خطبة الجمعة.. أيها الأبناء ارحموا آبائكم وأمهاتكم

أيها الأبناء ارحموا آبائكم وأمهاتكم

فضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان

2 جمادى الأولى 1447 هـ – 24 أكتوبر 2025 م

 

الحمدُ للهِ الَّذي أمرَ ببرِّ الوالدينِ إحسانًا، وجعلَ رضاه في رضاهما، وسخَطَه في عِقوقِهما، وأوصى العبادَ بشكرِهما بعد شكرِه، فقال سبحانه: ﴿أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ﴾، نحمدُه على ما هدى وأرشد، ونشكرُه على ما أنعمَ وأمدّ، ونشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، أمرَ بالإحسانِ ووعدَ عليهِ الجنّةَ والرضوان، ونشهدُ أنَّ نبينا محمّداً عبدُه ورسولُه، الذي رفعَ من قدرِ الأمِّ والأبِ، وجعلَ برَّهما من أجلِّ القُرُباتِ وأعظمِ الطاعات، صلّى اللهُ وسلم وبارك عليهِ وعلى آلهِ وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أمّا بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: لقد اتسعت في هذا العصرِ آفاقُ الحياةِ بعد أن كانت ضيّقةً، وتيسَّرت سبلُ العيشِ بعد شدّةٍ ومشقّةٍ، فأصبح البعيدُ قريبًا، والصعبُ سهلًا، والحلمُ حقيقةً ملموسةً. تغيّرت مظاهرُ الحياةِ تغيّرًا عجيبًا، فالمساكنُ اتّسعت بعدَ ضيقها، وتحسَّنَت بعدَ سوئها، وتنوَّعت الأطعمةُ والمشاربُ، وتوفَّرت وسائلُ الراحةِ والعلاجِ والسفرِ والاتصالِ، حتى صارَ الإنسانُ يعيشُ في زمنٍ لم يكن يخطر ببالِ من سبقه، ولا يدورُ في خيالِ مَن عاش قبلَه. صارت التقنيةُ بين يديه، والمواصلاتُ تطوي له المسافات، والمخترعاتُ تُيسِّر له ما كان يُعدُّ من المستحيلات، فغدا العالمُ بين كفّيه، والناسُ أقربَ إليه من أهلِ داره.

ومع ذلك كلِّه – عبادَ الله – فإنّ هذه الحياةَ المادّيةَ الحديثةَ لم تُضفِ على القلوبِ سعادةً حقيقيةً، بل ضاقت فيها الصدور، وتكدَّرت فيها النفوس، وتكاثرت فيها الهمومُ والمعضلات، وكثُرت الشكوى والقلق، وغابَ الرضا والسكينة. فقد يعيشُ الإنسانُ اليوم بين وسائلِ الراحةِ كلِّها، ومع ذلك يبيتُ مضطربَ الفكرِ، مشغولَ القلبِ، يعاني من ضيقٍ لا يُفسّره، وألمٍ لا يُداويه، وكأنّ الوفرةَ المادّيةَ أفرغت الأرواحَ من معناها، فقلّ من يهنأُ بحياته أو يرضى بواقعه.

أيها الإخوة والأخوات: ومن مظاهر هذا الاضطراب ما أصاب كثيرا من بيوت المسلمين، حيث تعالت شكاوى الآباء والأمهات من عقوق أولادهم، وتمردهم على طاعة ربهم، وإهمالهم لواجباتهم، وانغماسهم في ملذات الدنيا وزينتها، حتى ضعف في نفوسهم تعظيم الوالدين، وقل فيهم الأدب والاحترام، وصار بعضهم يرى في النصح تدخلا، وفي التوجيه تضييقًا.

لقد كان أجدادُنا في الزمنِ الماضي يربّون أبناءَهم بطمأنينةٍ ويسر، وكان الأولادُ يجلّون آباءَهم هيبةً وإجلالًا، ويستجيبونَ لأمرهم طاعةً وامتنانًا، رغم شدّةِ الحياةِ وقسوتِها. أمّا اليوم، فقد تغيّر الحال، وغلبت المادّةُ على المشاعر، وضعفت الروابطُ، حتى صار بعضُ الآباءِ يقولُ بحرقةٍ وألمٍ: (لقد سلِم من البلاءِ مَن لم يُرزق ولدًا، وارتاحَ من العناء مَن لم يذق تعبَ التربية)

وإذا أردتم- معشر الكرام- بعض الأمثلة من المشكلات التي يعاني منها بعض الآباء والأمهات من أولادهم فاسمعوا ذلك: لقد كثرت في هذا الزمان شكاوى الآباء والأمهات من حال أولادهم وبناتهم، حتى صارت همًّا عامًا يؤرّق البيوت، ويُقلق القلوب. فمنهم من يشكو ترك أبنائه للدراسة، وإهمالهم في طلب العلم، مع أنهم يبذلون في سبيل تعليمهم الأموال والأوقات والجهود، طمعًا في أن يكونوا نفعًا لأنفسهم ووطنهم وأمتهم، فإذا ببعضهم يضيّع فرصه في اللهو والغفلة، ويستبدل الجدّ بالتهاون، والمستقبل بالضياع. ومنهم من يئنّ من أبنائه الذين أهدروا أعمارهم في العبث والبطالة، وأدمنوا الهواتف والساعات الطويلة أمام الشاشات، حتى أصيبوا بأمراض فكرية ونفسية وأخلاقية واجتماعية، لا يرعوون عن خطرها، ولا يتعظون بمن سبقهم إلى الهلاك بسببها. ويشكو آخرون من بُعد أولادهم عن طاعة الله، وتقصيرهم في أداء الصلاة وسائر الفرائض، حتى غابت عنهم روح الإيمان، وتلاشى فيهم البرّ بآبائهم وأمهاتهم، فلا يسمعون نصيحةً، ولا يلبّون توجيهًا، فاجتمع عليهم العقوق والتقصير، وضاعت بهم المعاني العظيمة للأسرة والرحمة.

ومن أشدِّ ما يُوجِعُ القلوبَ ويُدمي الضمائرَ ما نراه في واقعِ بعضِ الشبابِ القادرين على الكسبِ والسعيِ والعملِ الشريف، فقد آثروا الكسلَ والراحةَ والاتكالَ على آبائِهم وأمَّهاتِهم، يعيشون عالةً عليهم في مأكلِهم ومشربِهم وملبسِهم، يطلبون المالَ في كلِّ حينٍ، فإن أُعطوا أسرفوا، وإن مُنعوا غضبوا وتبرَّموا. وقد فاتهم أنَّ أبوابَ الرزقِ كثيرةٌ، وأنَّ الكرامةَ في العملِ مهما كان نوعُه، ما دامَ حلالًا، ولو كان يدويًّا بسيطًا، فالعاملُ بيدِه خيرٌ من القاعدِ بكسلِه. وإنَّ من العارِ أنْ ترى الشابَّ قويَّ البنيةِ، سليمَ الأعضاءِ، يأنفُ من العملِ الحرِّ الشريفِ، ويُفضِّلُ مدَّ يدِه إلى والدَيه، بل إنَّ فيهم مَن تزوَّجَ وأنجبَ، وما زالَ يعيشُ عالةً على والديه، لا يَستحيي من شيبتِهما، ولا يَشكرُ جميلَهما، ولا يَغارُ على كرامتِه ورجولتِه. وزاد البلاء سوءًا حين تورّط بعض الأبناء في المشكلات والسلوكيات المنحرفة، من خصوماتٍ واعتداءاتٍ وسوء معاملةٍ مع الناس، يسيئون إلى أقاربهم وجيرانهم وزملائهم، ويتحمّل الآباء تبعات أفعالهم وغراماتهم وهم حسْرَى، بعدما كانوا يتمنّون أن يرفعوا بهم الرأس فإذا بهم يحملون عارهم. وأعظم من ذلك كلّه أن يُبتلى بعضهم بانحرافٍ خلقيٍّ أو فكريٍّ خطير، فينزلق في مهاوي الفواحش والخمور والمخدرات والأفكار المنحرفة، ويقع فريسةً لرفقاء السوء ووسائل التواصل التي أفسدت العقول وأحرقت القلوب.

أيها الأخوة: إنَّ كثيرًا من الآباءِ والأمَّهاتِ، حين تبدأُ حياتُهم الزوجيَّةُ ويُرزقونَ بالأبناء، تمتلئُ قلوبُهم بالفرحِ والرجاءِ، ويتمنَّون أن تمضيَ السنونَ سريعًا؛ ليكبرَ أولادُهم ويستريحوا من عناءِ تربيتِهم، ويروا ثمراتِ سعيِهم أمامَ أعينِهم. ولكن ما إن تمرَّ الأعوامُ حتى تتبدَّلَ الأحلامُ إلى ندمٍ، ويغدو ذلك الرجاءُ حسرةً في القلوب، فيقول بعضُ الآباءِ والأمَّهاتِ: ليتَ أولادَنا ظلّوا صغارًا لا يُرهقوننا بعقوقٍ ولا يُتعبوننا بسوءِ تصرُّفٍ أو تمرُّد. لقد تبدَّلت الأحوال، وتغيَّرت النفوس، وامتلأت البيوتُ بالأوجاع والأنين، وتنوَّعت صورُ المعاناة؛ فكم من والدٍ أنهكَتهُ الأمراضُ والأوجاعُ بسببِ همومِ أبنائهِ، وكم من أمٍّ أضناها السهرُ والبكاءُ خوفًا على أولادها وضياعهم، وكم من والدينِ يواجهانِ أمراضَ الشيخوخةِ ولا يجدانِ من أولادهما من يرعاهما أو يخففَ عنهما ألمَ المرضِ ووحشةَ الوحدة!

إنها صورٌ مؤلمةٌ لعقوقٍ قاسٍ وجحودٍ مُوجِع، حيث تُترَكُ القلوبُ التي ربَّت وسهرت في مهبِّ النسيان، فلا رحمةَ تُواسِي، ولا يدًا حانيةً تُداوي.

فيا أيها الأبناء والبنات، اذكروا ما لاقاه آباؤكم وأمهاتكم من مشقة في سبيل راحتكم، وما بذلوه من عمر وصحة في سبيل سعادتكم، فجازوهم بالبر والإحسان، وكونوا لهم بلسمًا يضمد جراح السنين، ورحمة تنسيهم وجع الحياة، ودعوة صادقة ترفع لهم في السحر.

تذكَّر – أيها الشاب والشابة – تلك الأمَّ التي حملتك تسعةَ أشهرٍ بين الألمِ والأمل، وضاقتْ أنفاسُها وهي تُنقِلُ في جوفِها حياةَ ابنِها، كم فقدتْ من راحةٍ وغذاءٍ ونومٍ لتراكَ بخير، وكم عانتْ من آلامِ الولادةِ التي تعجزُ عن وصفِها الألسن، ثم أرضعتْك بدمِها قبل لبنِها، وسهرتْ على مرضِك وبكتْ لدمعتِك، وأبصرتْك تكبرُ أمامَها فحمدتِ اللهَ على بقاءِك. فهل جزاؤُها بعد ذلك العقوقُ والنفور؟! إن لم يمنعْك دينُك من مخالفتِها، فلتمنعْك إنسانيتُك من كسرِ قلبِها، فالأمُّ لا تُقاسُ محبتُها بميزانٍ، ولا يُكافأُ فضلُها بعملٍ أو إحسانٍ. تأمّل قولَ عمرَ بنِ الخطابِ رضي اللهُ عنه للرجلِ الذي حملَ أمَّه على ظهرِه لقضاءِ حاجتِها، فلما سأله: أتراني جزيتُها؟ قال له: (لا والله، كانت تصنعُ بك ذلك وهي تتمنّى حياتَك، وأنت تصنعُ بها ذلك وأنت تتمنّى فراقَها). وتدبّر ما قاله عبدُ اللهِ بنُ عمرَ رضي اللهُ عنهما لذلك الرجلِ اليمنيِّ الذي طافَ بالكعبةِ حاملًا أمَّه، وقال: (هل جازيتُها؟) فقال: (لا، ولا بزفرةٍ واحدةٍ من زفراتِها يومَ ولدتْك) تلك الكلماتُ الموجزةُ تختصرُ دروسَ البرِّ كلَّها؛ فالأمُّ تُعطي بلا مقابل، وتُحبُّ بلا حدود، وتَصبرُ بلا شكوى، والأبُ يُنفقُ ويسهرُ ويحرسُ ويتعبُ في سبيلِ أن يراكَ عزيزًا كريمًا، فبِرُّهما دينٌ لا يُقضى، وواجبٌ لا يُؤخَّر. قال اللهُ تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) فيا للعجب! كيف يعقُّ الابنُ والدَيه وقد صار أبًا يعرفُ مشقّةَ التربيةِ، أو تُهينُ البنتُ أمَّها بعد أن ذاقتْ مثلَ عنائِها؟! إنَّ برَّ الوالدينِ هو جماعُ الفضائلِ، ومفتاحُ الرضا والبركةِ في الحياة، وهو الصلةُ التي لا تنقطعُ حتى بعد الموتِ بالدعاءِ والصدقةِ والوفاءِ. اللهمَّ اجعلنا من البارِّين بآبائنا وأمّهاتنا، الشاكرينَ لفضلهِم، الحافظينَ لجميلِهم، وباركْ لنا فيهم أحياءً وأمواتًا، ووفّقْ أبناءَ المسلمين وبناتِهم لبرِّ والديهم وطاعتِهم، واجعل بيوتَنا عامرةً بالمودَّةِ والرِّضا والرحمة.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ الَّذي أودعَ في قلوبِ الوالدينِ رحمةً لا تُقدَّر، وجعلَ برَّهما من أعظمِ أبوابِ الجنة، وقرنَ شكرَهما بشكرِه، فقال سبحانه: (أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)، نحمدُه على ما أنعمَ وأولى، ونشكرُه على ما هدى ووفَّق، ونشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، ونشهدُ أنَّ سيدنا ونبينا محمّداً عبدُه ورسولُه، صلّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه، وعلى آلهِ وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها المسلمون والمسلمات: اتقوا اللهَ تعالى واعلموا أنَّ برَّ الوالدينِ عبادةٌ جليلةٌ قرنَها اللهُ تعالى بعبادتِه فقال: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا)، فجمعَ بين حقِّه وحقِّهما، وأعلى مكانتَهما حين قال سبحانه: (وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَىٰ وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)

أيُّها الأبناءُ والبناتُ: برُّ الوالدينِ ليس كلمةً تُقال، بل عملٌ يُترجَم، وطاعةٌ في المعروف، وتقديرٌ، ورعايةٌ، وصبرٌ، ودعاء. قال تعالى: (فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا)، فنهى عن التأفّف، وهو أدنى مراتبِ الأذى، فكيف بما فوقه من الغِلظة والجفاء؟!

أحسنوا إلى والديكم بالكلمةِ الطيبةِ، والبسمةِ الصادقةِ، والخدمةِ المخلصةِ، والدعاءِ الدائمِ، فإنَّ البرَّ خلقٌ يُورِثُ رضى اللهِ، ومفتاحٌ تُفتَحُ به أبوابُ الجنةِ.

أحسنوا إلى والديكم قولًا وعملًا، فإنهما سببُ وجودِكم، ومصدرُ سعادتِكم، وبابُكم إلى الجنةِ إن حافظتم عليه، كما قال النبيُّ ﷺ: (الوالدُ أوسطُ أبوابِ الجنة، فإن شئتَ فأضعْ ذلك البابَ أو احفظْه). وتذكّروا دائمًا أنَّ دعاءَ الوالدينِ هو زادُكم في الحياة، فكم من بارٍّ بوالدَيْه فتحت له أبوابُ الرزقِ، ورفعَ اللهُ شأنَه، ويسّرَ أمرَه، وباركَ في عمرِه وأهلِه وولده، وكم من عاقٍّ مُعرِضٍ نُزعت البركةُ من حياتِه، وضاقت عليه الأرضُ بما رحُبت، وذاقَ من الهمومِ ما لا يطيق، لأنَّ دعوةَ المظلومِ – وخاصةَ الوالدينِ – ليس بينها وبينَ اللهِ حجاب.

أيُّها الأبناء: إنَّ الأمَّ بابٌ من الرحمةِ لا يُعَدَلُ به شيء، حملتك في بطنِها تسعةَ أشهرٍ في ألمٍ لا يوصف، وسهرت على مرضِك، وضحَّت براحَتِها لأجلِك، فهل جزاؤها أن تُعقَّ أو تُهان؟ وأما الأبُ فهو عمادُ البيت، وسندُ الأبناء، يبذلُ عمرَه وسعيَه وقوتَه ليؤمِّن لهم المعيشةَ الكريمة، ويسهرُ على راحتِهم، ويتحمَّلُ المشقّةَ من أجلِ أن يراهم سعداء. فبِرُّ الأبِ شكرٌ على تضحيته، واعترافٌ بجميله، ورعايةٌ لشيبتِه في كِبرِه.

واحذروا أيها الأبناء والبنات رفقاءَ السوءِ ومجالسَ الغفلة، فإنهم يُلهونَ عن طاعةِ اللهِ ويصرفونَ عن برِّ الوالدين، ومن جالسهم خسرَ دنياه وآخرتَه. واعلموا أنَّ البرَّ لا ينقطعُ بوفاةِ الوالدين، بل يمتدُّ بالدعاءِ والصدقةِ وصِلةِ مَن كانا يُحبَّان، فقد قال النبي ﷺ: (إذا ماتَ ابنُ آدمَ انقطعَ عملُه إلَّا من ثلاثٍ، وذكر منهم: وولدٍ صالحٍ يدعو له). وتذكّروا أنَّ الجزاءَ من جنسِ العمل؛ فمَن برَّ والديْه برَّه أولادُه، ومَن عقَّهما عُوقِبَ بعقوقِ أبنائه. فكونوا لأبنائكم قُدوةً في البرِّ، وابدؤوا بأنفسِكم قبل أن تطلبوا منهم البرَّ والإحسان. وسارعوا إلى رضا والديكم قبل فواتِ الأوان، فدمعةُ الندمِ بعد رحيلِهم لا تُغني، واجعلوا بيوتَكم موطنَ رحمةٍ ووفاءٍ، وكونوا لأمّهاتِكم وآبائِكم عونًا وسلوى، واذكروا أنَّ رضا اللهِ في رضا الوالدين وسخطهما في سخطه فمَن نالَ رضاهما فازَ بسعادةِ الدُّنيا ونعيمِ الآخرة.

اللَّهُمَّ اجعلْنا من البارِّين بوالدَيْنا، المطيعينَ لهما، الرَّاحمينَ بهما، واغفرْ لهما كما ربَّيانا صغارًا، وامنحْنا بركةَ رضاهما، وأكرمْنا بحُسنِ صحبتهما أحياءً وأمواتًا، ووفِّق أبناءَ المسلمين وبناتِهم لبرِّ والديهم وطاعتِهم، واجعلْ بيوتنا عامرةً بالمودّةِ والرِّضا والرحمةِ والإيمان، ووفِّقنا لما تحبُّ وترضى، واهدِ قلوبنا لصالح الأعمالِ والأقوالِ يا أرحمَ الراحمين.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.

اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا، واجعل هذا البلد آمنًا مطمئنًا سخاء رخاء، وسائر بلاد المسلمين. اللهم وفق ولاة أمورنا، اللهم وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين.

اللَّهُمَّ يا قَوِيُّ يا عَزِيزُ، يا رَحِيمَ المُسْتَضْعَفِينَ، يا جابِرَ كَسْرِ المُنْكَسِرِينَ، نَسْأَلُكَ أَنْ تُفَرِّجَ الكَرْبَ عَنْ أَهْلِنَا فِي فلسطين وغَزَّةَ، وَأَنْ تَرْفَعَ البَلاءَ عَنْهُمْ، وَأَنْ تَحْفَظَهُمْ بِحِفْظِكَ، وَتَكْلَأَهُمْ بِرِعايَتِكَ، وَتُؤَمِّنَهُمْ فِي أَوْطانِهِم، وَتَرُدَّ عَنْهُمْ كَيْدَ المُعْتَدِينَ، وَأَنْ تَجْعَلَ لَهُمْ مِنْ كُلِّ هَمٍّ فَرَجًاً، وَمِنْ كُلِّ ضِيقٍ مَخْرَجاً، وَمِنْ كُلِّ بَلاءٍ عافِيَةً. اللهم اغفر ذنوبنا، واستُر عيوبنا، ونفِّس كروبنا، وعاف مبتلانا، واشف مرضانا، وارحم موتانا، وارحم والدينا وذوي الحقوق علينا برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)