الجمعة 11 ربيع الأول 1441 هـ

الموافق 8 نوفمبر 2019 م

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيداً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيداً، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، الوافي عهده، الصادق وعده، ذو الأخلاق الطاهرة، المؤيّد بالمعجزات الظاهرة، والبراهين الباهرة، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أمّا بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: لقد مَنَّ الله تعالى علينا أن بعث لنا أفضل الرسل، وحبانا أن جعلنا من أفضل الأمم، ولقد جعل الله لكل نبي من المعجزات ما يؤيده، ويبين صدقه، يقول صلى الله عليه وسلم: (مَا مِنَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ قَدْ أُعْطِيَ مِنَ الآيَاتِ مَا مِثْلُهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ، وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْياً أَوْحَى اللَّهُ إِلَيَ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعاً يَوْمَ الْقِيَامَةِ)‏ ومن تتبع القرآن الكريم وجده مليئاً بذكر المعجزات التي أيّد الله بها أنبياءه ورسله على أقوامهم، والمعجزة أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي يجريه الله تعالى على أيدي أنبيائه ورسله وهي لا تكون إلا للأنبياء والرسل، فإن حصلت لغيرهم من الصالحين، أهل الصدق والصلاح فهي كرامة، ومن عقيدتنا الإيمان بكرامات الأولياء، فإن حصل الأمر الخارق للعادة للسحرة والمشعوذين والدجالين وغير الصالحين من الناس؛ فهذا سحر وشعوذة ودجل من عمل الشياطين، وغالباً أنها تكون فيما يظهر للناس.

أيها المؤمنون: لقد أجرى الله على يدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم معجزات عديدة، لتكون دليلًا على صدق رسالته إلى قيام الساعة، فأحببت في هذه الخطبة أن أذكر نفسي وإخواني وأخواتي الكرام، ببعض هذه المعجزات وهي كثيرة، فإن ذلك مما يزيد في اليقين والإيمان. وكثير من معجزاته صلى الله عليه وسلم ثابتة في القرآن الكريم، وفي كتب الحديث الشريف بالأسانيد الصحيحة، ونقلها إلينا الثقات العدول ممن حضروها وشاهدوها ولا يكذبها إلا ضعيف العقل أو فاقده أو صاحب هوى منها.

عباد الله: ومن أعظم معجزاته صلى الله عليه وآله وسلم، القرآن الكريم الذي تحدى الله به جميع الخلق أن يأتوا بسورة واحدة من مثله، فضلاً أن يأتوا بمثله، ولو اجتمع بعضهم لبعض وكانوا متعاونين، وذلك أنه كلام الله المعجز في لفظه وما دل عليه، وهي معجزة خالدة إلى أن يأذن الله برفعه في آخر الزمان.

وَقَدْ أَعْلَمَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أَنَّ أَحَداً لا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَتَحَدَّى بِهِ قَوْمَهُ عَلَى الإِتْيَانِ بِمِثْلِهِ، بَلْ بِمِثْلِ أَقْصَرِ سُورَةٍ مِنْهُ، قَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ (قُلْ لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْءَانِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً)

عباد الله: ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم، الإسراء والمعراج به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وما جرى فيهما من العجائب، وفرض الصلوات الخمس. وقصة الإسراء والمعراج مشهورة معروفة لدى الجميع. يقول جل وعلا: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)…

أيها المسلمون: ومن معجزات النبي صلى الله عليه وآله وسلم: انشقاق القمر ليلة البدر حتى افترق فرقتين، حين طلب منه المشركون ذلك، فقالوا له إن كنت صادقاً فشق لنا القمر فرقتين، فقال لهم الرسول صلى الله عليه وسلم: إن فعلت تؤمنوا؟ قالوا: نعم فتوجهت أنظار الناس إلى القمر، فإذا به قد انشق نصفين فصار فرقتين، أحدهما على الصفا، والآخر على المروة، فقال المشركون: سحرنا محمد، فقال بعضهم: ولكنه لا يستطيع أن يسحر كل الناس، فسألوا المسافرين هل يرون القمر شقين؟ فقالوا رأيناه شقين)، ففي الكتاب العزيز، يقول تعالى تصديقاً لهذه المعجزة (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ، وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ، وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُّسْتَقِرٌّ، وَلَقَدْ جَاءهُم مِّنَ الْأَنبَاء مَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ، حِكْمَةٌ بَالِغَةٌ فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ)…

عباد الله: ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم حنين الجذع الذي كان يخطب عليه حزناً لفراق النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان في المسجد جذع يستند إليه النبي صلى الله عليه و سلم، ويخطب عليه، ثم صنع له منبر من ثلاث درجات، فلما جاءت الجمعة المقبلة مشى النبي صلى الله عليه وسلم حتى تجاوز الجذع، فأنَ الجذع وسمع الصحابة له صوتاً يشبه أنين الطفل، شوقاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجزعاً عليه، فرجع إليه النبي صلى الله عليه وسلم فاحتضنه كالطفل فسكن وسكت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لو لم أحتضنه لحنّ إلى يوم القيامة) وكان الحسن البصري رحمه الله إذا حدث بهذا الحديث بكى ثم قال: يَا عِبَادَ اللَّهِ الْخَشَبَةُ تَحِنُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَوْقًاً إِلَيْهِ، فَأَنْتُمْ أَحَقُّ أَنْ تَشْتَاقُوا إِلَى لِقَائِهِ)..

أيها المؤمنون: ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم تفجر الماء من بين أصابعه الشريفة، بالمشاهدة في عدة مواطن  عظيمة، حضرها الجمع الكبير من الصحابة، فقد صح عَنْ قتادة عن أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالَ: أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِنَاءٍ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ قال الراوي:(فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه فتوضأ الناس حتى توضئوا عن آخرهم). قَالَ قَتَادَةُ قُلْتُ لأِنَسٍ بن مالك: كَمْ كُنْتُمْ قَالَ (ثَلاثَ مِائَةٍ أَوْ زُهَاءَ ثَلاثِ مِائَةٍ). كما صح من حَدِيثِ جَابِرٍ بن عبد الله قال: عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ يَتَوَضَّأُ مِنْهَا فَجَهَشَ النَّاسُ فَقَالَ مَا لَكُمْ؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ عِنْدَنَا مَا نَتَوَضَّأُ بِهِ وَلا مَا نَشْرَبُهُ إِلاَّ مَا بَيْنَ يَدَيْكَ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الرَّكْوَةِ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ الْعُيُونِ، فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا فَقِيلَ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ ألف وخمسمائة…عباد الله: ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم تكثير الطعام القليل بين يديه والبركة فيه، وقد تكرّرت هذه المعجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أماكن مختلفة، ومناسبات متعددة ، كان منها يوم الخندق ؛ حينما أطعم ألف نفر من شاة صغيرة وصاع من شعير، فقد جاء في الحديث الصحيح أن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما رأى جوعاً شديداً بالنبي صلى الله عليه وسلم، فانطلق إلى بيته، وأخرج جراباً فيه صاع من شعير، وذبح شاة، وجهز هو وزوجته طعاماً، ثم دعا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم إليه، فلما رأى جابرٌ النبي صلى الله عليه وسلم وبصحبته أهل الخندق فزع من ذلك المشهد، وذهبت به الظنون كل مذهب، وقال في نفسه:  كيف يمكن لهذا الطعام أن يكفي كل هذا الحشد ، فعلم النبي صلى الله عليه وسلم ما يدور في نفس جابر رضي الله عنه فأخبره بألا ينزل القدر، وألا يخبز الخبز، حتى يأتيه ويبارك فيه، ثم أكلوا جميعاً وشبعوا، والطعام كما هو… وفي غزوة تبوك أخذ الجوع من الصحابة كل مأخذ ، فاستأذنوا النبي صلى الله عليه وسلم في نحر رواحلهم ، فطلب منهم أن يأتوه بفضل أزوادهم -أي ما بقي من أطعمتهم- ، فدعا فيه بالبركة، ثم قال: ( خذوا في أوعيتكم) ، فأخذوا في أوعيتهم ، حتى ما تركوا في العسكر وعاءً إلا ملئوه، فأكلوا حتى شبعوا ، وحملوا ما بقي ).. وحينما استضاف أبو طلحة الأنصاري رسول الله  صلى الله عليه وسلم في بيته جاء عليه الصلاة والسلام ومعه سبعون أو ثمانون من أصحابه، فدعا في الطعام، ثم طلب منهم أن يدخل منهم العشرة ليأكلوا ثم يخرجوا ويأتي غيرهم حتى أكل الجميع وشبعوا من ذلك الطعام اليسير) والحاصل أن تكثير الطعام كان معجزة أيّد الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم شاهدها الناس، وعايشها أصحابه فكان لها أثرٌ كبير في دخول الناس في دين الله وتركت صدى عظيماً في نفوس المسلمين وأسهمت في زيادة إيمانهم وتعلقهم بربهم، وحل مشكلاتهم وأزماتهم، فسبحان من لا يعجزه شئ في الأرض ولا في السماء…

أيها الأخوة والأخوات في الله: ومن المعجزات التي حصلت للنبي صلى الله عليه وسلم: أن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم حائطاً (بستاناً) لرجل من الأنصار فإذا هناك جمل، فلما رأى الجمل النبي صلى الله عليه وسلم حن وذرفت عيناه، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح رأسه وذفراه (ظهره) فسكن، فقال عليه الصلاة والسلام : (لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار، فقال: هو لي يا رسول الله، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها فَإِنَّهُ شَكَا إلي أنك تجيعه وتدئبه، (أي تجيعه وتتعبه في العمل، فَأَحْسِن إِلَيْهِ). ففهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم شكوى الجمل، كرامة ومعجزة للنبي صلى الله عليه وسلم.

عباد الله: وَمِنْ مُعْجِزَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِقْبَالُ الشَّجَرِ وَشَهَادَتُهُ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ عُمَر رضي الله عنهما قال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِى سَفَرٍ فَأَقْبَلَ أَعْرَابِىٌّ، فَلَمَّا دَنَا مِنْهُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : أَيْنَ تُرِيدُ؟ قَالَ : إِلَى أَهْلِي قَالَ : هَلْ لَكَ فِى خَيْرٍ؟ قَالَ : وَمَا هُوَ؟ قَالَ : تَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. فَقَالَ : وَمَنْ يَشْهَدُ عَلَى مَا تَقُولُ ؟ قَالَ هَذِهِ (الشجرة)، فَدَعَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهِىَ بِشَاطِئِ الْوَادِي، فَأَقْبَلَتْ تُخُدُّ الأَرْضَ خَدًّاً حَتَّى قَامَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ فَاسْتَشْهَدَهَا ثَلاَثاً فَشَهِدَتْ ثَلاَثاً أَنَّهُ كَمَا قَالَ ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى مَنْبَتِهَا وَرَجَعَ الأَعْرَابِىُّ إِلَى قَوْمِهِ وَقَالَ: إِنِ اتَّبَعُونِى أَتَيْتُكَ بِهِمْ وَإِلاَّ رَجَعْتُ فَكُنْتُ مَعَكَ) ولا عجب في ذلك عباد الله فإن الله على كل شيء قدير، وإذا أراد شيئاً فإنما يقول له كن فيكون، والذي أنطق اللسان ألا يستطيع أن ينطق ما شاء من مخلوقاته بلى وعزة الله وجلاله.

أيها المسلمون: ومن معجزات نبينا محمد صلى الله عليه وسلم: ما جاء في الصحيح عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم صَعِدَ جبل أُحُد ومعه أَبُو بَكْرٍ وَعُمَر وَعُثْمَان فَرَجَفَ بِهِمْ الجبل فَضَرَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِرِجْلِهِ، وَقَالَ اثْبُتْ أُحُدُ إِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ). وهذا من الغيب الذي أخبر الله به نبيَّه صلى الله عليه وسلم، والشهيدان المقصودان في هذا الحديث هما: عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، والصدِّيق هو أبو بكر الصديق وقد تحقَّق ما قاله صلى الله عليه وسلم؛ فقد قُتِل عمرُ في محراب رسول الله شهيداً، وقُتِل عثمان شهيداً رضوان الله عليهم أجمعين.

فيا عزنا بهذا النبي العظيم، الذي أيده ربه بالمعجزات الباهرات، التي جاءت دليلا واضحا، وبرهانا ساطعا، على صدقه صلى الله عليه وسلم، فطوبى لمن صدقه، وطوبى لمن اقْتَدَى بِهِ، وَطُوبَى لمن نَصَرَ دِينَهُ وَأَحْيَا سُنَّتَه.. اللهم زكنا بالصلاة عليه، وأحينا على هديه وسنته واحشرنا في زمرته وشفعه فينا وأوردنا حوضه، برحمتك يا أرحم الراحمين.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله نحمده على ما أنعم به علينا وأسداه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، للرسالة اصطفاه،  وللحق هداه، ومن المعجزات أعطاه  صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد فيا أيها المسلمون: ومن معجزات النبي صلى الله عليه وسلم التي أكرمه الله جل وعلا بها، أن الله تعالى زوى – أي جمع- له الأرض كلها فضم بعضها لبعض حتى رآها وشاهد مغاربها ومشارقها، يقول صلى الله عليه وآله وسلم: (إِنَّ اللهَ زَوَى لِي الأَرْضَ، فَرَأَيْتُ مَشَارِقَهَا وَمَغَارِبَهَا، وَإِنَّ أُمَّتِي سَيَبْلُغُ مُلْكُهَا مَا زُوِيَ لِي مِنْهَا..)..

عباد الله: ومن معجزات النبي صلى الله عليه وسلم: إبراء المرضى، فقد برأت عين الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه من الرمد، عندما تفل النبي صلى الله عليه وسلم فيها ودعا له، وما عاد الرمد بعد ذلك أبداً، فقد صح أن علياً كان يوم خيبر أرمد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَداً رَجُلًا يَفْتَحُ اللَّهُ علَى يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللَّهَ ورَسوله، ويُحِبُّهُ اللَّهُ ورَسولُهُ..) فدعا علياً وكان أرمداً فتفل في عينيه ودعا له فبرأ بإذن الله. الحديث..

كما رد صلى الله عليه وسلم عين قتادة بن النعمان الأنصاري رضي الله عنه حينما فقئت عينه يوم أحد، فكانت المردودة أقوى نظراً وجمالاً من العين الصحيحة..

وكان ابن قتادة يفتخر بذلك عندما يسأل عن أبيه فيقول:

أنا ابن الذي سالت على الخد عينه

فردت بكف المصطفى أحسن الرد

عباد الله: ومن معجزاته صلى الله عليه وسلم أنه عد لأصحابه في بدر أماكن ومصارع مقتل الكفار فقال:هذا مصرع فلان بن فلان إن شاء الله غداً، ويضع يده على الأرض، وهذا مصرع فلان وهذا، وهذا، فكان كما وعد، وما تجاوز أحد منهم موضع يده عليه الصلاة والسلام.

كما قال صلى الله عليه وسلم في شأن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه ستصيبه بلوى شديدة، ويشير إلى قتله من قبل الخوارج، وتحقق ذلك كما قال… ودعا صلى الله عليه وسلم لعبد الله أبن عباس رضي الله عنهما بفقه الدين وعلم التأويل، فصار بحراً زخاراً واسع العلم.. ودعا صلى الله عليه وسلم لثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه بأنه يعيش سعيداً ويقتل شهيداً فكان كذلك.. كما أنه صلى الله عليه وسلم دعا لأنس بن مالك بكثرة المال والولد وبطول العمر، فعاش نحو المائة سنة، وكان ولده من صلبه مائة وعشرين ولداً ذكراً، وكان له نخل يحمل في كل سنه مرتين… كما أنه عليه الصلاة والسلام، أخبر بأن الحسن بن علي رضي الله عنه يحقن الله به دماء المسلمين فقال: (إنَّ ابْنِي هذا سَيِّدٌ ولَعَلَّ اللَّهَ أنْ يُصْلِحَ به بيْنَ فِئَتَيْنِ عَظِيمَتَيْنِ مِنَ المُسْلِمِينَ) فكان كما قال.. وأخبر صلى الله عليه وسلم بمقتل الحسين بن علي رضي الله عنه، فقال: ( لَقَدْ دَخَلَ عَلَيَّ الْبَيْتَ مَلَكٌ لَمْ يَدْخُلْ عَلَيَّ قَبْلَهَا، فَقَالَ لِي: إِنَّ ابْنَكَ هَذَا حُسَيْنٌ مَقْتُولٌ ، وَإِنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ مِنْ تُرْبَةِ الْأَرْضِ الَّتِي يُقْتَلُ بِهَا، قَالَ: (فَأَخْرَجَ تُرْبَةً حَمْرَاءَ) وفي رواية: (إن أمتك ستقتل الحسين بأرض يقال لها كربَلاء)

ومن المعجزات الحسية أنه صلى الله عليه وآله وسلم أخبر بفتح مصر فقال: (إِنَّكُمْ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ؛ وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ، فَإِذَا فَتَحْتُمُوهَا فَأَحْسِنُوا إِلَى أَهْلِهَا؛ فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِماً) وقد تحقق ما قال.. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلَا كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلَا قَيْصَرَ بَعْدَهُ، وَالَّذِى نَفْسِي بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللهِ) وكان كما أخبر بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.

عباد الله: إن ما وقع على لسان الرسول صلى الله عليه و سلم من الإخبار بالمغيبات فبوحي من الله تعالى، وهو من إعلام الله عز وجل لرسوله للدلالة على ثبوت نبوته وصحة رسالته وقد اشتهر وانتشر أمره صلى الله عليه وسلم بإطلاع الله له على المغيبات.

يقول تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ..)

نسأل الله تعالى أن يثبتنا وإياكم على الإيمان به، وبرسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يرزقنا حسن الإتباع له إنه سميع مجيب.

اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد أفضل ما صليت على أحد من خلقك، وأجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، اللهم زكنا بالصلاة عليه، واحشرنا في زمرته، وأوردنا حوضه، واسقنا منه شربة لا نظمأ بعدها أبداً، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اجمع بيننا وبين نبينا كما آمنا به ولم نره، ولا تفرق بيننا وبينه حتى تدخلنا مدخله، وتوردنا حوضه، وتجعلنا من رفقائه من المنعم عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً برحمتك يا أرحم الراحمين.

(رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ)

اللهم أحفظنا بالإسلام قائمين وأحفظنا بالإسلام قاعدين واحفظنا بالإسلام راقدين ولا تشمت بنا الأعداء ولا الحاسدين.

اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ الجنَّةَ وما قرَّبَ إليها من قَولٍ أو عملٍ  ونعوذُ بِكَ منَ النَّارِ وما قرَّبَ إليها من قولٍ أو عملٍ.. وَنسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لِنا خَيْراً.

اللهم أحفظ بلادنا البحرين وبلاد الحرمين الشريفين، وخليجنا، واجعله آمناً مطمئناً سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين. اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى، وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان  وولي عهده سلمان بن حمد، اللهم أعنهم على أمور دينهم ودنياهم.  وهيئ لهم من أمرهم رشداً، وأصلح بطانتهم. ووفقهم للعمل الرشيد، والقول السديد، ولما فيه خير البلاد والعباد إنك على كل شيء قدير.. اللهم كن لإخواننا المستضعفين المظلومين في كل مكان ناصرا ومؤيدا، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان. اللهم ولي عليهم خيارهم، واصرف عنهم شرارهم، ووحد صفوفهم، يا سميع الدعاء.

اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ونفس كروبنا، وعاف مبتلانا، واشف مرضانا، وارحم الله موتانا برحمتك يا أرحم الراحمين.

الْلَّهُمَّ نَوِّرْ عَلَىَ أَهْلِ الْقُبُوْرِ مَنْ الْمُسْلِمِيْنَ قُبُوْرِهِمْ، وَاغْفِرْ لِلأحْيَاءِ وَيَسِّرْ لَهُمْ أُمُوْرَهُمْ.. اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين…

سُبحان ربِّك ربِّ العزَّة عما يصِفون، وسلامٌ على المُرسَلين، والحمدُ لله رب العالمين.

خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين