الجمعة 22 ربيع الأول 1440هـ
الموافق 30 نوفمبر 2018م
الحمد لله أتم الحمد وأكمله، وأعمّه وأشمله، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة هي للفوز محصّلة، وبالنجاة متكفّلة، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، خير الخلق، آخره وأوّله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أمّا بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
معاشر المسلمين: إن شدة عناية الإنسان بشيء ما في هذه الحياة، يجعله يأخذ مساحة كبيرة من أفكاره وجهوده وأعماله وأوقاته، وكثرة الاهتمام بشيء، تدل على الحرص عليه والخوف من فواته، فمن كان محباً للمال حبًّاً شديداً عاش لأجله مفكراً وجامعاً ومانعاً في ليله ونهاره… ومن كان مغرماً بالجاه والترؤس، قضى وقته في أسباب نيله والحفاظ عليه بعد حصوله… ومن كان محباً للعلم والثقافة والمعرفة، بذل لأجل ذلك الغالي والرخيص، وغدا شغله الشاغل الذي لا يستطيع الانفكاك عنه. وهكذا كل إنسان في هذه الحياة، له اهتماماته وهواياته التي تأخذ جزءاً كبيراً من عمره، وحيزاً واسعاً من تفكيره.
والملاحظ في واقعنا – نحن المسلمين- الذين عرفنا لماذا جئنا؟ وإلى أين المصير؟ أننا قد غفلنا عن أمر عظيم، لم نوْله جُلَّ اهتمامنا وعنايتنا، وهو كنز ثمين لو اهتممنا به اهتماماً كبيراً لصلحت دنيانا وأخرانا، لكن حينما قلّت العناية به بدأ يضعف ويخبو بريقه مع كثرة تكاثف ظلمات الغفلة والانزواء عنه إلى غيره. هذا الأمر العظيم هو الإيمان.
أيها المؤمنون: الإيمان كلمة عظيمة تحمل في طياتها الحياة السعيدة، والمستقبل المشرق وتكتنز بين جنباتها العزة والرفعة والسيادة والريادة. تلك الكلمة التي تعدّ سفينة النجاة من ركبها نجا ومن تخلف عنها هلك.
هذه الكلمة السامية ليست عبارة تقال باللسان، وإنما هي معتقدات صحيحة وأعمال صالحة ابتغاء وجه الله تعالى.. إنها تعني التصديق الجازم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، والعمل الصادق الذي يتلو هذا الاعتقاد. يقول الله تعالى: (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ، وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ، وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ، وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ، أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ)
عباد الله: إن الإيمان جهاد صادق للنفس على امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، والوقوف عند حدوده، والبحث عن الحق والسؤال عنه للتمسك به والتزامه. يقول الله تعالى: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) وهو حقائق ومعانٍ تنتج أعمالاً صالحة، وسلوكاً مستقيماً… الإيمان درجة رفيعة في بنيان الإسلام الشامخ، يصل إليها المسلم بصفاء قلبه من كل ما يعارض ما يجب اعتقاده، واستقامة جوارحه على أوامر الشرع وتعاليمه. يقول الله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ).. والإيمان هو دواء للنفس والمجتمع، وصلاح للدين والدنيا، والدول والحكومات والشعوب.
أيها الأخوة والأخوات في الله: إن الأزمات المتتابعة على الأمة الإسلامية إنما جاءت بسبب أزمة ضعف الإيمان ونقصانه، فلو عولجت أزمة ضعف الإيمان لعولجت جميع أزماتنا؛ لأن الله تعالى وعد المؤمنين بالنصر والتمكين ووعده حق وصدق، فقال:(وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) وتكفل الله جل وعلا بالدفاع والحماية للمؤمنين فقال: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) وأقسم الله تعالى على حصول الحياة الطيبة لمن آمن وعمل صالحاً فقال: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) فمن أراد هذه الوعود من النصر والحماية والحياة الطيبة فليحقق الإيمان عملياً في سره وعلنه، فمن وفى وفى الله له.
أيها المسلمون: إن الإيمان هو الحياة، فلا طعم للحياة بلا إيمان، مهما اتسعت ورحبت وأينعت، فمن رزق الإيمان عرف العيش الهنيء والراحة النفسية والاستقرار الروحي، وأحس لذة الاطمئنان وانشراح الصدر وسلامة البال.. إذا تغلغل الإيمان في القلوب ثبت المسلم على دينه وأحبه وأحب كل ما جاء به، ورآه أعظم نعمة عليه وصار محالاً لديه أن يبيعه بالدنيا وما فيها.
قال عظيم الروم هرقل لأبي سفيان- في أسئلته عن النبي صلى الله عليه وسلم عندما كان أبو سفيان على الشرك في الشام قبل أن يسلم: قال له (وَسَأَلْتُكَ أَيَرْتَدُّ أَحَدٌ سَخْطَةً لِدِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ فَذَكَرْتَ أَنْ لَا وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حِينَ تُخَالِطُ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ) وجه الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه جيشاً إلى الروم وفيهم عبد الله بن حذافة رضي الله عنه فأسروه، فقال له ملك الروم: تنصر أشركك في ملكي فأبى، فأمر به فصلب، وأمر برميه بالسهام فلم يجزع، فأنزل وأمر بقدر كبير، فصب فيها الماء وأغلى عليه وأمر بإلقاء أسير فيها فإذا عظامه تلوح فأمر بإلقائه إن لم يتنصر فلما ذهبوا به بكى أبن حذافة قال ملك الروم ردوه، فسأله: لم بكيت؟ قال: تمنيت أن لي مائة نفس تلقى هكذا في الله، فعجب الملك وقال: قبّل رأسي وأنا أخلي عنك فقال أبن حذافة: وعن جميع أسارى المسلمين؟ قال: نعم فقبّل رأسه فخلى بينهم، فقدم بهم على عمر، فأخبره بما حدث، فقال عمر: حق على كل مسلم أن يقبِّل رأس ابن حذافة، وأنا أبدأ، فقبل رأسه) فانظروا رحمكم الله ماذا يصنع الإيمان… إذا رسخ الإيمان في القلوب هانت على صاحبه آلام الجسد إذا كانت من أجل الله تعالى..وتعرفون ثبات الصحابة المعذبين في مكة كبلال وخباب وأسرة آل ياسر وغيرهم رضي الله عنهم وأرضاهم. ما الذي جعلهم يتحملون ذلك العذاب الشديد؟ إنه شيء واحد اسمه الإيمان. وحينما يستقر الإيمان في القلب تقل الدنيا وتصغر في عين صاحبه فلا يقدم على الآخرة شيئاً من الدنيا يذهب إيمانه أو يضعفه، فلو ذهبت دنياه كلها وبقي له دينه فلا يبالي.
إذا أَبْقَتِ الدُّنْيا عَلى الْمَرْءِ دِينَهُ
فَما فاتَهُ مِنْها فَلَيْسَ بِضائِرِ
ترك المهاجرون في مكة أموالهم وتجاراتهم وأهاليهم ودنياهم كلها ثم خرجوا بالإيمان. لما أراد صهيب الرومي رضي الله عنه أن يهاجر قال له كفار قريش: أتيتنا صعلوكاً حقيراً فكثر مالك، وبلغت الذي بلغت، ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك، والله لا يكون ذلك، فقال لهم: أرأيتم إن جعلت لكم مالي أتخلّون سبيلي؟ قالوا: نعم، قال: فإني جعلت لكم مالي، فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فقال له: يا أبا يحيى، ربح البيع، قالها ثلاثاً.
وحينما يكون القلب معموراً بالإيمان تثبت النفوس أمام البلايا والمحن والمصائب من مرض أو فقر أو تشريد.. وعندما يزيد الإيمان في القلوب يغدو صاحبه منصفاً للناس من نفسه، فيكون مع الحق أينما كان، لا يتعصب لجنسه أو لونه أو عرقه أو قبيلته أو وطنه أو حزبه أو طائفته أو جماعته في الباطل؛ لأن الإيمان يفرض عليه التوجه مع الحق أينما مضت ركائبه. قال عمار بن ياسر رضي الله عنه: (ثَلاثٌ مَنْ جَمَعَهُنَّ (أي ثَلاثٌ خصال) فَقَدْ جَمَعَ الإيْمَانَ: الإنْصَافُ مِنْ نَفْسِكَ، وبَذْلُ السَّلاَمِ للعَالَمِ، والإنْفَاقُ مِنَ الإِقْتَار ( من الضيق)
عباد الله: إن الإنسان إذا زاد حظه من الإيمان فسيخاف الله تعالى من أن يقع في معاصيه، ويخاف الله أن يؤذي عباده بقول أو فعل. قال تعالى عن ابني آدم: (لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لَأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الإِيمَانَ قَيْدُ الْفَتْكِ، لا يَفْتِكُ مُؤْمِنٌ) أي أن الإيمان يقيد المؤمن على أن يتردى في هوة القتل والغدر، فإن فعل ذلك لم يكن مؤمناً حقيقياً.
عباد الله: إن المسلم لما يرتقي إلى درجة الإيمان تستريح به نفسه، ويسعد به أهله وقرابته، وينعم به مجتمعه الذي يعيش فيه؛ لأن أعماله وأقواله وأحواله وفق شريعة الله التي هي سعادة الدنيا والدين. قال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: (المؤمن مثل النحلة تأكل طيباً وتضع طيباً). ولا يعني هذا أنه معصوم من الأخطاء، لكنه إذا أخطأ أقلع وعاد إلى حالته السابقة من الخير.
فما أحسن الحياة بالإيمان والمؤمنين، وما أسعد المجتمع بالصلاح والمصلحين، وما أنعم العيش بالتقوى والمتقين، يقول جل وعلا: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ)
أيها المؤمنون: وكما أننا نهتم بأمور معاشنا وحياتنا علينا كذلك أن نهتم بترسيخ الإيمان في قلوبنا. وكما نربي أطفالنا ونرعاهم ونحميهم ونحافظ عليهم؛ علينا كذلك أن نربي إيماننا ونرعاه ونحميه من كل ما يضعفه ويوهنه. وكما نهتم بتجديد حياتنا وتلوينها بما يسعدنا ويفرحنا علينا أيضاً أن نجدد إيماننا بما يقويه ويرسخه، ولا نجعله عرضة للتآكل والذوبان يوماً بعد يوم.
عباد الله: إن الحب الصادق لله ورسوله والرضا بذلك والعمل الصالح كل ذلك يقوي الإيمان في القلوب ويزيده ويجعل له حلاوة ومذاقاً ولذة لا تساويها لذات الدنيا. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ذَاقَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِاللَّهِ رَبًّاً، وَبِالإِسْلامِ دِينًاً وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّاً) وقال: (ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ المَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ)
ويقوى الإيمانُ يا عباد الله ويزيد إذا كان حب المسلم وبغضه من أجل الله يحب ما أحب الله ويبغض ما أبغض الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَحَبَّ فِي اللَّهِ، وَأَبْغَضَ فِي اللَّهِ، وَأَعْطَى لِلَّهِ، وَمَنَعَ لِلَّهِ، فَقَدِ اسْتَكْمَلَ الإِيمَانَ) ويقوى الإيمان ويزيد حينما يرضى المسلم بقضاء الله وقدره من غير سخط ولا جزع. يقول عبادة بن الصامت رضي الله عنه لابنه: يَا بُنَيَّ إِنَّكَ لَنْ تَجِدَ طَعْمَ حَقِيقَةِ الْإِيمَانِ حَتَّى تَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ)
نسأل الله تعالى أن يصلح إيماننا، وأن يقويه في قلوبنا، وأن يصلح به دنيانا وأخرانا.
نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد فيا أيها المسلمون: ويقوى الإيمان ويزيد حينما يكون المسلم سليم اللسان لإخوانه المسلمين الأحياء والأموات لا يغتابهم ولا يطعن فيهم، وحينما يكرم ضيوفه وجيرانه. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ)
ويقوى الإيمان ويزيد حينما يتصف المسلم والمسلمة بالحياء؛ لأنه يحمل المسلم والمسلمة على أحسن الأفعال وترك أقبح الأعمال. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحياء من الإيمان)
أيها المسلمون: إن مساعدة الآخرين والتعاون معهم وحب الخير لهم وقضاء حوائجهم وتفريج كروبهم مما يرقي الإيمان إلى درجات عالية. يقول النبي صلى الله عليه و سلم: لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) ويقول: مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ؛ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى)
فيا أيها المسلم، جدد إيمانك وحافظ عليه من كل ما ينقصه، واعلم أنه كنزك فاحرسه، وسعادتك فاحرص عليه، وحياتك فعش من أجله، فإن فعلت فقد ربحت الدنيا والآخرة… فاللهم ارزقنا لذة الإيمان وحلاوته، وارتقاءه وزيادته، واجعلنا من المؤمنين الصادقين واحشرنا مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
أيها المواطنون الكرام: يسرنا أن نرفع خالص التهاني والتبريكات لقيادتنا الكريمة وللشعب البحريني الوفي وللفائزين في الانتخابات، على نجاح الانتخابات النيابية والبلدية، التي تمت في الأسبوع الماضي، بكل شفافية ونزاهة مما يعكس الصورة الحضارية التي تجسد قيم الانتماء الوطني في أسمى معانيها، وإننا لنشيد بهذا الانجاز الكبير وما شهده من إقبال كثيف من قبل المواطنين الناخبين على مراكز الاقتراع، والذي مكن أبناء البحرين من ممارسة حقهم الدستوري، في اختيار من يمثلهم في المجلس النيابي والبلدي ترسيخاً لمبادئ الحرية والمساواة وصون الحقوق والحريات، وأن المشاركة الشعبية الواسعة، أثبتت للعالم حرص الشعب البحريني على الحفاظ على المسيرة الديمقراطية والمشروع الإصلاحي الكبير لجلالة الملك حفظه الله، داعين الله عز وجل أن يحفظ بلادنا وقيادتنا ذخراً وسنداً لمملكة البحرين وشعبها الوفي، وأن يديم علينا نعمة الأمن والأمان والوحدة والاستقرار إنه على كل شيء قدير.
أيها الإخوة والأخوات: غداً بإذن الله تعالى يتوجه الناخبون، في عدد من محافظات ودوائر المملكة، إلى صناديق الاقتراع، للاشتراك والمساهمة الفعالة في الانتخابات التكميلية لانتخاب من يمثلهم من النواب، والشروع في ممارسة حقهم الدستوري الذي أرسته القيادة العليا في مملكتنا العزيزة البحرين، دعماً لعجلة التنمية ومسيرة التطور والإصلاح والديمقراطية.
وبهذه المناسبة فإننا ندعو المواطنين للحرص والمشاركة الفعالة والإيجابية في هذه الانتخابات التكميلية من أجل أن نواصل المسيرة في بناء الوطن وازدهاره ونساهم في تحقيق المصلحة العامة واستقرار البلاد. وليحتسب المسلم والمسلمة سعيهما في هذا الأمر ولا يستثقلا ذلك، فإن لذلك آثاره الحسنة على البلاد والعباد بإذن الله تعالى.
نسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا إتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، اللهم اجعل يومنا خيراً من أمسنا، واجعل غدنا خيراً من يومنا، وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة. اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين. اللهم وفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين.
اللهم ألف بين قلوبنا رعاة ورعية، ووحد كلمتنا وصفوفنا وأحفظ علينا مودتنا وأخوتنا وطهر قلوبنا من الحقد والحسد والبغضاء، وجنبنا الخلاف والنزاع والشقاق والخصام، واصرف عنا شر الأشرار وكيد الفجار ياذا الجلال والإكرام.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم انصر عبادك المستضعفين في كل مكان. اللهم كن لهم ناصراً ومؤيداً، اللهم أصلح أحوالنا وأحوالهم، اللهم أصلح أحوالهم في فلسطين وفي سوريا وفي اليمن وفي أراكان وفي الصين وفي كل مكان،اللهم فرج همهم ونفس كربهم، وأصلح أحوالهم، وألف بين قلوبهم،واحقن دمائهم،وولي عليهم خيارهم، واصرف عنهم شرارهم، ولا تجعل لعدو ولا طاغية عليهم سبيلا.. اللهم فرج الهم عن المهمومين ونفس الكرب عن المكروبين واقض الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين وارحم موتانا وموتى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله:إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحسان وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ويغفر الله لي ولكم.
خطبة جامع الفاتح – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين