خطبة الجمعة.. الذكاء الاصطناعي بين المنافع والمخاطر

 

الذكاء الاصطناعي بين المنافع والمخاطر

فضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان

14 صفر 1447 هـ – 8 أغسطس 2025 م

 

الحمدُ للهِ الذي خلقَ الإنسانَ وعلَّمَهُ البيان، وفضَّلَهُ بالعقلِ والفهمِ والإدراكِ، وسخَّرَ له ما في الأرضِ جميعًا، وجعلَ له من نِعَمِه ما يُعينُهُ على عمارةِ الدنيا وتحقيقِ مرادِ اللهِ فيها، نحمدُهُ حمدَ الشاكرين، ونستغفرُه استغفارَ المذنبين، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، ومن فتنةِ العلمِ إذا طغى، ومن غرورِ التقنيةِ إذا أفسدت، ومن الذكاءِ إذا صارَ بلاءً بعد أن كانَ نعمة، ونشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وسِعَ كلَّ شيءٍ علمًا ورحمة، ونشهدُ أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُه ورسولُه، علَّمَ الأمةَ القيمَ والأمانةَ في العلمِ والعملِ، فصلّى اللهُ وسلَّمَ عليه وعلى آلهِ وأصحابه ومَنِ اتبعَ هُداه إلى يومِ الدين... أَمَّا بَعدُ، فَأُوصِيكُم عباد الله وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ)

 معاشر المسلمين: إن نِعَمَ اللهِ تعالى على عباده لا تُعدُّ ولا تُحصى، قال سبحانه: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا) ومن أعظم تلك النعم التي تتوالى علينا في هذا العصر وتترى، ما سخّره الله لنا من أدوات العصر ومخترعاته، التي تتجدّد على مَرِّ الأيام، وتتطوّر بمرور الأزمان، فتُدهش العقول، وتُبهرُ الألباب، وتُرِي الإنسانَ كيف أن الله جل جلاله بقدرته، خلق ما لا يخطر على بال، وأخرج من العدم ما يذهل الخيال، فيعيش الإنسان في نعيمها، ويقطف من ثمراتها، وهو في عجزٍ تامٍّ عن إدراك كنهها أو الإحاطة بسرها. إنها نعمٌ تتوالى، وهباتٌ تتجدّد، آلاتٌ وأجهزة، برامجٌ وتطبيقات، وسائل وتقنيات، لم يكن يتصورها من عاشوا قبل عقود، ولو بُعثوا من قبورهم اليوم، وظفروا بنظرة إلى ما نراه ونعيشه، لظنّوا أنهم في عالمٍ من الخيال، أو في ضربٍ من السحر والضلال. لقد حملَ كلٌّ منا في يديه أجهزةً ذكيّة، تنتقل معه حيث حلّ وارتحل، يقضي بها حاجاته، ويبلغ عبرها آماله، ويختصر بها المسافات والسنين، ويفتح بها أبواباً من العلم والعمل، لم تكن لآبائنا ولا أجدادنا إلا بشقِّ الأنفس وطول العناء. ومن أعجب هذه النِّعَم وأحدثها، ما سُمِّي بالذَّكاء الاصطناعي؛ برمجياتٌ ذكيةٌ تخاطب الإنسانَ بلغةٍ قريبةٍ من طبعه، وتجيبه عن أسئلته، وتعينه على فهم مسائله، بل قد تُحلّ له أعقدَ مشكلاته في لحظاتٍ معدودات. تُكتب له، وتُلخص له، وتُعينه على التخطيط، بل وتصور له ما يتخيله، وترسم له ما يعجز عن التعبير عنه، وربما كلّمته بصوتٍ يُحاكي البشر في ألفاظه ونبراته. إنه مصداقُ قول الله جل شأنه: (الرَّحْمَـٰنُ عَلَّمَ الْقُرْآنَ، خَلَقَ الْإِنسَانَ، عَلَّمَهُ الْبَيَانَ) وقال جل جلاله: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا ۖ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ولكن – عباد الله — لئن كانت هذه النعم العظيمة فضلًا من الله وكرمًا، فإنها في الوقت ذاته ميدانٌ للاختبار والابتلاء؛ فهل نشكرها، أم نكفرها؟ هل نستخدمها فيما يُرضي الله، أم نسخّرها لما يغضبه؟ قال تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا) وقال: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) فمن استعمل هذه النعم في الخير، والمعرفة، والدعوة، ونفع الخلق، وطلب العلم، وخدمة الدين، فقد وفّق وسعد، ونال الفضل في الدنيا والآخرة. ومن صرفها في اللهو، والغيبة، والشهوات، ونشر الفتن، وتضليل العقول، فقد خسر وخاب، وجعل من نعمة الله عز وجل نقمةً عليه، والعياذ بالله. وقد قال رسول الله ﷺ في الحديث الصحيح: (لا تزولُ قدما عبدٍ يومَ القيامةِ حتى يُسأَلَ عن أربعٍ، وذكر منها: وعن علمه فيمَ فعلَ فيه) عباد الله: إن العالم يتغيّر من حولنا، والوسائل تتطوّر، وإنّ من شكر النعمة أن نُسخّرها في طاعة الله، ونعرف حدودها، ونُحصّن أنفسنا وأبناءنا من شرورها، فإن الذكاء الاصطناعي، وإن كان من أعظم ما توصّل إليه الإنسان، إلا أنه قد يُستخدم لهدم القيم، وزرع الشك، ونشر الإلحاد، وتغيير الحقائق، وخلط المفاهيم، وهو ما نراه واقعاً في بعض استخداماته اليوم.

فليكن تعاملنا مع هذه النعمة تعاملاً شرعياً وفقيهًا حكيمًا، نحفظ به ديننا، ونصون به أخلاقنا، ونعزّز به حضارتنا، ونرعى به أمانة العلم والقول والعمل.

أيها الأخوة والأخوات في الله: إن الذكاء الاصطناعي – على ما فيه من الإبهار والدقة والقدرة العجيبة – ليس في حقيقته مدحاً مطلقاً، ولا ذمّاً خالصاً، وإنما هو كغيره من الوسائل والمخترعات، تحكمه النيات وتوجهه المقاصد، ويأخذ حكمه بحسب الاستخدام والتوظيف؛ فإن استُثمر في الخير ووجِّه في طاعة الله ونفع الخلق، كان نعمةً ووسيلةً للأجر والثواب، وإن استُخدم في الشر ووجِّه لإيذاء الناس ونشر الباطل، كان فتنةً ووسيلةً للإثم والعقاب. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) فما أعظمَ هذا الأصل وما أوسعَ دلالته! فالذكاء الاصطناعي وسيلة من الوسائل، يُحكم عليه بما يُراد منه ويُستخدم فيه، فمن سخره لخدمة دينه، وتعليم الناس، ونشر العلم، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، فقد سلك سبيل المصلحين، ونال أجر الداعين المهتدين.

ومن الناس من وفقه الله فاستعمل هذه التقنية في الطب والاقتصاد والتعليم والإغاثة وغيرها، وجعلها أداةً للرحمة والإصلاح، ووسيلةً للارتقاء بالإنسان وخدمة البشرية، وهؤلاء على خير عظيم، وأجر كبير، بحسب صدق النية وسلامة القصد... وفي المقابل، ما أشدَّ خطر هذه الوسائل حين تُسخّر في الباطل! لقد رأينا من يستعملها في الكذب والافتراء، وتزوير الحقائق، وتزييف الصور والمقاطع، وانتحال الشخصيات، وتلفيق الأقوال، ونشر الإشاعات المغرضة، وإشاعة الفتنة والبغضاء بين الناس. أين هؤلاء من قول الله تعالى: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) وقوله جل وعلا:(وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ) وقوله سبحانه:(وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)

أيها المؤمنون: إن مما ينخر كيان المجتمعات، ويهد أركانها، ويقوض أمنها ووئامها: نشر الشائعات، وتلفيق الأخبار، وافتراء التهم على البرآء، والطعن في ولاة الأمور، والمسؤولين والعلماء، والمصلحين، وقد ابتلي كثير من الناس في هذا الزمان بهذه الوسائل، فيصدقون كل ما يرون ويسمعون، دون تبين أو تثبت أو خشية من الله عز وجل، فيقعون في الكذب والبهتان وهم لا يشعرون! وقد قال الله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) وقال النبي ﷺ: “كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِباً أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ”، وفي رواية: (كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ). وقال ﷺ محذراً من البهتان: (مَنْ قَالَ فِي مُؤْمِنٍ مَا لَيْسَ فِيهِ، أَسْكَنَهُ اللَّهُ رَدْغَةَ الْخَبَالِ، حَتَّى يَخْرُجَ مِمَّا قَالَ، وَلَيْسَ بِخَارِجٍ).

وردغة الخبال: هي عصارة أهل النار وقيحهم وصديدهم، والعياذ بالله.

كم من مظلوم شُوّهت سمعته بمقطع مفبرك، أو صوت مركب، أو صورة زائفة، فانتهك عرضه، وتفككت أسرته، وتأذى بذنب غيره، وهو بريء لا جُرم له!

وكم من داعية، أو عالم، أو والٍ، أو مسؤول، نُسب إليه قول لم يقله، أو فُرض عليه موقف لم يتخذه، أو نُقل عنه ما لم يصدره، فتشوّهت الصور، وضاعت الحقائق، وعمّ الظلم والجور! فهل بعد هذا الظلم من ظلم؟! وهل بعد هذا البهتان من جرم؟!قال الله تعالى:(وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْـمُؤْمِنِينَ وَالْـمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا) فيا أيها المسلم، اتق الله في الكلمة، مكتوبةً كانت أو مسموعةً أو مصورة، ولا تكن إمعةً يروّج لكل ما يسمع ويرى، ولا تكن جسرًا يعبر عليه الكذب والافتراء، فإنك محاسب بين يدي الله على كل ما نشرت أو رددت أو شاركت فيه. قال تعالى:(وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ)وقال النبي ﷺ: إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ) فليكن هذا الذكاء الاصطناعي في أيدينا نعمة لا نقمة، ورحمة لا فتنة، نستخدمه فيما يرضي الله، ويحفظ ديننا، ويصون أعراضنا، ويخدم أوطاننا ومجتمعاتنا، لا أن يكون سيفًا مسلطًا علينا، أو فتنة تزل بها الأقدام.

فاتقوا الله عباد الله، فيما تكتبون وتنشرون، واتقوا الله في أعراض الناس وسمعتهم، ولا تكونوا عونًا للشياطين في تضليل المجتمعات أو فتنة الناس في دينهم أو دنياهم.

نسأل الله أن يرزقنا البصيرة، وأن يعصمنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه، مباركة في نتائجها، صالحة في مآلاتها، إنه سميع الدعاء.

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدْيِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي خلق الإنسان، وعلّمه البيان، وفضّله بالعقل والإدراك على سائر الحيوان، وجعل له حدوداً لا يتجاوزها، وعلّمه ما ينفعه، وحذّره مما يضرّه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها المسلمون والمسلمات: إن هذه المخترعات التي تتسارع وتتكاثر في هذا الزمان، ويتتابع خروجها في نمط مدهش وسرعة مذهلة، قد جعلت ما كان في الماضي خيالاً وضرباً من المستحيل، واقعاً ملموساً، وحولت أحلام القدماء إلى حقائق تنبض أمام أعين الناظرين. ورغم هذا التقدم المذهل الذي أبهر العقول وأدهش البصائر، فإنه لا يجوز أن يغري الإنسان فيطغى ويتكبر، ويتوهم أنه قد أحاط بكل شيء علماً، وتمكن من كل ما في الكون سيطرةً وقدرة. فالمخترعات والتقنيات، على عظمتها وتعقيدها، إنما هي مما خلق الله وسخره لهذا الإنسان، وفتح له أبواب الاكتشاف والفهم، فهي دليل على إتقان الصانع وعجيب خلقه، وشاهد على قوله تعالى:

(صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ) وقوله سبحانه: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ). وما علم الإنسان – وإن زاد – في جانب علم الله، إلا كنقطة في بحر لجيّ، كما قال تعالى: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)

وعلى هذا، فمن الخطورة الشديدة على العقيدة، أن يغترّ المسلم بما يسمى الذكاء الاصطناعي، فيفرط في التعويل عليه، ويسأله عن أمور الغيب، أو يستكشف منه ما سيكون في المستقبل، ناسياً أو متناسياً قول الله تعالى: (قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ).وقد حذّر النبي ﷺ فقال: (من أتى عرّافاً فسأله عن شيء، لم تُقبل له صلاة أربعين ليلة) وقال أيضاً: من أتى عرّافاً أو كاهناً فصدّقه بما يقول، فقد كفر بما أُنزِل على محمد) فالحذر الحذر من الزلل في هذا المزلَق الخطير، ومن التعامل مع هذه الأدوات كأنها تعلم ما لا يعلمه إلا الله، فهذا مما يقرّب من الشرك ويفسد صحة التوحيد…ومن المؤسف المؤلم، أن الذكاء الاصطناعي قد أُقحم في ما ليس من مجاله، فأصبح يُستفتى في أمور الدين، ويُسأل عن أحكام الشريعة في الطهارة والصلاة والمعاملات، دون ضابط يقومه، أو فهم يرشده، وبغير نظر في مقاصد الشريعة، ولا مراعاة لحال السائل، ولا تفصيل في النوازل والمصالح والمفاسد.

فهو لا يميّز بين دائم وعارض، ولا يعرف أحال السائل مريضاً كان أم صحيحاً، صغيراً أم كبيراً، جاهلاً أم عالماً. وقد أمرنا ربنا تعالى فقال: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) فالعالم الرباني يُبصر جوانب السؤال كافة، وينظر في مقاصد الشريعة، ويقدّر بميزان المصلحة والمفسدة، فيفتي بالعلم والبصيرة، وبما يرضي الله وينفع العباد. أما الآلة، فتنقل وتجيب، بلا فقه ولا ترجيح، فيبقى السائل بعدها في حيرة:

أحلالٌ هذا أم حرام؟ صوابٌ أم خطأ؟ وهذه آفة خطيرة، لا بد من التنبه لها، وتنبيه الناس عليها

فاتقوا الله يا عباد الله، واعلموا أن النعم إذا لم تُقيد بالشكر، انقلبت نقماً، وأن التقدم إذا لم يُوجّه بهدي الوحي أورَد الأمم مهالك الغرور والطغيان.

فاحذروا أن تفتنكم المظاهر، وتغركم المخترعات، وتنسيكم أنكم عباد لله ضعفاء، لا تقوم حياتكم إلا بعونه، ولا يستقيم أمركم إلا بشرعه. واذكروا دائماً أن كل علم لم يُبن على تقوى الله، فهو جهل وإن بلغ عنان السماء، وأن كل آلة لم تُستخدم في طاعة الله، فهي فتنة ومفسدة

اللهم يا من علّمت الإنسان ما لم يعلم، وفتحت له أبواب الفهم والعلم، لا تجعل علمنا سبباً لغرورنا، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.

اللهم لا تجعل الذكاء الاصطناعي فتنةً لنا، واجعلنا ممن يشهدون بقدرتك في كل شيء، ويتفكرون في خلقك، ويخضعون لجلالك، ويثبتون على دينك حتى نلقاك.

اللهم إنا نعوذ بك من فتنة العلم الذي لا يهدي، والتقدم الذي يبعدنا عنك، ونسألك أن تجعل ما علّمتنا سببًا لطاعتك وإعلاء دينك، لا سببًا للضلال والطغيان.

اللهم أعزّ الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.

اللهم آمِنّا في وطننا وفي خليجنا، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً، وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ولاة أمورنا، اللهم وفق ملكنا حمد بن عيسى، وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وهيّئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين.

اللهم كن لإخواننا المستضعفين المظلومين في كل مكان، اللهم كن لهم في فلسطين وغزة الجريحة ناصراً ومؤيداً ومعيناً، اللهم فرّج كربهم، وآمن روعهم، واشف جرحاهم، وتقبل شهداءهم، وارزقهم الصبر والثبات والتمكين.

اللهم إنهم مظلومون فانتصر لهم، وإنهم مستضعفون فكن لهم، وإنهم جياع فأشبعهم، وعراة فاكسهم، وخائفون فآمنهم، ومحاصرون ففك الحصار عنهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم إنا نبرأ من حولنا وقوتنا وتدبيرنا إلى حولك وقوتك وتدبيرك، لا إله إلا أنت، لا يعجزك شيء، وأنت على كل شيء قدير.

اللهم احفظ المسجد الأقصى والمرابطين فيه، مسرى نبيك وحصنه بتحصينك، واكلأه برعايتك وعنايتك، واجعله في حرزك وأمانك وضمانك يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ونفّس كروبنا، وعافِ مبتلانا، واشفِ مرضانا، وارحم موتانا، وارحم والدينا وذوي الحقوق علينا برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم صلِّ وسلِّم وزد وبارك على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

(سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين).