خطبة الجمعة.. ينابيع الرحمة في تعاليم الإسلام

ينابيع الرحمة في تعاليم الإسلام

فضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان

11 ربيع الآخر 1447 هـ – 3 أكتوبر 2025 م

 

الحمدُ للهِ الرَّحيمِ الرَّحمنِ، واسعِ الفضلِ والإحسان، كتبَ على نفسِه الرحمةَ، وجعلَها سَبْقًا لغضبِه، وأمرَ عبادَه بها، وحثَّهم عليها، فقال: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ). نحمدُه تعالى حمدَ الشاكرين، ونستغفِرُه استغفارَ المنيبين، ونشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، أرحمُ الراحمين، وأكرمُ الأكرمين، ونشهدُ أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُه ورسولُه، المبعوثُ رحمةً للعالمين، صلى اللهُ وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين ومَن تبِعهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين.

أمّا بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: إن ديننا الإسلامي العظيمَ الذي شرَعه اللهُ تعالى يقومُ على أداءِ الحقوق: حقُّ اللهِ في التوحيدِ والعبادةِ، وحقُّ العبادِ في الرحمةِ والإحسانِ وحُسنِ المعاملة. وقد جعل اللهُ الرحمةَ خُلُقًا أصيلًا بين خلقه، وفضَّلها على كثيرٍ من النِّعم؛ فخلقَ مائةَ رحمة، أنزلَ منها واحدةً بين الناس، وادَّخر عنده تسعًا وتسعين ليوم القيامة. وفضَّلها سبحانه على نعمةِ العلم فقال في شأن العبد الصالح: (فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا) واللهُ يحبُّ أهل الرحمة، ويُثني على من يتواصَون بها؛ فقال عز وجل: (ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ). فالرحمةُ أساسٌ تُقام عليه الحقوقُ الواجبة؛ كالزكاة، والمستحبّة؛ كالعفو والصدقة. قال أهل العلم: ينبغي أن يكون قصدُ العبدِ نفعَ الخلقِ مطلقًا، وهذه هي الرحمةُ التي بُعث بها محمدٌ ﷺ. إنها هبةٌ ربانية، ينزعها ممن شاء، ويُنزِلها في قلوب من أراد بهم خيرًا، كما قال ابن عباس في قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ): أي الرحمة. ونصيبُ الإنسان من الرحمةِ بقدر نصيبه من الهداية؛ فأكملُ الناسِ إيمانًا، أعظمُهم رحمة. قال تعالى في وصف النبي وأصحابه: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) ووصفَ المؤمنين بأنهم: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)، قال ابن عباس: أي رُحَماء.

وامتلاءُ القلبِ بالرحمةِ علامةُ سعادةٍ، ومفتاحٌ لنَيل رحمةِ الله؛ قال رسولُ الله ﷺ:(الراحِمون يرحمُهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء)

ومن أهل الجنة من رقَّ قلبه وامتلأ رحمةً وإيمانًا؛ قال ﷺ: وأهلُ الجنةِ ثلاثة: وذكر منهم. ورجلٌ رحيمٌ رقيقُ القلبِ لكل ذي قربى ومسلم.. أما قسوةُ القلب فهي علامةُ الشقاء، وجفافُه خروجٌ للرحمةِ منه، قال تعالى:(ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ﴾، وقال ﷺ: لا تُنزعُ الرحمةُ إلا من شقيٍّ.) ومن لا يرحمُ الناس، لا يرحمه الله؛ كما قال ﷺ: لا يرحمُ اللهُ من لا يرحمُ الناس.) ولم يكن ﷺ يُقِرُّ من يغلظ قلبه أو يأنف من مظاهر الرحمة؛ فعن الأقرع بن حابس أنه قال: إن لي عشرةً من الولد ما قبَّلتُ منهم أحدًا. فنظر إليه رسولُ الله ﷺ وقال: (من لا يرحم لا يُرحم)

وأحقُّ الناسِ بالرحمةِ: الوالدان، قال تعالى: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) وخيرُ الأولادِ من كان أقربَ إلى رحمةِ والديه، كما قال سبحانه عن الغلام الصالح: (فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا). ورحمةُ المؤمنين ببعضهم تُشبه تلاحمَ الجسد الواحد؛ قال ﷺ: ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.) بل حتى البهائم، حضَّ الشرع على الإحسان إليها، وقال ﷺ: (والشاةُ إن رحمتَها، رحمك الله.) والمؤمن يرحم الكافرَ لفقده نعمةَ الهداية، ويشفق عليه من الضلال. كما أنه يرحم العاصي بالنصح والدعاء؛ فقد أُتي للنبي ﷺ برجلٍ شرب الخمر، فقال بعضهم: أخزاك الله!، فقال ﷺ: (لا تقولوا هكذا، لا تُعينوا عليه الشيطان، ولكن قولوا: رحمك الله)

أيها المؤمنون: وأعظمُ الناسِ رحمةً هم أنبياءُ الله ورسله، بعثهم الله لهداية البشر، فدعَوا أقوامَهم إلى التوحيد، وسَعَوا لإنقاذهم من الهلاك، وتحمَّلوا في سبيل ذلك الأذى، فما استعجلوا العقوبة، ولا طلبوا الانتقام، بل تَمنّوا الهدايةَ للضالين، والرحمةَ للعاصين.. فهذا آدمُ عليه السلام، إذا رأى من ذريته أهلَ الجنة فرِح، وإذا نظر إلى أهل النار منهم بكى، كما في حديث المعراج: (هذا آدم، وعن يمينه أسودةٌ هم أهل الجنة، وعن شماله أسودةٌ هم أهل النار، فإذا نظر عن يمينه ضحك، وإذا نظر عن شماله بكى.. وإبراهيمُ عليه السلام كان رؤوفًا رحيمًا، دعا ربَّه فقال: (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، ولِرقةِ قلبِه جادل الملائكة في قوم لوط لعلهم يتوبون. وموسى عليه السلام، وهو من أولي العزم، سقى امرأتين غريبتين حين رأى حاجتهما، فكانت رحمته بالضعفاء خلقًا راسخًا فيه.

وامتدَّت رحمةُ الأنبياءِ إلى أقوامهم في مواقفَ كثيرة فيحيى عليه السلام وُصف بأنه حَنانٌ وتقيٌّ، يدعو إلى طاعة الله برفق ورحمة.. وعيسى عليه السلام، بارٌّ بأمه، رفيقٌ بقومه، دعا ربَّه فقال: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ).أما نبينا محمد ﷺ، فقد بلغ في الرحمة غايتَها، فقد راجع ربَّه في أمر الصلاة حتى خُفِّفت إلى خمس، حرصًا على أمته، ولم يكن سبّابًا ولا لعّانًا، بل نبيًّا رحيماً. وحين أُوذِي من قومه وأُدميت قدمُه، أتاه ملك الجبال وقال: إنْ شِئتَ أُطبِقْ عليهم الأخشَبَيْنِ، أي الجَبَلَيْنِ العظيمَيْنِ). فقال ﷺ: (بل أرجو أن يخرج اللهُ من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا). لقد بعثه الله رحمةً للعالمين، فقال: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ).

ومن قبِل هذه الرحمة وسارَ في نُورها، سعد في الدنيا والآخرة، ومن أعرض عنها خسر الخسران المبين. وقد قال الله تعالى في خصوص المؤمنين: (وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ) وكان ﷺ أرحمَ الناسِ بأمته، تلا قولَ إبراهيم: (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي)، وقولَ عيسى: (إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ)، ثم رفع يديه وبكى، وقال: (اللهم أمتي أمتي)، فأرسل الله إليه جبريل يسأله عن سبب بكائه، فأخبره، فقال الله: (يا جبريل، قل لمحمد: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك). قال النووي رحمه الله: (وهذا من أرجى الأحاديث لهذه الأمة). وكان ﷺ رحيماً بأصحابه، عاد سعد بن عبادة رضي الله عنه في مرضه، فلما دخل عليه وجده في غاشية أهله، فظن أنه مات، فقال: (قضى)؟ قالوا: لا يا رسول الله، فبكى ﷺ، فلما رأى القوم بكاءه بكوا. ورُفِع إليه ابنُه إبراهيم وهو في سكرات الموت، تتقعقع نفسُه، فبكت عينا النبي ﷺ، فقال له سعد: ما هذا يا رسول الله؟، فقال: هذه رحمة، جعلها الله في قلوب عباده).

عباد الله: كان نبيُّنا محمدٌ ﷺ رحيمًا بالشباب، ومن أروع صور رحمته ما رواه مالك بن الحويرث رضي الله عنه، قال: (أتينا النبيَّ ﷺ ونحن شَبَبَةٌ متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلة)، ليعلمهم الدين، فلما لاحظ شوقهم لأهليهم، لم يُثقل عليهم ولم يُطِل المقام، بل قال لهم برحمة الأب وحنان المعلم: (ارجِعوا إلى أهليكم، فعلِّموهم، وصلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي). رحمةٌ نبويةٌ تشُعُّ حِكمةً ومراعاةً لأحوال النفوس.

وكان ﷺ رحيماً بالنساء، يراعي ضعفهنَّ وعاطفتهنَّ الجيَّاشة، ومن مظاهر ذلك أنه كان يُخفِّف الصلاة إذا سمع بكاء الطفل، شفقةً على أمه ورفقًا بحالها، فقال: (إنِّي لأقومُ في الصلاةِ، أُريدُ إطالتَها، فأسمعُ بكاءَ الصبي، فأتجوَّزُ في صلاتي، كراهيةَ أن أشقَّ على أُمِّه) وما أرحمه صلى الله عليه وسلم بالصبيان! يقول أنس رضي الله عنه: ما رأيتُ أحدًا أرحم بالعيال من رسول الله ﷺ).  رأى الحسن والحسين رضي الله عنهما يمشيان ويتعثران، فقطع خطبته، ونزل من فوق منبره، وحملهما بين ذراعيه، وضمَّهما إلى صدره، في مشهدٍ يفيض حنانًا ورحمة. قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعليقًا على ذلك: (وهذا من كمال رحمته ﷺ، وتلطفه، وتعليمه لأمته كيف تكون الشفقة والرحمة بالصغار).

أيها المؤمنون: إن شريعة الإسلام هي شريعة الرحمة والعدل والإنصاف، شريعة أشرقت بنورها فأحاطت الخلق كلهم بعطائها، فلم تقصر بخيرها على المؤمنين فقط، بل تعدتهم إلى العدو قبل الصديق، وإلى الإنسان والحيوان، والطير والجماد. فرحمة الإسلام رحمة شاملة لا تعرف حدودا، وعدله عدل مطلق لا يقيد بقرابة ولا يختصر على جهة.

ومن أراد رحمة الله وفوز مغفرته وجنته، فليجعل نفسه مفزعا للراحمين، وملجأ للضعفاء والمستضعفين؛ فإن رسول الله ﷺ قال: (إنما يرحم الله من عباده الرحماء). فالرحمة ليست كلمة تردد، ولا دعوى ترفع، ولكنها مشاعر تسكن القلب، وتصدقها الجوارح في أعمال تبث في الناس، فَتُطَيِّب نفوسهم، وتَجْبُر خواطرهم، وتُضْمِد جراحهم. فما فاز من فاز إلا برحمة أودعها الله في قلبه، ففاض بها على من حوله، وما سعد من سعد إلا ببر وإحسان قدمه لعباد الله. وقد جعل الله جل وعلا قانونه العادل قاعدة خالدة: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان).

فيا ربنا، ارزقنا قلوبا رقيقة تحنو على الضعفاء، وأرواحا رحيمة تنبض بالإحسان، وأعمالا زكية تقربنا منك وتبلغنا رضاك. اللهم اجعلنا مفاتيح خير، ومصابيح رحمة، واجعلنا من الرحماء الذين ترحمهم، ومن المحسنين الذين تحسن إليهم، إنك أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين.

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ الذي جعلَ الرَّحمةَ في القلوبِ نورًا، والشفقةَ على الخلقِ دليلَ إيمانٍ وصلاح، نحمدُهُ على ما أنزلَ من السَّكينة، ونشكرُهُ على ما فتحَ من أبوابِ الرحمة، ونستعينُهُ على تليينِ القلوبِ القاسية، فهو أرحمُ الرَّاحمين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها المسلمون: الرحمةُ خُلُقٌ عظيم، وسِمةٌ جليلة، بها يزكُو القلب، ويصفُو الفؤاد، ويُرفع العبدُ عند الله مكانًا عليًّا. فالرحمةُ تملأ القلبَ نوراً، وتُذهبُ عنه ظُلمةَ الكبر، وتُطهِّره من احتقار الناس وتُقيمه على ميزان العدلِ والإنصاف. وهي خُلقٌ متوازنٌ، لا يميلُ إلى قسوةٍ وجفاءٍ يَنزعان المهابةَ من القلوب، ولا إلى ضَعفٍ وخَوَرٍ يُذهب الهيبةَ والوقار. بل هي خُلُقُ الأنبياءِ، وطبعُ الأتقياءِ، وسبيلُ الأصفياءِ.

وقد أثنى اللهُ تعالى على عباده الذين تخلَّقوا بالرحمة، وجعلها سببًا لنَوال هدايته ونِعَمه؛ فقال في دعاء فتية الكهف: (فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا)، فجمعوا بين طلب الرحمة والهداية، إذ لا رشدَ إلا برحمة، ولا رحمةَ إلا لمن أقبل بقلبٍ سليم. لكنَّ الرحمةَ الممدوحةَ هي الرحمةُ المُنضبطةُ بضوابطِ الشريعة، لا تلك التي يُرادُ بها تعطيل حدودِ الله، أو إبطال أحكامِه بدعوى الشفقة على الناس، كما قال النبي ﷺ: لو أن فاطمةَ بنتَ محمدٍ سرقتْ لقطعتُ يدَها)، فأعظمُ الناس رحمةً هو أحرصُهم على إقامة حدود الله، لأنه يرحمُ العبادَ من سخط الله. ثم اعلموا رحمكم الله أن هناك أسباباً لنوال رحمة الله منها: سلامة القلب من الشبهات والشهوات، فالقلبُ إذا خلُصَ من البدع والشهوات، تلألأ فيه نورُ الإيمان، وكان مُهيَّأً لنزول الرحمة والهداية. ومنها بر الوالدين، يقول صلى الله عليه وسلم: رَغِمَ أنفُ رجلٍ أدرك والديه عند الكِبَر، أحدَهما أو كِليهما، ثم لم يدخل الجنة. فبرُّ الوالدين سببٌ لنوالِ رحمة الله في الدنيا والآخرة، ودعاؤهما لا يُردُّ. ومنها صلة الرحم، فقد قال ﷺ: من سرَّه أن يُبسطَ له في رزقه، ويُنسأَ له في أثره، فليصِل رحمه. فالصِّلةُ سببُ للبركة وطولِ العمر، وهي مِن أبوابِ الرحمة التي تُغدق على العبد..  ومنها الإحسان إلى الفقراء والمساكين والأيتام والمرضى والمكروبين وكلما أوسعَ العبدُ رحمته بالخلق، أوسع الله عليه رحمته، وكشف عنه كربَه، ورفع بلاءه…  ومن أسباب نوال الرحمة الصدقة: فهي تطفئُ غضبَ الرب، وتنزلُ البركة، وتدفعُ البلاء، وتُفيضُ الرحمة على المُعطي والمُعطى له، ومنها زيارة المقابر إذ تُلينُ القلوب، وتُذكِّر بالآخرة، وتُورثُ التواضع، والرحمةَ للموتى والأحياء.. ومنها تلاوة القرآن وذكر الله: فالقرآنُ روحٌ ورحمة، من داوم على تلاوته آناء الليل وأطراف النهار نالَ سكينةَ القلب، ونفحاتِ الرحمة، قال تعالى: فالرحمةُ إذن بابٌ من أبواب الجنة، لا يفتحه إلا من رحمَ الناس، وأحسنَ إليهم، وتلطَّف في معاملتهم، وسعى في نفعهم وهدايتهم.  ولقد قال النبي ﷺ: (لا تُنْزَعُ الرحمةُ إلا مِن شِقِيٍّ). فأين هذه الرحمة التي أمر الله بها وطبّقها رسوله ﷺ من مشاهد القتل والتشريد والتجويع التي يعيشها إخواننا في غزة؟ أين هي من أطفالها ونسائها وشيوخها وقد أحاط بهم البلاء من كل جانب؟ إن الرحمة الحقة ليست شعارات تُرفع، بل هي مواقف نصرة للمظلوم، ووقوف مع المستضعف، وإغاثة للملهوف. قال ﷺ: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء). فلنغرس الرحمة في قلوبنا، ونجاهد أنفسنا على التخلّق بها؛ فهي دليل الإيمان، وعنوان الإنسانية، وسبيل الفوز برحمة أرحم الراحمين.

اللهم يا واسع الرحمة، ويا عظيم اللطف، ويا أرحم الراحمين، اجعلنا من عبادك المرحومين، ولا تجعلنا من القاسية قلوبهم الذين لا يرحمون.

اللهم ارزقنا قلوبا رحيمة، وألسنة لينة، وأخلاقا كريمة، تحببنا إليك وإلى خلقك.

اللهم يا رحمن يا رحيم، يا واسع الفضل والعطاء، نسألك برحمتك التي وسعت كل شيء أن تنزل رحمتك على إخواننا المستضعفين في فلسطين وغزة، اللهم كن لهم معينا وظهيرا، وناصرا ووكِيلا، اللهم فرج كربهم، ونفس همهم، وارفع عنهم البلاء والشدائد، وبدل خوفهم أمنا، وحزنهم فرحا، وحصارهم انفراجا، ومصابهم أجرا، ومغفرة.

اللهم يا قوي يا متين، يا جبار السماوات والأرض، انصر عبادك المظلومين، وأعل رايتهم، وأذل من ظلمهم، وادفع عنهم بأس الظالمين المعتدين.

اللهم اجعلنا أمة متراحمة متآزرة، نتقاسم الأفراح والأتراح، ونشد الأزر وقت المحن، ونسعى إلى تفريج الكرب وإغاثة الملهوفين، يا سميع الدعاء.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.

اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا سخاء رخاء، وسائر بلاد المسلمين. اللهم وفق ولاة أمورنا، اللهم وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين.

اللهم اغفر ذنوبنا، واستُر عيوبنا، ونفِّس كروبنا، وعاف مبتلانا، واشف مرضانا، وارحم موتانا، وارحم والدينا وذوي الحقوق علينا برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)