خطبة الجمعة.. الحذر من تصنيف الناس وتفريق الأمة

الحذر من تصنيف الناس وتفريق الأمة

فضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان

20 ربيع الأول 1447هـ – 12 سبتمبر 2025 م

 

الحمدُ للهِ الَّذي وحَّدَ بين قلوبِ المؤمنين برباطِ الإيمان، وجعلَ الأخوّةَ في اللهِ أعظمَ رابطةٍ تجمعُ بين عبادِه الموحّدين، وحذّر من الفُرقةِ والتنازعِ الَّذي يُمزِّقُ الصفوفَ ويُضعِفُ القلوب، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أمّا بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: في خِضَمِّ مشاغل الحياة وتعقّد شؤونها، وفي معترك ما تمرّ به الأمة من متغيراتٍ وأحداث وتحدياتٍ جسام، يغفل كثير من الناس ـ بل ربما يتجاهل البعض ـ مقصداً عظيماً من مقاصد شريعتنا الغرّاء، ألا وهو مقصد الأخوّة الإسلامية، وتآلف القلوب ورص الصفوف. هذه الأخوّة التي لم يجعلها الإسلام خياراً ثانوياً، بل ربطها بالإيمان وجعلها عنوانه، فقال جل شأنه: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) فجعل الأخوّة وصفاً لازماً لكل مؤمن صادق، فهي ليست علاقة مصلحية عابرة، ولا رابطة نسبية مؤقتة، وإنما هي ميثاق إلهي ثابت يقوم على رابطة العقيدة والإيمان. ولم يكتفِ القرآن الكريم بذلك، بل أعاد التذكير بالأساس الجامع لهذه الأمة كلها فقال سبحانه: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) فأراد سبحانه أن تكون هذه الأمة – على اختلاف ألوانها وألسنتها وأوطانها – أمةً واحدةً يجمعها دين واحد، وكتاب واحد، ورسول واحد، ورب واحد. إن الوحدة أصلٌ من أصول الدين، وليست أمراً فرعياً أو مصلحة وقتية، بل هي ضرورة شرعية وحياتية، إذ لا يقام دين الله في أرضه، ولا يتحقق نصر ولا عزة، إلا إذا اجتمعت القلوب، وتآلفت الصفوف. ولهذا فقد حذّرنا الله تعالى من عواقب التنازع والاختلاف، فقال: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا)، أي تمسّكوا بكتاب الله وسنّة نبيه، فهي الحبل المتين الجامع للقلوب. ونهانا عن التنازع بقوله: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)، فالنزاع سبب الضعف وضياع الهيبة، وجعل الأمة فريسة لأعدائها. كما قال تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ)، وهو تحذير من تكرار مأساة الأمم السابقة التي ضيّعت دينها حين تنازعت بعد وضوح الحق.

وقال تعالى: (وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ، مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) أي: لا تكونوا مثل أهل الشرك والباطل الذين جعلوا دينهم أهواءً متفرقة، وفرقًاً متناحرة، يفرح كل حزب بما عنده من باطل ويظن أنه على الحق وحده. فالفرقة هنا قرينة الشرك، لأن التنازع في أصل الدين دليل على ضعف التوحيد. ولهذا كان الفرح بالتحزبات والتمزقات علامة على الغرور والبعد عن الهدي الإلهي.

وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ)، أي الذين جعلوا الدين أحزاباً ومذاهب متناحرة، قد تبرأ الله تعالى ورسوله ﷺ منهم، وفي ذلك وعيد شديد بأن التفرق خروج عن هدي الإسلام، ومشابهة لأهل الملل السابقة، الذين ضلّوا حين انقسموا شيعاً وأحزاباً وفرقاً.

عباد الله: وقد أكّد النبي ﷺ هذا المعنى في قوله: (يدُ اللَّهِ مع الجماعَةِ، ومن شذَّ شذَّ إلى النَّارِ) وقوله: من فارق الجماعةَ قَيْدَ شِبرٍ فقد خلع رِبقةَ الإسلامِ من عُنُقِهِ) وقال صلى الله عليه وسلم: علَيكُم بالجماعةِ، وإيَّاكم والفُرقةَ؛ فإنَّ الشَّيطانَ معَ الواحدِ، وَهوَ منَ الاثنَينِ أبعدُ، مَن أرادَ بَحبوحةَ الجنَّةِ فلْيلزَمِ الجماعةَ. وقال: (المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)

عباد الله: ولأهمية هذا المقصد العظيم، قرر العلماء أن الاعتصام بالجماعة أصل من أصول الدين الكبرى، بل هو من أعظم الواجبات الشرعية. وقد جسّد الصحابة رضوان الله عليهم هذا الفهم، فكانوا يرون أن الفرقة طريق الهلاك، وأن الاجتماع طريق النجاة. ومن أقوالهم الجامعة ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: (لا إسلام إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمارة، ولا إمارة إلا بطاعة) وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوصي أصحابه  ويقول: إياكم والتلون في دين الله فإن جماعة فيما تكرهون من الحق، خير من فرقة فيما تحبون من الباطل) وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (عليكم بالجماعة، فإنها حبل الله الذي أمر به، وإن ما تكرهون في الجماعة خير مما تحبون في الفرقة)، فبيّن رضي الله عنه أن الجماعة – وإن ضاقت على النفس أحياناً – فهي خير وبركة، وأن الفرقة – وإن بدت أهون وأسهل – فهي شر وفتنة. وقال الحسن البصري رحمه الله: (إياكم والفرقة، فإنها هلكة، وإياكم والتلون في الدين، فإن دين الله واحد).

عباد الله: كل هذه النصوص والآثار ترسم لنا قاعدة راسخة: أن الجماعة أمان، وأن الفرقة هلاك، وأن المسلم متى ابتعد عن إخوانه وألقى بنفسه في مهاوي الظنون والخصومات، صار كالشاة الشاردة التي يسهل على الذئب افتراسها. غير أن الواقع ـ مع الأسف الشديد ـ يكشف لنا أن هناك ظواهر خطيرة أخذت تفتّ في عضد الأمة، وتوسّع شُقّتها، وتحوّل جسدها الواحد إلى أشلاء متناثرة وأوصال متفرقة.  لقد ابتُلِيَت الأُمّة في عصرنا الحاضر ببلاءٍ عظيم، وفتنةٍ خطيرةٍ تُهدِّد بنيانها، وتَصدُّ أبناءها عن القيام بواجباتهم الكبرى، تلك هي آفة التصنيف والتبديع والقدح والطعن، ونشر روح الريبة وسوء الظن بين المسلمين. فتجد بعض الناس قد شغلوا أنفسهم بتوزيع التهم، وإطلاق الألقاب، وإلصاق الأوصاف بغير بيّنة ولا برهان.

فيُقال عن هذا إنّه متشدّد غالٍ، وعن ذاك إنّه متساهل مميّع، وعن آخر إنّه مداهن منافق، وعن رابع إنّه من حزبٍ أو جماعةٍ أو طائفةٍ بعينها، وعن خامس إنّه مبتدع ضال لا يُلتفت إليه ولا يُؤخذ عنه. وكأنّما أُريدت الأمة لتتحوّل إلى قوالب جامدة وألقابٍ ممزّقة، بدل أن تكون جسداً واحداً متماسكًا يشدّ بعضُه بعضاً. ولم يقف هذا الداء عند عامة الناس فحسب، بل تجاوزه حتى طالت سهامه علماء الأمة ودعاتها، الذين هم ورثة الأنبياء، وحَمَلة الشريعة، ومصابيح الهدى. فإذا بهم يُرمَون بالتصنيفات الباطلة، وتُلصَق بهم الألقاب الجائرة، وكأنّ ذلك كافٍ لإسقاط مكانتهم، وتبخيس جهدهم، وصرف الناس عن علمهم ونصحهم. وما ذاك إلا منهج مريض، يراد منه النيل من العلماء، وتشويه صورتهم، وتفريق الناس عنهم، في وقتٍ أحوج ما تكون فيه الأمة إلى أن تجتمع كلمتها حول علمائها الصادقين، وتستضيء بنورهم في طريقها الطويل.

ألا فاعلموا رحمكم الله أن هذه الممارسات والتصنيفات ليست مجرد زلاتٍ عابرة، ولا أخطاءً شخصية يمكن تجاوزها، بل هي معاول هدمٍ صامتة، تنخر في جسد الأمة، وتُضعف بنيانها، وتمزّق وحدتها، وتزرع العداوة والبغضاء بين أبنائها. ولئن كان العدو الخارجي يتربص بها الدوائر، فإنّ العدو الأخطر هو الذي ينشأ من داخلها، حين تُشغل صفوفها بالخصومات، وتُستنزف طاقاتها في جدالاتٍ لا ثمرة لها، بينما يتكاتف أعداؤها في الخارج على حرب دينها، وعقيدتها، وأرضها، وهويتها.

وقد صدق الحبيب المصطفى ﷺ إذ حذّرنا من هذا الداء العضال فقال: (لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا). فالمؤمنون إخوة، يرحم بعضهم بعضًا، ويشد بعضهم أزر بعض، ومن أراد أن يقيم البنيان فليكن لبنة في جدار الوحدة، لا معولًا للهدم والفرقة.

أيها المؤمنون: إن من أعظم ما يلزم المسلمين اليوم أن يجتمعوا على ما يوحدهم لا ما يفرقهم، فيبنوا ولا يهدموا، ويحسنوا الظن بإخوانهم ما استطاعوا، ويجعلوا وجهتهم نصرة الدين وخدمة الأمة، بعيداً عن تصنيف أبنائها وتمزيق صفوفها بتكفير أو تبديع أو تفسيق، فالأمم لا تقهر من خارجها حتى يزرع الشقاق والخلاف والخصام والجدال والصراع في صفوفها، وتتشقّق جبهتها الداخلية.

عباد الله: لقد حرص النبي ﷺ أشد الحرص على غرس معاني الأخوة والوحدة في قلوب أصحابه رضي الله عنهم، فعندما آخى بين المهاجرين والأنصار، لم يجعلها مجرد علاقة نظرية، بل علاقة عملية قائمة على البذل والعطاء، حتى بلغ الأمر أن الأنصاري يقاسم أخاه المهاجر ماله وبيته.

أما السلف الصالح فكانوا شديدي الحرص على جمع الكلمة وحفظ الأعراض. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (لا تظن بكلمة خرجت من أخيك شراً وأنت تجد لها في الخير محملاً). وقال عبد الله بن المبارك رحمه الله: إذا بلغك عن أخيك ما تكره فالتمس له عذراً إلى سبعين عذراً، فإن لم تجد فقل: لعل له عذراً لا أعلمه)، وقال: (المُؤمِنُ يَطلُبُ المَعاذيرَ، والمُنافِقُ يَطلُبُ العَثَراتِ) أي: إنَّ المُؤمِنَ يَبحَثُ للنّاسِ عن أَعذارٍ تُبَرِّرُ أفعالَهُم، أَمّا ضَعيفُ الإيمانِ فَيَتَتَبَّعُ الزَّلّاتِ ويَشمَتُ بِها. وقال الفضيل بن عياض رحمه الله: (المؤمن يَستر وينصح، والمنافق يهتك ويَعيب).

عباد الله: إن أخطر ما تجلبه هذه الظواهر على الأمة أنها تُضعف قوتها، فالمجتمع إذا تمزق صفّه ضعف أمام خصومه مهما كثرت موارده وكبرت طاقاته. كما أنها تزرع فقدان الثقة بين أبنائه، فلا يأمن بعضهم بعضاً، ولا يتعاونون على البر والتقوى. كما أنها تُعطّل مسيرة الإصلاح، إذ ينصرف الناس إلى خصومات جانبية وجدالات عقيمة بدل أن يُوجّهوا جهدهم للبناء والعمل والإنتاج. وفوق ذلك كله تُشوّه صورة الإسلام، فيستغل العدو هذه الخلافات ليقدّمه في صورة الانقسام والاقتتال، وهو دين الوحدة والرحمة.

اللَّهُمَّ أصلح ذات بيننا، واهدنا سُبُل السلام، ونجِّنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، واصرف عنّا نزغات الشيطان ووساوسه، واجعلنا إخوانًا متحابين فيك يا رب العالمين.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه إنّه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ الذي ألَّفَ بينَ قلوبِ المؤمنين، وجعلَ الأخوَّةَ في الدِّينِ رباطًا وثيقًا بينَ عبادِه المتَّقين، وأمرَ بالاعتصامِ بحبلِه جميعاً ونهى عن الفرقةِ والاختلاف، ونشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريكَ له، ونشهدُ أن سيدنا ونبينا محمداً عبدُه ورسولُه، صلواتُ ربِّي وسلامُه عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها المسلمون والمسلمات: لا يخفى على ذوي البصائر أن من أعظم مقاصد هذا الدين الحنيف حفظ الأعراض، وصيانة القلوب من الغِلّ والعداوة، وإشاعة روح المودّة والأخوة بين المسلمين. فالأصل في المسلم السلامة والستر، واليقين لا يزول بالشك، ولا تُنقَضُ براءة الذمّة بمجرد الوهم أو الظن. وكم من خبرٍ يتناقله الناس لا أصل له، وكم من خبرٍ صحيح في جوهره، لكن يُضاف إليه ما ليس منه، أو يُبتر من سياقه، أو يُفسَّر بغير وجهه، فيُصبح وسيلةً للطعن والقدح وإثارة الفتن. ولهذا قال الله جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)

والمسلم العاقل لا يكون وعاءً للشائعات، ولا ممرًّا للأكاذيب، ولا يُسارع إلى نقل كل ما يسمع دون روية أو تثبت، فإن العجلة في الحكم من أعظم أبواب الندم. فلنلزم ـ عباد الله ـ العدل والإنصاف حتى مع المخالفين، ولنقدّر اجتهاداتهم، ونحترم آراءهم، فقلّة الإنصاف كانت وما زالت سببًا لتمزّق القلوب وانقطاع الوصال، كما قال القائل: وَلَمْ تَزَلْ قِلَّةُ الْإِنْصَافِ قَاطِعَةً ***    بَيْنَ الرِّجَالِ وَإِنْ كَانُوا ذَوِي رَحِمِ.

عباد الله: إن وقوع بعض الناس في أخطاء أو زلات لا يبرر أن نصبح أعواناً للشيطان عليهم، بل الأولى أن ندعو لهم بالهداية، وأن نلتمس لهم العذر، وأن نرحم ضعفهم، ونسأل الله أن يقيل عثرتهم ويغفر زلّتهم.

فإياكم والوقوع في أعراض المسلمين، أو الانسياق وراء من يوظّف النصوص في غير مواضعها؛ فإن رأيتم من زلّ أو أخطأ، فارثوا لحاله، وادعوا له بالهداية والمغفرة، ولا تكونوا أعوانًا للشيطان عليه.

غير أن مما يبعث على الطمأنينة أن هذه الظواهر لا تدوم، وإنما هي عوارض سرعان ما تضمحلّ بإذن الله، وتزول بعودة الناس إلى جادة الصواب، واجتماع الكلمة، وصفاء الأخوة، وصدق المحبة في الله، فالشفقة على المخطئ والدعاء له بالهداية من علامات صدق الإيمان، كما قال تعالى في وصف عباده المؤمنين: (وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)

فيا عباد الله، اجعلوا هذه الدعوة زادَكم، وهذا الخلق شعارَكم، فإن الأمة مهما عصفت بها رياح الفتن، ومهما تكاثرت عليها أسباب الفرقة، فإنها إذا عادت إلى ربها، واعتزّت بأخوّتها، واستظلّت براية التوحيد والاعتصام بحبل الله، عادت قويةً عزيزةً كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمّى.

اللهم يا رحمن يا رحيم، أصلح ذات بيننا، وألّف بين قلوبنا، واهدنا سبل السلام. اللَّهُمَّ اجعلنا من المتحابين فيك، المتآخين على طاعتك، المتناصرين بدينك، الذين تظلهم بظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك.

اللهم جنّبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، واغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.

اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا سخاء رخاء، وسائر بلاد المسلمين. اللهم وفق ولاة أمورنا، اللهم وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين. اللَّهُمَّ يا ناصرَ المستضعفين، ويا مُجيبَ دعوةِ المضطرين، ويا وليَّ المؤمنين، ويا جابِرَ المنكسرين، نسألُكَ بأسمائِكَ الحُسنى وصفاتِكَ العُلا أن تفرِّجَ الكربَ عن أهلنا في غزَّة، وأن ترفعَ البلاءَ عنهم، وأن تُبدِّلَ خوفَهم أمنًا، وذلَّهم عزًّا، وحاجتَهم غنى، وضعفَهم قوَّة. اللَّهُمَّ لا تُؤاخِذنا بتقصيرنا في نصرتِهم، ولا بما فرَّطنا فيه من حقِّهم، واغفر لنا عجزَنا وقِلَّةَ حيلتِنا، واجعل لهم فرجًا ومخرجًا قريبًاً اللَّهُمَّ كن لهم وليًّا ونصيرًا، ومعينًا وظهيرًا، اللهم اجعل لهم من لدنك سلطانًا نصيرًا، اللهم ثبِّت أقدامَهم، واشفِ جرحاهم، وتقبَّل شهداءَهم، واحفظ ذراريهم ونساءَهم، واجعل لهم من كل همٍّ فرجًا، ومن كل ضيقٍ مخرجًا، ومن كل بلاءٍ عافية.

اللَّهُمَّ اجعل لنا وللمسلمين يدًا صادقةً في نصرة قضيَّتِهم، وقبولًا عندك في مساعي إعانتِهم، وألِّف بين قلوب المؤمنين على الحق، ووحِّد صفوفهم، وأصلح ذات بينهم، واجعلهم يدًا واحدةً على من سواهم.

اللهم اغفر ذنوبنا، واستُر عيوبنا، ونفِّس كروبنا، وعاف مبتلانا، واشف مرضانا، وارحم موتانا، وارحم والدينا وذوي الحقوق علينا برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ  وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.