتهم) فجلس الشاب يفكر، وقد أخذه منطق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمسح الرسول بيده على صدره، ودعا له بعد أن ملك نفسه وحسه، وقال: (اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه) قال الراوي: فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء. نعم أيها الإخوة: إن هذا الشاب قد جاء والغريزة تتوقد في نفسه، مما يدفعه إلى أن يكسر حاجز الحياء، ويخاطب النبي صلى الله عليه وسلم علناً أمام أصحابه، وأدرك النبي صلى الله عليه وسلم المربي المعلم لديه جانباً لم يدركه فيه أصحابه فما هو؟  لقد جاء هذا الشاب يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان قليل الورع عديم الديانة لم ير أنه بحاجة للاستئذان بل كان يمارس ما يريد سراً، فأدرك صلى الله عليه وسلم هذا الجانب الخير فيه، فماذا كانت النتيجة : (فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء)

بهذا الأسلوب يا عباد الله تبنى الشخصية الإسلامية، وبذلك ننتزع حشائش الأرض الضارة ودقلها، ونمنحها الماء، ونبذر فيها البذور الصالحة للإنبات، ولن تكون النتيجة بعدها إلا حدائق ذات بهجة، ولن يكون الحصاد بعد ذلك إلا جناً حلواً وشهداً.

أما المرأة المسلمة يا عباد الله فإن شخصيتها ومكانتها في هذا الدين عظيمة، فعليها الاعتزاز بها،والحذر الحذر من مكائد أعداء الإسلام وأذنابهم ودعواتهم الباطلة المفسدة، يجب عليها تقوى الله، والالتزام بتعاليم دينها، ولزوم العفاف والحجاب الشرعي والاحتشام، والبعد عن التشبه بغير المسلمات في لباسهن وأزيائهن وعريهن وتبرجهن،ونذكر الجميع شباباً ونساءً ورجالاً،بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم)  وبقوله: (ليس منا من تشبه بغيرنا) وبقوله:( يحشر المرءُ مع من أحب)

اللهم وفقنا للعمل بما يرضيك،وجنبنا أسباب سخطك ومعاصيك، اللهم اعصمنا من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم اجعلنا من الذين تحبهم ويحبونك ويطيعونك ويطيعون رسولك، ويخشونك ويتقونك، اللهم ارزقنا صلاحاً في القلب، وفقهاً في الدين، وزيادة في العلم، وقوة في اليقين، وكفاية في الرزق، وعافية في الدارين، برحمتك يا أرحم الراحمين.. اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها. اللهم آمنا في وطننا واجعل هذا البلد آمنا مطمئناً سخاًء رخاءً وسائر بلاد المسلمين.اللهم وفق ولاة أمورنا (ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزراءه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد) وفقهم لما تحب وترضى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين.. اللهم ألف بين قلوبنا ووحد صفوفنا ودولنا وقادتنا وشعوبنا على الخير والهدى يارب العالمين. اللهم من أراد بلادنا  وبلاد الحرمين الشريفين، وخليجنا وأمننا بسوء وشر وفتنة فأشغله بنفسه، ورد كيده في نحره، واجعل اللهم تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء… اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان، ناصراً ومؤيداً، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح أحوالهم في فلسطين وفي بلاد الشام وفي اليمن وفي السودان وفي كل مكان. اللهم ولي عليهم خيارهم، واصرف عنهم شرارهم، ووحد صفوفهم، يا سميع الدعاء… اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين،واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين… الْلَّهُمَّ نَوِّرْ عَلَىَ أَهْلِ الْقُبُوْرِ مَنْ الْمُسْلِمِيْنَ قُبُوْرِهِمْ، وَاغْفِرْ لِلأحْيَاءِ وَيَسِّرْ لَهُمْ أُمُوْرَهُمْ، الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

عِبَادَ الْلَّهِ: إِنَّ الْلَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِيْ الْقُرْبَىَ وَيَنْهَىَ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ،. فَاذْكُرُوْا الْلَّهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيْمُ الْجَلِيْلِ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَىَ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ الْلَّهِ أَكْبَرُ، وَالْلَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُوْنَ وَيَغْفِرْ الْلَّهَ لِيَ وَلَكُمْ.

خطبة جامع الفاتح –   عدنان بن عبد الله القطان –   مملكة البحرين