أسباب دفع البلاء – وصايا في زمن الكورونا

أسباب دفع البلاء – وصايا في زمن الكورونا

عدنان بن عبد الله القطان

13 شعبان 1442هـ – 26 مارس 2021 م

————————————————-

 

الحمد لله الولي الحميد، البر الرحيم؛ أفاض على عباده من خيراته، ودلهم على مرضاته، نحمده حمداً كثيراً، ونشكره شكراً مزيداً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ أحب عباده المؤمنين، فوسعهم برحمته، وشملهم بعفوه ومغفرته، وبين لهم أسباب دفع بلائه؛ فمن أخذ بها كتبت له النجاة برحمة الله تعالى، ومن فرط فيها خشي عليه من العذاب، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى اله وأزواجه وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.

أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: عندما يرتفع صوت العالم، وتتنادى دوله وحكوماته ومنظماته، لأخذ التدابير للوقاية من بلاء أو وباء، يكون لأهل الإسلام حديث آخر روحاني، يستمدونه من نور الوحيين اللذين ما أُنْزِلا إلا ليحيا بهما العباد حياة طيبة، وتحيا بهما أرواحهم وتتحقق مصالحهم في الدنيا والآخرة. قال تعالى: (وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا، مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ، وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا)

إن ما يجري في هذا الكون فإنما يجري بعلم الله وإرادته، وقضائه وقدره، فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، قال تعالى:(وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ، وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) ولله تعالى في كل أمر يقضيه الحكمة البالغة علمناها أم جهلناها، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا) وقال سبحانه: (وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) وقال جل وعلا (إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) ومن هذه المقادير ما تتكدر له النفوس، وتضيق له الصدور، وتضطرب له القلوب، وقد يكون في طياتها الخيرُ الكثير، كما قال تعالى: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) وقال سبحانه: (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) ونحن في هذه الجائحة (الكورونا) على يقين أن لله في تقديرها الحكمةَ البالغة، ونرجو الله تعالى أن يجعل لنا فيها خيراً كثيراً في دنيانا وأخرانا، ويرفعها عنا وعن بلادنا وعن المسلمين وعن العالم أجمعين بمنه وكرمه.

أيها الأخوة والأخوات في الله: مِن فضل الله تعالى ورحمته تيسير عبادات وأسباب تدفَعُ البلاء قبل وقوعه وبعد وقوعه؛ وهذا من رحمة الله عز وجل بعباده وحكمته في خلقه وكونه، والنبي صلى الله عليه وسلم أمر باستدفاع البلاء بالعبادات والطاعات، كما في حديث الخسوف الصحيح، وفيه (فصلَّى، نبينا صلى الله عليه وسلم بالناسِ… ثم خطَب فيهم، فحمِد الله وأثنَى عليه، ثم قال: (إِنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ مِنْ آيَاتِ اللهِ، وَإِنَّهُمَا لَا يَنْخَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا فَكَبِّرُوا وَادْعُوا اللهَ وَصَلُّوا وَتَصَدَّقُوا) فعلى المسلم والمسلمة أن يحرِصا ويحافظا على العبادات والطاعات التي جاءَتِ النصوصُ الشرعية بأنها تدفع البلاء..

وأعظم وأولى هذه الأسباب: توحيدُ الله تعالى فهو أعظم دافع للبلاء، وأسرع مُخلِّصٍ للكُروب، وقد فزِعَ النبي يونسُ بن متى عليه السلام إلى الله بدعاء التوحيد، وإفراد الله عز وجل بالعبادة، وتنزيهه سبحانه، واعترافه بالذنب، فنُجِّيَ من الغمِّ، قال تعالى: (وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ، وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ) قال ابن القيِّم رحمه الله: (لا يُلقِي في الكُرَبِ العِظام سِوى الشرك، ولا يُنجِّي منها إلا التوحيدُ، وقد علِمَ المُشرِكون أن التوحيدَ هو المُنجِّي من المهالِكِ؛ ففرعونُ نطقَ بكلمةِ التوحيد عند غرقه لينجُو، ولكن بعد فواتِ الأوان).

أيها المؤمنون: ومما يستدفع به البلاء ويرفع: الإيمان الحق الصادق، فالله تعالى يقول:(إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) يقول أهل التفسير: هذا إخبار ووعد وبشارة من الله تعالى للذين آمنوا، أن الله يدفع عنهم كل مكروه، ويدفع عنهم كل شر بسبب إيمانهم من شر الأعداء، وشر وسوسة الشيطان، وشرور أنفسهم، وسيئات أعمالهم، ويحمل عنهم عند نزول المكاره، ما لا يتحملون، فيخفف عنهم غاية التخفيف… وكل مؤمن له من هذه المدافعة والفضيلة بحسب إيمانه، فمستقل ومستكثر،(الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) فلنصدق في إيماننا، ولنصححه ونقويه ونجدده، فهو قابل لذلك كله. ولنعلم أن تخلُّف الوعدِ أمارةٌ على وجود الخلل في الإيمان.

عباد الله: ومما يستدفع به البلاء ويرفع: التوكُّلُ على الله عز وجل، والاعتماد عليه، وتفويض الأمر إليه، واليقين بقضائه وقدره، قال تعالى:(قُلِ اللَّهُ يُنَجِّيكُمْ مِنْهَا وَمِنْ كُلِّ كَرْبٍ) ومؤمنُ آل فرعون لما لجأَ إلى الله كُفِي شرُّ قومه: وقال: (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ،  فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ) هذا مع فعل الأسباب المشروعة والمباحة والجزم بأنه ما شاء الله كان، فيقول للشيء: كن؛ فيكون، وما لم يشأ لم يكن؛ فعلى المسلم أن يعلق قلبه بالله عز وجل رغبة ورهبة، وخوفاً ورجاء ومحبة، فمن توكل على الله كفاه ما أهمَّه من أمر دينه ودنياه، (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً)  فلا حافظ إلا الله عز وجل (فَاللَّهُ خَيْرٌ حَافِظًاً وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) ولما قال المؤمنون: (حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) كان عاقبتهم ما أخبر به تعالى بقوله: (فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) فالتوكل على الله سبب للوقاية من كل شر وسوء، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا خرجَ الرجُلُ مِن بيته، فقال: بِاسْمِ الله توكلتُ على اللهِ، لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله، يُقالُ حينئذٍ هُدِيتَ وكفِيتَ وَوُقِيتَ وتَنَحَّى عنه الشيطانُ) فاستشعروا رحمكم الله معاني التوكل والتفويض والاعتماد على الله تعالى.

والصلاة عباد الله دافعة للكروب مُزيلةٌ للهموم، كاشِفةٌ للغموم، والله سبحانه أمر بالاستعانةِ بها عند حُلولِ المصائبِ، فقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ) وفي الخسوف قال صلى الله عليه وسلم: (فإذا رأيتُموهما فافزَعوا للصلاة)؛ وفي رواية: (فصلُّوا حتى يُفرِّج اللهُ عنكم)، و(كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ إذا حزَبه أمرٌ صلَّى) أي:إذا نزل به أمر مهم، أو أصابه هم أو غم، لجَأ إلى الصَّلاةِ، سواءٌ كانتْ فرضاً أو نافلةً؛ لأنَّ في الصَّلاة راحةً وقُرَّةَ عينٍ له.

عباد الله: وكثرة الصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وسلم، تجلب الخير والبركة، وتقضى بها الحاجات، ويستدفع بها الشر، وترفع البلاء، لأن من صلى على النبي صلاة صلى الله عليه بها عشراً ومن صلى الله عليه كفاه همه في الدنيا والآخرة، وغفر له ذنبه.

أيها الأخوة والأخوات في الله: ومما يستدفع به البلاء الصبر، وهو واجب على كل مسلم ومسلمة، وذلك بأن يحبس المؤمن نفسه قلباً ولساناً وجوارحَ عن التسخط، قال صلى الله عليه وسلم: (عَجَباً لأمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ لَهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ لأِحَدٍ إِلاَّ للْمُؤْمِن: إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْراً لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خيْراً لَهُ).

عباد الله: ومما يستدفع به البلاء الاستغفار؛ فالله تبارك وتعالى رغب عباده في الاستغفار لما له من فوائد عظيمة ومنافع جسيمة، وأول هذه المنافع أن المستغفر يُقر بصفة الله تعالى الغفار، ويردد اسمه تعالى ويلهج به، ويتعبد له بهذه العبادة العظيمة التي يجب توفرها في عباد الله المستحقين للاستخلاف في الأرض، ويحقق الاستغفار للمؤمن الثقة بالله وبلطفه بعباده الضعفاء، فإذا كان الدعاء هوالعبادة فالاستغفار جوهرها، وهو دعاء واستمداد، وهو استجابة لله، وتنفيذ لأمره، وذكر له، وصلح معه، وتقرب إليه، وخضوع تام له، واعتراف بعجز العبد وقدرة مولاه.

بالاستغفار عباد الله يُقال المذنب من ذنبه ويسلَم من المؤاخذة عليه، قال صلى الله عليه وسلم:  (مَنْ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيَّ القَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ، غُفِرَ لَهُ وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنْ الزَّحْفِ) ومن فوائد الاستغفار أنه يدفع العقوبة عن صاحبه ويمنع نزول المصائب به، ويحول دون حلول الكوارث والأزمات والنكبات، ويرفع العقوبات النازلة بالإنسان، كالقحط والطوفان والجوع والأوبئة المهلكة، ويحقق الأمن النفسي والاجتماعي، وروي عن الإمام علي بن طالب رضي الله عنه أنه قال: كان في الأرض أمانان من عذاب الله سبحانه فرفع أحدهما، فدونكم الآخر فتمسكوا به، أما الأمان الذي رفع فهو رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وأما الأمان الباقي فالاستغفار، قال الله عز وجل: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ۚ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) عباد الله: وذكرُ الله تعالى وتسبيحه مما يستدفع به البلاء، فالذكر أنيسُ المكروبين؛ قال جلَّ شأنه: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ) وكان عليه الصلاة والسلام إذا نزلَ به كربٌ قال: (لا إله إلا الله العظيمُ الحليمُ، لا إله إلا الله ربُّ العرش العظيم، لا إله إلا الله ربُّ السماوات وربُّ العرشِ الكريم) وقال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(مَنْ قَالَ: بِسْمِ اللَّهِ الَّذِي لَا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُصْبِحَ وَمَنْ قَالَهَا حِينَ يُصْبِحُ ثَلَاثُ مَرَّاتٍ لَمْ تُصِبْهُ فَجْأَةُ بَلَاءٍ حَتَّى يُمْسِيَ).. وكان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بكَ مِن زَوَالِ نِعْمَتِكَ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ)… والدعاء عباد الله بتضرُّع وإلحاح مِن أقوى الأدوية لدفع البلاء قبل نزولِه وبعد نزوله؛ قال تعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ) وقال جل وعلا: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) والصدقة من أهم أسباب دفع البلاء ورفع الأمراض البدنية عن المتصدق والشفاء منها، وقد ورد في الأثر: (داووا مرضاكمْ بالصدقةِ) والصدقة وسيلةٌ في دفع الابتلاءات والعواقب السيّئة عن المُتصدِّق إذ تعد الصدقة من صنائع المعروف كما جاء في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم:(صنائعُ المعروفِ تقي مصارعَ السوءِ و الآفاتِ و الهلكاتِ و أهلُ المعروفِ في الدنيا همْ أهلُ المعروفِ في الآخرةِ)

نسأل الله تعالى أن يدفع عنا كل بلاء ووباء وشر ومكروه، وأن يوفقنا للقيام بهذه الطاعات والعبادات،  إنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله المنعم على عباده بعظيم آلائه، نحمده سبحانه على تعاقُبِ نعمائه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، أفضل رسله وخاتم أنبيائه، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد فيا أيها المسلمون أيها الأخوة والأخوات في الله : إن الواجب على كل مواطن ومقيم أن يكون قدوةً لغيره في طاعة الله عز وجل، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وطاعة ولاة أمور البلاد بالمعروف، خاصةً في ظل الأزمات والنوازل والجوائح التي تحتاج إلى تكاتُف وتعاوُن الجميع، ولا يزال التذكير مستمرّاً من قبل فريق البحرين الوطني والجهات الصحية وفقهم الله، بأهمية التقيُّد بالإجراءات الاحترازية، والتدابير الوقائيَّة، والاشتراطات الصحيَّة، حرصاً منهم على صحتكم وصحة وسلامة غيركم من أُسَرِكم ووالديكم وأبنائكم وإخوانكم وأخواتكم وأصحابكم وكبار السن فيكم، وهذه الإجراءات والاحترازات من الأخذ بالأسباب الشرعية التي جاءت بها شريعتُنا الغرَّاءُ، فالتقيُّد بالإجراءات الاحترازية واجب دينيٌّ ومقصِد شرعيٌّ ومطلَبٌ وطنيٌّ، ومسلَكٌ حضاريٌّ، ووقاءٌ صحيٌّ، ورقيٌّ اجتماعيٌّ.

فكونوا حفظكم الله على قدر المسئولية، وعوناً للجهات المعنية، وفقاً ورحمة بهم، تحقيقًاً لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى) وتفعيلًا لشعار (نتعاوَنْ ونتكاتف ولا نتهاوَنْ ونستخف)، لاسيما مع انتشار موجة الوباء المتجدِّدة، والسلالة المتحوِّرة من جائحة كورونا، والمنحنى المقلِق في ارتفاع الإصابات والوفيات؛ أجارنا الله منها جميعاً، مما يتطلَّب من الجميع الحذرَ الشديد والجديَّةَ في تطبيق الاحترازات، خاصةً التباعُد الجسدي، وعدم التجمُّعات والمخالطات  وعدم المشاركة في المناسبات، ولُبْس الكمامات، والحرص على غسل اليدين وتعقيمهما وأن تكون المصافَحة في القلوب، وعدم الخروج من البيوت إلا للضرورة.. وإن مما يُشاد به في هذا المقام الوعي المجتمعي لدى الكثيرين منا في تحقيق هذه الإجراءات الاحترازية، غير أنه مع الأسف يوجد في المجتمع مع الأسف بعض المتهاوِنينَ المستهترين غير المُبالِينَ الذين يجرُّون لأنفسهم ولغيرهم ولمجتمعهم أسبابَ العدوى وانتشار الوباء، تجدهم لا يأخذون التطعيم، ويحبطون غيرهم على أخذه، ويصرون على المخالطة، وأمثال أولئك آثمون بتعريضهم الآخرين للمخاطر ولهذا فإن الحزم مع هؤلاء هو الأجدى، ولوليِّ الأمرِ والجهات المختصة سَنُّ التعزيراتِ والأنظمةِ الصارمةِ، في الأخذ على أيدي هؤلاء ورَدْعِهم حتى لا يجرُّوا الضررَ لأنفسهم وغيرهم ويُؤثِّروا على مُقَدَّراتِ ومُكْتَسبات أوطانهم ومجتمعاتهم.

 ومما يُستبشَر به في هذا المجال توفير اللقاح وتقديمه بالمجان لكل، مواطن ومقيم في هذه البلاد الطيبة المباركة، فينبغي للجميع السعي في الحصول على اللقاحات في حينها والمشارَكة في التطبيقات والمنصَّات المخصَّصة لذلك، قال تعالى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) وقال:(وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) وقال صلى الله عليه وسلم: (ما أنزَل اللهُ من داء إلا وأنزَل له شفاءً، عَلِمَه مَنْ عَلِمَه، وجَهِلَه مَنْ جهله) وقال: (لكل داءٍ دواءٌ، فإذا أُصِيبَ دواءُ الداء، بَرَأَ بإذن الله عزَّ وجل) فعلاج كل الأوبئة والأمراض الفتاكة وغيرها هو من عند الله عز وجل وقد يعلمه من يشاء من عباده ويخفيه عمن يشاء، امتحاناً منه وابتلاءً، حتى يرجع العباد إلى خالقهم ومولاهم ويسألونه ذلك العلاج والشفاء.

 والحذرَ كلَّ الحذر من التشكيك والتشغيب على الجهات المعنية، ونَشْر الشائعات المغرِضة، والافتراءات الكاذبة، عن هذه اللقاحات المأمونة وغيرِها، والعجب كل العجب ممَّن يُسْلِمُونَ عقولَهم ويُسْلِسُلونَ أفكارَهم لكل شائعة، ويصدِّقون كلَّ ذائعة دون تثبُّت ورويَّة، وإن من فضل الله على بلادنا البحرين وقيادتنا ما وُفِّقت إليه من تسخير جهودها للرعاية الصحية لمواطنيها والمقيمين على أرضها، كيف لا وقد جعَلَت الدولة من صحة الإنسان وسلامته، ورعايته والعناية به أَوْلَى أولوياتها، وأهم اهتماماتها؟ جعَلَه اللهُ في موازين حسناتهم وأعمالهم الصالحة، وحفظ الله بلادنا البحرين من كل سوء ومكروه، وسائر بلاد المسلمين.

اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، برحمتك نستغيث، فلا تَكِلْنا إلى أنفسنا طرفةَ عينٍ، وأصلح لنا شأنَنا كلَّه، لا إلهَ إلَّا أنتَ.

(رَّبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ) نعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَّقَ اللهم ألطُف بِنا فيما جَرت بهِ المَقادِير وارفَع مَقتكَ وغَضبَك عنًا برحمتِك يا أرحمَ الراحِمين.

اللهم احم بلادنا وبلاد المسلمين وبلاد العالم من شر الأمراض والأوبئة وسيء الأسقام، ما ظهر منها وما بطن. اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلال والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين.

اللهم أعز الإسلام وانصر والمسلمين اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين…

اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.. اللهم وفق ولاة أمورنا وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين.

اللهم من أراد بلادنا البحرين وبلاد الحرمين الشريفين وخليجنا وقيادتنا وجيشنا ورجال أمننا، من أرادهم بشر وسوء وفتنة فأشغله بنفسه، وأجعل كيده في نحره، وأدر دائرة السوء عليه يا سميع الدعاء..

اللهم كن لإخواننا المستضعفين المظلومين في كل مكان ناصراً ومؤيداً، اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى، وأحفظ أهله، وأحفظ المصلين فيه،  واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين.

اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا، وعاف مبتلانا، واشف مرضانا، واشف مرضانا،  برحمتك يا أرحم الراحمين.

 الْلَّهُمَّ نَوِّرْ عَلَىَ أَهْلِ الْقُبُوْرِ مَنْ الْمُسْلِمِيْنَ قُبُوْرِهِمْ، وَاغْفِرْ لِلأحْيَاءِ وَيَسِّرْ لَهُمْ أُمُوْرَهُمْ.. الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ. (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ  وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

        خطبة جامع الفاتح الإسلامي- عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين