خطبة الجمعة.. حب الوطن والإعتزاز به

حب الوطن والاعتزاز به

فضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان

2 جمادى الآخرة 1445 هـ – 15 ديسمبر 2023 م

————————————————————————————

الحمد لله الولي الحميد، ذي العرش المجيد، الفعَّال لما يُريد، نحمده سبحانه ونشكرُه وعدَ الشاكرين بالمزيد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ الإخلاص والتوحيد، ونشهد أن نبيَّنا محمداً عبدُ الله ورسولُه أفضلُ الأنبياء وأشرفُ العبيد صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه وعلى آله السادة الأطهار، وأصحابِه البرَرة الأخيار، ذوي القول السديد والنهج الرشيد، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الوعيد، وسلَّم التسليمَ الكثيرَ المزيد.

أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: ما من إنسان في هذه الحياة الدنيا، إلا وهو يعتز بوطنه؛ لأنه مهد صباه، ومدرج خطاه، ومرتع طفولته، وملجأ كهولته، ومنبع ذكرياته، وموطن آبائه وأجداده، ومأوى أبنائه وأحفاده، حتى الحيوانات والطيور والحشرات، لا ترضى بغير وطنها بديلاً، فالكل يحب وطنه، فإذا كانت هذه سنة الله تعالى في المخلوقات فقد جعلها الله في فطرة الإنسان، وإلا فما الذي يجعل الإنسان الذي يعيش في المناطق شديدة الحرارة، والتي قد تصل إلى ستين درجة مئوية، وذلك الذي يعيش في القطب المتجمد الشمالي تحت البرد القارس، أو ذلك الذي يعيش في الغابات والأدغال يعاني من مخاطر الحياة كل يوم، ما الذي جعلهم يتحملون كل ذلك إلا حبهم لوطنهم وديارهم!! لذلك كان من الحقوق والواجبات الاجتماعية في الإسلام والتي غرسها في فطرة الإنسان حقوق الوطن والأرض التي يعيش فيها ويأكل من خيرها ويعبد الله تحت سمائها، وأول هذه الحقوق الحب الصادق لهذا الوطن.

إن ارتباط الإنسان بوطنه وبلده مسألة متأصلة في النفس، فهو مسقط الرأس، ومستقر الحياة، ومكان العبادة، ومحل المال والعرض، ومكان الشرف، على أرضه يحيا، ويعبد ربه، ومن خيراته يعيش، ومن مائه يرتوي، وكرامته من كرامته، وعزته من عزته، به يعرف، وعنه يدافع، والوطن نعمة من الله على الفرد والمجتمع، ومحبة الوطن طبيعة طبع الله النفوس عليها، ولا يخرج الإنسان من وطنه إلا إذا اضطرته أمور للخروج منه، كما حصل لنبينا وإمامنا محمد صلى الله عليه وسلم عندما أخرجه الذين كفروا من مكة، يقول تعالى: (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) ولما كان الخروج من الوطن قاسياً على النفس، صعباً عليها، فقد كان من فضائل المهاجرين أنهم ضحوا بأوطانهم في سبيل الله، فللمهاجرين على الأنصار أفضلية ترك الوطن، ما يدل على أن ترك الوطن ليس بالأمر السهل على النفس، وقد مدحهم الله سبحانه على ذلك فقال تعالى: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمْ الصَّادِقُونَ)

أيها المؤمنون: لقد وقف نبينا صلى الله عليه وسلم يُخاطب مكة المكرمة مودعاً لها وهي وطنه الذي أُخرج منه، وهو يقول: (مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ، وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ) قالها بلهجة حزينة مليئة أسفًاً وحنيناً وحسرة وشوقًاً، مخاطباً إياها: (مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ). ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُعلم البشرية، يُحب وطنه لما قال هذا القول الذي لو أدرك كلُّ إنسانٍ مسلمٍ معناه لرأينا حب الوطن يتجلى في أجمل صوره وأصدق معانيه، ولأصبح الوطن لفظًاً تحبه القلوب، وتهواه الأفئدة، وتتحرك لذكره المشاعر.. ولما أرتحل النبي صلى الله عليه وسلم من مكة وهو في طريقه إلى المدينة اشتد شوقه إلى مكة، فأنزل الله عليه قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ) أي لرادك إلى مكة التي أخرجوك منها.. وعندما هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، واستوطنها ألفها، بل كان يدعو الله أن يرزقه حبها، ويقول: (اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا المَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ) فهو يدعو الله بأن يرزقه حب المدينة أشد من حبه لمكة؛ لاستشعاره بأنها أصبحت بلده ووطنه التي يحن إليها، ويسر عندما يرى معالمها التي تدل على قرب وصوله إليها، ومثلما دعا بحبها فقد دعا لها، وقال: (اللَّهُمَّ اجْعَلْ بِالْمَدِينَةِ ضِعْفَىْ مَا جَعَلْتَ بِمَكَّةَ مِنَ الْبَرَكَةِ) ويقول صلى الله عليه وسلم: (اللهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي ثَمَرِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مَدِينَتِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِنَا، وَبَارِكْ لَنَا فِي مُدِّنَا، اللهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ عَبْدُكَ وَخَلِيلُكَ وَنَبِيُّكَ وَإِنِّي عَبْدُكَ وَنَبِيُّكَ، وَإِنَّهُ دَعَاكَ لِمَكَّةَ وَإِنِّي أَدْعُوكَ لِلْمَدِينَةِ بِمِثْلِ مَا دَعَاكَ لِمَكَّةَ وَمِثْلِهِ مَعَهُ) ومن دعاء إبراهيم عليه السلام لمكة، ودعاء محمد عليه السلام، للمدينة، يظهر حبهما لتلك البقعتين المباركتين اللتين هما موطنهما وموطن أهليهما ومستقر عبادتهم. وكان صلى الله عليه وسلم بعدما أستقر في المدينة ألفها وأحبها، فكان كلما قدم من سفر، وأبصر درجات المدينة أوضع ناقته (أي أسرع بها) يقول أهل العلم: (فيها دلالة على فضل المدينة وعلى حب الوطن والحنين إليه)

عباد الله: لقد اقترن حب الأرض في القرآن الكريم بحب النفس، يقول تعالى: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوْ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ) واقترن في موضع آخر بالدين: (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) كل هذا يدل على تأثير الأرض، وعلى أن طبيعة الإنسان التي طبعه الله عليها حب الوطن والديار..

أيها المسلمون: إن حب الوطن وألفته، والحنين إليه أمر مركوز في فطر النفوس من جهة، ومأمور به في الإسلام من جهة أخرى.

وقد ذكر أهل الأثر في (أخبار مكة) أنه لما قَدِمَ أَصِيلٌ الْغِفَارِيُّ من مكة المكرمة سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم، (يَا أَصِيلُ، كَيْفَ عَهِدْتَ مَكَّةَ؟ أجابه، ووصف له أرضها، وسهولها وجبالها ووديانها وماءها وعشبها فَقَالَ له الحبيب صلى الله عليه وسلم: (حَسْبُكَ يَا أَصِيلُ لا تُحْزِنَّا، دع القلوب تقر قرارها) أرأيتم عباد الله كيف عبر نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم عن حبه وهيامه وحنينه إلى وطنه بقوله: (يا أصيل: دع القلوب تقر)، فإن ذكر بلده أمامه، -الذي ولد فيه، ونشأ تحت سمائه وفوق أرضه، وبلغ أشده وأكرم بالنبوة في رحابه، يثير لواعج شوقه، ويذكي جمرة حنينه إلى موطنه الحبيب الأثير العزيز!

 إن المسلم الحقيقي يكون وفيًّاً أعظم ما يكون الوفاء لوطنه، محبًّاً أشد ما يكون الحب له، مستعداً للتضحية دائماً في سبيله بنفسه ونفيسه، ورخيصه وغاليه، فحبه لوطنه حب طبيعي مفطور عليه، حب أجل وأسمى من أن ترتقي إليه شبهة أو شك، حب تدعو إليه الفطرة، وترحب به العقيدة، وتؤيده السنة النبوية، وتجمع عليه خيار الأمة.

أيها المسلمون: إن المواطنة الحقة قيم ومبادئ وإحساس ونصيحة وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر، وعزة وموالاة وتضحية وإيثار والتزام أخلاقي للفرد والأمة، إنها شعور بالشوق إلى الوطن حتى وإن كان لا يعيش الفرد في مرابعه… فأين هؤلاء الذين يدّعون حب الوطن والوطنية ولا ترى في أعمالهم وسلوكياتهم وكلامهم غير الفساد والعبث بمقدرات الوطن، وتأجيج الفتن والكراهية والصراعات والخصام بين أبنائه، ونشر الرذيلة ومحاربة الفضيلة

أين الوفاء للأرض التي عاشوا فيها وأكلوا من خيراتها، وترعرعوا في رباها، واستظلوا تحت سماها، وكانت أرض الإسلام، والإيمان والتوحيد والعقيدة.

عباد الله: إن من حقوق الوطن أن يسعى كل فرد فيه للحفاظ عليه وتنميته وازدهاره، ليشعر جميع أفراده أنهم متساوون في الحقوق والواجبات، لا فرق بينهم ولا تمايز، فحب الوطن لا يكون بمجرد الكلمات والشعارات، بل هو مرتبط بسلوك الفرد المحب ارتباطًاً لا انفكاك منه، يلازمه في كل مكان، في حله وترحاله، في المنزل والطريق والشارع، في مقر عمله وفي كل مكان… حب الوطن يظهر في احترام أنظمته وقوانينه، وفي التشبث بكل ما يؤدي إلى وحدته وقوته، حب الوطن يظهر في المحافظة على منشآته ومنجزاته، وفي الاهتمام بنظافته وجماله، حب الوطن يظهر في إخلاص العامل في مصنعه، والموظف في إدارته، والمعلم في مدرسته، حب الوطن يظهر في إخلاص أصحاب المناصب والمسئولين فيما تحت أيديهم من مسؤوليات وأمانات، حب الوطن يظهر في المحافظة على أمواله وثرواته، حب الوطن يظهر في تحقيق العدل ونشر الخير والقيام بمصالح العباد كلٌّ حسب مسؤوليته وموقعه، حب الوطن يظهر في المحافظة على أمنه واستقراره والدفاع عنه والولاء لقيادته وولاة أمره، حب الوطن يظهر بنشر القيم والأخلاق الفاضلة ونشر روح التسامح والتعايش والمحبة والأخوة بين الجميع، وأن نحقق مبدأ الأخوة الإيمانية في نفوسنا، وأن ننبذ أسباب الفرقة والخلاف والتمزق، وأن نلتزم بتعاليم ديننا في واقع حياتنا وسلوكنا ومعاملاتنا، ففيه الضمان لحياة سعيدة وآخرة طيبة؛ يقول صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)

عباد الله: ولا ينبغي أن يحمل المحب لوطنه، إلى أن يسوء ظنه، أو يند فهمه، عن المقاصد الشرعية في هذه القضية المهمة، فلا يحملها على عصبية للتراب والطين، على حساب العقيدة والدين، ولا يحملها لوازم لا تلزم، من نظرة عصبية أو طائفية وشعارات جاهلية، وغمط لإخوة العقيدة الإسلامية العالمية، التي تتسامى عن الحدود الجغرافية، والنظرات الإقليمية، معاذ الله فلا تنافي بين هذا وذاك، وهل المسجد الأقصى يقصى ويستقصى؟ وهل تنسى فلسطيننا الصامدة، وقدسنا المقدسة، وغزة الجريحة، وأقليات مسلمة، وبلاد أخرى يعاني أهلها من الظلم والطغيان والاستبداد، حاشا وكلا

وأينما ذُكِــرَ اسمُ اللهِ فِي بَلَدٍ

                            عددتُ ذَاكَ الحِمَى مِنْ صُلْبِ أَوْطَانِي

اللهم اجعل بلادنا وخليجنا وبلاد المسلمين آمنة مطمئنة سخاء رخاء، وارزق أهلها من الخيرات والبركات، وجنبها الفتن والمحن، واحفظ علينا امننا وإيماننا واستقرارنا وألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا إنك سميع الدعاء.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله المنعم على عباده بعظيم آلائه، نحمده سبحانه على تعاقُبِ نعمائه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله أفضل رسله وخاتم أنبيائه، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها المسلمون: تعيشُ مملكتنا الغالية البحرين في هذه الأيام، مناسبات عزيزة غاليةٌ على نفوسنا، ألا وهي احتفالاتها بذكرى قيام الدولة البحرينية الحديثة في عهد المؤسس أحمد الفاتح رحمه الله ككيان عربي إسلامي عام 1783م والذكرى الثانية والخمسين لانضمامها في الأمم المتحدة، دولة كاملة العضوية والذكرى الرابعة والعشرين لتسلم جلالة الملك المعظم حمد بن عيسى حفظه الله ورعاه مقاليد الحكم في البلاد، وغيرها من المناسبات، وهي أيام عزيزة يتأكد فيها الولاءُ للوطنِ عَمَلاً وإخلاصاً، وجِدَّاً وبناءً، ودفاعاً وتفانياً.. وتُجَدَّدُ فيها البيعةُ والولاءُ للقيادةِ الرشيدة نُصْحَاً وطاعةً، وتعاوناً ومؤازرة..

وإن التذكيرَ في مثلِ هذه المناسبات، بحب الوطن، وتجديدِ عَقْدِ البيعةِ، وعَهْدِ الولاءِ لوليِّ الأمر وللوطنِ وقيادتِه، أمانةٌ في عُنُقِ كل مخلصٍ غيورٍ على أرضِه، فقد قَرَنَ الله حُبَّ الوطنِ، والولاء له، والعمل بإخلاصٍ له، بِنَفْسِ الإنسان، في حِفَاظِه عليه وعلى أمنه وتَمَسُّكِهِ بِهِ والذَّودِ عنه وعن سيادتِه، ولو تطلب ذلك بذلُ المهجِ والأرواح، يقول تعالى: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنْ اقْتُلُوْا أَنْفُسَكُمْ أَوْ اْخْرُجُوْا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوْهُ إلَّا قَلِيْلٌ مِنْهُمْ).

أيها المؤمنون: إن الوطن الآمن المستقر نعمة ومِنَّة من الله تعالى، تتطلب شكراً وعرفاناً، تترجمه الأقوال والأفعال يقول تعالى: (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ * الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) الوطن الآمن يقوم على الائتلاف والاجتماع، وانتظام الناس تحت ولاية واحدة، وقد عُلِم بالضرورة من دين الإسلام أنه لا دين إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمامة، ولا إمامة إلا بسمع وطاعة؛ لأن مآلات الاجتماع، ونبذ الافتراق، فيها قيام الدين والدنيا، وانتظام الحياة، ولا يتأتى ذلك إلا بالسمع والطاعة لولي الأمر في المعروف؛ يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) وفي ظل ما نراه ونسمعه في كثير من الدول والمجتمعات من التجبر والطغيان والظلم والفساد والشقاق والنزاع والخلاف وفقدان الأمن والأمان، بسبب مخالفاتها لأوامر الله عز وجل وتعاليمه، وكفرها بنعم الله، وصدق الله العظيم حيث يقول: (وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً) والسعيد من اعتبر بغيره، فعرف قدر هذه النعم، وتجنب الفتن والمِحَنَ، وأخذ الدروس والعِبَر، فالوطن الآمن المزدهر نعمة لا تُضاهى، وكنز ثمين يبحث عنه الملايين، ومن رُزق هذه النعمة فقد رُزق خيراً كثيراً.

فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أن في الدين عصمة أمركم، وحسن عاقبتكم؛ يقول تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) فاشكروا نعمة الله عليكم؛ (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ)

اللهمّ احفظ علينا وطننا العزيز البحرين بحفظك، وأكلأه برعايتك وعنايتك، وأدم علينا نعمة الأمن والأيمان، والاستقرار والوحدة، وألف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، واجعلنا حماة وجنداً لهذا الوطن الغالي، واحفظ بلاد المسلمين عامة يا ربَّ العالَمين.

اللهم جنبنا الفتن وأهلها، واهد الجميع إلى ما فيه خيرنا في ديننا ودنيانا واهد ضالنا، واجعل هذا البلد واحة أمن وأمان يا رب العالمين.

اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم أعنهم على أمور دينهم ودنياهم.  وهيئ لهم من أمرهم رشداً، وأصلح بطانتهم ومستشاريهم ووفقهم للعمل الرشيد، والقول السديد، ولما فيه خير البلاد والعباد إنك على كل شيء قدير..

اللهم كن لأهلنا في فلسطين والأقصى وغزة، كن لهم ناصراً ومؤيداً ومعيناً، اللهم ارحم ضعفهم، وارفع البلاء عنهم، واخذل عدوهم ومن بغى عليهم، اللهم اجبر كسرهم، وأطعم جائعهم، واسقي ظمئهم، واحمل حافيهم، وأكس عاريهم، وداو جرحاهم، وارحم موتاهم، واكتبهم عندك من الشهداء الأبرار، اللهم لا تسلط عليهم من لا يخافك ولا يرحمهم… اللهم ألف بين قلوبهم واجمع كلمتهم ووحد صفوفهم على بغى عليهم. اللهم أحفظ المسجد الأقصى والمرابطين فيه، مسرى نبيك وحصنه بتحصينك وأكلاه برعايتك وعنايتك واجعله في حرزك وأمانك وضمانك يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا وعاف مبتلانا واشف مرضانا، واشف مرضانا وارحم والدينا، وارحم موتانا وارحم موتانا وشهدائنا برحمتك يا أرحم الراحمين.

الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)