خطبة الجمعة.. التنوع البشري واختلاف وجهات النظر سنة الله في خلقه

التنوع البشري واختلاف وجهات النظر

سنة الله في خلقه.

فضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان

خطيب جامع الفاتح الإسلامي – مملكة البحرين

16 جمادى الأولى 1447 هـ – 7 نوفمبر 2025 م

 

الحمد لله الذي بسط الخلق على أساس الحكمة، ونثر فيهم التنوع والعطاء والرحمة، فاختلـفت ألوانهم، وتباينت ألسنتهم، وتعددت ملكاتهم ومواهبهم، فكان في الاختلاف جمال، وفي التنوع كمال، وفي تباين الخلق دليل على كمال صنعة رب العالمين. نحمده سبحانه حمداً يليق بجلاله، ونشكره على نعمائه وآلائه، ونستهديه لسبل الوفاق والائتلاف، ونستغفره مما يكدر صفو القلوب من عدوان أو خلاف. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا عباد الله، أوصيكم ونفسي بتقوى الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).

معاشر المسلمين: إن الناظر في هذا الكون العظيم وما يحويه من سماء مرفوعة، وأرض ممدودة، وكواكب مسخرة، ومخلوقات متنوعة الصور والألوان، ليدهش أمام جلال صنع الله وإحكام تدبيره، فيرى الاختلاف سنة ماضية في كل ما خلق الله، لا خلل فيه ولا عوج، بل هو المفتاح لتكامل الحياة واستقامة مصالح العباد.

يقول سبحانه: (إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ)، ويقول جل في علاه: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا ۚ وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ،  وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَٰلِكَ ۗ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ).فاختلاف الأشكال والألسنة والألوان وتنوع المشارب والأفكار ليس عيباً ولا نقصاً، ولكنه آية من آيات الله ونعمة ينبغي أن تصان، وسبيل للتعارف والتكامل لا للتنازع والتفاضل. وقد قال ربنا جل وعلا: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ). فالاختلاف – يا عباد الله – ليس مجرد فوارق في ألوان البشرة أو ملامح الخلقة، بل هو تنوع في العقول والعطايا، وتعدد في المواهب والقدرات، وتباين في الأخلاق والطباع، وذلك مما يُثري الحياة، ويدفع إلى التعاون والتكافل والتفاهم.

ولو شاء ربنا لجعلنا أمة واحدة على نسق وهيئة واحدة، ولكنه سبحانه أراد للحياة أن تتنوع وتتفاوت، ليظهر من يصبر ويثبت، ومن يتحاب ويتآلف، ومن يقدر نعمة الاختلاف ويستخدمها في طاعة الله وعمارة الأرض قال سبحانه: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ).

أيها المؤمنون: إن الاختلاف بين الناس في قدراتهم وملكاتهم وتباينهم في أفهامهم واتجاهاتهم ليس ذريعة للتنازع والتباغض، ولا سبباً للتعارض والتنافر، بل هو معين للتعاون، ومفتاح للتكامل، ومصدر للإبداع، والنهوض. ومن ذا الذي يجد مجتمعاً يخلو من الاختلاف؟ حتى أطهر المجتمعات وأشرفها لم تسلم من تباين النفوس وتعدد النظر، لأنها سنة الحياة وفطرة الخلق.

فهذا مجتمع الآل والأصحاب رضي الله عنهم، خير القرون وأزكى الأمم، اختلفوا في بعض المسائل وتباينوا في بعض النوازل، لكنهم اجتمعوا على صفاء الإيمان ونقاء القصد وسلامة الصدر. فقد اختلف عليٌّ ومعاويةُ رضي الله عنهما في قضية القصاص من قتلة عثمان رضي الله عنه، وكان لكلٍّ منهما اجتهاده، ومع ذلك قال عليٌّ رضي الله عنه: «إِخْوَانُنَا بَغَوْا عَلَيْنَا»، فلم يُكفِّر ولم يفسق ولم يَظلم، بل حفظ حق الأخوة وأبقى المودة...وتنازل الحسن بن علي رضي الله عنهما عن الخلافة لمعاوية جمعاً لكلمة المسلمين، فقال معاوية رضي الله عنه: «قَدْ سَلَّمَهَا إِلَيَّ الحَسَنُ، وَهُوَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَمْلِكَهَا قَهْراً»، فكان اختلافهما توحيداً للصف لا تفريقاً للأمة.

وشاركت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في وقعة الجمل باجتهادٍ منها طلباً للإصلاح، فلما انتهى الأمر أكرمها عليٌّ، وجهّزها بما يليق بها، وقال عنها: «هِيَ أُمُّ المُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ»، فقالت: «مَا رَأَيْتُ أَحَدًا أَكْرَمَ مِنْ عَلِيٍّ»،

فبقي الود والإجلال والاحترام رغم اختلاف المواقف..

لقد خدم الإسلام أبو بكر بحلمه وثباته، وقوّى بنيانه عمر بعدله وحزمه، ورفع رايته عثمان بجوده وحيائه، وأعزه عليٌّ بعلمه وشجاعته وبيانه، فكانوا جميعاً لبناتٍ في صرحٍ واحد، جمعهم الإيمان وإن اختلفت وجوه الاجتهاد.

فما كان أبو بكر هو عمر، ولا كان عثمان هو عليّاً، ولا صار بلال كسلمان، ولا حذيفة كابن مسعود؛ بل كلٌّ رضي الله عنهم تميز بموهبته، وخدم الدين بخصـلته، وأغنى الأمة بجهاده وجسارته، فكانوا نماذج فريدة في شهود الحق، ورُوّاد العز، وبناء الحضارة، وتجسيد معنى الاختلاف الذي يرفع ولا يضع، ويعمّر ولا يهدم.

فعلينا – إخوة الإيمان – أن نسخّر اختلافنا لرفعة وطننا، ونحوّل تنوعنا إلى قوة لخدمة ديننا، ونبني بتفردنا وتميزنا معالم المجد والصلاح، فالأمم لا تعلو بالتماثل والتكرار، ولكن ترتقي بالتفاوت والاختلاف إذا صحت المقاصد وسلمت الضمائر.

عباد الله: لقد وقع في هذه الأمة – على مر العصور – من لم يحسنوا فهم مقصد الاختلاف ولا أدب التنوع في الرأي وَالنَّظَرِ؛ فحوّلوا سُنّةً كونيّةً جعلها اللهُ سبيلًا للتكامل، إلى جسرٍ للتباغضِ والتنازع، وسببٍ للتفرّقِ والاضطراب. فسقطوا في ما حذّر اللهُ تعالى منه في كتابه في مواضعَ كثيرةٍ، حيث قال سبحانه: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا)، وقال جلّ في علاه: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ). فالاختلافُ إذا أدّى إلى تنافرِ القلوبِ، وتشتّتِ الصفوفِ، وتفكّكِ الروابطِ، فهو بلاءٌ ووبالٌ، وسبيلٌ إلى السقوطِ والهلاك.

وهذا المعنى أكّده النبيّ ﷺ في غيرِ موضعٍ من سنّته؛ فقد روى عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ رضي اللهُ عنه أنه سمع رجلًا يقرأ آيةً بوجهٍ غير الوجه الذي سمعه من رسولِ الله ﷺ، فأخذ ابنُ مسعودٍ بيدِ الرجلِ، فقدّمه إلى رسولِ الله ﷺ، فأخبره بذلك، فبدت على وجهِ النبي ﷺ أماراتُ الكراهة، ثم قال: (كِلاكُمَا مُحْسِنٌ، وَلَا تَخْتَلِفُوا، فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ اخْتَلَفُوا فَهَلَكُوا). فانظروا رحمكم الله كيف قبل النبي اجتهادهما، لكنه خشي عليهم مسالك الشقاق، فنهى عن سبيلٍ كان سبباً لهلاك الأمم قبلهم. وإن تتبع مواضع الخلاف، وتعمد نبش مواطن النزاع، وتغييب فقه التسامح والاختلاف، هو الباب الذي يدخل منه الشيطان، والمنفذ الذي تتسلل منه العداوة والبغضاء.

أيها المسلمون: إن ربنا جل وعلا يخبرنا في كتابه أن أهل الإيمان على اختلاف أزمانهم وتعدد شرائعهم متحدون في الأصل والمنهج والغاية، يقول سبحانه: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).

فإذا كانت الشرائع المختلفة تجمعها كلمة الإيمان، فكيف بمن جمعهم الله على شريعة واحدة، ونبي واحد، وقبلة واحدة، وأرض تحملهم، وسماء تظلهم؟

إنهم – لا ريب – أولى أن يكونوا إخواناً متآلفين، وأعواناً متوحدين، يبنون ولا يهدمون، ويجمعون ولا يفرّقون.

فَاتَّقُوا اللَّهَ – عِبَادَ اللَّهِ – وَتَعَاطَفُوا فِيمَا بَيْنَكُمْ، وَلْيَرْحَمْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَافْقَهُوا حِكْمَةَ الرَّبِّ فِي التَّنَوُّعِ وَالِاخْتِلَافِ، وَاجْعَلُوا مِنْ تَبَايُنِكُمْ سَبَبًا لِتَعَاوُنِكُمْ، وَمِنْ تَنَوُّعِكُمْ مِفْتَاحًا لِتَكَامُلِكُمْ، تَحْتَرِمُونَ الْآرَاءَ، وَتُقَدِّرُونَ الْجُهُودَ، وَتَحْفَظُونَ حُرْمَةَ الْمُؤْمِنِ وَكَرَامَتَهُ، وَتَنْشُرُونَ فِي مُجْتَمَعِكُمْ رُوحَ التَّسَامُحِ، وَرِسَالَةَ الْمَحَبَّةِ وَالْإِخَاءِ وَالتَّعَايُشِ؛ فَبِذَلِكَ تَسْتَقِيمُ الْحَيَاةُ، وَيُصَانُ الْمُجْتَمَعُ، وَتَسْلَمُ الْقُلُوبُ.

وتذكروا قول الله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا)، وقول النبي ﷺ: (وَكُونُوا عِبَادَ اللهِ إِخْوَانًا، المْسْلِمُ أَخُو المْسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَهُنَا – وَأَشَارَ إِلَى صَدْرِهِ – بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ المْسْلِمَ، كُلُّ المْسْلِمِ عَلَى المْسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ)، وقوله ﷺ: (الأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ).

فاجعلوا معرفتكم دافعاً للألفة، ولا تجعلوا اختلافكم سبباً للتناكر والتباغض.

اللهم يا مؤلف القلوب، ويا جامع النفوس على الهدى والصدق، ألّف بين قلوبنا، واجمع كلمتنا على الحق والتقوى، وارزقنا حسن الفهم، وحكمة الاختلاف، والتسامح والوئام، واجعلنا مفاتيح للخير، مغاليق للشر، يا ذا الجلال والإكرام.

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدْي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي جمعنا على دينه الحق، وأمرنا بالألفة والاجتماع، ونهانا عن الفرقة والنزاع، نحمده سبحانه حمداً يليق بجلاله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها الأخوة والأخوات: إن الاختلاف بين الناس سنة جارية في الخلق، وقد وقع في الصدر الأول من خير القرون، فليس كل اختلاف مذموماً، ولا كل تنوع في الآراء مرفوضاً؛ بل كثير من المسائل الاجتهادية، والفروع الفقهية، يتسع فيها صدر الشرع، وينبسط فيها نفس العلم. ولكن الذم كله في سوء الأدب عند الاختلاف، وفي التعصب والطعن والتقاطع والتدابر؛ فهذه آفات تفسد القلوب قبل أن تفسد الآراء، وتهدم وحدة الأمة قبل أن تهدم الأدلة والحجج.

وقد ورّثنا السلف الصالح رضي الله عنهم أدباً رفيعاً في الخلاف، وخلقاً عظيماً في حسن التعامل وسلامة الصدر؛ فكانوا مع اتساع علمهم أشد الناس تواضعاً، وأحرصهم على اجتماع الكلمة وصلاح القلوب. فهذا ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما يختلفان في مسائل من الفقه، ومع ذلك تبقى بينهما أواصر الأخوة والمحبة. ويقول الإمام مالك رحمه الله: (كُلٌّ يُؤْخَذُ مِنْ قَوْلِهِ وَيُرَدُّ عَلَيْهِ إِلَّا صَاحِبَ هَذَا القَبْرِ) مشيراً إلى النبي ﷺ؛ تقريراً أن العصمة للوحي وحده. وانظروا إلى الشافعي وأحمد رحمهما الله لا يزيدهما الخلاف إلا احتراماً وودّاً؛ حتى قال الشافعي: (مَا خَلَّفْتُ بِبَغْدَادَ أَفْقَهَ وَلَا أَتْقَى مِنْ أَحْمَدَ)، وقال أحمد: (كَانَ الشَّافِعِيُّ كَالشَّمْسِ لِلدُّنْيَا، وَكَالعَافِيَةِ لِلبَدَنِ)، وقال الذهبي: (لَا يُنْكَرُ عَلَى العَالِمِ زَلَّتُهُ، بَلْ يُنْصَحُ وَيُدْعَى لِلصَّوَابِ). ولما خالف البيهقي الشافعي قيل له: أترد على إمامك؟ قال: (أَحْمِيهِ مِنْ نَفْسِهِ) أي من أن يُنسب إليه ما لا يراه صواباً. هكذا كانوا يطلبون الحق، ويعاملون بعضهم بود وتواضع، زكّوا ألسنتهم وقلوبهم، ونفعوا الأمة بعلمهم وسيرتهم، رحمهم الله ورضي عنهم.

واعلموا رحمكم الله أن أدب الخلاف لا ينحصر في الفروع الفقهية فقط، بل يشمل كل مجالات التعامل والحوار وضبط اللسان وحفظ الحقوق، حتى في مسائل العقيدة ما لم يكن فيها تفريط في التوحيد أو تعدٍّ لحدود الله. فالمؤمن يجمع بين الثبات على الحق وحسن الأدب، وبين قوة الحجة ولين العبارة. والإسلام دين حكمة وعدل؛ يأمر بالنصيحة والرفق، وينهى عن الجفاء والتعنّت، ويربّي أهله على أن يكون الخلاف لإظهار الحق لا لتحقير الخلق.

وقد عاش النبي ﷺ مع غير المسلمين في المدينة، فحفظ الحقوق، وأقام العدل، وراعى كرامة الجميع؛ فكيف بمن يجمعنا بهم الإيمان برب واحد، والاتجاه إلى قبلة واحدة، والشهادة بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ فلنكن في خلافنا عباد الله أهل برهان لا بهتان، وأهل دليل لا تجريح، ولنحفظ حرمة المسلم، مع صدق النية وحسن القصد. وليس الخلاف سبباً للهجر والتباغض، ولا ميداناً للتشهير والقدح في الفرق والمذاهب والجماعات على المنابر؛ فذلك والله ليس من الحكمة في شيء، ولا من منهج الصلاح والإصلاح. ولا منهج السلف الصالح. وقد كان ﷺ إذا أراد الإنكار على المخالف قال: (مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَقُولُونَ كَذَا أَوْ يَفْعَلُونَ كَذَا)؛ ينكر من غير تصريح بأسماء أحد، صيانة للقلوب، وحفظاً للأخوة، وإغلاقاً لباب الفتنة؛ فهكذا يكون الهدي، وبه تستقيم الكلمة، وتقوى عرى المحبة بين المسلمين.

أيها المؤمنون: ومن أعظم ما يرسخ أمر الوحدة، ويؤسس للسلم الأهلي، ويصون الدماء والأوطان: طاعة ولاة الأمور في المعروف، ودعم الجهود في حفظ أمن البلاد واستقرارها، واحترام أنظمتها ونظامها العام؛ فبذلك تسلم الديار، وتأمن النفوس، وتجتمع الكلمة، وتقوى الرابطة بين أبناء الوطن، ويندفع شر الداخل والخارج.

فليكن شعارنا: نصيحة بحكمة، وكلمة برحمة، وحفظ وحدة الصف والجماعة، (فَالْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا﴾. اللهم يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام، نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تزكي قلوبنا، وتصلح نياتنا، وتطهر ألسنتنا، وتجمع كلمتنا على الحق والهدى. اللهم ألّف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واهدنا سبل السلام، ونجّنا من الظلمات إلى النور، وجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم اجعلنا من أهل الحلم والسماحة، وارزقنا حسن الخلق وطيب المعاملة، واعصمنا من الفرقة والشقاق وسوء الظن.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.

اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا سخاء رخاء، وسائر بلاد المسلمين. اللهم وفق ولاة أمورنا، اللهم وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين.

اللهم يا ناصر المستضعفين، ويا قاصم الجبارين، ويا سريع الحساب، يا من لا تضيع عنده المظالم، اجعل لكل مظلوم فرجاً ومخرجاً، وادفع عنهم الظلم والعدوان، وأيدهم بنصرك، وكن معهم ولا تكن عليهم، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى وأحفظ أهله والمصلين فيه واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين. اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا وارحم موتانا، برحمتك يا أرحم الراحمين..

الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ