العيد هو الحب الحقيقي بين الناس

خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين

 1 شوال 1444 هـ – 21 إبريل 2023 م

—————————————————————————–

الحمد لله من علينا بمواسم للخيرات تعود وتتكرر، وشرع لعباده طريق العبادة ويسّر، وجعل من هذا اليوم عيداً يعود في كل سنة ويتكرر، سبحانه هو المستحق لأن يحمد ويشكر، نشهد أنه الله لا إله إلا هو خلق كل شيء وقدّر، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله صاحب اللواء والكوثر، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّر.

أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: عيدُكم مُبارَك، وتقبَّل الله صيامَكم وقيامَكم وصدقاتكم وصالحَ أعمالكم، وجعل سعيَكم مشكوراً، وذنبَكم مغفوراً، وزادَكم في عيدكم فرحةً ومحبَّةً وبهجةً وسروراً.

 أدَّيتم فرضَكم، وأطعتُم ربَّكم، فافرحوا بفِطركم كما فرِحتم بصومِكم، وإن لكم فرحةً بإذن الله تعالى حين تلقَون ربَّكم.

أيها الأخوة والأخوات في الله: شُرِعت الأعيادُ في ديننا الإسلامي لتقويةِ أواصِر المحبة، وتزكيةِ مشاعر المودة، وتوثيق أواصِر العلاقات، ولهذا كان من شعائر العيد: التجمُّل باللباس، والتوسعة على الأهل والأولاد بالهدايا والأُعطيات واللهو المُباح، وتبادُل التهاني بين الأقارب والأرحام والأصدقاء وأبناء الوطن والمقيمين فيه، وما يتخلَّل ذلك من مظاهر الأُلفة والبهجة والسرورولا يعيشُ المرءُ بهجةَ العيد وفرحته إلا بالحبِّ، بالحبِّ يكون التواصُل وتنسجِم اللُّحمة الدينية والوطنية، ويصدُق التكافُل، ويتحقَّق التعاوُن، والحبُّ هو الذي يحفظ العلاقات الإنسانية، ويُوثِّق الروابط الأخوية

هذا عيدُكم أهل الإسلام، إذا تحقَّق فيه الحبُّ زالَ من النفوس الاكتئاب والانقباض؛ والضجر والملل والحزن، ذلكم أن الإنسان روحٌ تسمو، وعقلٌ يدرِك، وقلبٌ يُحبُّ، وجسمٌ يتحرَّك… الحبُّ عواطف، ومشاعر، وسلوك، وإعلان، الحبُّ شعورٌ فِطريٌّ إنسانيٌّ نبيلٌ يُبرِزُه ويُظهِرُه سلامةُ الصدر من الغلِّ والغشِّ والحسد والكراهية والبغضاء، يقول تعالى على لسان المؤمنين الصادقين: (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ)… ويكفي في الحب منزلةً أن كل إنسانٍ يودُّ أن يكون محبوباً ويكرهُ أن يكون مبغوضاً، والحديثُ عن الحبِّ جميلٌ وطويلٌ ومُمتدٌّ ومُتسِعٌ، وهمومُنا وغمومُنا ومآسينا على كثرتها وثِقَلها لا ينبغي أن تكون مانعاً عن الحديث عن الحبِّ وإعلان الحبِّ وإظهار المحبة… وإذا لم يكن الحديثُ عن الحبِّ في يومِ العيد؛ فمتى يكونُ الحديثُ؟ وهل العيدُ إلا الحبُّ؟ وهل الحبُّ الصادقُ إلا عيدٌ يتكرَّرُ كل لحظةٍ… عباد الله: لا يوجد دينٌ يحثُّ أتباعَه على المحبة والتحابُب والتوادِّ مثلُ دينِ الإسلام، لقد جاءت كلمة الحبِّ والمحبَّة في كتاب الله أكثر من ثمانين مرة؛ بل إن من حِكَم ديننا ولطائف تعاليمه أن أمرَنا بإعلان الحبِّ وعدم كتمانه؛ فقد قال نبيُّنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم: (إذا أحبَّ المرء أخاه فليُخبِره أنه يُحبُّه) تُحدِّثُ كتبُ السِّيَر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبَ في أول أيامه في المدينة حين وصل مهاجراً عن المحبة، وكان مما قال عليه الصلاة والسلام: (أحِبُّوا ما أحبَّ الله، وأحِبُّوا اللهَ من كل قلوبِكم، ولا تملُّوا كلامَ الله وذكرَه)، وقال صلى الله عليه وسلم: (تحابُّوا بروح الله بينكم، إن اللهَ يُبغِضُ أن يُنكَثَ عهدُه)

أيها المؤمنون: ومشاعرُ الحب الصادق في الإنسان لها شأنٌ عجيبٌ؛ فهي ممتدةٌ إلى كل ما يقعُ تحت مشاعره ونظره واتصاله وعلاقاته؛ من حبِّه لربه، وحبِّه لنبيِّه، وحبِّه لدينه ومُعتقَده، وحبِّه لنفسه، وحبِّه لوالديه وزوجته وأولاده، وإخوانه وأصدقائه، وحبِّ الناس أجمعين، وحبِّ وطنه ومُمتلكاته وولاة أمره، وحبِّ ما حوله مما خلقَه الله عز وجل في هذه الحياة الدنيا وبثَّه فيها من طبيعةٍ وموجوداتٍ جامدةٍ ومُتحرِّكة بجمالها وألوانها، وروائحها ومناظِرها وزينتها.

أيها المؤمنون: وأعلى حبٍّ وأعظمه حبُّ الله جل جلاله الذي منحَ نعمةَ الوجود والإمداد، والهُدى والرشاد والإسعاد، ثم حبُّ الحبيب المُصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وسيلةِ الخلق إلى ربهم، أجرى الله على يديه هدايةَ البشرية… حبُّ الله له صلاتُنا ونُسكُنا ومحيانا ومماتُنا، هو أهل التقوى وهو أهلُ المغفرة، وحبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو قُدوتنا وأسوتنا وحبيبُنا وشفيعُنا، وكلُّ مُصابٍ بعده جلَل. عن أنس بن مالك رضي الله عنه،  أن رجلًا سالَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: متى الساعةُ؟ قال: (ما أعددتَ لها؟). قال: ما أعددتُ لها كثيرَ صلاةٍ ولا صيامٍ ولا صدقةٍ، إلا أني أحبُّ اللهَ ورسولَه. فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:(أنت مع من أحببتَ). وفي روايةٍ: (المرءُ مع من أحبَّ). قال أنس: (فما رأيتُ المسلمين فرِحوا بشيءٍ بعد الإسلام فرحَهم بذلك) ثم يأتي بعد حبِّ الله وحبِّ رسولِه بقيةُ المحبوبات التي فطرَ الله الناسَ عليها، وهي دائرةٌ واسعةٌ عندنا أهل الإسلام؛ من حبِّ الوالدَيْن والأولاد والأزواج والأهل والعشيرة والقريبِ والغريبِ والأوطان والمُمتلكات والأشياء، وسائر المحبوبات.

أما دائرةُ البُغض والكُره فهي محصورةٌ في الشيطان، وأعداء الدين والمُحادِّين لله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.

أيها الأخوة والأخوات في الله: وهذه صورةٌ جميلةٌ من الحبِّ والمحبَّة، تحفظُها لنا سيرةُ نبيِّنا محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، وهو القدوة والأسوة، وخيرُ الهديِ هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم.  هذا النبيُّ الكريم ذو المشاعر الفيَّاضة كيف يُجسِّدُ الحبَّ مع أهله، وكيف يُبادِله أهلُه ذلك الحبَّ؟ إنها أمُّنا أمُّ المؤمنين عائشةُ رضي الله عنها، كان لقاؤهما الأول بعد الزواج، لقاءً ملؤُه الحياء والرقَّة والمودة، فقد قدَّم لها  صلى الله عليه وسلم  كأسَ اللبن، فاستحيَت، فلامَها صويحباتُها، فأخذَته على استحياءٍ، وشرِبته على خجلٍ، ولا تزالُ المحبَّةُ والمودة بين الحبيبَين حتى إنه عليه الصلاة والسلام  يضعُ فاه على الموضعِ الذي تشربُ منه، ويشربُ هو من فضلَة مائِها… وفي السفَر يكونُ بينهما حديثُ السَّمَر والأخبار، وإذا ابتعدَا عن الأنظار تجِد المسابقَة فيسبِقُها مرةً وتسبِقُه أخرى، فيضحَك الحبيبُ المصطفى  صلى الله عليه وسلم  ويقول: (هذه بتلكَ)… حتى في حال الغضب والمُغاضبة يبقى الحبُّ مُتماسِكاً؛ يقول النبي  صلى الله عليه وسلم للحبيبة عائشة  رضي الله عنها: (إني لأعلمُ إذا كنتِ عني راضِية وإذا كنتِ عليَّ غضبَى). قالت: وكيف ذلك؟ قال: (إذا كنتِ عني راضيةً قلتِ: لا وربِّ محمدٍّ، وإذا كنتِ عليَّ غضبَى قلتِ: لا وربِّ إبراهيم). فتردُّ الحبيبةُ أمُّنا أمُّ المؤمنين  رضي الله عنها وعن أبيها: أجلْ واللهِ، ما أهجُر إلا اسمَك… فتأمَّلوا هذه الرقَّةَ والأدبَ والعذوبة في كلماتٍ تحفظُ الحبَّ، وتحفظُ مقامَ النبوة… وكان صلى الله عليه وسلم يضعُ خدَّه على خدِّها، ويحمِلُها لتُبصِرَ لعبَ الأحباش في المسجد يوم العيد، ثم لا يزالُ على ذلك حتى تقولَ: اكتفيت اكتفيت…

 وكان إذا نام  صلى الله عليه وسلم  أحبَّ أن يضعَ رأسه على فخِذِها، وما زالَ يفعلُ ذلك، حتى إنه لما توفِّي  عليه الصلاة والسلام  تُوفِّي على صدرها بين سَحْرها ونحرِها  رضي الله عنها… أيها المسلمون: الحبُّ شيءٌ عظيمٌ، ولذلك عظَّم الله المنةَ بإيقاع المحبَّة بين أهل الإيمان، فقال  عزَّ شأنه: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً) الحبُّ يُضفِي على الحياة بهجةً وسروراً، وينقلُها إلى أجواءٍ من السعادات والجمال والرضا، ويكسُو الروحَ بهاءً وحبوراً… ومن دائرة الحبِّ الواسِعة: الحبُّ الخاصُّ المقرون بالرحمة نحو اليتامى والمساكين والأرامل والطبقات المُستضعفة ومن يحتاج إلى مزيدِ عطفٍ وحنانٍ، من ذوي كلِّ كبد رطبةٍ، والمسلمُ يحبُّ الحيوانات ويعطِفُ عليها، ويُحسِنُ إليها، ويحبُّ الزينةَ والمناظرَ البهيجة ويستمتِعُ بها، (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ) (وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) وقد سُئِل النبي  صلى الله عليه وسلم  عن الرجل يحبُّ أن يكون ثوبُه حسناً ونعلُه حسناً، فقال  عليه الصلاة والسلام: (إن الله جميلٌ يحبُّ الجمالَ، ونظيفٌ يحبُّ النظافةَ)

 أما حبُّ الأوطان والتعلُّق بها فيكفي في ذلك قولُ الحبيب المُصطفى في مكة شرَّفها الله: (والله إنكِ لأحبُّ البِقاع إلى الله، ولولا أني أُخرِجتُ منكِ ما خرجتُ)، وقال: (اللهم حبِّب إلينا المدينةَ كما حبَّبتَ إلينا مكةَ) … والقتالُ من أجل الأوطان هو قتالٌ في سبيل الله، وقد قال عزَّ شأنه: (وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا)

عباد الله: هذه شذراتٌ من الحبِّ والمحبوبات، نذكر بها يوم العيد، والناسُ إذا تحابُّوا تواصَلوا، وإذا تواصَلوا تعاونوا، وإذا تعاونوا عمِلوا، وإذا عمِلوا عمَرُوا، وإذا عمَرُوا بُورِك لهم، وكمال اللذَّة تابعٌ لكمال المحبة، فأعظمُ الناس لذَّةً بالشيء أكثرُهم محبَّةً له، ومن يُرِد الكمالَ فليُعوِّد نفسَه محبَّةَ الناس، والتودُّد إليهم، والتحنُّن عليهم، والرأفةَ والرحمة بهم، فالناسُ مخلوقون من نفسٍ واحدةٍ، وإذا كان الناسُ كلُّهم من نفسٍ واحدةٍ فحقٌّ عليهم أن يكونوا مُتحابِّين مُتوادِّين. اللهم إنا نسألك حبك، وحب من يحبك، وحب كل عمل وكل شيء يقربنا إلى حبك يا ذا الجلال والإكرام.

 نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.

 

  

الخطبة الثانية

الحمد لله المبدئ المعيد، الذي مَنّ علينا بهذا العيد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أرسله الله تعالى رحمة للعالمين. صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان.

أما بعد فيا أيها المسلمون: هذا هو الحبُّ، وهؤلاء هم المُحبُّون والمحبوبون؛ فالحبُّ الصادقُ يجعل المُرَّ حلواً، والكدرَ صفاءً، وهو الذي يُلينُ الحديدَ، ويُذيبُ الحجر، وبه تنقلِبُ المِحَنُ مِنَحاً، والابتلاءاتُ نِعَماً.

عباد الله: ولقد جاء في ديننا الإسلامي من التوجيهات والتعليمات ما ينشر المحبَّة ويبسُطها، فوجَّه إلى أخلاقيَّاتٍ ومسالك وتصرُّفاتٍ تغرِسُ المحبَّةَ في النفوس، فقال صلى الله عليه وسلم: (تهادَوا تحابُّوا)، وقال: (لا تحقِرنَّ من المعروف شيئاً ولو أن تلقَ أخاكَ بوجهٍ طلقٍ)، (وتبسُّمُك في وجهِ أخيك صدقة)، والتهنئةُ بالمسرَّات، والبشارةُ بالمحبوبات من الزواج والرزق بالولد ونحوه، فمن تزوج يقال لهما (باركَ الله لكما، وباركَ عليكما، وجمعَ بينكما في خيرٍ) ومن رُزِق مولوداً هُنِّئَ ودُعِيَ له: (بُورِك لك في الموهوب، وشكرتَ الواهِب، وأصلح الله المولود) وتبادلُ الزيارات بين الإخوة، وفي الحديثِ: أن رجلًا زارَ أخًا له في قريةٍ أخرى فأرسلَ الله على مدرجَته ملَكاً، فلما أتَى عليه قال: أين تُريد؟ قال: أريدُ زيارةَ أخٍ لي في الله في هذه القرية. قال: هل لك من نعمةٍ تربُّها؟ قال: لا، غيرَ أني أحببتُه في الله. قال: (فإني رسولُ الله إليكَ بأن الله قد أحبَّك كما أحببتَه)

ومن الأخلاق التي تغرس المحبة في النفوس زيارة المريض، وتشييع الجنائز، وإفشاءُ السلام، (لا تدخُلوا الجنةَ حتى تُؤمِنوا، ولا تُؤمِنوا حتى تحابُّوا، ألا أدلُّكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشُوا السلامَ بينكم) وتنفيسُ الكروب، وسترُ العيوب، ومن يسَّرَ على مُعسِرٍ يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن سترَ مسلماً سترَه الله في الدنيا والآخرة، وقضاءُ الحوائج؛ فمن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته.

أيها الأخوة والأخوات في الله: فقدانُ الحبِّ شيءٌ مُخيفٌ ينقلُ الإنسانَ إلى مرتبة الحيوان الذي لا تُحرِّكه إلا غرائِزُه وأنانيَّتُه ومطالِبُه الشخصية، ومن الغلط الفاحِش والمُنكر العظيم في هذا العصر بثقافته وإعلامه: ربطُ الحبِّ بالمعاني الساقطة، والمُسلسلات والأفلام الهابِطة، والأغاني الآثِمة، والتمثيليات الفاضِحة، والعلاقات المُحرَّمة. مسَخوا الحبَّ إلى علاقاتٍ آثِمة، وعلاقاتٍ قصيرةٍ محدودةٍ، حبٌّ يلُوكُه الإعلامُ الهابِط، ومعاذ الله أن يُحارِبَ الإسلام الغرائِزَ والفِطَر أو يكبِتَها، ولكنَّه يُنظِّمُها ويُهذِّبُها ويسلُك بها مسالكَ الصلاح، والإمتاع، والانتفاع، والابتهاج. إن من السوء والبَذاء أن يُغرسَ في عقول الأطفال والناشئة أن الحبَّ ما هو إلا علاقاتٌ مُحرَّمة، وأكاذيبُ خادِعة.

ألا فاتقوا الله رحمكم الله، واهنئوا بعيدكم، وأصلِحوا ذاتَ بينكم، وأفشُوا السلام بينكم، وتهادَوا تحابُّوا، وأطيعوا اللهَ ورسولَه إن كنتم مؤمنين؛ فالعيدُ فرحةٌ، وبهجةٌ، ومحبَّةٌ، فمن أحبَّ أن يُسامِحَه الناسُ فليُسامِحهم، ومن زادَ حبُّه لنفسه ازداد كرُه الناس له، والأُلفةُ دليلُ حُسن الخُلُق، والنفرةُ علامةُ سوء الخُلُق.. التهنئةُ الصادقة والابتهاجُ الحق لمن قبِل الله صيامَه وقيامَه، وحسُنَت نيَّتُه، وصلُح عمله، تهنئةً وبهجةً ومحبَّةً لمن حسُن خُلُقُه وطابَت سريرتُه، هنيئًا لموسِرٍ يزرعُ البهجةَ على شفَة محتاجٍ، ومُحسنٍ يعطِفُ على أرملةٍ ومسكينٍ ويتيمٍ، وصحيحٍ يعود مريضاً، وقريبٍ يزور قريباً.

لا يسعَدُ بالعيد من عقَّ والدَيه وحُرِم الرضا في هذا اليوم المُبارك السعيد، ولا يسعَدُ بالعيد من يحسُد الناسَ على ما آتاهم الله من فضله، وليس العيدُ لخائنٍ غشَّاشٍ يسعَى بالفساد بين الأنام؛ كيف يفرحُ بالعيد من أضاعَ أموالَه في مَلاهٍ مُحرَّمة وفسوقٍ وفجور، ليس له من العيدِ إلا مظاهِره، وليس له من الحظِّ إلا عواثِرُه… اللهم إنا نسألك في هذا اليوم المبارك، أن تغرس الحب في قلوبنا،وتؤلف وتصلح ذات بيننا، الْلَّهُمَّ َوَحِّدْ كَلِمَتنَا وصُفُوَفْنا، وَأَحْفَظُ عَلَيْنَا مَوَدَّتِنَا وَأُخْوَتنَا، وَطَهِّرْ قُلُوْبَنَا مِنْ الْحِقْدِ وَالْحَسَدِ وَالْبَغْضَاءِ، وَجَنِّبْنَا الْخِلافِ وَالْنِّزَاعِ وَالْشِّقَاقِ وَالْخِصَام، يَاذَا الْجَلالِ وَالإكْرَامِ… اللهم آمنا في وطننا، وفي خليجنا، واجعله بلداً آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيسَ وزرائِه سلمان بن حمد، وفقهم إلى ما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبرِ والتقوى، وسدد على طريق الخيرِ خطاهم وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يا رب العالمين.

اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان، ناصراً ومؤيداً، اللهم أحفظهم وأصلح أحوالهم، وفرج همهم ونفس كربهم، وألف بين قلوبهم، واحقن دمائهم ولا تجعل لعدو ولا طاغية عليهم سبيلا.

اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى وأهله والمرابطين فيه، واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين.

اللهم تقبل منا صيامنا وقيامنا وطاعاتنا واجعلنا من عتقاء شهر رمضان، اللهم اجعل عيدنا سعيداً، وعملنا صالحا رشيداً، اللهم أعد هذا العيد علينا وعلى بلادنا وعلى جميع المسلمين بالأمن والإيمان والاستقرار والسلامة والإسلام والتوفيق لما تحب وترضى… اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين..

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات إنك على كل شيء قدير.. اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

        سُبحان ربِّك ربِّ العزَّة عما يصِفون، وسلامٌ على المُرسَلين، والحمدُ لله رب العالمين.

           خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين