ليالي الرجاء في العشر الأواخر، وداع رمضان

عدنان بن عبد الله القطان

23 رمضان 1444 هـ – 14 ابريل 2023 م

———————————————————————————-

الحمد لله الغني الحميد، الرحيم الكريم؛ يَجُودُ على عِباده بالأرزاق والخيرات، ويَفتَح لهم أبواب المغفِرة والرحمات، خزائنه لا تنفَدُ، وعَطاياه لا تنقَطِع، نحمده حمدَ الشاكرين، ونستَغفِره استِغفارَ المذنِبين، ونسأَلُه من فضله العظيم، ونشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له؛ كم له في هذه الليالي الكريمة من هِبات ونَفَحات، يخصُّ بها عباده المتهجِّدين، وأهل القرآن والمعتكِفين! ونشهدُ أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ كان يجتَهِد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتَهِد في غيرها، ولازَم الاعتكافَ فيها؛ التِماساً لليلة القدر، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين لهم إلى يوم الدين.

أمَّا بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى اتَّقوا الله وأطيعوه، وعلِّقوا قلوبَكم به، وأكثِرُوا من دعائه، وتقرَّبوا إليه بصالح الأعمال؛ فإنَّكم تَعِيشون زمناً تَكثُر فيه هِبات الله تعالى، وتتنزَّل رحماتُه، فسابِقُوا إلى عَطايا ربِّكم في هذه الأيام والليالي المتبقية من رمضان، والتَمِسوها في ثلث الليل الآخِر، وطهِّروا ظواهِرَكم وبواطِنَكم؛ فإنَّكم في ليلكم بحضرة مَلِكِ الملوك، تَقِفُون أمامه وهو سبحانه بينكم وبين قبلتكم، تُناجُونه بقراءتكم ودعائكم، ولا يَحُولُ بينكم وبين الفوز بجوائزه سبحانه  إلا القبول، فتعلَّقوا ببابه، وخُذُوا بأسبابه، وأَلِحُّوا في دعائه؛ فإنَّ الفوز فوزٌ أبديٌّ لا يَعدِله فوزٌ دنيوي مهما كان؛ (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)

أيها المؤمنون: هذه الليالي المبارَكات من رمضان، يَصدُق عليها أنْ تُسمَّى ليالي الرجاء؛ لما يَرجُوه العِباد من المغفرة والرحمة والعتق من النار، ولما يَرجُونه من إدراك ليلة القدر وقيامها إيماناً واحتِساباً، فيكون قيام ليلة خيراً من قيام ألف شهر.

إنَّه الرجاء في موعود الله تعالى الذي تنزَّل به القرآن الكريم، وفصَّله نبينا محمد صلَّى الله عليه وسلَّم في أحاديث عِدَّة عن العشر المباركة وعن ليلة القدر..  إنَّنا نرجو من ربِّنا سبحانه أنْ يمنَحَنا بركة هذه الليالي المباركة، بركة صيام نهارها، وبركة قِيامها، وبركة قِيام ليلة القدر؛ لأنَّ نبيَّنا صلَّى الله عليه وسلَّم قد أخبَرَنا أنَّ مَن صام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه، وأنَّ مَن قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه، وأنَّ مَن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفِر له ما تقدَّم من ذنبه، وأنَّ لله تعالى عتقاء من النار في كلِّ ليلةٍ من رمضان، فكيف بعشره الفاضلة؟ وَعْدٌ بأجورٍ عظيمة، لا تَخطُر على بالٍ في ليالٍ معدودة، فلا يرجوها إلا مؤمن، ولا يُحرَم منها إلا خاسر… إنَّ الرجاء عباد الله كلمةٌ تأخُذ بشِغاف القلوب، وتستَولِي على النُّفوس، فالرجاء حادٍ يحدو القلوب إلى المحبوب… وهو قُرْبُ القلب من مُلاطَفة الرب.. وهو رؤية الجلال بعين الجمال.. وهو الاستِبشار بجود الله سبحانه والارتياح لِمُطالَعة كرمه عزَّ وجلَّ، إنَّه الثقة بموعود الله  تعالى ولا رجاء إلا بعملٍ صالح، وأمَّا الرجاء مع الكسل عن الطاعات والإسراف في المحرمات، فهو التمنِّي والغرور، ويوم القيامة يُقال لأصحابه: (وَغَرَّتْكُمُ الْأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) قال التابعي الجليل سعيد بن جبير رحمه الله تعالى: (هو أنْ يعمل المرء المعصية ويتمنَّى المغفرة)… إنَّ أهل الرجاء يا عباد الله أهل إخْبات وعبادة، يتفقَّدون قلوبهم ويزكُّون بالصالحات نفوسَهم، ويُرابِطون على طاعة ربهم، تَطرَب قلوبهم بالقرآن، وتقشعرُّ جلودُهم من الخشية، وتَدمَع أعينُهم من الخشوع، يلحَظون نِعَمَ الله تعالى عليهم في كلِّ أمورهم، ويرَوْن تقصيرهم في حقِّه مهما عملوا، فالشكر ديدنهم، والاستِغفار هِجِّيراهم وعادتهم، ولا تَفتُر ألسنتهم عن الشكر والذكر… سُئِل الإمام أحمد بن عاصم الأنطاكي رحمه الله تعالى: ما عَلامَةُ الرَّجاءِ في العَبْدِ؟ فَقالَ: أنْ يَكُونَ إذا أحاطَ بِهِ الإحْسانُ أُلْهِمَ الشُّكْرَ، راجِياً لِتَمامِ النِّعْمَةِ مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، وتَمامِ عَفْوِهِ عَنْهُ في الآخِرَةِ). وقال بعض العلماء رحمهم الله: (علامة الرجاء حسن الطاعة).

أيها المسلمون والمسلمات: إن الرجاء موجود عند كل الأمم، وفي كل المذاهب والديانات المحرفة والمبدلة والمخترعة، لكنه رجاء لا ينفع أصحابه؛ لأنه وضع في غير موضعه، وبذل لمن لا يستحقه، فالراجي متعلق بالأوهام والأماني والبشر الأحياء منهم والأموات، ونحن يا عباد الله ولله الحمد والمنة قد وهبنا الله تعالى الرجاء الحقيقي النافع، الذي ينفعنا في الدنيا والآخرة، وهو الرجاء به تبارك وتعالى في كل أمورنا الدنيوية والأخروية.

إن الرجاء في الله تعالى هو عمل المرسلين.. لا يجدون قنوطاً في قلوبهم، ولا يعرف اليأس طريقهم؛ لعلمهم بالله تعالى، ويقينهم بقدرته سبحانه ورحمته وكرمه، فلا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ولا يتعاظمه شيء أعطاه، وخزائنه ملئى، فلا محل للقنوط واليأس. بُشر الخليل إبراهيم عليه السلام بإسحاق على كبر في سنه، وعقم في زوجه، فاستبعد ذلك لبعده، قال تعالى على لسانه: (قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ)

فقال له الملائكة عليهم السلام (بَشَّرْنَاكَ بِالحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ القَانِطِينَ) فنفى الخليل عليه السلام باستفهام إنكار أن يكون قانطاً، (قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ). فمن كانت له عند الله تعالى حاجة، ولا ننفك ونحن عبيده عن الحاجة إليه تعالى في كل لحظة، فليدع العبد ربه سبحانه بقلب موقن راج، لا يشك في أن الله تعالى يعطيه ما سأل… قال سُفْيَانَ بن عيينة رحمه الله تعالى: مِنْ ذهب يُقنط الناس مِنْ رحمة الله تعالى، أو يقنط نفسه فقد أخطأ، ثُمَّ قرأ هذه الآية (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ).وتكرر هذا الحال مع نبي الله زكريا عليه السلام فدعا ربه دعاء الراجي يطلب الولد، وقد وهن منه العظم، واشتعل الرأس شيباً، لكنه لا يزال يرجو قديراً كريماً (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) فكانت إجابة الله تعالى له أسرع من مفارقته لمحراب صلاته ومحل دعواته؛ إذ جاء التعقيب الفوري على دعوته (فَنَادَتْهُ المَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي المِحْرَابِ أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى) فما أسرع استجابة الله تعالى له، وهنا وفي مثل هذا المقام تقع المعجزات والكرامات؛ لعظيم أمر الدعاء عند الله تعالى.. (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) لقد تلاشت الأسباب الاعتيادية، وتجلت القدرة الربانية، واستجيبت الدعوة المباركة، ووقعت الكرامة بالولد الصالح.. فهل يقنط عبد يسأل الكريم حاجة وهو يقرأ خبر إبراهيم وزكريا عليهما السلام؟!ومن خاف عدواً يطلبه، أو أمراً يقلقه؛ فلينطرح على باب الله تعالى قانتاً داعياً؛ وليتذكر رجاء الخليل عليه السلام في ربه تبارك وتعالى حين أضرم قومه النار لطرحه فيها بعد أن كسر أصنامهم، فما زاد على قوله (حسبنا الله ونعم الوكيل) فقال الله تعالى للنار (يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ) معجزات باهرة، وكرامات عجيبة من الله تعالى لأهل الرجاء.. فأين الراجون الذين لا يرجون سوى الله تعالى؟ وموسى عليه السلام والمؤمنون معه طوردوا من فرعون وجنده حتى كان البحر أمامهم، والعدو وراءهم، (فَلَمَّا تَرَاءَى الجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) ولكن رجاء الأنبياء عليهم السلام ليس كرجاء غيرهم، وثقتهم بالله تبارك وتعالى لا تزعزعها المواقف مهما عظمت، ولا تميد بها الخطوب وإن اشتدت، قال موسى معلناً رجاءه في الله تعالى، وثقته به في هذا الموقف العصيب (كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) فخلق الله تعالى في البحر طريقاً يبساً بضربة عصا، في معجزة ربانية تخرق الأمور الاعتيادية، ولا يقدر على ذلك إلا من إذا أراد شيئاً قال له كن فيكون.إن عباد الله الصالحين يرجون في هذه الليالي رحمة الله تعالى ومغفرته، وقد أخذوا بأسبابها، وعملوا بأعمالها، في ليال هي أرجى الليالي، وقد قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ﴾ وهذه الأعمال كلها تتجسد في هذه الليالي المباركة أكثر من غيرها؛ فهم يتلون كتاب الله تعالى، ويقومون به في تراويحهم وقيامهم، وقد أقاموا الصلاة وحافظوا عليها، وأيديهم ندية بالإنفاق والإحسان في هذه الأيام سراً وجهراً، وقد أخبر الله تعالى أنهم يرجون بأفعالهم هذه تجارة لن تبور، (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُور) فبالله عليكم ألا يعظم رجاء العباد في الله تعالى وقد قاموا بهذه الأعمال في تلك الليالي كما لم يقوموا بها في غيرها! ألا يعظم رجاؤهم في ربهم سبحانه وهم حين ينزل إلى سماء الدنيا (نزولاً يليق بجلاله) في ثلث الليل الآخر، قانتون يتلون كتاب الله تعالى، ويستمعون إلى آياته ويخشعون عند مواعظه، ويلحون في دعاء الله تعالى وسؤاله، فإذا لم تكن هذه الليالي هي ليالي الرجاء فمتى تكون؟! قَالَ الصحابي الجليل: عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: الْكَبَائِرُ: الشِّرْكُ بِاللهِ، وَالْيَأْسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ، وَالْقَنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللهِ، وَالْأَمْنُ مِنْ مَكْرِ اللهِ

فاعملوا رحمني الله إياكم صالحاً، وأنتم ترجون الله عز وجل أن يتقبل منكم، وألحوا عليه في الدعاء وأنتم ترجونه سبحانه أن يستجيب لكم، وتوبوا إليه وأنتم ترجونه أن يقبل توبتكم… (أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ) 

اللهم أيقِظ قلوبَنا من الغَفَلات، وألهِمنا التوبةَ قبل الممات، وارزقنا الفوزَ والنجاةَ في شهر النفحات وأعنا على الصيام والقيام والدعاء.

واجعلنا ممن أدرك ليلة القدر، وفاز بالثواب والأجر، برحمتك يا أرحم الراحمين.

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي باسمه تُبتدئُ الصالحات وبحمده تُختتم، والحمد لله العفوُّ الكريم الأكرم، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، ومصطفاه من سائر الأمم، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن اقتفى أثرهم والتزم.

أما بعد فيا أيها المسلمون: جمعتكم هذه قد تكون آخر جمعة من شهر رمضان، فها هو رمضانُ قد دنا وأُعلن رحيلُه، فما أسعد نفوس الفائزين، وما ألذ عيش المقبولين.. .

هذا رمضانُ دنا رحيلُه، فهنيئاً لمن أحسن استقباله، هنيئاً لمن قام ليله وصام نهاره، هنيئاً لمن أقبل فيه على الله بقلبه وجوارحه، هنيئاً لمن تقرب إلى الله فيه بأعمال صالحة، وكف النفس عن سيئات قبيحة، ولم يعزم على العودة إلى الذنوب والمعاصي بعد رمضان، هنيئاً لمن زَكت في هذا الشهر نفسُه، ورقَّ فيه قلبُه، وتهذَّبت فيه أخلاقُه، وعظُمَت فيه للخير رغبتُه، هنيئاً لمن كان رمضانُ عنوانَ توبتِه، وساعةَ عودتِه وأوبته واستقامتِه، هنيئًاً لمن عفا عنه العفوُّ الكريم، وصفَحَ عنه الغفورُ الرحيم، هنيئًاً لمن أُعتِقت رقبتُه وفُكَّ أَسرُه، وفاز بالجنة وزُحزِح عن النار، جعلنا الله جميعاً منهم، وأدخلنا جنته جنة النعيم.

عباد الله ونحن نودع شهر رمضان هناك بعض الأمور ينبغي التذكير بها في آخر هذا الشهر.

منها أن الله شرع الاستغفار في ختام الأعمال الصالحة، ومنها شهر رمضان، فينبغي أن نختم به شهر الصيام، تجديداً للتوبة، وإقراراً بالضعف والحاجة إلى الله سبحانه وتعالى، فالاستغفار يعين النفس على التخلص من الكِبرِ، ويردَعُها عن العُجْب، ويُورثُها الشعورَ بالتقصير، مما يدفع العبدَ لمزيد العمل.

ومما شرعه الله في ختام هذا الشهر من العبادات التي يتقرب بها العباد لربهم، زكاة الفطر. وهي فريضة فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم، طهرةً للصائم من اللغو والرفث وطُعمةً للمساكين، فمن أداها قبل صلاة العيد فهي زكاةٌ مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقةٌ من الصدقات. وفي حديث ابن عمر رضي الله عنهما (فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ زَكَاةَ الْفِطْرِ مِنْ رَمَضَانَ صَاعاً مِنْ تَمْرٍ، أَوْ صَاعاً مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ، وَالذَّكَرِ وَالْأُنْثَى، وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ) ويستحب إخراجها عن الحمل في بطن أمه، لفعل الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه. والمنصوص عليه في الأحاديث، هو التمر والبُرُّ والشعير والأقط والزبيب، ويجزئ أن يخرج من غالب قوت البلد… كالأرز ونحوه من الطعام. ولا مانع من دفع القيمة في زكاة الفطر، وقد جوز إخراج القيمة جمع من العلماء والأئمة الأعلام، وكثير من دور الإفتاء بالبلاد العربية والإسلامية ولا ينبغي التجرؤ والتحكم ومصادرة هذا الرأي المعتبر أو التشكيك فيه، وتسفيه الرأي الآخر، فلكل دليله ومستنده، فلا تضيقوا على الناس رحمكم الله.

ومقدار زكاة الفطر لهذا العام دينار ونصف، ووقت إخراج زكاة الفطر وأفضله، يوم العيد

قبل الصلاة، ويجوز تقديمها قبل العيد بيوم أو يومين، ولا يجوز تأخيرها إلى ما بعد صلاة العيد؛ فأخرجوها رحمكم الله طيبة بها نفوسكم، ثم ابتهجوا بعيدكم واشكروا الله تعالى على التمام، واسألوه القبول وطول العمر على الطاعة، وحسن الختام.

نسأل الله تعالى أن يتقبل منا ويختم لنا شهر رمضان برضوانه، ويعتق رقابنا من نيرانه، ويجود علينا بلطفه وامتنانه، ويهب لنا ما وهبه لأوليائه. اللهم اجعلنا ممن قبلت صيامه، وأسعدته بطاعتك فاستعد لما أمامه، وغفرت له زلله وآثامه. اللهم أعد علينا رمضان أعواماً عديدة، وأزمنة مديدة، اللهم وفقنا لتدارك بقايا الأعمار، وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار… اللهم إن كان في سابق علمك أن تجمعنا في مثل هذا الشهر فبارك لنا فيه، وإن قضيت بقطع آجالنا وما يحول بيننا وبينه فأحسن الخلافة على باقينا، وأوسع الرحمة على ماضينا، وعمنا جميعا برحمتك ورضوانك، واجعل الموعد بحبوح جنانك وغفرانك، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا… اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين…اللهم ادفع وارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والزلازل والمحن والفتن، وسيء الأسقام والأمراض، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم كن لإخواننا المستضعفين المظلومين في كل مكان ناصراً ومؤيداً، اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى، وأحفظ أهله، وأحفظ المصلين فيه، واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين.

اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا، وعاف مبتلانا، واشف مرضانا، واشف مرضانا، برحمتك يا أرحم الراحمين.

الْلَّهُمَّ نَوِّرْ عَلَىَ أَهْلِ الْقُبُوْرِ مَنْ الْمُسْلِمِيْنَ قُبُوْرِهِمْ، وَاغْفِرْ لِلأحْيَاءِ وَيَسِّرْ لَهُمْ أُمُوْرَهُمْ.. الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

 (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

 

      خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين