الإخوة في النسب، صلة واجبة ونعمة من الله
فضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان
4 ذو القعدة 1446هـ – 2 مايو 2025 م
الحمد لله الذي خلق الناس من نفسٍ واحدة، وجعل بينهم نسباً وصهراً، فربط القلوب برباط القرابة، وأودع في النفوس مودة الأخوّة، نحمده تعالى ونشكره، ونستعين به ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين
أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، اتقوا الله في قراباتكم (وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)
معاشرَ المسلمينَ: الإخوة الأشقاء، والإخوة من الأب، والإخوة من الأم… أولئك الذين خرجوا من صُلبِ أبٍ واحد، أو اجتمعوا في رَحِمِ أمٍ واحدة، أو نشأوا من الاثنين معاً؛ كلُّهم إخوةٌ في النَّسب، يجمعهم بطنٌ واحدٌ حملهم، وحِضنٌ دافئٌ ضمَّهم، ولبنٌ واحدٌ أرضعهم… أيها المؤمنون: الأخوّة رابطة نسبيةٌ كريمة، ومحبّةٌ فطريّةٌ عميقة، وقُربةٌ شرعيّةٌ عظيمة. إنها من آيات الله في خَلقه، ونعمةٌ من أعظم نِعمه على عباده. الإخوة والأخوات في النسب، هم زينة الحياة، وبهجة الأعين، وسكنُ الأرواح… بهم تتوثقُ الروابط، وتطيبُ الحياة، وتتحققُ السعادة، ومن صِلتهم تُنال رضا الله وتُرجى جنّاته.. العلاقة بين إخوة النسب من أرقّ العلاقات وأقواها، ومن أشدّها ثباتاً وأبقاها، فهي الأقدر على الصمود في وجه المحن، والأصلب عند وقوع الملمّات، والأوثقُ عند مواجهة الخطوب والكُرُبات.
أيها المؤمنون: إنّ هذه العلاقةَ النبيلةَ تبدأ في الترسُّخ والتقوِّي من خلال الوالدين؛ فهما اللبنةُ الأولى في غرس معاني الأخوّة بين الأبناء، إذ يقومان بتربيتهم على المبادئ التي تُؤصِّل حقوق الأخوّة في نفوسهم. وإنّ لطريقةِ تعاملهما مع أبنائهما الأثرَ الأكبرَ في رسم معالم العلاقة بين الإخوة. ومن أعظم ما يُعزِّز هذه العلاقة: تحقيقُ العدل في شتّى صور التعامل معهم؛ من النظرات، والقبلات، والهدايا، والعطايا، مع تجنُّب المقارنات الجائرة، والحذر من التفاوت في الشدّة أو اللين في المعاملة، والبعد عن تشجيع أحدهم على حساب تحقير الآخرين أو الانتقاص من قدرهم.
عبادَ اللَّهِ: الحياة مع إخوة النسب في بيت الوالدينَ نعمةٌ عظيمةٌ، وصلةٌ حميمةٌ، يتبيَّن جَمالُها، ويَظهَر الحنينُ إليها حينما ينتقل الأخُ من بيت أبيه إلى بيت الزوجية؛ فتنبعِثُ الأشواقُ إلى إخوته وأخواته، وإلى منزل والديه، مأدبةِ الطعام المشترَك، ومشارَكة الحياة في العواطف، وأحاديثِ المودةِ، وارتفاعِ الأصواتِ وانخفاضِها في انسجام، وأَخْذ وردّ، وعَفْو، وتسامُح، وعطاء وتغافُل، والتماس للأعذار..
بيئةٌ كريمةٌ تُصان فيها الحقوقُ، وتُغرَس الفضائلُ، توقيرٌ للكبير، ورحمةٌ بالصغير، واحترامٌ للنِّدِّ، والمثيل.
أيها المسلمون: أخوكَ وأختك تعطيه ويعطيكَ، وتأخذ منه ويأخذ منكَ، تتَّفِق معه وتختلف، تُعاتِبه ويعاتبكَ، ثم تصطلحون، وفي آخِر النهار تضحكونَ وتسمرون. يَفرَحُ لفرحكَ، ويحزَنُ لحزنكَ، يردُّ غَيبَتَكَ، ويستر عَيبَتَكَ، إذا مددتَ يدكَ إلى خيرٍ مدَّها، وإِنْ رأى فيكَ ثغرةً سدَّهَا، وإِنْ نزلَتْ بك نازلةٌ واساكَ، وإِنْ سألتَه أعطاكَ، وإن سكتَّ ابتداكَ، يُؤثِرُكَ في الرغائب، ويتقدَّم عليكَ في النوائب، إذا غبتَ افتقَدَكَ، وإذا غفَلَتْ نبَّهَكَ، وإذا ضَلَلْتَ أرشدَكَ، وإذا دعَا ربَّه لم يَنْسَكَ، هو التاج على الرأس، والقلادة على الصدر. أخوك إذا وقَع فارْفَعْهُ، وإذا احتاج فساعِدْه، وإذا ضَعُفَ فَأَسْنِدْهُ. الإخوان والأخوات عباد الله على نوائب الدهر أعوان، يُستظلّ بهم، ويُعتَمَد عليهم، أوثقُ مَنْ يُستوثَق، وأودَعُ مَنْ يُستودَع. أخوكَ عضيدٌ لا يَلِينُ ولا يتراخى، ولا يُدبِر، ولا يتخلَّى، هو مَكمَنُ السرِّ، ومحلّ الستر. أخاكَ أخاكَ ينشر الحسناتِ، ويطوي السيئاتِ، إذا خدمتَه صانَكَ، وإذا صحبتَه زانَكَ، أُنسُ الخاطرِ، وسلوةُ القلبِ وقرةُ العينِ، وهو عصاكَ التي تتوكَّأ عليها.
أيها الأخوة والأخوات: وللنبيين الكريمين؛ يوسف وموسى عليهما السلام مع الإخوة شأن عجيب، مع قوله سبحانه: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ) أمَّا يوسف عليه السلام فقد قال عز شأنه: (لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ) ومن أعظم الآيات في هذه القصص العظيمة تعامل يوسف مع إخوته، في جميع مراحل حياته وابتلاءاتها، في بأسائها ونعمائها، في سرائها وضرائها، في حالي ضرائه وسرائه: (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)
وقوله سبحانه: (قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) فاصبروا رحمكم الله، اصبروا أيها الإخوة والأخوات، اصبروا كما صبر يوسف واعفوا كما عفا، وأحسنوا كما أحسن، ومن أدبه عليه السلام وحُسْن تَعامُلِه أنَّه لم يعاتب إخوانه، ولم يَنسِب الخطأَ إليهم، بل قال: (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) لم تَصدُر منه عبارةُ لومٍ، أو لفظةُ عتابٍ، أو حالةُ استعلاءٍ، أو هيئةُ افتخارٍ، بل قال: (أَنَا يُوسُفُ وَهَذَا أَخِي) ذكَر اسمَه المجرَّدَ مِنْ كُلِّ لقَبٍ أو منصبٍ. ومن آيات هذه القصص العظيمة أن يوسف عليه السلام وهو يُعدِّد نِعَمَ اللهِ عليه قال: (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ) ولم يذكر واقعة الجُبّ؛ حفظًاً لحقِّ إخوانه، وكرماً منه؛ لئلَّا يخذلهم أو يُظهِر الغلبةَ عليهم…أمَّا موسى عليه السلام فلَه شأنٌ مع أخته وأخيه؛ أما أخته فهي محل الرحمة، واللطف والشفقة، فقد قالت أم موسى لأخته حين ألقته في اليم: (قُصِّيهِ) أي اتَّبِعي أثر موسى كيف يُصْنَع به؟ أما أخوه فمحل القوة، وشَدّ العَضُدِ، والمرء مهمَا بلَغ من المنزلة ولو كانت النبوةَ لا غِنى له عن دفء الأُخُوَّةِ؛ ولهذا حينما عَظُمَتِ المهمةُ لدى موسى عليه السلام وقد مرَّت به من الشدائد والكروب، وقد فرَّ من قومه للذنب الذي اقترفه، وغاب في فراره سنين عدداً، فلما جاءته هذه المهمة العظيمة وهي النبوة، وهي أعظم مهمة على الإطلاق، حينئذ سأل موسى ربَّه العونَ، بل عَلِمَ أنَّه ليس له بعد الله إلا أخوه، فقال: (وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي، وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي) فأجابه ربُّه، وَجَعَلْنَا مَعَهُ أَخَاهُ هَارُونَ وَزِيراً) وقال (سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ)
أيها المسلمون: مِنَ الخسارةِ والغبنِ ألَّا تَعرِفَ مكانةَ أخيكَ أو أختك إلَّا بعدَ أَنْ تَفقِدَهما، نَعَمْ، تَفقِدُهما؛ إمَّا بموت أو بسبب مطامع الدنيا، فتبقى وحيداً لا تَقدِر على شيء، كم مِنْ أخٍ بكى على قبرِ أخيه أو أخته متمنياً لو اصطَلَحَا قبلَ لحظة الفِرَاق. إنَّ الحفاظ على الأُخوَّة في قوتها ومتانتها تحتاج إلى عَقْل وحكمة وصَبْر، وتحمُّل وتضحية؛ (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)
لا تُقابِلْ تصرُّفاتِ إخوانكَ وأخواتك بالتحليل والتدقيق، فأغلبُها أو جُلُّها عفويةٌ تلقائيةٌ، لا تَقبَل التحليلَ ولا التعمقَ، ولا تَستَحِقُّ الوقوفَ عندها. واعلم أنَّه مَهمَا طالَتْ عَلاقَتُكَ بإخوانكَ وأخواتك فهي لن تدوم، فلسوفَ يَقطَعُها أقربُكم أَجَلاً، وأعجَلُكم موتاً، فبَادِرْ حَفِظَكَ اللَّهُ بكلِّ خيرٍ ومَكرُمةٍ، قولًا وفعلاً، (وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ)..
إذا كنتَ ذا علمٍ، أو منصبٍ، أو جاهٍ، أو غنى، أو ثراءٍ، أو شهرةٍ، فَانزِعْ عنكَ هذه العباءاتِ كلَّها حينما تكون مع أَهلِكَ وإخوانِكَ وأخواتك. بَادِرْ بالتواصل مع إخوانكَ وأخواتك حتى ولو كنتَ ترى أنَّ الحقَّ لكَ.. إن مِنَ الكمالِ والجَمالِ والمروءةِ أن تُظْهِر افتخارَكَ بإخوانكَ وأخواتك وبما يمتازونَ به مِنْ فضلٍ ومكانةٍ..
أخبارُكَ وأحوالُكَ ينبغي أن تَصِلَ إلى إخوانكَ وأخواتك عن طريقكَ، لا عن طريق غيركَ، بعدَ تقديرِ المصلحةِ في ذلك.
واعلم حفظك الله أن كثرة الشيء تُرخِصُه، فلا تَكُنْ كثيرَ اللومِ والنقدِ والعتابِ، والاستقصاءِ والتَّشَكِّي، واعلم أن كثرة العتاب طريقُ النُّفرةِ والاجتنابِ، يقول الإمام علي بن أبي طالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (مَنْ لم يَحمِلْ أخاه على حُسن النية لم يَحمَدْه على حُسْن الصنعة) ويقول حمدون القصَّار رحمه الله: إذا زَلَّ أخوكَ أو أختك فاطلُبْ له سبعينَ عذراً، فإن لم يَقبَلْه قَلبُكَ، فاعلم أنَّ العيبَ فيكَ؛ حيث ظهَر لكَ سبعونَ عُذراً ثم لَمْ تَقبَلْه. ما أجمَلَ الأُخُوَّةَ في أَسْمَى معانيها، خلافٌ، ثم هدوءٌ، ثم سكونٌ، ثم اعتذارٌ، فتسامُحٌ فدعاءٌ فاستغفارٌ؛ (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) واعلموا حفظكم الله أن حل الخلاف بين الإخوة والأخوات إمَّا بالحكمة، وإما بالمحكمة. أما المحكمة فبابها عريض، وسلمها طويل، وعتباتها كثيرة، في مداخل متعرجة، وسراديب ملتوية، ونهايتها بعيدة، وتكون سعيدة أو غير سعيدة، وأما الحكمة فبابها صغير، وطريقها قصير، خال من العتب، وسالم من السلالم، تدخل هذا الباب، حين تخلو رأسك، وتصل نهايته حال دخولك، ونهايته سعيدة. وبعدُ أيها الإخوة والأخوات: حقيقة الأُخوَّة: مودَّة في القلب، ولُطف باللسان، ورِفْد بالمال، وتقوية بالأدب، وحُسْن الذَّبِّ عن العيب وتناصُر، وتعليم، ونقل خبرات.
اللهم يا ودود يا ودود، اجعل الود يدوم بين إخواننا وأخواتنا، ولا تجعل القطيعة تدخل بيننا وبينهم اللهم أصلح أحوالنا وأحوالهم، وألف بين قلوبنا وقلوبهم يا سميع الدعاء.
نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله ولي الصالحين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله العالمين، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله إمام المرسلين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعدُ فيا أيها الأخوة والأخوات: الأُخُوَّة نعمة تصان بالرعاية، وتحاط بالعناية، وتُحفَظ عن المُكَدِّرات وتُحرَس عن المنغِّصات، الأُخُوَّةُ أُنسٌ في الوحشة، ونورٌ في الظُّلمةِ، وفَرَحٌ في الحزن.
عبادَ اللَّهِ: استعيذوا بالله من إخوةٍ وأخوات بينَهم خلافٌ وشحناءُ وعداوةٌ وبغضاءُ وغلظةٌ وجفاءُ، قطيعةٌ شنيعةٌ، وفُرقةٌ فظيعةٌ، خيرُهم مصروفٌ للناس، وشرُّهم مجموعٌ للإخوانِ، البعيدُ أنيسُهم، والقريبُ مُوحِشُهم، الوجوهُ بينَهم عابسةٌ، وقلوبُهم فيما بينَهم قاسيةٌ، صدورُهم ضيقةٌ، لَعِبَتْ بهم الأهواءُ، وفرَّقَهم وسخُ الدنيا، وعَبَثَ فيهم الطمعُ، عميت أبصارهم، وصمت آذانهم، فقطَّعوا أرحامَهم… يُكدِّر صفوَ الأُخوَّةِ -عافانا اللَّهُ وإياكم- ضعفُ الإيمانِ ونسيانُ الدَّيَّانِ واستدراجُ الشيطان.
يكدر صفوة الأخوةِ مطامعُ الدنيا: مالٌ، وميراثٌ، وعَقَارٌ، وإيجارٌ. والأخوات أضعف من الإخوة؛ لأن الذكر أقوى من الأنثى، فكان لهن من الحقوق على إخوانهن ما يقوي ضعفهن، ويزيل عجزهن، ويوفر الرعاية والحماية لهن، سواء كن أخوات شقيقات، أم أخوات لأب، أم أخوات لأم، فلكل واحدة منهن حقوق على أخيها.
والأصل أن الأخت تحب أخاها وتعتز به، وتحس بالأمن معه، ترفع به رأسها، وتقوي به ركنها، تفرح لفرحه، وتحزن لمصابه، وتبكي لفراقه، ومن قرأ رثاء الخنساء رضي الله عنها لأخيها صخر بان له منزلة الأخ في قلب أخته.
أيها الإخوةُ والأخوات: لعلَّكم تستذكرون إخوةً وأخوات تقاطَعُوا أعواماً، أو إخوةً وأخوات تَرافَعُوا أمامَ المحاكم تداعياً وخِصاماً، وإخوةً نَهَبُوا حقوقَ إخوانِهم وأخواتِهم ظُلماً وعُدواناً، كما تتذكَّرون إخوةً بَكَوْا دماً، كما يَبكُوا دموعاً بعدَ فراق وموت إخوانهم وأخواتهم متمنينَ لو اصطلحوا معهم قبلَ الفراقِ، وتَراضَوْا قبلَ يوم الحساب.. هذه النماذج هي التي يستذكرها الناسُ ويتداوَلُون أحوالَهم وقَصَصَهم أما الإخوة والأخوات المتصافون المتحابون، فلا يذكرهم الناسُ؛ لأن الحكمة تقول: (البيوت السعيدة لا صوتَ لها)، (والضجيج إنما تُصدِرُه الأواني الفارغةُ). فهذه البيوت المتصافية الكريمة يَصعُب حصرُها، ويَعجَز العادُّ عن عدِّها، بل كم رأيتُم أُسَراً كبيرةً قد اجتمعَتْ في مناسباتها في الأعياد، والأفراح، والأتراح، ورأيتُم السرورَ يعمُّهُم، والسلامَ يُظِلُّهم، إنهم أُسَرٌ كريمة غلَّبوا جانبَ الدِّينِ، والعقلِ، وحقِّ الرَّحِم، فخفضوا فيما بينَهم الجَنَاح، وبسطوا في دُوُرِهم التوددَ، وتنازَلُوا عن كثير من الحقوق؛ لأنهم بعقولهم وتديُّنِهم أدركوا أنَّ خفضَ الجَنَاح ليس ضَعفاً، والتوددَ ليس نفاقًاً، والتنازلَ ليس انكساراً.
ألَا فاتقوا الله -رحمكم الله-، واعلموا أن الصلةَ بينَ الإخوان والأخوات مِنْ أعظمِ مراتبِ بِرِّ الوالدينَ، وقطيعتُهم مِنْ أشدِّ أنواعِ العقوقِ، لا تَدَعُوا للشيطانِ مَدخلاً للفُرقة والفتنة، ولا تسمعوا إلى الوُشاة والنمَّامِينَ، مَنْ وصَلَ رَحِمَهُ وأكرَم إخوانَه وأخواتِه سَعِدَ في دنياه، وبُورِكَ له في رِزقه، وعَظُمَ في الآخرةِ أَجرُهُ.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا وإياكم من أهل البر والصلة، وأن يجنبنا العقوق والقطيعة: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ * أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)
اللهم إنا نسألك بنور وجهك الذي أشرقت له السماوات والأرض أن تجعل إخواننا وأخواتنا في حرزك وحفظك وجوارك وتحت كنفك. اللهم أرزقنا وأهلينا وأحبتنا وإخواننا وأخواتنا طيب الحياة، وخير العطاء، وسعة الرزق وراحة البال، ولباس العافية يا رب العالمين. اللهم احفظ لنا إخواننا وأخواتنا ولا تكتب عليهم حزناً ولا مرضاً ولا هماً، واجعلهم أسعد خلقك، اللهم إنا نسألك زيادة لهم في الدين والبركة في العمر والصحة في الجسد، والسعة في الرزق والتوفيق في الحياة والممات.
اللهمَّ أَصلِحْ لنا دِيننا الذي هو عصمةُ أمرنا، وَأصلِحْ لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأَصلِحْ لنا آخرَتنا التي إليها مَعادنا واجعلِ الحياةَ زيادةً لنا في كل خيرٍ، والموتَ راحةً لنا من كلِّ شرٍّ يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.
اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائرَ بلاد المسلمين، الْلَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أُمُوْرِنَا، الْلَّهُمَّ وفق مَلِكِنَا حَمِدَ بْنَ عِيْسَىْ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ رئيس وزرائه سلمان بن حمد، الْلَّهُمَّ وَفِّقْهُمْ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَىَ وَخُذْ بِنَوَاصِيْهِمْ لِلْبَرِّ وَالْتَّقْوَىْ وَهَيِّئْ لَهُمْ الْبِطَانَةَ الْصَّالِحَةَ الْنَّاصِحَةَ يَا رَبْ الْعَالَمِيْنَ..
اللهم كن لإخواننا المستضعفين المظلومين في فلسطين وغزة الجريحة ناصراً ومؤيداً ومعيناً، اللهم فرّج كربهم، وآمن روعهم، واشفِ جرحاهم، وتقبّل شهداءهم، وارزقهم الصبر والثبات والتمكين. اللهم إنهم مظلومون فانتصر لهم، وإنهم مستضعفون فكن لهم، وإنهم جياع فاشبعهم، وعراة فاكسهم، وخائفون فآمِنهم، ومحاصرون ففكّ الحصار عنهم برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم من أراد بأهل غزة خيراً فوفّقه لكل خير، ومن أراد بهم سوءاً فاجعل تدبيره تدميره، ورد كيده في نحره يا سميع الدعاء.. اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا وعاف مبتلانا واشف مرضانا، واشف مرضانا وارحم والدينا، وارحم موتانا وارحم موتانا برحمتك يا أرحم الراحمين.
الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)