خطبة الجمعة.. قصة الصحابية خولة بنت ثعلبة مع زوجها

قصة الصحابية خولة بنت ثعلبة مع زوجها

فضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان

18 ذو القعدة 1446 هـ – 16 مايو 2025 م

 

الحمد لله الذي ظهر لأوليائه بنعوت جلاله، وأنار قلوبهم بمشاهدة صفات كماله، السميع الذي يسمع همس وضجيج الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات، فلا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه المسائل، ولا يتبرم بإلحاح الملحين في سؤاله، البصير الذي يرى دبيب النملة السوداء، على الصخرة الصماء، في الليلة الظلماء، حيث كانت من سهله أو جباله، وألطف من ذلك رؤيته لتقلب قلب عبده ومشاهدته لاختلاف أحواله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وبارك وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أمّا بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: نقفُ اليومَ وقفةَ إجلالٍ وإكبار مَع سَيِّدَةٍ من المُؤمنينَ، نَزَلَ فِيها وفي زَوجِها قُرآنٌ يُتلى إلى يومِ القيامَةِ، هذهِ المرأةُ سَمِعَ اللهُ شَكواها! وَأَجَابَها مِن فَوقِ سَبعِ سَمَا واتِهِ! لأَنَّها وَفِيَّةٌ مَع زَوجِها حَرِيصَةٌ على بَيتِها! حتَّى صارت تُجادِلُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم في شَأنِها، فَخفَّفَ اللهُ عنهما وعادت لهما حياتُهما.

إنها الصحابية الجليلة: خولة بنت ثعلبة بن مالك الخزرجية رضي الله عنها، والتي أوتيت من البلاغة والفصاحة والجمال، وعاشت مع زوجها ابن عمها أوس بن الصامت بن قيس الأنصاري رضي الله عنه، وكان رجلاً فقيراً معدماً، ولكنها عاشت معه راضية بما قسم الله لهما، سعيدة مع أولادها، وفي يوم من الأيام، دخل أوس على زوجته خولة، وطلب منها طلباً، فراجعته، فغضب عليها، وقال لها: (أنت علي كظهر أمي) أي أصبحت زوجته كأمه، ويحرم عليه مراجعتها، وهو من أشد أنواع الطلاق عندهم، إذ لا رجعة فيه للزوجة إلى زوجها، ويسمى (الظهار)، وبعد لحظات، جاءها زوجها (أوس) مداعباً لها، فنفرت منه، فتملكه الغضب، فقالت له أنا محرمة عليك كأمك، هيا بنا نذهب للرسول صلى الله عليه وسلم للنظر، وماذا يقول في هذا اليمين، فاتت خولة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودخلت عليه شاكية إليه يمين زوجها: ولنستمع إليها وهي تروي قصتها: قَالَتْ خولة رضي الله عنها: وَاللَّهِ فِيَّ وَفِي أَوْسِ بْنِ صَامِتٍ أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ صَدْرَ سُورَةِ الْمُجَادَلَةِ، قَالَتْ:  كُنْتُ عِنْدَهُ وَكَانَ شَيْخاً كَبِيراً قَدْ سَاءَ خُلُقُهُ وَضَجِرَ،  فَدَخَلَ عَلَيّ يَوْماً فَرَاجَعْتُهُ بِشَيْءٍ فَغَضِبَ، فَقَالَ (أَنْتِ عَلَىَّ كَظَهْرِ أُمِّي)، ثُمَّ خَرَجَ فَجَلَسَ فِي نَادِي قَوْمِهِ سَاعَةً، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيَّ فَإِذَا هُوَ يُرِيدُنِي عَلَى نَفْسِي، (أراد أن يباشرها) فَقُلْتُ كَلاَّ وَالَّذِي نَفْسُ خُوَيْلَةَ بِيَدِهِ، لاَ تَخْلُصُ إِلَيَّ وَقَدْ قُلْتَ مَا قُلْتَ، حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِينَا بِحُكْمِهِ، تقول:  فَوَاثَبَنِي وَامْتَنَعْتُ مِنْهُ، فَغَلَبْتُهُ بِمَا تَغْلِبُ بِهِ الْمَرْأَةُ الشَّيْخَ الضَّعِيفَ فَأَلْقَيْتُهُ عَنِّي، قَالَتْ  ثُمَّ خَرَجْتُ، حَتَّى جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَذَكَرْتُ لَهُ مَا لَقِيتُ مِنْ زوجي، فَجَعَلْتُ أَشْكُو إِلَيْهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَلْقَى مِنْ سُوءِ خُلُقِهِ).  وفي رواية: (فقلت له: يا رسول الله، إن أوساً تزوجني وأنا شابة مرغوب فيّ، فلما كبر سني، ونثرت بطني (كثر ولدي)، جعلني عليه كأمّه، وتركني إلى غير أحد، فإن كنت تجد لي رخصة يا رسول الله فحدثني بها، فقال صلى الله عليه وسلّم: (ما أمرت بشيء في شأنك حتى الآن)، وفي رواية أنه قال لها: (ما أراك إلا قد حرمت عليه)، وقالت: ما ذكر طلاقًاً، وجادلت رسول الله صلى الله عليه وسلم مراراً.

ثم قالت: اللهم إني أشكو إليك فاقتي، وشدّة حالي، وجعلت ترفع رأسها إلى السماء، وتقول: اللهم إني أشكو إليك، اللهم فأنزل على لسان نبيك، ثم قالت: اللهم إني أشكو إليك فاقتي، وشدّة حالي، وإن لي من زوجي أولاداً صغاراً، إن ضمهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إلي جاعوا، قَالَتْ فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: يَا خُوَيْلَةُ ابْنُ عَمِّكِ شَيْخٌ كَبِيرٌ، فَاتَّقِى اللَّهَ فِيهِ. قَالَتْ فَوَاللَّهِ مَا بَرِحْتُ حَتَّى نَزَلَ فِيَّ الْقُرْآنُ فَتَغَشَّى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا كَانَ يَتَغَشَّاهُ، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ لِي: يَا خَوْلَةُ: قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكِ وَفِى صَاحِبِكِ). ثُمَّ قَرَأَ عَلَيّ (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ، وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا ۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ، الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ ۖ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ ۚ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ، وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ۚ ذَٰلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ، فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ۖ فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً ۚ ذَٰلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۗ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ)

قَالَتْ أم المؤمنين عَائِشَةُ رضي الله عنها، تَبَارَكَ الَّذِى وَسِعَ سَمْعُهُ كُلَّ شَيْءٍ، إِنِّي لأَسْمَعُ كَلاَمَ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ وَيَخْفَى عَلَيَّ بَعْضُهُ وَهِيَ تَشْتَكِي زَوْجَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَهِيَ تَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَكَلَ شَبَابِي، وَنَثَرْتُ لَهُ بَطْنِي حَتَّى إِذَا كَبِرَتْ سِنِّي، وَانْقَطَعَ وَلَدِي، ظَاهَرَ مِنِّي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ. فَمَا بَرِحَتْ حَتَّى نَزَلَ جِبْرَيلُ بِهَؤُلاَءِ الآيَاتِ: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ).

قالت خولة: فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن زوجي: (مُرِيهِ فَلْيُعْتِقْ رَقَبَةً)، قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِنْدَهُ مَا يُعْتِقُ، قَالَ: فَلْيَصُمْ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ شَيْخٌ كَبِيرٌ مَا بِهِ مِنْ صِيَامٍ، قَالَ: فَلْيُطْعِمْ سِتِّينَ مِسْكِيناً، وَسْقاً مِنْ تَمْرٍ)، قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا ذَاكَ عِنْدَهُ، قَالَتْ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَإِنَّا سَنُعِينُهُ بِعَرَقٍ (مكتل أو  جفير) مِنْ تَمْرٍ، قَالَتْ: فَقُلْتُ: وَأَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ سَأُعِينُهُ بِعَرَقٍ آخَرَ، فقَالَ صلى الله عليه وسلم: قَدْ أَصَبْتِ وَأَحْسَنْتِ، فَاذْهَبِي فَتَصَدَّقِي عَنْهُ، ثُمَّ اسْتَوْصِي بِابْنِ عَمِّكِ خَيْراً، قَالَتْ: فَفَعَلْتُ) وفي رواية: (قَالَ  لها النبي صلى الله عليه وسلم: قَدْ أَحْسَنْتِ اذْهَبِي فَأَطْعِمِي بِهَا عَنْهُ سِتِّينَ مِسْكِيناً، وَارْجِعِي إِلَى ابْنِ عَمِّكِ).

أيها الأخوة والأخوات: تعالوا بنا نرى كيف كانت خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها تحافظ على عش الزوجية الخاص بها من خلال عدة ركائز: أولاً: وقبل كل شيء حفاظها على دينها وحرصها على تقوى الله: وذلك يظهر جليًّاً من حرصها على تقوى الله، حين طلبها زوجها فأبت أن يتمكن منها، حتى تتأكد من أنها ليست محرَّمة عليه، حيث قالت له: (والذي نفس خويلة بيده، لا تخلص إليَّ وقد قلتَ ما قلت حتى يحكم الله ورسوله فينا بحكمه) إلى جانب حسن ظنها الكبير بربها، فاستجاب لها ربها من فوق سبع سماوات؛ وكذلك تصدُّقها على زوجها حيث قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: (وأنا يا رسول الله سأعينه بعَرَقٍ آخر، قال: (قد أصبتِ وأحسنت فاذهبي فتصدقي عنه ثم استوصي بابن عمك خيراً، قالت: ففعلت)

أيتها الزوجة المؤمنة: هل رأيت كيف أن حرصك على دينك، وتقوى الله، هو الأساس الأول والأهم في الحفاظ على عش الزوجية

ثانياً: حرصها على الحفاظ على زوجها والتمسك به: ويظهر ذلك جليًّاً في جدالها للنبي للحفاظ على علاقتها بزوجها رغم ما به من كبر السن، وسوء خلقه معها، والإساءة إليها بقَسَمِه عليها بالظِّهار.

وانظر كيف كانت تجادل النبي صلى الله عليه وسلم من أجل الحفاظ على زوجها، حيث قال لها عليه الصلاة والسلام في إحدى الروايات: (مَا عِنْدِي فِي أَمْرِكِ شَيْءٌ) وفي أخرى أنه قال لها: (حَرُمْتِ عَلَيْهِ)، فقالت: يا رسول الله ما ذكر طلاقًاً، وإنما هو أبو ولدي وأحبُّ الناس إليَّ، فقال: (حَرُمْتِ عَلَيْهِ)، فقالت: أشكو إلى الله فاقتي، وشدّة حالي، وكُلَّما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (حَرُمْتِ عَلَيْهِ)، هتفت وشكت إلى الله عز وجل، فبينما هي كذلك إذ تربد وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت آيات سورة المجادلة: (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)

ثالثاً: حرصها على أولادها: انظر قولها لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (وإن لي صبية صغاراً، إن ضممتهم إليه ضاعوا، وإن ضممتهم إليَّ جاعوا).

وهنا يظهر فقهها في تربية الأولاد والبنات؛ فتربية الأولاد قائمة على طرفين مهمين للتربية لا غنى عن أي منهما للأولاد.

 فهل هناك من تفقهُ هذه الركائز لإقامة أسرة أصيلة متماسكة لا تعصف بها أهواء الأمهات أو الآباء؟ وخاصة الأم التي تملأ بيتها سعادة بفقهها وحنانها وعطفها، فتكون سكناً يتولد منه المودة والرحمة. (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)

اللهم كما ألّفت بين قلوب عبادك، ألّف بين قلبيْ الزوجين، واشرح صدورهما، وآنس بينهما، وأصلح حالهما يا سميع الدعاء.

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبهدي سيد المرسلين أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله ولي الصالحين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله العالمين، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله إمام المرسلين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها المسلمون: إن في موقف النبي صلى الله عليه وسلم مع خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها فوائد كثيرة، منها: تواضع النبي صلى الله عليه وسلم، ورِفقه بأصحابه، وحرصه عليهم، واهتمامه بهم. فعلى الرغم من كثرة مسئولياته ومشاغله، كان عنده الوقت ليفصل في الأمور الحياتية العادية بين أصحابه، دون قيود أو حواجز تحول بينه وبين كل فرد من أمته ليدخل عليه، ولم يدّع العلم بكل شيء، بل قال رأيه، وسمح لخولة رضي الله عنها أن تحاوره، حتى نزل القرآن الكريم بالحل، وقد قال لخولة رضي الله عنها موصياً لها بزوجها: (يا خويلة! ابن عمك شيخ كبير، فاتقي الله فيه … فاذهبي فتصدقي عنه، ثم استوصي بابن عمك خيراً)

ومن الفوائد نزول تشريع وحكم يُعمل به إلى يوم القيامة، وهذا التشريع هو: حل مشكلة الظهار، وهو قول الرجل لزوجته: (أنت عليَّ حرام كحرمة أمي عليَّ، أو (أنت علي كظهر أختي)، فتحرم الزوجة على زوجها، ولا يجوز لهما أن يتعاشرا معاشرة الأزواج، إلا بعد أن يكفِّر الزوج عن يمينه، بحسب ما جاء في مجريات هذا الموقف.

ومنها التذكير بعلم الله سبحانه المحيط بكل نجوى، واستجابته لدعاء الشاكي الصادق إذا أخلص الدعاء، فقد قالت خولة رضي الله عنها كما جاء في رواية: (اللَّهُمَّ إِنِّي أشكو إليك، فما بَرِحَتْ حتَّى نزل جبْرَيل بهؤلاء الْآيات).

ومنها حُسْن عشرة خولة رضي الله عنها لزوجها، وحرصها على مستقبل وتماسك أسرتها ـ رغم أن زوجها قد كبرت سِنّه وأساء إليها ـ، يظهر ذلك في قولها: (إن أوْساً ظَاهَرَ مني، وإنا إنِ افترقنا هلكنا). ومن حسن عشرتها لزوجها كذلك: احترام خصوصية زوجها وبيتها، ويظهر ذلك في وصف عائشة رضي الله عنها لخولة حينما جاءت تشتكي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في قولها: تَبَارَكَ الَّذِى وَسِعَ سَمْعُهُ كُلَّ شَيْءٍ، إِنِّي لأَسْمَعُ كَلاَمَ خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ وَيَخْفَى عَلَيَّ بَعْضُهُ وَهِيَ تَشْتَكِي زَوْجَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ومع حسن عشرتها لزوجها وحرصها عليه فقد فقهت أن طاعة الزوج لها حدود، وهي طاعة في غير معصية لله عز وجل.

ومن الفوائد: أن للمرأة مكانتها في الإسلام، وأن لها من الحقوق، وعليها من الواجبات، كالتي للرجل، إلا ما فضَّل الله به بعضهم على بعض، قال الله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، فقد توجهت رضي الله عنها بشكواها إلى النبي صلى الله عليه وسلم في قضية أسرية، وسمع الله شكواها من فوق سبع سماوات، وأنزل آيات قرآنية في أمرها، مبيناً المخرج من أزمتها.

أيها المؤمنون: لقد كان الصحابة رضوان الله عليهم بشراً، يصيبون ويخطئون، ويقع منهم ما يقع من البشر، لكنهم كانوا توابين رجاعين، وليس في ذكر موقف خولة بنت ثعلبة رضي الله عنها مع زوجها أوس بن الصامت رضي الله عنه وما شابهه من مواقف من باب الانتقاص من أحد الصحابة رضوان الله عليهم بحالٍ من الأحوال، كيف ذلك وقد جاءت النصوص القرآنية والنبوية القطعية بتحريم سبهم وتجريحهم أو الطعن في أحدٍ منهم، أو الحطِّ من قدْرِه، يقول تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ)

جعلنا الله تعالى وإياكم من أحباب آل بيته وأصحابه، وحشرنا معهم في جنات النعيم، وهدى الله تعالى إلى الحق من أساء إليهم وسبهم وطعن فيهم إنه سميع مجيب.

اللهم ارزقنا حبك وحب نبيك محمد صلى عليه وسلم، وحب آل بيته الطيبين الطاهرين، وحب أصحابه الغر الميامين، واحشرنا معهم تحت ظل لواء سيد الأولين والآخرين، وأدخلنا الجنة مع الأبرار من النبيين والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقا، يارب العالمين. اللهم وارضَ عن خلفاء نبيك الراشدين، ذوي المقام العلي، والفخر الجلي، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن جميع الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.

اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائرَ بلاد المسلمين، الْلَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أُمُوْرِنَا، الْلَّهُمَّ وفق مَلِكِنَا حَمِدَ بْنَ عِيْسَىْ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ رئيس وزرائه سلمان بن حمد، الْلَّهُمَّ وَفِّقْهُمْ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَىَ وَخُذْ بِنَوَاصِيْهِمْ لِلْبَرِّ وَالْتَّقْوَىْ وَهَيِّئْ لَهُمْ الْبِطَانَةَ الْصَّالِحَةَ الْنَّاصِحَةَ يَا رَبْ الْعَالَمِيْنَ..

اللهم كن لإخواننا المستضعفين المظلومين في فلسطين وغزة الجريحة ناصراً ومؤيداً ومعيناً، اللهم فرّج كربهم، وآمن روعهم، واشفِ جرحاهم، وتقبّل شهداءهم، وارزقهم الصبر والثبات والتمكين. اللهم إنهم مظلومون فانتصر لهم، وإنهم مستضعفون فكن لهم، وإنهم جياع فاشبعهم، وعراة فاكسهم، وخائفون فآمِنهم، ومحاصرون ففكّ الحصار عنهم برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم من أراد بأهل غزة خيراً فوفّقه لكل خير، ومن أراد بهم سوءاً فاجعل تدبيره تدميره، ورد كيده في نحره يا سميع الدعاء. اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا وعاف مبتلانا واشف مرضانا، واشف مرضانا وارحم والدينا، وارحم موتانا وارحم موتانا برحمتك يا أرحم الراحمين.

الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)