أخذ العبر والدروس من الأحداث الجارية
لفضيلة الشيخ عدنان بن عبد الله القطان
جامع مركز أحمد الفتاح الإسلامي – مملكة البحرين
3 جمادى الأولى 1445 هـ – 17 نوفمبر 2023 م
————————————————————————————-
الحمد لله الواحد الأحد، الفردِ الصمد، الذي لم يلِد ولم يُولَد، ولم يكن له كُفُوًا أحَد، خلقَ فسوَّى، وقدَّر فهدَى، (لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله، وخليلُه وخِيرتُه من خلقه، بعثَه الله بين يدَي الساعة بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسِراجًا مُنيراً، فبلَّغ الرسالةَ، وأدَّى الأمانةَ، ونصحَ الأمَّة، وجاهدَ في الله حقَّ جهاده، فصلواتُ الله وسلامُه عليه، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين، وعلى الصحابة والتابعين، ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وسلَّم تسليمًا كثيراً.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوَى الله، اتقوا الله رحمَكم الله، وتأمَّلوا في الأحوال، وانظروا في العواقِب، فالسعيد من لازَم الطّاعةَ، وجدَّ في المحاسبة، ورفع أكُفَّ الضراعة، والعاجِزُ مَن ركِب سفينة التّسويف والتفريطِ والإضاعة، فالزَموا التقوَى والعملَ الصالح، (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ)، (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)
معاشر المسلمين: كثيرة هي الأحداث والمواقف التي تمر في حياة الناس، فحياة البشر هي عبارة عن مجموعة من الحوادث والوقائع، وعلى الرغم من ذلك فإن قلة من الناس هم الذين يستطيعون الاستفادة من هذه الأحداث؛ في تربية الذات، وأخذ العبرة والعظة من الحوادث، وتوظيفها في تربية وتوجيه الآخرين، والقرآن الكريم عند نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم في أيامه الأولى، والمسلمون في مكة قبل الهجرة، كان يربي المسلمين بالأحداث والوقائع، سواء كانت للأمم والشعوب والمجتمعات السابقة، وحتى الأفراد، أو كانت الأحداث التي يعيشونها، أو تحدث قريباً منهم هنا أو هناك.
وكان الهدف من التربية بالأحداث هو أخذ العبرة والعظة، وفهم واستيعاب سنن الله عز وجل في هذا الكون، والتفريق بين الخير والشر، والحق من الباطل، وكذلك تثبيت النفس على الحق، وهي تواجه فتناً ووقائع وأحداثاً متشابهة في حياتها، والاقتداء بأصحاب الحق والخير والصلاح، واستشعار عظمة الله وقدرته، وفضله على عباده المؤمنين، وشدة بطشه وعذابه وانتقامه من الكافرين والمنافقين والظالمين والمتكبرين، يقول تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ * وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ * وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ)… وكانت هذه التربية القرآنية للمؤمنين وهم في بداية الدعوة تزيد من إيمانهم، وتقوي عزائمهم، وتشحذ من هممهم، رغم العذاب والاضطهاد والقيود، والظلم، ويوم أن كانوا يتعرضون لأصناف من العذاب والنكال نزل قوله تعالى: (وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ *وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَن يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ)… واستمر القرآن الكريم في تربية المؤمنين بالأحداث في كثير من آياته، وأخذ المسلمون الدروس والعبر، واستفادوا منها في تزكية نفوسهم، وإصلاح أخطائهم، ووظفوها في بناء حياتهم، وصناعة مستقبلهم، وانظروا يا عباد الله إلى يوم حنين، يوم أن أعجب بعض المسلمين بقوتهم، وكثرة عددهم، وظنوا أن النصر حليفهم، ونسوا أن النصر من عند الله، ويأذن به متى شاء، فكانت تربية لهم، وتحذيراً من هذا السلوك، وهذا الاعتقاد، وهذا الفهم، يقول تعالى: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ، ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ)
أيها المؤمنون: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه رضوان الله عليهم كذلك بالأحداث التي يعيشها الناس خيراً كانت أو شراً، في السراء أو في الضراء، في الحرب أو في السلم، في البيت أو في الشارع، فيبني العقيدة في نفوسهم، ويهذب الأخلاق، ويعالج الأخطاء، وهي تربية لأتباعه من أمته إلى قيام الساعة؛ حتى وهو يعيش مع أصحابه أيام الفتن والابتلاءات والأحداث الجسام، كان يستغل المواقف، ويستفيد منها، ويضرب الأمثال ليثبت الصف المؤمن، ويقوي من عزيمته، فمهما كانت قوة البلاء، فإن المسلم يعلم أن له رباً عظيماً، وإلهاً رحيماً، وبيده مقادير السموات والأرض، يبتلي عباده فيرفع مكانتهم، ويزيد في ثوابهم، ثم يمكن لهم؛ عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: (شَكَوْنَا إِلَى رسولِ اللَّهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَهُو مُتَوسِّدٌ بُردةً لَهُ في ظلِّ الْكَعْبةِ فَقُلْنَا أَلا تَسْتَنْصرُ لَنَا أَلا تَدْعُو الله لَنَا ؟ فَقَالَ قَد كَانَ مَنْ قَبْلكُمْ يؤْخَذُ الرَّجُلُ فيُحْفَرُ لَهُ في الأَرْضِ فيجْعلُ فِيهَا، ثمَّ يُؤْتِى بالْمِنْشارِ فَيُوضَعُ علَى رَأْسِهِ فيُجعلُ نصْفَيْن، ويُمْشطُ بِأَمْشاطِ الْحديدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ وَعظْمِهِ، ما يَصُدُّهُ ذلكَ عَنْ دِينِهِ، واللَّه ليتِمنَّ اللَّهُ هَذا الأَمْر حتَّى يسِير الرَّاكِبُ مِنْ صنْعاءَ إِلَى حَضْرمْوتَ لا يخافُ إِلاَّ الله والذِّئْبَ عَلَى غنَمِهِ، ولكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ) وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدع حدثاً دون أن يجعل منه درساً بليغاً، وموعظة مؤثرة، ومن ذلك موقفه صلى الله عليه وسلم يوم أن أهم قريشاً شأن المرأة المخزومية التي سرقت، وعز عليهم ذلك أن تنفذ فيها عقوبة قطع اليد، التي أمر الله بها في كتابه للسارق والسارقة، ولجأوا إلى أسامة بن زيد حب رسول الله صلى الله عليه وسلم يشفعونه في هذا الأمر الخطير، أن يعفي المرأة من حد القطع، ويقبل منها أي عقوبة أخرى، ناسين أن العقوبة شيء، وإقامة حد الله تعالى شيء آخر، فكان لابد من درس مبدئي يثبت معنى المساواة في العقوبات، ويزيل أوهام الفوارق الطبقية بين الناس. وقد جاء الدرس التربوي في حينه وموضعه، فسمعته الآذان، وفقهته العقول، ووعته القلوب: حيث قال صلى الله عليه وسلم لأسامة بن زيد رضي الله عنه: أتشفعُ في حدٍّ من حدودِ اللهِ يا أسامة؟ ثم قام فخطب، فقال: إنما هلك الذين قبلَكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهمُ الشريفُ تركوه، وإذا سرق فيهمُ الضعيفُ أقاموا عليه الحدَّ، وأيمُ اللهِ لو أن فاطمةَ بنتَ محمدٍ سرقتْ لقطعتُ يدَها.
أيها المسلمون: ويوم أن وقعت حادثة كسوف الشمس في نفس اليوم الذي مات فيه إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان ذلك مناسبة ليقول القائلون: إنها كسفت لموت إبراهيم، وكان مثل هذا الاعتقاد سائداً في الجاهلية، وهو أن الشمس أو القمر تنكسف لموت عظيم من العظماء، ولو كان صلى الله عليه وسلم، من أولئك الذين يبنون لأنفسهم عظمة زائفة لوافق على ذلك، ولكنه انتهز هذه الفرصة ليصحح المفاهيم، ويطارد الخرافة ويقرر الحقيقة العلمية ويعلق قلوبهم بالله عز وجل، فقال صلى الله عليه وسلم: إنَّ الشمسَ والقمرَ لا يَنكَسِفان لموتِ أحدٍ و لا لحياتِه ، و لكنهما آيتانِ من آيات اللهِ ، يخوِّفُ اللهُ بهما عبادَه فإذا رأيتُم ذلك فصلُّوا و ادعُوا الله عز وجل حتى ينكشِفَ ما بكم)
عباد الله: وهكذا الشعوب والمجتمعات المتحضرة والتي تريد لأوطانها أن تزدهر ولأفرادها أن يعيشوا حياة مطمئنة، تستفيد من الأحداث والوقائع، وتأخذ الدروس والعبر، وتوظف ما أنتجته هذه الأحداث والوقائع من تصورات في علاج مشاكلها، وإصلاح أخطائها، فتشرع القوانين والدساتير، وتوضح طريق التنافس الشريف على المسئوليات، ويرتضى الناس بذلك.
إن هذه المبادئ والقيم كانت في أمتنا الإسلامية يوماً من الأيام، يوم أن كانت تحمل رسالة، وتبني حضارة، وتستشعر المسئولية، وكان المسلم صاحب عزة وكرامة، وله حقوق وعليه واجبات في بلاد من هذا العالم… ويوم أن لطم رجل من الروم امرأة مسلمة في عمورية ( وهي مدينة حالياً في تركيا) صاحت المرأة بالخليفة المعتصم: (وامعتصماه!!) فوصل إليه خبرها، وحرك جيشاً عظيماً ليقتص لها، وفتح عمورية… ويوم أن أراد الروم من الخليفة عمر بن عبد العزيز رحمه الله: أن يرسل إليهم رجلاً من المسلمين يكون سفيراً لبناء علاقات متينة بينهم؛ أرسل عمر بن عبد العزيز سفيره، ومشى أياماً حتى وصل إلى قرية في غابة من غاباتهم، فوجد رجلاً أعمى بين يديه رحى يطحن حباً، فقال له سفير الخليفة: من أنت؟ قال: أنا رجل من المسلمين أسرني الروم، وفقئوا عيني، وجاؤوا بي إلى هذا المكان، عاد سفير المسلمين فوراً، وقطع الزيارة، ورفع تقريراً شديد اللهجة، إلى الخليفة، بأن هناك رجلاً من المسلمين في الأسر، فقامت قيامة خليفة المسلمين، وشعر بتقصيره ومسئوليته، فكتب إلى ملك الروم: (لا علاقات بيننا حتى تأتيني بالمسلم الأسير، فو الله لأتينكم بجيش لا قبل لكم به، أوله عندك، وآخره عندي) فلما وصلت الرسالة بحث ملك الروم عن الأسير المسلم وأكرمه وأرسله إلى بلاده معززاً مكرماً.
ألا فاتقوا الله عباد الله وخذوا الدروس والعبر مما ترون وتسمعون من أحداث وتقلبات في العالم، فالعاقل من وعظ بغيره، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني..
اللهم ألف بين قلوب المسلمين في كل مكان، وأصلح أحوالهم وأوضاعهم، وردهم إلى دينك رداً جميلاً يا ذا الجلال والإكرام.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا واستغفر الله العلي العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له مخلصين له الدين، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد فيا أيها المسلمون: إن البشرية اليوم بحاجة إلى يقظة للضمير الإنساني، ليستجيب لنداء الفطرة، ويأخذ بالأخلاق النبيلة، ويرى في أخيه الإنسان موطنا للرحمة والتعاطف، وأن يكون الإنسان مستعدا للتفكير والتصرف بطريقة مسؤولة تجاه الآخرين والعالم من حوله. إن يقظة الضمير الإنساني تعني أن نكون إنسانيين في مراعاة حقوق الآخرين، وأن نعاملهم بكرامة وعدل، مدركين للظلم والظروف الصعبة التي يواجهها الآخرون مع السعي الجاد والحثيث إلى مساعدتهم وإحداث تغيير إيجابي في العالم؛ انطلاقا من قول الحق تبارك وتعالى في النفس البشرية: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ) وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ ۖ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۖ وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُم مِّنْ إِمْلَاقٍ ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ ۖ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ۖ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون) لقد ضعف في البشرية اليوم مفهوم الرحمة والتراحم، في المعاملات والعلاقات، وضعف بسبب ذلك الاحتكام إلى منطق الحوار والحكمة، واستبدل بالرحمة العنف والقسوة، وبالتراحم الصدام والاشتباك، ولم يسلم من أثر ذلك الأطفال والنساء والشيوخ كذلك؛ فأصابهم الظلم والقهر، والعنف والعنت والتهجير، وما تتناقله وكالات الأنباء من صور الاعتداء الوحشي الظالم، على الأطفال وقتلهم وإيذائهم مشاهد يتقطع لها نياط القلب ويستدر بها الدمع، وتدعو إلى الأسى، وتثبت قسوة الإنسان وتوحشه، والاغترار بالقوة، والإسراف في القتل. وما كان عاقبة من يفعل ذلك إلا الحرمان من الرحمة التي انسلخ منها، ووقوعه في دائرة الغضب الإلهي، فقد وقع ذلك من قبل فقال الله تعالى فيه: (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) فكانت العاقبة بعد ذلك: وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ۖ وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَىٰ عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا ۖ وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ)
أيها المسلمون والمسلمات: إن الاعتداء على النفس البشرية من أكبر الكبائر، وهو جرم عظيم، ووبال على المجتمع والبشرية بأسرها؛ فكيف إن اقترن الظلم بالقتل، والتهجير بالتفجير! ففي ميزان الله العادل أن قتل نفس بريئة واحدة يعادل قتل الناس كلهم؛ تعظيما للنفس البشرية وتحريم الاعتداء عليها، وإزهاق روحها ظلما وعدوانا قال الله تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ و قَالَ تَعَالَى: (وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا)
(وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) أيها المسلمون: إن استمرار الظلم في أرض الأقصى المباركة ولا سيما في غزة الجريحة وما يتعرض له أهلها من إبادة جماعية، وحرب آثمة، وقصف للمباني والبيوت على رؤوس أهلها، والمستشفيات على مرضاها، وتدمير المساجد والكنائس، ونشر الخوف والجوع بين الأبرياء، جرائم تهدد استقرار الإنسانية كلها، وتستدعي العمل معا من أجل إيقاظ الضمير الإنساني، وصنع المبادرات الفاعلة الجادة للتخفيف من آثار الظلم والعدوان والطغيان، والضغط على المجتمع الدولي للقيام بواجبه في حماية الأبرياء والأطفال والنساء، وأن يقوم بدوره في بناء عالم أكثر عدلا وإنسانية. وإن العمل من أجل ذلك ليس واجبا إنسانيا فحسب، بل هو استجابة أيضا للقيم الإنسانية المشتركة بالوحدة والتضامن إلى جانب المظلومين وبناء منظومة عالمية قوامها العدل والأخلاق والتعارف بين الناس، قال الحق تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يرزقنا القيام بحق إخواننا المستضعفين والمظلومين في كل مكان وأن يجعلنا ممن ينصرون إخوانهم في الدين والعقيدة، إنه سميع مجيب الدعاء.
اللهم كن للمستضعفين والمظلومين والمعذبين في كل مكان كن لهم ناصراً، ومؤيداً، ومعيناً، وظهيراً. نشهدك يا رب العالمين، أن أعيننا تفيض من الدمع حزناً وليس بيدنا حيلة، اللهم كن لأهلنا في فلسطين والأقصى وغزة اللهم فرج همهم ونفس كربهم، وارفع درجتهم وأخلفهم في أهليهم، وارحم أطفالهم وشيوخهم ونسائهم، واكتبهم من الشهداء عندك، اللهم أزل عنهم العناء، واكشف عنهم الضر والبلاء، اللهم أنزل عليهم من الصبر أضعاف ما نزل بهم من البلاء، اللهم ورد عنهم كيد الكائدين، وعدوان المعتدين يا رب العالمين.
اللهم إنا نستودعك أهلنا المستضعفين في فلسطين وفي الأقصى وفي غزة وفي كل مكان، اللهم أنج المستضعفين والأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ من المجازر والقنابل والمحارق اللهم أحقن دمائهم، والطف بحالهم، واجبر كسرهم وأطعم جائعهم، واسقي ظمئهم، واكسوا عاريهم واشف مرضاهم وتقبل شهدائهم واخذل أعدائهم، واحفظهم بحفظك من كل سوء ومكروه، ولا تسلط عليهم من لا يخافك ولا يرحمهم.
اللهم انقطع الرجاء إلا منك، وخابت الآمال إلا فيك، وضعف الاعتماد إلا عليك، وانسدت الطرق إلا إليك، وأُغلقت الأبواب إلا بابك؛ فلا تكلنا إلى أحدٍ سواكَ، اللهم اكشفِ الكربَ عن
إخوانِنَا المحاصرينَ في فلسطينَ، اللهم إنَّهم قدْ تكالبتْ عليهمُ الأممُ وأنتَ القويُّ العزيزُ، اللهم انتصر لهم على عدوِّكَ وعدوِّهم، ولا تؤاخذنا على تقصيرنا، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أحفظ المسجد الأقصى والمرابطين فيه، مسرى نبيك وحصنه بتحصينك وأكلاه برعايتك وعنايتك واجعله في حرزك وأمانك وضمانك يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، واحم حوزة الدين، ودمر أعدائك أعداء الدين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائرَ بلاد المسلمين، الْلَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أُمُوْرِنَا، الْلَّهُمَّ وفق مَلِكِنَا حَمِدَ بْنَ عِيْسَىْ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ رئيس وزرائه سلمان بن حمد، الْلَّهُمَّ وَفِّقْهُمْ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَىَ وَخُذْ بِنَوَاصِيْهِمْ لِلْبَرِّ وَالْتَّقْوَىْ وَسَدِّدْ عَلَىَ طَرِيْقِ الْخَيْرِ خُطَاهُمْ، وَهَيِّئْ لَهُمْ الْبِطَانَةَ الْصَّالِحَةَ الْنَّاصِحَةَ يَا رَبْ الْعَالَمِيْنَ.
اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا وعاف مبتلانا واشف مرضانا، واشف مرضانا وارحم والدينا، وارحم موتانا وارحم موتانا وشهدائنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)