الجمعة 18 شعبان 1439هـ
الموافق 4 مايو 2018م

الحمد للهِ عزَّ واقتَدَر، وعَلا وقهَر، لا محيدَ عنه ولا مفرّ، نحمده سبحانَه ونشكُره، وقد تأذَّن بالزيادةِ لمن شكرَ، ونتوب إليه ونستَغفره، يقبَل توبة عبدِه إذا أنابَ واستغفَر، ونشهد أن لا إلهَ إلاّ الله وحدَه لا شريكَ له، شهادةً تنجِي قائلَها يومَ العرضِ الأكبر، ونشهد أنّ سيِّدنا ونبينا محمَداً عبد الله ورسوله سيّد البشر، الشافع المشفَّع في المحشر، صلّى الله وسلَّم وبَارَك عليه، وعلى آلِه الأطهار الأخيَار، وأصحابِه السادة الغُرَر، والتابعين ومن تبعهم بإحسان، ما اتّصَلت عين بنظرٍ وأذُن بخبر.

أما بعــد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله عز وجل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: لقد جعل الله تعالى الأرض مستقر حياة الإنسان ومعاشه في هذه الحياة الدنيا، وأوجد فيها الكثير من النعم، وسخر جميع المخلوقات لخدمته، ونوع له أبواب الرزق وطرقه، وذلل له سبل الوصول إليه، يقول تعالى: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ، وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ، وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلَا يَشْكُرُونَ) ويقول تعالى: (وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ، وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِينَ، وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ)

والمطلوب يا عباد الله أن ينزل المسلم في ميادين الحياة مكافحاً، وإلى أبواب الرزق ساعياً، ولكن قلبه معلق بالله عز وجل، وفكره لا يغيب عن مراقبة الله وخشيته، والالتزام بحدوده والتقيد بأوامره، يقول تعالى: (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ)

أيها الإخوة والأخوات في الله: وإن من الآداب والحقوق والواجبات الاجتماعية، والتي ينبغي على الجميع أن يلتزم بها وأن يراعيها وأن يؤديها، حقوق العمال وآداب العمل..

فالعمل عبادة لله، والقيام به على أكمل وجه، علامةٌ من علامات الإيمان، وأداء حقوقه والالتزام بآدابه، براءة من المسئولية يوم القيامة بين يدي الواحد الديان…

عباد الله: إن نظام هذه الحياة، يتطلب السعي والعمل، فجميع المخلوقات من حولنا تسعى بجد وتعمل بنشاط، فكان من الواجب أن ينهض الإنسان للعمل، مستشعراً بشعار الجد والنشاط، طارحاً القعود والكسل وراءه ظهرياً، حتى يقوم بما فرضته عليه طبيعة الإنسانية وهي سنة الله في خلقه، وبما أوحته إليه القوانين الشرعية… والعاقل لا يرضى لنفسه أن يكون كَلاً على غيره، وهو يعلم أن الرزق منوط بالسعي، وأن مصالح الحياة لا تتم إلا باشتراك الأفراد حتى يقوم كل واحد بعمل خاص له، وهناك تتبادل المنافع، وتدور رحى الأعمال، ويتم النظام على الوجه الأكمل، يقول تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ، وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ويقول تعالى: (وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشاً) ويقول سبحانه: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَا أَكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ يَأْكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ) ويقول عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما: كان آدم عليه السلام حراثًاً، ونوح نجاراً، وإدريس خياطًاً، وإبراهيم ولوط كانا يعملان في الزراعة، وصالح تاجراً، وداود حداداً، وموسى وشعيب ومحمد صلوات الله تعالى عليهم كانوا رعاة للأغنام، وعمل صلى الله عليه وسلم أيضاً في التجارة.. وقال لقمان الحكيم لابنه يوماً: يا بني استعن بالكسب الحلال، فإنه ما افتقر أحد قــط، إلا أصابه ثلاث خصــال: رقة في دينه، وضعف في عقله، وذهاب مروءته، وأعظم من هذه الخصــال استخفاف الناس به.

أيها المسلمون: لقد عظم الإسلام من شأن العمل مهما كانت طبيعة هذا العمل، في وزارة أو إدارة أو مصنع أو متجر أو في مستشفى أو في سوق أو في محطة وقود أو عامل تنظيف أوفي بناء العمارات وتشييد المباني أو في زراعة وحراثة للأرض،أو كان العمل في حفظ الأمن وحراسة الأموال والأعراض أو كان في القضاء والفصل بين الناس أو غير ذلك، بل حتى عمل المرأة في بيتها لزوجها وأولادها فإنها تؤجر عليه..  فعلى قدر عمل الإنسان يكون جزاؤه, يقول الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) بل لقد جعل الإســلام العمل نوع من أنواع الجهاد في الإسـلام، وما ذلك إلا لأهميته وفضــله وثمـــرته، فعن أنس رضي الله عنه قال: مرّ بالنبي صلى الله عليه وسلم رجل، فرأى أصحاب النبي من جَلَده ونشاطه فقالوا: يا رسول الله، لو كان هذا – يعنون النشاط والقوة – في سبيل الله؟ فقال رسول الله: (إن كان خرج يسعى على ولده صغاراً فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفّها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان) وقال الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (والله ما أحب أن يأتيني الموت إلا على أحد شكلين؛ إما مجاهداً في سبيل الله أو ساعياً لطلب الرزق).

عبــــــاد الله: وإن من الآداب والواجبات التي ينبغي لكل مسلم أن يلتزم بها، وهو يقوم بأي عمل من الأعمال، أن يتقن في عمله، وتلك صفة عظيمة في حياة المؤمن، لذلك كانت مطالبة الرسول صلى الله عليه وسلم من العمال إلى الإتقان في أعمالهم، فقد قال: (إِنّ اللَّهَ تَعَالى يُحِبّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلاً أَنْ يُتْقِنَهُ)

إن الإتقان سمة أساسية في الشخصية المسلمة، يربيها الإسلام عليه منذ أن يدخل المرء  فيه، وهي التي تحدث التغيير في سلوكه ونشاطه، فالمسلم مطالب بالإتقان في كل عمل تعبدي أو سلوكي أو معاشي؛ لأن كل عمل يقوم به المسلم بنيّة العبادة، هو عمل مقبول عند الله يُجازى عليه سواء كان عمل دنيا أم آخرة. يقول تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ)

ومن الآداب عباد الله أن الإسلام نهى أن يجلس الرجل بدون عمل، ثم يمد يده للناس يسألهم المال، فالذي يطلب المال من الناس مع قدرته على العمل ظالم لنفسه؛ لأنه يُعرِّضها لذل السؤال، وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من المسألة، وبالغ في النهي عنها والتنفير منها، فقال صلى الله عليه وسلم: الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنى، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفَّهُ الله، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغْنِهِ الله) وقال صلى الله عليه وسلم: (لأن يأخـذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجلاً فيسأله أعطاه أو منعه) ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق، ويقول: اللهم ارزقني، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة)، ويقول أيضاً: رضي الله عنه: (إني لأرى الرجل فيعجبني فأقول أله حرفة؟ فإن قالوا: لا، سقط من عيني).. فعلى المسلم أن يعمل ويجتهد حتى تتحقق قيمته في الحياة.

ولله در القائل: بِقَدْرِ الْكَـدِّ تُكْتَسَـبُ المعَـالِـي

                 ومَنْ طلب العُلا سَهرَ اللَّـيالِــي

ومن طلب العُـلا من غير كَــدٍّ

                  أَضَاع العُمْـرَ في طلب الْمُحَــالِ

لذا فإن العمل حق طبيعي لكل مواطن، وتعمل الدولة على توفير فرص العمل قدر الإمكان لأكبر عدد ممكن من المقبلين عليه، مع ضمان الإنتاج وحرية العمل وتكافؤ الفرص.

أيها المؤمنون: ومن آداب العمل في الإسلام، أن يكون العامل قويّاً أميناً.. والقوة تتحقق بأن يكون عالماً بالعمل الذي يسند إليه، وقادراً على القيام به، وأن يكون أميناً على ما تحت يده، يقول الله تعالى: (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ)، وأن يكون العامل بعيداً عن الغش والتحايل، فالغش ليس من صفات المؤمنين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من غش فليس مني) وقد مر رسول الله صلى الله عليه وسلم برجل يبيع طعاماً (حبوباً) فأعجبه، فأدخل يده فيه فرأى بللاً، فقال: ما هذا يا صاحب الطعام، قال: أصابته السماء (أي المطر) فقال عليه الصلاة والسلام: فهلا جعلته فوق الطعام حتى يراه الناس، (من غشنا فليس منا)

أيها المؤمنون: ومن الآداب والواجبات على العامل المسلم، الالتزام بالمواعيد، والنصح لصاحب العمل، وتحري الحلال، والبعد عن الأعمال المحرمة، ويجب على العامل أن يحفظ أسرار عمله، فلا يتحدث إلى أحد -خارج عمله- عن أمورٍ تعتبر من أسرار العمل، وعليه أن يلتزم بقوانين العمل، ويجب على العامل أيضاً، أن يحافظ على أداء الصلوات، والقيام بسائر العبادات على أكمل وأحسن وجه، بل إن ذلك من أسباب الحصول على الرزق والتوسعة فيه، يقول تعالى: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)

ويقول صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنْ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلَاةٌ مَكْتُوبَةٌ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهَا وَخُشُوعَهَا وَرُكُوعَهَا إِلَّا كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا قَبْلَهَا مِنْ الذُّنُوبِ مَا لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً، وَذَلِكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ)… وعلى صاحب العمل أن يأذن للعامل بأداء فريضة الصلاة إذا دخل وقتها، وعلى العامل أن يقتصر على أداء الصلاة في أقل وقت، وألا ينتهز فرصة ترك العمل للصلاة لقَضاء بعض مصالحه أو تضييع بعض الوقت في راحة أو تسوق وتجول، فإن الوقت ثمين، وصاحب العمل يعطيه الأجر على كل الوقت المخصّص للعمل ومن حقِّه أن يستوفِيَ منه العمل كاملاً في كل الوقت، فعليه أن يتق الله في ذلك الأمر.

أيها المسلمون: ومن الآداب والواجبات على العامل المسلم ، عدم استغلال العمل والمنصب لأجل تحقيق مصلحة شخصية (لنفسه أو قرابته) دون وجه حق شرعي أو قانوني.يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ اسْتَعْمَلْنَاهُ عَلَى عَمَلٍ فَرَزَقْنَاهُ رِزْقًاً فَمَا أَخَذَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ غُلُولٌ) أي خيانة.

ومن هذه الآداب الالتزام بالدوام والتبكير إلى العمل حيث يكون النشاط موفوراً، وتتحقق البركة، يقول صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ بَارِكْ لأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا)

عباد الله: هذه بعض آداب العمل، وواجبات العامل في الإسلام وغيرها كثير… فيها الراحة والسعادة، والأمن والأمان للفرد والمجتمع، وفيها رضا الله وسعة رزقه، وتتابع بره، وحلول بركته… اللهم تقبل أعمالنا، وارزقنا الإخلاص فيها، وتجاوز عن تقصيرنا وهفواتنا إنك سميع الدعاء…

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه،ونشهد أن لا اله إلا الله وحده لاشريك له تعظيماً لشأنه سبحانه،ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله،الداعي إلى سبيل الله ورضوانه،صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه،وسلم تسليماً كثيراً..

أما بعد فيا أيها المسلمون: لقد نظم الإسلام العلاقة بين العامل وصاحب العمل، وجعل لكلِّ منهما حقوقًاً وواجبات، فقد ضمن الإسلام حقوقًاً للعامل، يجب على صاحب العمل أن يؤديها له، ومنها الحقوق المالية: وهي دفع الأجر المناسب له، يقول الله تعالى: (وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ، وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ). ويقول عليه الصلاة والسلام: (أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ). ويقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيراً فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُوفِهِ أَجْرَهُ)

فلا يجوز تأخير مستحقات ورواتب العاملين والمماطلة بها إلى أن تمضي الشهور العديدة وهم يطلبونها ولا يحصلون عليها، لأن هذا من الظلم المنهي عنه، ففي الحديث القدسي الذي يرويه نبينا عن ربنا جل جلاله قال: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّماً فَلَا تَظَالَمُوا) ويقول صلى الله عليه وسلم: الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ..)

ومن ذلك الحقوق البدنية: وهي حق العامل في الراحة والإستراحة، يقول تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) فلا يجوز إرهاق العامل إرهاقًاً يضر بصحته، ويجعله عاجزاً عن العمل، ولقد قال شعيب لموسى عليه السلام حين أراد أن يعمل له في ماله: (وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ) وقال صلى الله عليه وسلم: (إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلا تُكَلِّفُوهُمْ مِنَ الْعَمَلِ مَا يَغْلِبُهُمْ ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَأَعِينُوهُمْ عَلَيْهِ) … وكذلك يجب على صاحب العمل أن يوفر للعامل ما يلزمه من رعاية صحية، فالعامل مخلوق مكرم في الإسلام، لا تعرض حياته وصحته للخطر ولا يضام، وإذا ما تعرضت صحته لمرض أو إصابة غير مقصودة، فإن يد العلاج يجب أن تكون ممدودة، فتوفير الرعاية الصحية، وتسهيل الخدمات العلاجية، حق أساسي من الحقوق العمالية.. كذلك ينبغي على صاحب العمل أن يمكن العامل من أداء ما افترضه الله عليه من طاعة كالصلاة والصيام، فالعامل المتدين أقرب الناس إلى الخير، ويؤدي عمله في إخلاص ومراقبة وأداء للأمانة، وصيانة لما عهد إليه به، وليحذر صاحب العمل أن يكون في موقفه هذا ممن يصد عن سبيل الله ويعطل شعائر الدين، يقول تعالى: (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآَخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ)

هكذا يا عباد الله أعز الإسلام العامل ورعاه وكرمه، واعترف بحقوقه لأول مرة في تاريخ العمل، بعد أن كان العمل في بعض الشرائع القديمة معناه الرق والتبعية، وفي البعض الآخر معناه المذلة والهوان..

فاتقوا الله والتزموا رحمكم الله، بآداب العمل وقوموا بحقوق العمال، واشكروا ربكم على نعمه الغزار تفلحوا في الدنيا والآخرة.

اللهم تقبل أعمالنا، وارزقنا الإخلاص فيها، وتجاوز عن تقصيرنا وهفواتنا، إنك سميع الدعاء…اللهم أقل عثراتنا، واغفر زلاتنا، وكفر عنا سيئاتنا،وتوفنا مع الأبرار.

اللهم أكفنا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد،اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين.

اللهم من أراد بلادنا وأمننا وجيشنا ورجال أمننا بشر وسوء وفتنة فأشغله بنفسه، وأجعل كيده في نحره، وأدر دائرة السوء عليه يا سميع الدعاء.

اللهم كن لإخواننا المستضعفين المضطهدين في كل مكان، اللهم كن لهم في فلسطين وفي سوريا وفي اليمن، اللهم فرج همهم، ونفس كربهم، وأصلح أحوالهم، وألف بين قلوبهم، ولا تجعل لعدو ولاطاغية عليهم سبيلا.

اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويهدى فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر،يا ذا الجلال والإكرام. اللَّهُمَّ بارك لنا فيما بقي من شعبان وبَلِّغْنا رَمَضَانَ وَأَعِنّا عَلَى صِيامِهِ وَقِيامِهِ عَلَى الوَجْهِ الّذِي يُرضْيِكَ عَنّا يا سميع الدعاء..

اللهم نور على أهل القبور من المسلمين قبورهم، واغفر للأحياء ويسر لهم أمورهم،، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار وأدخلنا الجنة مع الأبرار يا عظيم يا غفار، اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله: (إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)  فاذكروا الله الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون ويغفر الله لي ولكم.

خطبة جامع الفاتح –   عدنان بن عبد الله القطان –   مملكة البحرين