خلال الاحتفال بذكرى الإسراء والمعراج

المفتاح: البحرين واحة للتعددية وأنموذجاً للتنوع الثقافي والحضاري

المريخي: الإسراء والمعراج منحة ربانية لرسولنا الكريم

التوبلاني: الإسراء والمعراج رحلة أرضية سماوية خارجة عن مألوف البشر

 

قال فضيلة الدكتور فريد بن يعقوب المفتاح وكيل الوزارة للشؤون الإسلامية بوزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف إن مملكة البحرين جسدت روح الوسطية الإسلامية، وجعلت منها هوية وطنية تعزز الانتماء والولاء للوطن وقيادته، وكانت البحرين وستبقى واحة للتعددية وأنموذجاً للتنوع الثقافي والحضاري، واتخذ قادتها وولاة أمرها الأوفياء ذلك نهجاً راسخاً يؤكد الهوية الإسلامية والعربية لمملكة البحرين.

جاء ذلك خلال الاحتفال السنوي بذكرى ليلة الإسراء والمعراج، إذ أُقيم الحفل الذي بدأ بتلاوة عطرة من الذكر الحكيم للقارئ علي صلاح عمر بجامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي يوم أمس الأول، بتنظيم من وزارة العدل والشؤون الإسلامية والأوقاف والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وبحضور عدد من أصحاب الفضيلة والسماحة المشايخ والقضاة، وعدد من أصحاب السعادة السفراء ورجال السلك الدبلوماسي، وجمع من المواطنين والمقيمين، وبهذه المناسبة المباركة رفع المفتاح التهنئة العاطرة إلى حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى أيده الله، وصاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء، وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد نائب القائد الأعلى النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء حفظهم الله ورعاهم، وإلى شعب  البحرين الكريم والأمة العربية والإسلامية جمعاء.

وأضاف وكيل الشؤون الإسلامية: إن معجزة الإسراء والمعراج، التي سجلها القرآن الكريم وسطرها تاريخ أمتنا المجيد؛ حدثاً عظيماً تتوقف عنده العقول بإكبار وإجلال، وترق الأفئدة له خفاقة بمشاعر الإيمان واليقين المتجذر في نفوس المؤمنين الصادقين، مشيراً إلى أن رحلة الإسراء والمعراج كانت علامة فارقة، تحولت بها مجريات الأحداث، وبدأ بها خط الزمان يتجه نحــو معلم جديد من معالم الثبات، ليرسخ الإيمان الثابت في نفوس المؤمنين، بنبوة محمد عليه الصلاة والسلام، ذلكم النبي الخاتم، الذي ابتعثه الله تعالى رحمةً للعالمين، فلقي في سبيل ذلك ما لقي فثبت الله فؤاده وأزال عنه الهموم والأحزان، بتلك الرحلة العلوية المباركة، تسليةً وتسريةً له، قال جل شأنه: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).

واستطرد المفتاح قائلاً: إن المتأمل في فصول رحلة الإسراء والمعراج، يدرك بما لا يدع مجالاً للشك، أن الإسلام الذي جاء به خاتم الأنبياء قد جمع معالم الهدى والنور، التي بعث بها كل الأنبياء والمرسلين، تلك الثلة المباركة والكوكبة الفاضلة من الأنبياء، التي جمعها الله لنبيه في بيت المقدس، تأكيداً على وحدة ما بعثهم الله به، هدايةً وإسعاداً للبشرية جمعاء، ولقد جسدت معجزة الإسراء والمعراج لحمة البشرية في وحدة مقاصد الشرائع والنبوات، التي يكتمل بها بناء الأسرة الإنسانية الواحدة، في ظلال التشريع الرباني، الذي يضمن للبشرية أمنها وأمانها، ويحقق لها سعادتها، ولا شك أن الصيغة الإنسانية التي تعكسها معجزة الإسراء والمعراج على علاقات بني البشر، تؤكد على مبدأ الامتداد الرمزي لرسالة الخير ورسالة التسامح والتراحم والانفتاح والتعارف، تحقيقاً للسلام والتآلف والمحبة، ومن هنا كان الاسراء لقاءً بين كل الأنبياء في حضرة خاتمهم، تعارفاً وتآلفاً وتقارباً ومحبةً بين قيادات الدين الواحد، وتحاوراً بين الأنبياء عليهم السلام، كما كان الإسراء إشارةً رمزيةً إلى لقاء أتباع الديانات والثقافات، تحت مظلة الأخوة الإنسانية والتعايش الإنساني، في ظلال منظومة القيم الأخلاقية التي تقوم عليها السعادة البشرية.

لافتاً إلى أن الاحتفال بهذه المعجزة الخالدة، يأتي تأكيداً على أن الإسلام سيبقى دعوة للسلام ورسالة للتحضر، وسيظل بمقاصده رافضاً مستنكراً لكل أشكال التطرف والعنف والإرهاب والطائفية. وستبقى الأمة الإسلامية على عهدها الذي قطعته مع خالقها موصوفة به في محكم التنزيل: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا). وستظل تلك الوسطية حارسة لجوهر الإسلام، وسمو غاياته في الحفاظ على الأسرة البشرية، وتأكيد روابطها بالتلاقي والتعارف، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا).

واختتم قائلاً: إذا كانت معجزة الإسراء قد سرت عن نفس الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأخرجته من همومه وأحزانه وسخرت له آفاق الكون سماءً وأرضاً، وفتحت له العقول والأفئدة فما أحرى بنا من أن نستلهم دروس وعبر تلك المعجزة الخالدة، لنتجاوز بها كل التحديات، ولنأخذ من سيرة وهدي نبينا صلى الله عليه وآله وسلم سراجاً يضيء طريقنا نحو غدِ أفضل مشرق مفعم بالبشرى والخير، نحو عالم يظله السلام، وينعم بالأمن والأمان والتسامح والاستقرار، نحو أسرة بشرية تتعايش بالقيم الإنسانية الحضارية السامية، في ظل أخوة إنسانية، تتخطى حدود الزمان والمكان، وهذا هو نهج مملكة البحرين التي تؤكد عليه دوماً وأبداً، سائلاً المولى عزوجل أن يعم العالم بالأمن والأمان والسلام والاستقرار.

من جانبه ألقى فضيلة الدكتور إبراهيم المريخي القاضي بمحكمة التمييز وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية كلمة، قال فيها: يأتي احتفالنا بهذه المناسبة المباركة كونها اهتمام بشأن من شؤون نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وهذا الشأن ليس أمراً عاديا بل هو منحة ربانية كبرى وعظيمة لسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وهو يوم من أيام الله، والحق سبحانه يقول: وذكرهم بأيام الله”، وهذه الحادثة هي ذكرى، وقد جاءت هذه البشرى بعد محنةٍ عظيمة ألمت برسول الله حتى سُمي ذلكم العام بعام الحزن لوفاة زوجه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ووفاة عمه اللذان كانا يدفعان عنه أذى كفار قريش.

موضحاً أن هذه المنحة قد غُلفت بمحنة، حيث أرسل الله سبحانه وتعالى لرسوله الكريم البراق لكي يلتحم بالسماء ويرى العجائب، وقد هيأ الله سبحانه وتعالى لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قبل هذه الرحلة أمور عدة، بأن أنزل ملائكة من السماء شقا صدره وغسلاه وملآ قلبه حكمة، لكي يتأهب لهذا المشهد العظيم الذي هو آية من آيات الله، ونحن نعلم في عصرنا الحاضر ما لهذه الأفلاك وهذه السماوات من عظمة لما حصل من الاكتشافات العظيمة، فهناك ملايين السنوات الضوئية بين هذه المجرات، إلا أن رسول الله قد ذهب في هذه الرحلة الإيمانية وفراشه لم يبرد لأنها معجزة من الحق سبحانه لرسوله الكريم، مشيراً إلى أن هذه الحادثة إن لم تكن في الزمان الغابر لا يُحتفل بها، حري بنا في هذا الزمان الاحتفال والاحتفاء بها لأنها مرتبطة بقضية مهمة وهي قضية بيت المقدس هذه الأرض السليبة التي ربط بها الله نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام، وجعلها مسرى له.

بعدها ألقى فضيلة الشيخ محمد ملا أحمد التوبلاني عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية كلمة، قال فيها:  إن الإسراء والمعراج رحلة أرضية سماوية وذلك الانتقال العجيب الخارج عن مألوف البشر والخارق لعادته،  الذي تم بقدرة الله سبحانه وتعالى من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وكان بعد بعثة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في أثناء المرحلة السرية للدعوة والتي استمرت ثلاثة أو خمسة سنوات. وكان الإسراء إلى بيت المقدس وكان المعراج منه إلى السماء ثم إلى أعلى مراتبها، وحيث أن التفاصيل الدقيقة لهاتين القضيتين يصعب الجزم في كثير منها إلا بعد البحث الطويل والدقيق لتعرض هذه القضية وجزئياتها على مر الزمان، للتلاعب فيها من قبل الرواة والقصاصين وأعداء الإسلام، بهدف تشويه هذا الدين الحنيف وإظهاره على أنه يحوي الغرائب والأساطير والخرافات لأسباب شخصية.

مشيراً إلى أن الإسراء كان للمسجد الأقصى ربما لأنه ملتقى الديانتين المسيحية واليهودي، فيمكن أن يكون الإسراء إلى المسجد الأقصى ليوضح عالمية الرسالة الإسلامية ويبين وحدة الأديان في الدعوة إلى الله تعالى، وما ورد في خبر الإسراء من صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالأنبياء، وكونه إماما لهم عليهم السلام أجمعين كان لبيان فضله وعلو منزلته وتأكيدا لأواصر القربى بين الأنبياء كافة ووحدة هدفهم، كما أن المسجد الأقصى لهو مكان مبارك أحاطه الله جل وعلا بالبركات فهو مهبط الوحي والملائكة ومحراب الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين.

واختتم الشاعر صالح يوسف هذا الحفل المبارك بقصيدة بعنوان “ماكذب الفؤاد”، وهذه بعض أبياتها:

يا دمعة ذُرفت بيوم شقاء                      رقي لحال السهل والبطحاء

يا دمعة سُكبت على غرس المدى            فاعشوشبت نهراً من الإعياء

فيها انحنى غصن المنى لكنه                 نبض تشعشع كالسنا بجلاء

غاب الهوى، حل النوى، فبدا الجوى          من ذا يُزمل رعشة الحوباء

“عماه”.. شمس الكون غابت بعدكم        باتت بلا “ألف” ودون “الباء”

صلى عليك الله يا غيثاً همى                  ما سارت الركبان في البيداء