الجمعة 28 ذو القعدة 1439هـ
الموافق 10 أغسطس 2018م

الحمد لله العزيز الغفار، مقلب القلوب والأبصار، نحمده سبحانه ونشكره ونتوب إليه ونستغفره، نعمه تترى وفضله مدرار. ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، رفع الأغلال والآصار، وكشف بإذن ربه غشاوة البصائر، وقذى الأبصار، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه المصطفين الأخيار، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ ما تعاقب الليل والنهار..

أما بعــد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله عز وجل، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: يظلنا في الأيام المقبلة، هلال شهر ذي الحجة الحرام، بعشره الأوائل المباركات، إنها أفضل أيام الدنيا، أقسم الله بها في كتابه العزيز بقوله -سبحانه وتعالى-: (وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ * وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ) والمراد بالفجر هنا كما قال بعض المفسرين: فجر يوم النحر خاصة، وهو خاتمة الليالي العشر، والمراد بالوتر، يوم عرفة، والشفع يوم النحر… إنها الأيام المعلومات، التي شرع الله فيها ذكره في قوله عز وجل: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ) وقوله تعالى-: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ) يقول عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما: (الأيام المعلومات، هي أيام العشر من ذي الحجة، والأيام المعدودات هي أيام التشريق.

وما من أيام يحب الله العمل الصالح فيها أكثر من هذه الأيام، وفى فضلها، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ) وفى لفظ آخر (مَا مِنْ عَمَلٍ أَزْكَى عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا أَعْظَمَ أَجْراً مِنْ خَيْرٍ يَعْمَلُهُ فِي عَشْرِ الْأَضْحَى، فقالوا: يا رسول الله: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ) ففي هذا الحديث تفضيل بعض الأزمنة على بعض، كما تفضل الأمكنة بعضها على بعض، وفيه فضل أيام عشر ذي الحجة على غيرها من أيام السنة، كأنه قيل: ليس العمل في أيام سوى العشر من ذي الحجة، أحب إلى الله من العمل في هذه العشر؛ لأنها أيام زيارة بيت الله الحرام، والوقت إذا كان أفضل كان العمل الصالح فيه أفضل. وفي الحديث أيضاً تعظيم قدر الجهاد، وتفاوت درجاته، وأن الغاية القصوى فيه بذل النفس لله؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: (ولا الجهاد في سبيل الله) أفضل من العمل الصالح في تلك الأيام، “إلا” جهاد “رجلٍ” “خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك” المال ولا من نفسه، “بشيءٍ”؛ فهو قد بذل ماله ونفسه في سبيل الله، فيكون هذا –فقط- هو العمل الأفضل من أي عمل صالح آخر في أيام العشر أو المساوي له… إنها العشر، التي بها يوم عرفة، يوم إكمال الدين، وإتمام النعمة، فيه نزل قول الله -عز وجل-: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ، وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي، وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِيناً) ولم ينزل بعدها حلال ولا حرام، فهذه أكبر نعم الله تعالى على هذه الأمة، حيث أكمل -عز وجل- لهم دينهم، فلا يحتاجون إلى دين غيره، ولا إلى نبي غير نبيهم صلى الله عليه وسلم… إنها العشر التي يزينها يوم عرفة، ذاك اليوم الذي يدنو الله سبحانه وتعالى فيه من عباده،(نزولاً يليق بجلاله) ثم يباهي بأهل الموقف ملائكة السماء، فما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة…

إنها العشر التي جمع الله فيها أمهات العبادات كلها، فما من عبادة في الإسلام إلا ولها مكان في هذه العشر، إنها الموسم الأخير في هذا العام، العمل الصالح فيها محبوب إلى الملك الديان، أفلا تحب يا عبد الله ما أحبه مولاك؟! إن بلوغ هذه العشر بعد رمضان، نعمة عظيمة، فكم من نفس أدركت رمضان، لم تدرك عيد الفطر بعده، وكم من نفس أدركت عيد الفطر، لم تدرك عشر ذي الحجة ولا عيد الأضحى بعدها، فاللهم بلغنا هذه العشر  وهذا الموسم من مواسم الجنة بالصحة والعافية والأعمال الصالحة وطول العمر… إن هذه العشر يا عباد الله هي العزاء لمن فرَّط في رمضان، فها هو مولاك عز وجل يمهلك ويمد في عمرك، فماذا أنت فاعل؟! كم مرت علينا في أوائل الشهور من عشرٍ لم يكن لها مزية، أما هذه العشر فقد ميَّزها خالقها وجعلها خير أيام العام، يقول صلى الله عليه وسلم: (أفضل أيام الدنيا أيام العشر) إنها عشر ذي الحجة، الشهر الأخير من العام، وعما قليل ستطوى صحائفه، وتغلق خزائنه على ما عملناه فيه من خير أو شر، فاختم عامك أيها المسلم بخير؛ فإن العبرة بالخواتيم.

أيها المسلمون: علينا أن نبذل أقصى الجهد لاستغلال هذا الموسم، موسم الخير الذي فاق العمل الصالح فيه حبًّاً عند الله، فاق الجهاد في سبيل الله، مع أن الجهاد ذروة سنام الدين، فهي نفحة من الله قد لا ندرك مثلها مرة ثانية؛ فالأعمار بيد الله -عز وجل-، والعاقل من ينتهز الفرصة، والمحروم من ضيعها… فما هي يا عباد الله أنواع العمل الصالح في هذه العشر التي قد لا تعود؟!

فمن هذه الأعمال: أولاً: التوبة النصوح؛ فحري بالمسلم أن يستقبل هذه الأيام العشر بالتوبة الصادقة؛ لأنه ما حُرم عبد خيراً في الدنيا أو الآخرة إلا بسبب ذنوبه ومعاصيه، يقول -عز وجل-: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) ويقول تعالى: (أَوَلَا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ يُفْتَنُونَ فِي كُلِّ عَامٍ مَّرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ ثُمَّ لَا يَتُوبُونَ وَلَا هُمْ يَذَّكَّرُونَ) والتوبة تكون بالإقلاع عن الذنوب والمعاصي، والندم على ما مضى، والعزم على عدم العودة إليها، وأن تكون خالصة لله، وأن يتمسك المسلم بتعاليم الإسلام بعدها في كل الأمور؛ فيكون بذلك ممن مدحهم الله -سبحانه وتعالى- بقوله: (إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) ومع التوبة يكثر المسلم من أعمال الخير في هذه العشر، فهي موسم من مواسم الخير العامة.

ثانياً: صيام تسعة أيام من هذه العشر أو ما تيسر منها، فكثير من الناس يركز على الصيام، والصيام عمل طيب، بل قد استدل بالحديث الذي ذكرناه على فضل صيام التسع من ذي الحجة؛ لاندراج الصوم في العمل، فاحرص على هذه القربة وخاصة يوم عرفة؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالَّتِي بَعْدَهُ). فانظر يا عبد الله إلى هذا الفضل العظيم، كيف أن صوم عرفة وحده يمحو الله به ذنوب سنتين كاملتين، فالسعيد من اغتنم هذه الأوقات العظيمة وصام يوم عرفة، وحفظ فيه لسانه وسمعه وبصره وجميع جوارحه عما يغضب الله تعالى، وينبغي -أخي المسلم- أن تدعو أهل بيتك وأقاربك وأصدقاءك وجيرانك لصوم يوم عرفة المبارك؛ فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (من دل على خيرٍ فله مثل أجر فاعله). وتذكر أن (من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًاً)

ثالثًاً:ومن الأعمال الصالحة في هذه الأيام العشر الإكثار من ذكر الله تعالى : بالتكبير والتهليل والتحميد والتسبيح والاستغفار والدعاء وتلاوة القرآن والصلاة والسلام على رسول الله وآله،لقوله تعالى: (وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ)  والتكبير هو شعار أهل الإيمان في هذه الأيام العشر وفي كل وقت منها، وصفته أن تقول: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد).

رابعاً: ومن أجل الأعمال الصالحة التي تشرع في هذه العشر: أداء الحج والعمرة؛ فليحمد الله تعالى من مد له في عمره،وأنسئ له في أجله،فها هو موسم الحج قد أشرقت شمسه،وها هم الحجاج يتوافدون للحج من أقصى الأرض شرقاً وغرباً، بعضهم له سنوات وهو يجمع ماله درهماً درهماً وفلساً فلساً، يقتطعها من قوته وقوت عياله وأبنائه حتى يجمع ما يعينه على أداء هذه الفريضة العظيمة،وكثير من الناس مع الأسف الشديد قد تيسرت له السبل،تجدهم يؤخرون ويؤجلون ويسوفون،ويجوبون الأرض شرقاً وغرباً، ويسافرون جنوباً وشمالأً، ويبذلون الأموال والأوقات للتنزه والسياحة،وقد يكتسبون من وراء سفرهم الذنوب، ويتحملون الآثام،ومع ذلك لم يفكروا في أعظم سياحة وأجل سفر،ولم يشدوا الرحال لأشرف البقاع وأعظم الأماكن،والتي يجنون من السفر إليها رضا ربهم، ومغفرة ذنوبهم،ويفوزون بعتق رقابهم، وتكفير سيئاتهم ومحو خطاياهم… وكأن هؤلاء لم يقرؤوا قول الله عز وجل: (وَللهِ على النَّاسِ حَجُّ البَيتِ مَنِ استَطَاعَ إِلَيهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ) وَقَولَهُ تعالى: (وَأَتِمُّوا الحَجَّ وَالعُمرَةَ للهِ) وَقَولَهُ جل وعلا: (وَأَذِّنْ في النَّاسِ بِالحَجِّ يَأتُوكَ رِجَالاً وَعَلى كُلِّ ضَامِرٍ يَأتِينَ مِن كُلِّ فجٍّ عَمِيقٍ)

خامساً: ومن الأعمال الصالحة في هذه العشر الصدقة والإحسان إلى الخلق؛ وتذكر –أيها المسلم- أنك بهذا تحسن إلى نفسك قبل إحسانك إلى  الفقراء والمساكين والأرامل والأيتام والمحتاجين، تصدق في كل يوم من هذه الأيام ولو بالقليل اليسير، عسى أن يرفع اسمك إلى السماء مع أسماء المنفقين؛يقول صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقاً خَلَفًاً وَيَقُولُ الْآخَرُ، اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًاً)

سادساً: ومن الأعمال الصالحة التي يتقرب بها المسلم إلى ربه، ذبح الأضاحي، وهو سنة مؤكدة، على كل قادر عليها من المسلمين، وذبح الأضاحي من شعائر هذا الدين الظاهرة، ومن العبادات المشروعة في كل الملل؛ يقول سبحانه: (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكاً لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ) ويبدأ ذبح الأضحية بعد انتهاء صلاة العيد، إلى غروب شمس آخر أيام التشريق، وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة. يقول تعالى في سورة الكوثر (فصل لربك وأنحر) ويقول صلى الله عليه وسلم: (مَا عَمِلَ ابْنُ آدَمَ يَوْمَ النَّحْرِ عَمَلاً أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ هِرَاقَةِ دَمٍ، وَإِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَظْلَافِهَا وَأَشْعَارِهَا، وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ فَطِيبُوا بِهَا نَفْساً)…

فاتقوا الله عباد الله، وأكثروا من الأعمال الصالحة، خصوصاً في هذه الأيام المقبلة الفاضلة،  التي قد لا يدركها العبد مرة أخرى،واجتهدوا في التقرب إلى الله تعالى بالطاعات،وأنواع العبادات، فالجنة لا تنال إلا بالعمل الصالح، فواجب المؤمن أن يجد في طاعة الله عز وجل حتى يكون من الفائزين مع من أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

اللهم أعنا على ذكرك، وشكرك وحسن عبادتك، بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي جعل بيته مثابةً للناس وأمْناً؛ نحمده سبحانه له الصفاتُ العلا والأسماءُ الحسنى، ونشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ ونشهد أنَّ سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً…

أما بعد فيا أخي المسلم، أختي المسلمة: إذا كنتما ممن كتب الله لكما الحج في هذا العام، وأردتما أن يكون حجكما مقبولاً، وذنبكما مغفوراً، وسعيكما مشكوراً، فعليكما أن تتقيَا الله تعالى في فِعْلِ أوامره واجتنابِ نواهيه، وعليكما أن تقصدَا بحَجِّكما وعمرتكما وجهَ الله تعالى؛ وأن تخلصَا نيتَكما لله رب العالمين، وتحذرَا كلَّ الحذر أن تقصدَا بحَجِّكما متاعاً من متاعِ الدنيا الزائل؛ أو أنكما تريدان بحجِّكما الرياءَ والسمعةَ، يقول سبحانه: (فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) ويقول صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ إِلا مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ). فالإخلاص والنية الصادقة شرط لنجاح العبادة وقبولها.. كما يجب عليكما أن تتخذا لحجكما نفقة من حلال، فلا ينبغي أن يكون المال الذي يحج به الحاج مالاً حراماً أصله سحت، فالنفقة الحلال شرط للحج المبرور.. عباد الله: وعلى المسلمِ والمسلمة -وهو ماضٍ إلى الحج- أن يتوبَ إلى الله تعالى مما اقترفه من الذنوب؛ ويقبلَ على الله بقلبٍ صادقٍ منيبٍ؛ يرجو رحمةَ الله تعالى ويخافُ عقابه، والواجب عليه -لتصحَّ توبتُه- الإقلاعُ عن الذنوب، والندمُ عليها، والعزمُ على أنْ لا يعود إليها، كما يجب عليه أن يخرج من مظالمِ الخلق، وأن يتحلل من الناس قبل سفره، وإن كان عنده للناس مظالمُ من نفسٍ أو مالٍ أو عرضٍ ردَّها إليهم.

أيها المؤمنون: وعلى المسلم والمسلمة في هذا السفر المبارك، أن يصاحب الأخيار من أهلِ التقوى والصلاح؛ حتى يعينوه على طاعةِ الله والتزودِ من أعمال البر، وليحذرْ من مصاحبةِ السفهاء الذين لا يعينون على طاعة، بل يَغْمِسون صاحبَهم في الآثام أو المزاحِ الذي يقسّي القلوبَ أو يقودُ إلى الألفاظ الفاحشة.

كما ينبغي للمسلم والمسلمة الحرصُ على تعلُّمِ الأحكام الشرعيةِ؛ المتعلقة بعبادته، سواءٌ بأخذه لمجموعةٍ من المؤلفات التي توضح له ما أشكل عليه في أمورِ عبادته، أم بسؤالهِ لأهل العلم فيما أشكل عليه… وينبغي للحاج أيضاً أن يتخلّق بالخلق الحسن أثناء حجه، وأن يتحلى بالصبر والحلم والعفو والأناة، وهذه الأمور من أهم الأسباب في الفوز بالحج المبرور، يقول صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) كما أنه يجب على كل مسلم ومسلمة قصدا البيت الحرام ،أن يسهما في المحافظة على أمن الحرمين الشريفين، من أجل الطائفين والعاكفين والقائمين والركع السجود،وليحذرا كل الحذر أن يهما فيه بسوء وأذى لإخوانهم المسلمين،أو يَدْعُوا إلى التظاهرات السياسية والاضطرابات والفوضى والتخريب، فقد توعد الله عز وجل من يفعل ذلك بالعذاب الأليم، فقال تعالى( وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)…

لا يسع مسلما قصد تلك البقاع الطاهرة،يرجو رحمة ربه،ويؤمل مغفرته،ويتطلع إلى عمل صالح مبرور، وسعي مشكور، وذنب مغفور، لا يسعه إلا البعد عن كل ما يشوش على المتنسكين أو يكدر الأمن والأمان على المتعبدين.. و شكر الله  لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله وولي عهده وحكومته الرشيدة،على ما يقومون به من تطوير وتوسعة ومشاريع جليلة للحرمين الشريفين،وما يقدمونه من خدمات وتسهيلات من أجل ضيوف الرحمن،وتوفير أقصى درجات الراحة والأمن و الأمان لهم ليؤدوا مناسكهم بكل سهولة ويسر، ونسأل الله تعالى أن يحفظهم ويبارك في جهودهم ويسدد على طريق الخير خطاهم،و يجعل هذه الجهود المباركة في ميزان حسناتهم يوم القيامة… اللهم أحفظ الحجاج والمعتمرين في برك وبحرك وجوك، واجعل حجهم مقبولا وذنبهم مغفورا وسعيهم مشكورا، وردهم إلى أهلهم سالمين غانمين. اللهم من أراد بأمن الحجيج وأمن السعودية والخليج، كيداً وسؤاً وأذى، فعجل بهلاكه،وأرنا فيه عجائب قدرتك، اللهم اجعل الدائرة عليهم، واجعل كيدهم في نحورهم، اللهم ادم علينا نعمة الأمن و الأمان والاستقرار يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في وطننا، ووفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين.

اللهم من أراد بلادنا وبلاد الحرمين الشريفين وخليجنا وجيشنا وجنودنا على الثغور ورجال أمننا، بشر وسوء وفتنة فأشغله بنفسه، وأجعل كيده في نحره، وأدر دائرة السوء عليه يا سميع الدعاء…

اللهم حقق للمبتلين من عبادك في فلسطين وفي بلاد الشام وفي اليمن وفي كل مكان،حقق لهم خيراً وصلاحاً تنفرج به الكروب، وتحقن به الدماء، وتحفظ معه الأعراض، ويستتب فيه الأمن، وتبسط فيه الأرزاق، وتعلو فيه راية الحق والعدل والإيمان والإسلام. اللهم أصلح أحوالهم، وألف بين قلوبهم، ولا تجعل لعدو ولاطاغية عليهم سبيلا..اللهم فرج الهم عن المهمومين ونفس الكرب عن المكروبين وأقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وأرحم موتانا وموتى المسلمين.

اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. عباد الله: (إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)  فاذكروا الله الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون ويغفر الله لي ولكم.

خطبة جامع الفاتح –   عدنان بن عبد الله القطان –   مملكة البحرين