خطبة الجمعة.. شرف مكة وفضلها في ميزان الشرع

شرف مكة وفضلها في ميزان الشرع

فضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان

25 ذو القعدة 1446 هـ – 23 مايو 2025م

 

 

الحمدُ للهِ الّذي شرَّف بيتَه الحرام، وجعله مثابةً للناسِ وأمناً، واصطفى له خيرَ بقاعِ الأرضِ مقامًا ومكانًا. نحمدُه سبحانه على نعمةِ الإيمانِ والإسلام، ونشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريكَ له، عظَّم بيتَه وأجلَّه، ورفع ذِكرَه وقدَّسَه. ونشهدُ أنَّ سيّدَنا محمّدًا عبدُه ورسولُه، دلَّ أمتَه على فضلِ الكعبةِ وحرمتِها، صلّى اللهُ وسلَّم وباركَ عليه، وعلى آلِه وأصحابِه والتّابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أمّا بعدُ: فيا عبادَ الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).

معاشر المسلمين: جعل الله جل وعلا مكة المكرمة أشرف البقاع وأفضلها، وخير البلاد وأكرمها، فإليها تهفو القلوب، وفيها ترتاح النفوس، وعندها تُحطّ رحال الخائفين يدعون الله، يرجون رحمته ويخافون عذابه. إنها قبلة المسلمين، وموطن العبادة والإنابة، وفيها أول بيت بني لعبادة الله جل وعلا، قال تعالى: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ  فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ ۖ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ۗ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) وصف الله بيته في هذه الآيات بخمس صفات:(أنه أسبق بيوت العالم وُضع في الأرض ــ وأنه مبارك؛ والبركة كثرة الخير ودوامه ــ وأنه هدى للعالمين ــ وأن فيه من الآيات البيّنات الشيء الكثير ــ وتحقق الأمن لداخله).

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيُّ مسجد وُضِع في الأرض أولاً؟ قال: المسجد الحرام، قلت: ثم أي؟ قال: المسجد الأقصى،

قلت: كم كان بينهما؟ قال: (أربعون عاماً وحيثما أدرَكتك الصلاة، فصلِّ)

وفيها البيت الذي يثوب الناس إليه ويرجعون، ويجدون فيه الأمن والأمان، والراحة والسعادة، ولذة العبادة للمولى جل وعلا، قال تعالى: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى..) وهي البلد الأمين الذي يأتيه الخير والرزق من كل مكان، (.. أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) فالرزق يُساق إليه سوقاً، ويُجلب إليه جلباً استجابة لدعوة إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنْ الثَّمَرَاتِ وقال تعالى: (وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ)

على أرضها بدأ نزول القرآن الكريم، ومنها بدأت دعوة الناس إلى طريق الهدى والنور والرشاد، قال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا..} اختارها الله تعالى لمولد نبيه عليه الصلاة والسلام ومبعثه، ودعوته.

وهي بلد الله الحرام، فلا يسفك فيها دم، ولا يصاد صيدها، ولا يعضد شجرها، ولا يقطع نباتها، ولا يلتقط لقطتها، قال جل وعلا: (إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ) وقال صلى الله عليه وسلم:(حرّم الله مكة، فلم تحل لأحد قبلي، ولا لأحد بعدي، أحلت لي ساعة من نهار، لا يختلى ــ أي: لا يقطع ـ خلاها ــ أي: الرطب من النبات، ولا يُعْضَد شجرها، ولا ينفر صيدها، ولا تلتقط لقطتها، إلا لمعرِّفٍ..) وقال أيضاً يوم فتح مكة:(إن هذا البلد حرَّمه الله يوم خلق السماوات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفَّر صيده ولا يلتقط لقطتــــه إلا من عرَّفها ولا يختلى خلاها) فحرمة هذا البلد شرعً ودين وطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة.

عباد الله: إن مكة المكرمة هي أحب البلاد إلى الله وإلى رسوله ﷺ، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرجت منك ما خرجت)، ووصفها الله تعالى في كتابه بأسماء عظيمة: البلد الأمين، أم القرى، مكة، بكة، والمسجد الحرام.

وقد فرض الله على المستطيع من المسلمين قصدها لأداء الحج والعمرة، وجعل ذلك سبباً لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات، كما قال ﷺ: (من أتى هذا البيت فلم يرفث ولم يفسق رجع كما ولدته أمه). وفيها تتضاعف الأجور، فالصلاة في المسجد الحرام تعدل مئة ألف صلاة، كما ورد في الحديث الشريف. وتضم مكة الحجر الأسود، وهو حجر من الجنة لا يُشرع تقبيل غيره، قال ﷺ: (نزل الحجر الأسود من الجنة، وهو أشد بياضاً من اللبن، فسودته خطايا بني آدم). وفيها بئر زمزم، خير ماء على وجه الأرض، قال ﷺ: (ماء زمزم مباركة، إنها طعام طُعم، وشفاء سُقم). وهي البلد الوحيد الذي يحرم استقبال قبلته أو استدبارها عند قضاء الحاجة، لقوله ﷺ: (لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول…). كما أن مكة محفوظة من فتنة الدجال، فلا يستطيع دخولها، إذ قال ﷺ: (ليس من بلد إلا سَيَطَؤُهُ الدجال، إلا مكة والمدينة،).

أيُّها الأخوة والأخوات: كيفَ بدأتْ قصةُ بناءِ الكعبةِ المُشرَّفةِ؟ ومَنِ الذي شُرِّفَ ببنائِها؟ إنَّها قصةٌ عظيمةٌ، بدأتْ بمشهدٍ إيمانيٍّ مؤثِّرٍ، وموقفٍ من أبلغِ مواقفِ الطاعةِ والثقةِ باللهِ، حينما امتثلَ نبيُّ اللهِ إبراهيمُ عليهِ السَّلامُ لأمرِ ربِّه، فقادَ خطواتِه إلى وادٍ مُقفِرٍ، لا زرعَ فيهِ ولا ماءَ، ولا أنيسَ فيهِ ولا جدرانَ، في بقعةٍ مباركةٍ ستُخلَّدُ في التاريخِ؛ عند بيتِ اللهِ الحرامِ، ليتركَ فيهِ زوجتَهُ المؤمنةَ هاجرَ، وابنَهُ الرضيعَ إسماعيلَ عليهِما السَّلامُ. ..في ذلكَ المشهدِ الخالدِ، وبينما إبراهيمُ عليهِ السَّلامُ يهمُّ بالرُّجوعِ، سألتْهُ هاجرُ سؤالاً يختصرُ كلَّ شيءٍ: (آللهُ أمرَكَ بهذا؟) فأجابَها بكلمةٍ واحدةٍ ملؤُها اليقينُ: (نعم)، فردَّتْ بإيمانٍ راسخٍ وتوكُّلٍ عظيمٍ: (إذًا لا يُضيِّعُنا اللهُ). لم تكنْ مجرَّدَ كلماتٍ، بل كانتْ عقيدةً مستقرةً في القلبِ، ويقيناً لا يتزعزعُ، وثقةً لا تحدُّها حدودٌ. ثمَّ مضى إبراهيمُ عليهِ السَّلامُ، لكنَّهُ لم ينسَ أهلَهُ، فرفعَ يديهِ بالدُّعاءِ إلى ربِّهِ يُناجيهِ قائلاً: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ ۖ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ ۖ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ ۖ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ). استجابَ اللهُ دعاءَ خليلِهِ، فبدأتْ معالِمُ الرَّحمةِ الإلهيَّةِ تتجلَّى، وبدأتِ القلوبُ تُشَدُّ إلى هذا الوادي المُقفِرِ، ليُصبحَ لاحقاً قلبَ الأرضِ، ومهوى أفئدةِ المؤمنينَ.

ثمَّ جاءتْ محنةُ العطشِ، ذلكَ الابتلاءُ العظيمُ الَّذي واجهتْهُ هاجرُ وحدَها مع رضيعِها، فلمَّا جفَّ الماءُ، واشتدَّ الجوعُ، أخذتْ تسعى بين جبلي الصَّفا والمروةِ، مضطربةَ القلبِ، لكنَّها واثقةٌ باللهِ عز وجل، سعتْ سبعَ مرَّاتٍ، تارةً تَصعدُ، وتارةً تَنزلُ، تتلفَّتُ يَمنةً ويسرةً، حتَّى سمعتْ صوتاً عجيباً! فإذا بملَكٍ من ملائكةِ اللهِ، جبريلَ عليهِ السَّلامُ، قد نزلَ بجوارِ رضيعِها، فضربَ الأرضَ بجناحِهِ، فنبعَ الماءُ المباركُ: زمزم، ينبوعُ الرَّحمةِ الَّذي لا يزالُ يتدفَّقُ إلى اليومِ. فشرِبتْ منهُ، وأرضعتْ صغيرَها، فكان ذلكَ رحمةً لهما ولِمن بعدهما. قال النبيُّ ﷺ: (يرحمُ اللهُ أُمَّ إسماعيلَ، لو لم تغرفْ من زمزمَ، لكانتْ عيناً معيناً)، أي: لجعلها اللهُ تبارك وتعالى نهراً جارياً على وجهِ الأرضِ.

ثمَّ مرَّتْ قبيلةُ جُرهمَ قادمةً من الجنوبِ، فرأَوا الطَّيرَ تُحلِّقُ في السَّماءِ، فعرفوا أنَّ هناكَ ماءً، فتوجَّهوا إليهِ حتَّى بلغوا المكانَ، فطلبوا من هاجرَ أنْ يسمحوا لهم بالسُّكنى بقربِ الماءِ، فوافقتْ بشرطٍ: ألا يكونَ لهم سُلطانٌ عليهِ. فقبلوا، وكان ذلكَ بدايةَ عمرانِ مكَّةَ، ونشأةَ المجتمعِ الأوَّلِ في ذلكَ الوادي المباركِ. نشأَ إسماعيلُ عليهِ السَّلامُ بينهم، وتعلَّم منهم العربيَّةَ، وتزوَّج منهم، وعاشَ بينهم حياةَ الصَّلاحِ والفطرةِ، وتهيَّأتِ الأرضُ، وتربَّى الابنُ ليكونَ شريكَ والدِه في أعظمِ بناءٍ عرفتهُ البشريَّةُ.

وبعدَ سنواتٍ، عادَ إبراهيمُ إلى مكَّةَ، ليلتقيَ بابنهِ إسماعيلَ، ويأمرَهُ اللهُ ببناءِ بيتِهِ المحرَّمِ. قال اللهُ تعالى: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ)

فشرعا في البناءِ حجراً بعدَ حجرٍ، يضعُ إبراهيمُ، ويُناولُهُ إسماعيلُ، وهما يُردِّدانِ:

(رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).

فيا لها من قصَّةِ إيمانٍ عظيمةٍ! قصَّةُ أسرةٍ مؤمنةٍ، صبرتْ ورضيتْ، فخلَّدَ اللهُ ذكرَها، وباركَ أثرَها، وجعلَها سبباً لعمارةِ هذا البيتِ، الَّذي تتَّجهُ إليهِ قلوبُ المسلمينَ في كلِّ صلاةٍ، ويُحَجُّ إليهِ من كلِّ فجٍّ عميقٍ.

رَضيَ اللهُ عن هاجرَ، وعن نبيِّ اللهِ إسماعيلَ، وجزى اللهُ نبيَّهُ إبراهيمَ خيرَ الجزاءِ، وجعلنا اللهُ منَ الشَّاكرينَ الصَّابرينَ، إنَّهُ وليُّ ذلكَ والقادرُ عليهِ.

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبهدي سيد المرسلين أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي جعل بيته مثابة للناس وأمناً؛ نحمده سبحانه، له الصفات العلا والأسماء الحسنى، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ ونشهد نبينا محمدا عبده ورسوله؛ صلى الله وسلم عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان. أما بعد، فيا أيها المسلمون والمسلمات: هذه بعض الوصايا لمن كتب الله له الحج في هذا العام، وأراد أن يكون حجه مقبولا، وذنبه مغفورا، وسعيه مشكورا -بإذن الله تعالى: فيجب على من أراد الحج أن يخلص النية لله، ويقصد بحجه وجه الله، مبتغيا الأجر من الله، راجيا ثوابه؛ والإخلاص عليه مدار الأعمال والأقوال، يقول تعالى: (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين)، ويقول جل شأنه: (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين). فعلى الحاج أن يجرد نيته من شوائب الشرك، أو التعلق بغير الله تعالى، أو قصد الدنيا في حجه، حتى يكمل ثوابه. كما يجب عليه أن يبادر إلى التوبة النصوح من جميع الذنوب والمعاصي، من ترك الواجبات، أو ارتكاب المحظورات؛ فالتوبة طريق المفلحين، وسبيل الفائزين، وحقيقة التوبة: الإقلاع عن الذنوب وتركها، والندم على ما مضى منها، والعزيمة على عدم العودة إليها، وإن كان عنده للناس مظالم من نفس، أو مال، أو عرض، ردها إليهم، أو تحللهم منها قبل سفره. وعلى الحاج أن يتحرى لحجه وعمرته نفقة طيبة، من مال حلال؛ لما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا)، وما دام الحج من العبادات المالية التي تستوجب إنفاق المال، فلا بد في المال الذي سينفقه الحاج في هذه الفريضة أن يكون مالا طيبا وحلالا. وعلى الحاج أن يحرص على التفقه في أمور الحج، حتى يعبد الله على بصيرة؛ والحذر كل الحذر أن يؤدي مناسك الحج على جهل منه بذلك؛ فقد يوقعه هذا في الإخلال بالأركان أو ارتكاب بعض المحظورات، أو النقص في القيام بمناسك الحج؛ إن فعل ذلك، فقد أبطل حجه، أو لزمه الدم، أو أساء، أو قصر، أو ترك الأولى، وبذلك قد ضيع فرصة فريدة لا تتكرر، فرصة لمغفرة ذنبه، واستحقاقه جنة ربه، فاحرصوا رحمكم الله على التفقه في هذه الفريضة.  وعلى الحاج أن يجتهد في انتقاء الصحبة والمجموعة الصالحة التي يحج معها، أو الحملة التي يشترك فيها، فإنها خير معين بعد الله جل وعلا على إتمام مناسكه على الوجه الصحيح. كما يجب عليك أخي الحاج الاجتهاد في فعل الطاعات، واجتناب المحرمات، وأن تعظم الحرمات في هذه الرحلة. وخاصة أنك اجتمعت عليك الحرمات: الزمان، والمكان، والمال، والنفس، والدين. كما أنه يجب على كل مسلم ومسلمة قصدا البيت الحرام، أن يسهما في المحافظة على أمن الحرمين الشريفين، من أجل الطائفين، والعاكفين، والقائمين، والركع السجود، وليحذرا كل الحذر أن يهما فيه بسوء وأذى لإخوانهم المسلمين، أو رفع للشعارات، أو نشر للفوضى؛ فقد توعد الله عز وجل من يفعل ذلك بالعذاب الأليم، فقال تعالى: (ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم).

 وهنا ينبغي التأكيد على أهمية الالتزام بالأنظمة والتعليمات والتوجيهات الصادرة في المملكة العربية السعودية بشأن الحج: ومن أبرزها القرار الواضح والصريح: (لا حج إلا بتصريح). فهذا القرار يعد من مقتضيات شرط الاستطاعة الشرعي للحج، ويهدف إلى تحقيق المقاصد الشرعية العظمى، من جلب المصالح وتكميلها، ودفع المفاسد وتقليلها، وتنظيم شؤون الحجاج بما يضمن أمنهم وسلامتهم. وعدم الالتزام بهذا القرار يؤدي إلى زحام شديد، وفوضى عارمة، وخلل في الترتيبات الأمنية والصحية والتنظيمية، مما يهدد أرواح الحجاج ويعيق أداء الشعائر في أمن ويسر وطمأنينة. نسأل الله تعالى أن يحفظ الحجاج والمعتمرين في بره وبحره وجوه، وأن يجعل حجهم مقبولا، وذنبهم مغفورا، وسعيهم مشكورا، اللهم سهل لهم طرقهم، وبارك لهم في أوقاتهم، ويسر لهم مناسكهم، وتقبل منهم سعيهم وركوعهم وسجودهم. اللهم اجعل ما أنفقوه في سبيلك ذخرا لهم يوم يلقونك، ولا تحرمهم أجر الخُطا إلى بيتك، واملأ قلوبهم بالطمأنينة واليقين. اللهم أعدهم إلى أهلهم سالمين غانمين وقد غفرت ذنوبهم، وبدلت سيئاتهم حسنات وشرفت وجوههم بالنور والإيمان. اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم أحفظ بلادنا وبلاد الحرمين الشريفين وخليجنا، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا، سخاء رخاء، وسائر بلاد المسلمين. اللهم وفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى، وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة، يا رب العالمين. اللهم إن أهل غزة في كرب عظيم، وقد أحاط بهم البلاء، واشتد عليهم الجوع، وضاقت بهم الأرض بما رحبت، فلا ناصر لهم سواك، ولا راحم لهم غيرك، فبرحمتك نستغيث، اللهم فرج كربهم، وارفع عنهم البلاء، وأطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف، اللهم أصلح أحوالهم، وألف بين قلوبهم، وفك الحصار عنهم ولا تجعل لعدو ولا طاغية عليهم سبيلا. اللهم لا تجعل تقصيرنا سببا في تأخر النصر عنهم، ولا في طول محنتهم. اللهم إنا نعترف بتقصيرنا، ونعلم أننا لم ننصرهم كما أمرتنا، ولم نغث ملهوفهم كما وصيتنا، فنستغفرك يا ربنا ونتوب إليك. اللهم احفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى وأهله، واجعله شامخا عزيزا، عامرا بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين. اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ونفس كروبنا، وعاف مبتلانا، واشف مرضانا، وارحم موتانا، وارحم والدينا، وذوي الحقوق علينا، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم صل وسلم، وزد وبارك، على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. (سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين)