بين الكسب الطيب والكسب الخبيث
فضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان
9 جمادى الأولى 1447هـ – 31 أكتوبر 2025 م
الحمد لله الذي جعل السعي في طلب الرزق عبادة، والكسب الطيب سببًا لبركة العمر ونماء المال، ونهى عن أكل الحرام وما يفسد القلوب والأعمال، نحمده سبحانه حمد الشاكرين، ونستغفره استغفار المقصرين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، دعا إلى الكسب الحلال، وحث على التعفف عن المسألة والاعتماد على النفس، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمّا بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
معاشر المسلمين: لقد خلقَ اللهُ تعالى عبادَه في هذه الأرضِ ليعبدوه وحدَه لا شريكَ له، وجعلَ بقاءَهم فيها مرتبطًا برزقٍ يعيشونَ به، فسخَّرَ لهم أسبابَ أرزاقِهم، فأنزلَ المطرَ من السماءِ، وأنبتَ الزرعَ من الأرضِ، ومنحَهم العقولَ التي تُفكِّر، والجوارحَ التي تسعى وتكتسب. يقول الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ، مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُون)، ويقول سبحانه: (وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ). وقال رسول الله ﷺ: أيُّها النَّاسُ اتَّقوا اللَّهَ وأجملوا في الطَّلبِ فإنَّ نفسًا لن تموتَ حتَّى تستوفيَ رزقَها وإن أبطأَ عنْها فاتَّقوا اللَّهَ وأجملوا في الطَّلبِ خذوا ما حلَّ ودعوا ما حَرُمَ )
أيها المؤمنون: إنَّ الرِّزقَ نِعمةٌ من نِعَمِ اللهِ، وهو قَدَرٌ مَكتوبٌ لا يَنالُه العبدُ إلا بالسَّعيِ والاجتهادِ في طَلَبِه، واتِّخاذِ الأسبابِ المشروعةِ للوصولِ إليه، قال اللهُ تعالى في قصةِ مريمَ عليها السَّلام: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيّاً)،
أي: خُذي بالأسبابِ يا مريمُ، فالرزقُ لا يأتي بالتمنّي، بل بالسعيِ والعمل.
أيها الأخوة والأخوات: إنَّ النَّفسَ بطبعها ميَّالةٌ إلى المال، لأنَّ به تقومُ حياةُ الإنسانِ وعزَّتُه، وبه يحفظُ كرامتَهُ من ذُلِّ السؤال، وقد يكونُ المالُ سبباً لصلاحِ دينِ المرءِ ودنياه؛ إذا استعمله في الخير، وتقرَّبَ به إلى اللهِ عز وجل في وجوهِ البرِّ والإنفاقِ.
فمن أنفقَ على نفسِه وأهلِه وأقاربِه محتسباً الأجرَ عند الله، كُتِبَ له ثوابُ الصدقة، كما قال النبيُّ ﷺ: (إذا أنفقَ الرَّجلُ على أهلِه يحتسبُها فهو له صدقةٌ) أي صدقةً يُؤجرُ عليها، لا مجرّدَ واجبٍ دنيوي.
ومن جميلِ أمثلةِ الإنفاقِ في سبيلِ الله، ما رُوي عن الصحابيِّ الجليلِ أبي طلحة الأنصاريِّ رضي الله عنه، وكان من أكثرِ الأنصارِ مالاً في المدينة، وكان أحبَّ أموالهِ إليه بستانًا يُسمَّى (بيرحاء) قريبًا من المسجد النبوي، وكان النبي ﷺ يدخلُه ويشربُ من مائه الطيِّب. فلما نزل قول الله تعالى: (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) قام أبو طلحة وقال: يا رسولَ الله، أحبُّ أموالي إليَّ بيرحاء، وقد جعلتُها صدقةً أرجو ثوابها عند الله، فضعها حيثُ شئت.
فقال له النبي ﷺ: بَخٍ (أي ما أحسنه) ذلك مالٌ رابحٌ، ذلك مالٌ رابحٌ، وإني أرى أن تجعلها في أقاربك)، ففعل أبو طلحة وقسَّمها في أقاربه وبني عمِّه.
أيها المسلمون: المالُ نعمةٌ عظيمة، لكنه ابتلاءٌ أيضًا، فمن أنفقه في سبيلِ الله كانَ له بركةٌ في الدنيا والأجرُ في الآخرة، ومن بخلَ به أو أخذه من الحرام، خسرَ دنياه وآخرتَه. قال النبي ﷺ: (مَن سَرَّه أن يُنجيَه الله من كُرَب يوم القيامة، فليُنفِّس عن مُعسِرٍ أو يضع عنه) أي مَن أحبَّ أن ينجو من أهوال يوم القيامة، فليفرِّج كربةَ مديونٍ، أو يسامحه ببعضِ دينه، فجزاءُ الإحسانِ إحسانٌ من الله يوم الحساب.
عِبادَ اللهِ: إنَّ دينَ الإسلامِ دينُ وَسَطٍ وعدلٍ، ومنهجٌ رَبَّانيٌّ حكيمٌ قويمٌ، لا إفراطَ فيه ولا تَفريطَ؛ فلا يُضيِّقُ على الناسِ في كسبِ المالِ الحلال، ولا يُطلِقُ لهم العِنانَ ليأخذوه من أيِّ طريقٍ شاءوا. فهو دينٌ يُعطي الغنيَّ حقَّه دون أن يَظلمَ الفقير، ويأمرُ بتحصيلِ المالِ من طريقٍ طيِّبٍ مشروعٍ، مقرونٍ بأداءِ حقِّ اللهِ فيه. قال اللهُ تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) أي: لا تأكلوا إلا من الكسبِ الطيِّبِ المباحِ، واشكروا المنعِمَ جلَّ وعلا على رزقِه وعطائِه. وقد كان نبيُّنا ﷺ أحرصَ الناسِ على اجتنابِ الحرام، فعن أنسٍ رضي الله عنه قال: (أنَّ النبيَّ ﷺ وجد تمرةً في الطريق فقال: لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتُها)، فامتنع عنها خشيةَ أن تكونَ من مالِ الصدقةِ الذي لا يحلُّ له؛ لأن النبيَّ ﷺ لا يأخذُ الصدقةَ لنفسِه. وكذلكَ أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ رضيَ اللهُ عنه، كانَ شديدَ التَّحرِّي للحلالِ في طعامِه؛ فقد أكلَ يومًا من طعامٍ جاءَه من غلامٍ له، فلمَّا عَلِمَ أنَّه مالٌ أُخِذَ في الجاهليَّةِ بطريقٍ محرَّمٍ، أدخلَ يدَه في فمِه فقاءَ ما أكلَ، خَوفًا من أنْ يكونَ قد دخلَ جوفَه شيءٌ من حرامٍ. وكانت امرأة من السلف الصالح توصي زوجها كلما خرج إلى عمله فتقول: يا عبد الله اتق الله فينا ولا تطعمنا إلا من الحلال، فإن نصبر على الجوع ولا نصبر على النار) فكان كلماتها تحرك ضمير زوجها وتذكره بتقوى الله فتحرى الحلال في عمله وماله ولا يدع درهما من شبهة يدخل بيته.
أيها المسلمون: كما أمرَ اللهُ بالسعيِ في اكتسابِ المالِ من الحلال، نهى عن أخذه من الحرام، فقال سبحانه: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)، أي لا تأخذوا أموالَ الناسِ بالظلمِ، أو الغشِّ أو الرشوةِ أو الاحتيال، فكلُّ ذلك أكلٌ بالباطلِ يُغضِبُ اللهَ ويُهلكُ المالَ والبركة.
عبادَ اللهِ: إنَّ صورَ الكسبِ الحرامِ كثيرةٌ ومتنوِّعة، منها ما شاع وانتشر في زماننا كالتعامُلِ بالرِّبا صريحًا أو مستترًا، وهو من أعظم الذنوب التي توعَّد اللهُ أصحابَها بالحرب، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) ومنها الرِّشوةُ التي أفسدت الذمم، وأضاعت الحقوق، قال النبيُّ ﷺ: (لعنَ اللهُ الراشيَ والمُرتشيَ)، أي أبعدَهما عن رحمته لما فيهما من ظلمٍ وفسادٍ للمجتمع. ومن صور الحرام كذلك الغشُّ والتطفيفُ في الميزان والكيل، قال تعالى: وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ، الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ، وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) وقال النبي ﷺ:(مَن غشَّنا فليس منَّا)، أي ليس على هَدْيِنا ولا طريقتنا ولا على خُلُقِ المؤمنين الصادقين.
ومن الكبائر أيضاً أكلُ أموالِ اليتامى ظلمًا، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) وكذلك السرقةُ والخيانةُ والاختلاس والنَّهبُ، كلُّها أبوابٌ من الحرام تهلكُ صاحبَها في الدنيا والآخرة.
أيها المؤمنون: لقد أرشد الإسلامُ إلى طريقٍ آمنٍ للمالِ، يُنَمِّي الثروةَ بالحلال، ويُبارِكُ فيها بالطاعة. فمن اكتسب ماله من وجهٍ طيِّبٍ، وأدّى حقوقَ اللهِ وحقوقَ العبادِ فيه، بارك اللهُ له في رزقه، ووقاه من الأزمات والمصائب… ومن أسباب البركة في المال:
الزكاةُ التي تُطهِّرُ المالَ وتنمّيه، قال تعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا) والصدقةُ التي تجلب الرزق وتدفع البلاء، يقول تعالى: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) قال النبي ﷺ:(ما نقصت صدقةٌ من مال) وصلةُ الأرحامِ، قال ﷺ:(مَن أحبَّ أن يُبسط له في رزقه ويُنسأ له في أثره فليصلْ رحمَه) والاقتصادُ في الإنفاقِ وتركُ الإسراف، كما وصف الله عبادَه الصالحين بقوله:(وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً).
أيها المسلمون: المالُ الحلالُ طِيبٌ مبارك، يورثُ صاحبَه عزًّا بين الناس، ويُصفِّي قلبَه ويُحسِّنُ خُلقَه، وهو سببٌ لراحةِ النفسِ ودوامِ النعمةِ ورضا اللهِ تعالى.
أما المالُ الحرامُ، فهو شؤمٌ على صاحبه في دنياه وآخرته؛ يُبعدُه عن الله، ويمنعُ إجابةَ دعائه، ويمحقُ البركةَ من حياتِه. قال النبي ﷺ: إنَّ اللَّهَ طيِّبٌ لا يقبلُ إلَّا طيِّبًا ، وإنَّ اللَّهَ أمرَ المؤمنينَ بما أمرَ بِه المرسلينَ فقالَ يَا أيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وقالَ يَا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ قالَ وذَكرَ الرَّجلَ يُطيلُ السَّفرَ أشعثَ أغبرَ يمدُّ يدَه إلى السَّماءِ يا ربِّ يا ربِّ ومطعمُه حرامٌ ومشربُه حرامٌ وملبسُه حرامٌ وغذِّيَ بالحرامِ فأنَّى يستجابُ لذلِك) وما أكثرَ ما نرى اليوم من أمراضٍ ومصائبَ في البيوت سببُها المالُ الخبيث، وما أشدَّ ما يجلبُه من قلقٍ وضيقٍ في الصدور، وسوءِ عاقبةٍ في الآخرة. قال النبي ﷺ: (أتدرونَ من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهمَ له ولا متاع، قال ﷺ:(المفلسُ من أمّتي من يأتي يومَ القيامة بصلاةٍ وصيامٍ وزكاةٍ، ويأتي وقد شتمَ هذا، وأكلَ مالَ هذا، وسفكَ دمَ هذا، فيُعطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته أُخِذَ من سيئاتهم فطُرِحَت عليه ثم طُرِحَ في النار).
فيا من ابتُليَ بالحرام، تُب إلى اللهِ قبل الفوات، فإنَّ المالَ الحلالَ وإن قلَّ، هو البركةُ والطمأنينةُ والنجاةُ في الدنيا والآخرة.
اللهم ارزُقْنا رزقًا حلالًا طيِّبًا مباركًا فيه، تُغنينا به عن الحرام، وتكفينا به عن سؤال الأنام، وتجعله عونًا لنا على طاعتِك، وسببًا لرضوانِك ياذا الجلال والإكرام.
نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي أحل لنا الطيبات، وحرم علينا الخبائث والمنكرات، نحمده سبحانه ونستغفره، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد فيا أيها المسلمون: لقد أنذر نبيكم ﷺ من زمان يضعف فيه الورع، ويشتد فيه الطمع، ويختلط فيه الحلال بالحرام، فيغيب فيه الضمير، وتخبو فيه الفطرة، ويقل فيه من يخاف الله في مكسبه ومطعمه ومشربه. يقول ﷺ: (يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يُبَالِي الْمَرْءُ مَا أَخَذَ مِنْهُ؛ أَمِنَ الْحَلَالِ أَمْ مِنَ الْحَرَامِ). وإن هذا الزمان –عباد الله– قد بانت علاماته، وظهرت أماراته، فكم نرى من أناسٍ –إلا من رحم الله– لا يسألون عن مصدر المال، ولا يتحرون صفاءه، ولا يبالون إن كان في طريقه ظلم أو غش أو ربا أو خيانة، غايتهم أن يقال: (قد اغتنى فلان ونجح)!
ونسوا أن المال الحرام وإن كثر لا بركة فيه، وأن المال الطيب وإن قلّ فهو خير وأدوم وأزكى عند الله.
فأين اليوم –عباد الله– أولئك الأصفياء الأتقياء الذين يدققون في مكاسبهم، ويتوقون الشبهات، ويخشون أن يدخل جوفهم درهم مشوب بالشبهة؟
أين أولئك الأمناء الذين يؤدون أعمالهم ووظائفهم بإخلاص ونصحٍ وإتقان، يرجون رزقاً طيباً خالصاً يرضي الله عنهم ويبارك لهم؟أين الذين يرون البركة في قليل مالهم، ويجدون السكينة في بيوتهم، والطمأنينة في قلوبهم؟
لقد ندر هؤلاء في زمان غلب فيه الطمع على القناعة، وسادت الأثرة على الإيثار، فاختلت الموازين، ورفعت البركات، وضاعت سعادة القلوب مع سعة الجيوب.
عباد الله: من صور الفساد التي عمّت مجتمعات المسلمين اليوم: النزاع والخصام، والتعدي على الحقوق ظلماً وعدواناً، إما بقوة وسطوة، أو بخداع وحيلة، أو باستغلال جاه أو مكانة.
كم نسمع اليوم من خصومات بين الإخوة والأقارب بسبب خلاف على أرض، أو دار، أو وقف، أو هبة، أو ميراث زائل، فرقت بينهم، وقطعت أواصر الرحم، وأفسدت القلوب، وملأت المحاكم بالدعاوى والشكاوى!ولو أن الناس راقبوا الله في معاملاتهم، واتقوه في كسبهم وتملكهم، وقنعوا بما قسمه الله لهم، لارتاحوا من هموم كثيرة، ولعاشوا في طمأنينة وعدل وسلام.
ألا فليتذكر الظالم الذي يأكل أموال الناس بغير حق، أو يغتصب أرضاً أو مالاً لا يملكه، أن ذلك لا يخفى على الحكم العدل سبحانه، فمهما نال من أحكام الأرض ما يسوّغ فعله، فإن قاضي السماء لا يخفى عليه شيء، وحكمه عدل لا يُظلم فيه أحد.
يقول النبي ﷺ محذراً:(مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ، فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ)، قالوا: يا رسول الله، وإن كان شيئاً يسيراً؟ قال ﷺ: (وَإِنْ كَانَ قَضِيباً مِنْ أَرَاكٍ)؛ أي ولو كان عود سواك صغيراً لا يُؤبه له، فكيف بمن يغتصب أرضاً أو مالاً كثيراً؟!وقال ﷺ: (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّهُ يَأْتِينِي الْخَصْمُ، فَلَعَلَّ بَعْضَهُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ، فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَادِقٌ، فَأَقْضِيَ لَهُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ، فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنَ النَّارِ، فَلْيَحْمِلْهَا أَوْ لِيَذَرْهَا).
فاتقوا الله –عباد الله– في أموال الناس وحقوقهم، ولا تجعلوا الدنيا الفانية سبباً للظلم أو القطيعة أو العداوة، فإن المال الحرام وإن زينه الشيطان لصاحبه، فمصيره وبال في الدنيا، وحسرة وعذاب في الآخرة.
اللهم يا واسع الفضل والعطاء، يا رازق الأرض والسماء، يا من بيده مفاتح الرزق والخير والنعماء، ارزقنا رزقاً حلالاً طيباً مباركاً فيه، تغنينا به عن الحرام، وتكفينا به عن سؤال الأنام، وتجعلْه عوناً لنا على طاعتك، وسبباً لرضوانك.
اللهم بارك لنا في أموالنا وأعمارنا وأهلنا وأولادنا، واجعل أرزاقنا كفافاً تطهرنا وتقرّبنا إليك، ولا تجعل الدنيا أكبر همّنا ولا مبلغ علمنا.
اللهم ارزق عبادك الحلال الطيب، وبارك في أرزاق المسلمين، ووسع عليهم من خزائن رحمتك، وأغنهم بفضلك عن خلقك، ووفقهم لشكر نعمك، يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.
اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين. اللهم وفق ولاة أمورنا، اللهم وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك أَنْ تُصْلِحَ أَحْوَالَ المُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الحَقِّ وَالوَحْدَةِ، وَارْزُقْهُمُ الحِكْمَةَ وَالبَصِيرَةَ وَالثَّبَاتَ عَلَى دِينِكَ.
اللَّهُمَّ فَرِّجْ كُرُوبَ إِخْوَانِنَا المُسْتَضْعَفِينَ فِي غَزَّةَ وَالسُّودَانِ وَفِي سَائِرِ بِقَاعِ الأَرْضِ، اللَّهُمَّ ارفعِ البَأْسَ عَنْهُم، وَاكْشِفِ الكَرْبَ، وَانْصُرْهُمْ نَصْراً عَزِيزاً مُؤَزَّراً، وَكُنْ لَهُمْ وَلَا تَكُنْ عَلَيْهِمْ، وَاحْفَظْهُم بِحِفْظِكَ، وَارْحَمْ ضُعْفَهُمْ، وَكُنْ سَنَداً لِعَاجِزِهِمْ، وَعَوْنًاً لِمُهَجَّرِهِمْ، وَسَكَناً لِخَائِفِهِمْ.
اللَّهُمَّ اغفِرْ ذنوبَنا، واستُرْ عيوبَنا، ونفِّسْ كروبَنا، وعافِ مُبتلانا، واشفِ مرضانا، وارحَمْ موتانا، وارحَمْ والدَينا وذوي الحقوقِ علينا برحمتِكَ يا أرحمَ الرَّاحمينَ.
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّمْ وزِدْ وبارِكْ على سيِّدِنا ونبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ.
سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ



