خطبة الجمعة.. فضائل الإصلاح بين الناس

فضائل الإصلاح بين الناس

فضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان

23 جمادى الآخرة 1445 هـ – 5 يناير 2024 م

——————————————————————————–

 

الحمدُ لله المتفرِّدِ بالخلق والإيجاد، نحمده سبحانه لا رادَّ لما أرادَ، وما لِرزقِه من نفاد، أمر عبادَه بالصلاح والإصلاح، وحذّرهم من الفسادِ والإفساد، نحمده ونشكره على ما أولاه من الإعدادِ والإمداد، ونشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له، شهادةً تُسعِد صاحبَها في الدّنيا وتنجيه يومَ يقوم الأشهاد، ونشهد أنّ سيدنا ونبيّنا محمّداً عبد الله ورسوله المبعوث إلى جميع العباد، والهادي أمَّتَه إلى سبيل الرشاد، المبلِّغُ رسالةَ ربِّه في جميع الأصقاعِ والوِهاد، صلّى الله عليه وعلى آله وأصحابه السادةِ الأمجاد، والتابعين ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم التنادِ، وسلّم تسليماً كثيراً.. أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: من هداية الله تعالى للمؤمنين، ورحمته بهم، أن وحد كلمتهم بالإسلام، وجمع قلوبهم بالإيمان، فلمّ به شعثهم، وأزال ضغائنهم، وشفى صدورهم، فكانوا إخوة في دين الله تعالى متحابين متعاطفين متعاونين متباذلين ، كالبنيان يشد بعضه بعضاً، كما قال تعالى: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) ويقول جل وعلا: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)… وما من سبيل يزيد من لُحْمَة المؤمنين، ويؤدي إلى ترابطهم وتآلفهم إلا جاءت به الشريعة وجوباً أو ندباً، وما من طريق تؤدي إلى التفرق والاختلاف، والضغينة والشحناء، والقطيعة والبغضاء إلا حرمتها الشريعة، وأوصدت طرقها، وسدت سبلها؛ ولذلك أمرت الشريعة الإسلامية الناس بالبر والصلة، وحرمت العقوق والقطيعة. وأمرت بإفشاء السلام، وإطعام الطعام، والحب في الله تعالى، والزيارة فيه، وإجابة الدعوة، وتشميت العاطس، وعيادة المريض، وإتباع الجنازة، وحفظ حقوق الأهل والقرابة والجيران، وجعلت للمسلم على أخيه المسلم حقوقاً يحفظها له، فيؤجر عليها، وأرشدت إلى كثير من الآداب والأخلاق التي من شأنها أن تقوي الروابط، وتديم الألفة، وتزيد في المودة والمحبة بين الناس.. وحرمت الشريعة الإسلامية الهمز واللمز والسخرية، والغيبة والنميمة، والقذف والبهتان، والشتم والسباب، والكذب والمراء، والفجور والجدال، وغير ذلك من الأقوال والأفعال التي من شأنها أن تسبب الضغائن والخصومات وتؤجج نيران الأحقاد والعداوات… ومع كل هذه الاحترازات الشرعية التي يربي الإسلام أهله عليها فإن الإنسان وهو يعيش صخب الحياة ومشكلاتها لا بد أن يعتريه غضب وسهو وغفلة، فيعتدي على أخيه بقول أو فعل في حال ضعف منه عن كبح جماح نفسه، وتسكين سورة غضبه، وحتى لا يتسبب هذا الخطأ منه في الخصومة والقطيعة التي يغذيها الشيطان، وينفخ في نارها؛ رتب الإسلام أجوراً عظيمة على الحلم وكظم الغيظ والعفو عن الناس، ووعد الله سبحانه وتعالى الكاظمين الغيظ والعافين عن الناس جنةً عرضها السموات والأرض، وأُمر المعتدي برفع ظلمه، والرجوع عن خطئه، والاعتذار لمن وقع عليه اعتداؤه.. إنها يا عباد الله تشريعات ربانية عظيمة جليلة، لو أخذ الناس بها لما وجد الشيطان عليهم سبيلاً، ولما حلَّت في أوساطهم القطيعة والخصومة، ولكن الشيطان وإن أيس أن يعبده المصلون فإنه لم ييأس من التحريش فيما بينهم، وبث الفرقة والاختلاف والشقاق والنزاع فيهم، والنيل منهم بالعداوة والخصومة؛ ولذا فهو يزين للمعتدي سوء عمله، وإصراره على خطئه، وتماديه في جهله، ويحرض المعتدى عليه على الانتصار لنفسه، وأخذ حقه، والنيل ممن اعتدى عليه وعدم العفو عنه، وحينئذ تدب الخصومة والفرقة التي تتولد عنها الضغينة والقطيعة، وقد يصل ذلك إلى الاعتداء والاقتتال.

عباد الله: من أجل ذلك شرع الإسلام إصلاح ذات البين، وأمر الله تعالى به، وأباح للمصلحين ما حرَّم على غيرهم، ورتب أعظم الأجور على هذه المهمة العظيمة الجليلة، والأمر بإصلاح ذات البين جاء في قول الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ) وقوله سبحانه: (إِنَّمَا المُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) وقوله (فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ)… والاشتغال بالصلح بين المتخاصمين أفضل من الاشتغال بنوافل العبادات؛ لما في الإصلاح بين الناس من النفع المتعدي الذي يكون سبباً في وصل أرحام قطعت، وزيارة إخوان وأقارب وأصدقاء هُجِروا، ونظافة القلوب مما علق بها من أدران الحقد والكراهية والبغضاء، وذلك يؤدي إلى متانة المجتمع وقوته بتآلف أفراده وتماسكهم، صح في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ألا أخبرُكم بأفضلَ من درجةِ الصيامِ والصلاةِ والصدقةِ؟ قالوا: بلى، قال: إصلاحُ ذاتِ البينِ، وفسادُ ذاتِ البينِ هي الحالِقةُ. و(الحالقة): أي القاطِعة والمُنْهية التي تأتِي على كلِّ شيءٍ وتحلِقُه وتقطَعُه من جُذورِه… والإصلاح بين الناس معدود في الصدقات لقول النبي صلى الله عليه وسلم:

كُلُّ سُلامَى مِنَ النَّاسِ عليه صَدَقَةٌ كُلَّ يَومٍ تَطْلُعُ فيه الشَّمْسُ، تَعْدِلُ بيْنَ الاثْنَيْنِ صَدَقَةٌ)

ومعنى تعدل بينهما تصلح بينهما بالعدل.

أيها الأخوة والأخوات في الله: ولعظيم أمر الإصلاح بين الناس أبيح للمصلحين ما حُرِّم على غيرهم؛ فلا يتناجى اثنان دون الثالث إلا إذا كان غرض المناجي لأحدهما الإصلاح بينهما، وقد ذم الله تعالى كثيراً من التناجي إلا ما كان للإصلاح، يقول تعالى: (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) ويقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلا تَتَنَاجَوْا بِالإِثْمِ وَالعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالبِرِّ وَالتَّقْوَى)  ومن أعظم التناجي بالبر والتقوى ما كان للإصلاح بين مسلمين أو جماعتين،أو طائفتين، قد فسد ما بينهما. وقد يحتاج المصلح إلى بعض الكذب ليُقَرِّب بين المتخاصمين، ويزيل ما بينهما من الضغينة، ويهيئ قلبيهما لقبول الصلح والعفو؛ وذلك كأن يخبر أحد الخصمين بأن صاحبه لا يذكره إلا بخير، وأنه متشوف لمصالحته، حريص على قربه ومودته مع عدم حقيقة ذلك، أو يسأله أحد الخصمين إن كان خصمه ذكره بسوء عنده فينفي ذلك مع وقوعه منه، وما قَصَدَ بكذبه إلا إطفاء نار الخصومة، وإزالة أسباب الشحناء، فَرُخِّص له في ذلك مع قبح الكذب، وعموم المنع منه؛ كما جاء في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ليسَ الكَذَّابُ الذي يُصْلِحُ بيْنَ النَّاسِ، فَيَنْمِي خَيْراً، أوْ يقولُ خَيْراً)

وقال نعيم بن حماد رحمه الله: ( قلت لسفيان بن عيينة رحمه الله: أرأيت الرجل يعتذر إليَّ من الشيء عسى أن يكون قد فعله ويحرف فيه القول ليرضيه، أعليه فيه حرج؟ قال: لا، ألم تسمع قوله صلى الله عليه وسلم: (ليس بكاذب من قال خيراً أو أصلح بين الناس) وقد قال الله عز وجل (لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ)  فإصلاحه فيما بينه وبين الناس أفضل إذا فعل ذلك لله وكراهةِ أذى المسلمين، وهو أولى به من أن يتعرض لعداوة صاحبه وبغضته؛ فإن البغضة حالقة الدين، قلت: أليس من قال ما لم يكن فقد كذب، قال: لا، إنما الكاذب الآثم، فأما المأجور فلا، ألم تسمع إلى قول إبراهيم عليه السلام (إِنِّي سَقِيمٌ)  وقوله (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا) وقال يوسف لإخوته (إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ) وما سرقوا وما أَثِمَ يوسف؛ لأنه لم يرد إلا خيراً، قال الله عز وجل (كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ) وقال الملكان لداود عليه السلام: (خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ) ولم يكونا خصمين وإنما أرادا الخير والمعنى الحسن..). بل إن المصلح بين الخصمين منهي عن الصدق إذا كان صدقه يشعل نار الفتنة بينهما، ويزيد فرقتهما. والذي ينقل الكلام بين الناس على وجه الإفساد يسمى نماماً ولو كان صادقاً فيما ينقل، والنميمة من كبائر الذنوب، ولا يدخل الجنة نمام كما جاء في الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلربما نُهِي المصلح عن الصدق إن كان يضر بمهمته كمصلح بين خصمين، ويُرَخَّصُ له في الكذب إن كان الكذب يؤدي إلى إصلاح ذات البين، وفي هذا المعنى يقول بعض العلماء رحمهم الله تعالى: (إن الله تعالى أحب الكذب في الإصلاح، وأبغض الصدق في الإفساد).

عباد الله: والمتصدي لفض الخصومات وقطع النزاعات، والإصلاح بين الناس قد يحتاج إلى مال ليدفعه تعويضاً أو دية أو إرضاء لأحد الخصمين، فيغرم بسبب ذلك من ماله، فأبيح له أن يأخذ ما غرم من الزكاة؛ إذ إن من أهل الزكاة المنصوص عليهم في كتاب الله تعالى: الغارمين، سواء غرموا لِحَظِ أنفسهم أم لحق غيرهم.

أيها المؤمنون: إن الإصلاح بين المتخاصمين مهمة جليلة قد فرط فيها كثير من الناس مع قدرتهم عليها، وكثير من الخصومات تكون أسبابها تافهة، وإزالتها يسيرة، وقد توجد رغبة الصلح عند كلا الخصمين، ولكن تمنعهما الأنفة والعزة من التنازل مباشرة، أو المبادرة إلى الصلح بلا وسيط، فإذا ما جاء الوسيط سهل الإصلاح بينهما؛ لرغبة كل واحد منهما في ذلك، فينال الوسيط أجراً عظيماً على عمل قليل، ويؤلف بين قلبين متنافرين. وما من أسرة، أو قبيلة، أو جماعة أو طائفة بين بعض أفرادها خلاف وقطيعة إلا وفيها أفراد عقلاء يستطيعون السعي في إزالة الخلاف والقطيعة، ولكن التقصير والغفلة تحول دون ذلك…. وما من حي (فريق) أو دائرة حكومية، أو شركة، أو مؤسسة أو جمعية بين بعض أفرادها خصومة إلا وفيها من الأفراد الأكفاء من هو قادر على الإصلاح بين المتخاصمين، ولا سيما العلماء وأهل الرأي وذوو الجاه والغنى والمناصب، ولكنهم يقصرون في ذلك من باب عدم التدخل فيما لا يعني حسب ظنهم، وقد صلحت لهم دنياهم فما عليهم لو اختصم الناس، وأكل بعضهم بعضاً!! وهذه أنانية مفرطة، وأثرة بغيضة، وحرمان من خير عظيم قد رتبه الشارع الحكيم على إصلاح ذات البين

فاتقوا الله عباد الله، واحذروا من العداوة والشحناء بينكم، واحرصوا رحمكم الله على إصلاح ذات البين والتجاوز عن الهفوات والزلات طلباً لمرضاة الله تعالى وحرصاً على الابتعاد عن سخطه… حمانا الله وإياكم من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، ورزقنا وإياكم صلاح ذات البين، ووفقنا جميعاً للإصلاح بين الناس وجمع القلوب على الهدى والحق، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول ما تسمعون واستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله أولاً وآخراً، والشكر له باطناً وظاهراً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها المسلمون: إن الإسلام جاء بإصلاح ذات البين، وأوصد الطرق المؤدية إلى فسادها، وأمر المسلمين بالإصلاح بين المتخاصمين، كما حث المتخاصمين على قبول أي مبادرة للصلح وفض النزاع والشقاق، وإنهاء القطيعة… والخصومة قد تقع بين قادة الدول حتى تصل إلى حروب يكتوي بنارها شعوب لا ذنب لها، وقد تقع الخصومة بين طائفتين من المسلمين: قبيلتين أو أسرتين أو جماعتين أو حزبين، فتفرق أفرادهما الخصومة وقد جمعهم الإسلام، ويعظم الإثم إن قطعت أرحام بسبب ذلك، فإن نتج عن الخصومة اقتتال فالأمر أشد؛ لأنه عود إلى أمر الجاهلية التي أنقذنا الله تعالى منها بالإسلام، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للناس في حجة الوداع:(لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) من أجل ذلك جاء الأمر الرباني بقطع دابر الخصومة، والسعي بين المتقاتلين من المسلمين بالإصلاح، وردع الفئة الباغية حتى تستكين إلى الصلح، قال تعالى: (وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ). وفي سنة النبي صلى الله عليه وسلم الفعلية وهديه الكريم محاولات وعمل دائب منه عليه الصلاة والسلام في الإصلاح بين الناس، فقد روى سهل بن سعد رضي الله عنه :(أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك، فذهب مع أصحابه للصلح بينهم) وحاز الحسن بن علي رضي الله عنهما، فضيلة حقن دماء المسلمين، وأخمد الله تعالى نار الفتنة على يديه، حين صالح معاوية رضي الله عنه وتنازل عن الخلافة له، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحسن: (إِنَّ ابْنِيْ هَذَا سَيِّدٌ وَلَعَلَّ الْلَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيْمَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ) وقد تقع الخصومة بين الزوجين، وتشتد حتى يكون الطلاق نتيجتها، ويكون الأولاد ضحيتها. ولئلا تبلغ الخصومة بين الزوجين هذا المبلغ فإن الشارع الحكيم سبحانه شرع الصلح بين الزوجين، وأمر بتحكيم حكمين من أهلهما للقضاء على الخصومة، وإزالة أسباب التوتر والشقاق، والحفاظ على استقرار الأسرة، وسلامة الأولاد. (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيْدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ الْلَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ الْلَّهَ كَانَ عَلِيِّماً خَبِيْراً) وقد تكون الخصومة بسبب الأموال -وهي أكثر أنواع الخصومة وقوعاً- إما في دين لم يقضه صاحبه، أو في شركة اختصم الشركاء بسببها، أو في إرث تأخر الورثة في قسمته، أو وقف اختلفوا في فهم مراد الواقف فيه، أو وصية لوارث أخطأ فيها الموصي، أو غير ذلك. وما من خصومة إلا لها أسباب إن سعى المصلح في إزالتها زال الشقاق، وحل مكانه الوفاق. ألا فاتقوا الله ربكم عباد الله واسعوا في الصلح بين المتخاصمين من إخوانكم وقرابتكم وجيرانكم وزملائكم، وأبناء وطنكم فإن في ذلك خيراً عظيماً، وليعلم كل مخاصم لأخيه المسلم أن عمله الصالح، وعمل خصمه لا يرفع إلى الله تعالى حتى يصفو قلباهما على بعض، ويزيلا الشحناء بينهما؛ كما قال صلى الله عليه وسلم: تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الإثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيْسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لا يُشْرِكُ بِالْلَّهِ شَيْئَاً إِلا رَجُلاً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيْهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ: انْظُِرُوْا هَذَيْنِ حَتَّىَ يَصْطَلِحَا، انْظِرُوْا هَذَيْنِ حَتَّىَ يَصْطَلِحَا، انْظِرُوْا هَذَيْنِ حَتَّىَ يَصْطَلِحَا) نسأل الله تعالى أن يهدينا صراطه المستقيم، وأن يجعلنا هداة مهتدين، صالحين مصلحين، لا ضالين ولا مضلين، إنه جواد كريم. اللهم أصلح ذات بيننا، وألف بين قلوبنا وأحفظ علينا مودتنا وأخوتنا، وجنبنا الخلاف والنزاع والشجار والشقاق، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً، وأظله بظل الإسلام، وبنعمة الأمن والأمان والاستقرار والوحدة، وأهد الجميع للتي هي أقوم. اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم وفق ولاة أمورنا وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس سلمان بن حمد لما تحب وترضى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين. اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان، ناصرا ومؤيداً، اللهم كن لهم في فلسطين وأصلح أحوالهم، وأحقن دماءهم واخذل عدوهم، وفرج همهم ونفس كربهم، وألف بين قلوبهم، ولا تجعل لعدو عليهم سبيلاً.

اللهم أحفظ المسجد الأقصى والمرابطين فيه، مسرى نبيك وحصنه بتحصينك وأكلاه برعايتك وعنايتك واجعله في حرزك وأمانك وضمانك يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم احفظ أهلنا في السودان، وقهم الفتن، والمحن، وجنبهم الحروب، وأصلح ذات بينهم وألف بين قلوبهم وولي عليهم خيارهم.

اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين..

 اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات إنك على كل شيء قدير.. الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)