تحويل قبلة الصلاة وفضائل شعبان

تحويل قبلة الصلاة وفضائل شعبان

6 شعبان 1442 هـ – 19 مارس 2021 م

عدنان بن عبد الله القطان

————————————————–

الحمد لله الذي حبَّبَ إلينا الإيمان، وأكرمنا بالقرآن، وهدانا إلى القبلة منحةِ الخيرِ لأُمَّةِ النَّبي العدنان، ومنَّ علينا بمجامِعِ الفضْلِ والهدايةِ إلى آخر الأزمان، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه  وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان.

أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين : من فضل الله تعالى علينا، ورحمته بعباده، أن جعل لهم أوقاتاً يضاعف لهم فيها الأجر والثواب، وجعل لهم مواسم يستكثرون فيها من الطاعات، ويتزودون فيها بخير زاد عملاً بقول الله تعالى:(وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) وامتثالاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ لِرَبِّكُمْ عزَّ وجلَّ فِي أَيَّامِ دَهْرِكُمْ نَفَحَاتٍ، فَتَعَرَّضُوا لَهَا، لَعَلَّ أَحَدَكُمْ أَنْ تُصِيبَهُ مِنْهَا نَفْحَةٌ لا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَداً)

وها هي أيام الخير تتوالى، وشهور النفحات يتبع بعضها بعضاً، ونحن في هذه الأيام المباركة نعيش بين الحين والحين في مناسبات دينية، توقظ النائم، وتنبه الغافل، وتهذب السلوك. ومن هذه المناسبات التي حدثت في السنة الثانية من الهجرة النبوية في شهر شعبان، وقيل في آخر رجب، تحويل القبلة التي حقق الله تعالى فيها أمل نبيه صلى الله عليه وسلم ورجاءه، بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى البيت الحرام استجابة لرغبته صلى الله عليه وسلم، وإرضاء له، فقد كان صلى الله عليه وسلم وأصحابه معه يتوجهون إلى الكعبة المشرفة في صلاتهم طيلة إقامتهم بمكة، على ما كانت عليه صلاة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، فلما هاجر  صلى الله عليه وسلم من مكة وقدم المدينة المنورة توجه في صلاته بأمر ربه إلى بيت المقدس  ستة عشر أو سبعة عشر شهراً، وكان صلى الله عليه وسلم يحب أن يتوجه في صلاته إلى المسجد الحرام، فتطلع صلى الله عليه وسلم إلى السماء، واشتد شوقاً إلى نزول الوحي عليه بالتوجه إلى بيت الله الحرام، لأنه قبلة أبيه إبراهيم عليه السلام فأجابه الله تعالى إلى مبتغاه، وأمره أن يتوجه إلى الكعبة المشرفة، ونزل عليه قول الله تعالى: (قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى ٱلسَّمَآءِ، فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَىٰهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ، وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ شَطْرَه).. لقد كان تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام من الأحداث العظيمة في تاريخ الأمة الإسلامية ذلك لأن فيه الكثير من الدروس والعبر التي تنير حياتنا وتصلح مجتمعاتنا، ومن أهم هذه الدروس والعبر: إظهار مكانة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عند ربه تبارك وتعالى: ففي هذا التحويل ينبهنا الحق سبحانه إلى أن أمر التكاليف الشرعية لا يخضع لرغبة الناس وما يألفونه، وإنما هو أمر من الله عز جل، لذلك يقول سبحانه: (وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ) فأمر التكاليف الشرعية لا يخضع لرغبات البشر، لكن حينما تطلع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن تكون قبلته البيت الحرام قال له ربه عز وجل: (فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَىٰهَا) لذلك قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : (يا رسول الله ما أُرَى رَبَّكَ إلَّا يُسَارِعُ في هَوَاكَ).أي: في رضاك. إن دل هذا على شيء، فإنما يدل على مكانة النبي صلى الله عليه وسلم ورفعة شأنه وبيان عظيم منزلته عند ربه، فالله عز وجل كان من الممكن أن يقول: فلنولينك قبلة نرضاها (بالنون) وهو حق،لكنه سبحانه أراد أن يعلمنا قيمة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم فجعل تعالى مرضاة حبيبه صلى الله عليه وسلم سبباً في تحويل القبلة.

عباد الله: ومن الدروس المستفادة أيضاً: الامتثال لأوامر الله عز وجل والانقياد لها، فتحويل القبلة أمر الله سبحانه وتعالى يجب التسليم له، وسرعة الاستجابة لأمره تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فعندما جاء خبر تحويل القبلة استجاب له الصحابة رضوان الله عليهم وهم في صلاتهم دون تردد، فعن البراء بن عازب رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم: كانَ أوَّلَ ما قَدِمَ المَدِينَةَ نَزَلَ علَى أجْدَادِهِ، أوْ قالَ أخْوَالِهِ مِنَ الأنْصَارِ، وأنَّهُ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْراً، أوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْراً، وكانَ يُعْجِبُهُ أنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ البَيْتِ، وأنَّهُ صَلَّى أوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا صَلَاةَ العَصْرِ، وصَلَّى معهُ قَوْمٌ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى معهُ، فَمَرَّ علَى أهْلِ مَسْجِدٍ وهُمْ رَاكِعُونَ، فَقالَ: أشْهَدُ باللَّهِ لقَدْ صَلَّيْتُ مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كما هُمْ قِبَلَ البَيْتِ. وفي رواية قال الراوي: (إنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ أُنْزِلَ عليه اللَّيْلَةَ، وقدْ أُمِرَ أنْ يَسْتَقْبِلَ الكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا، وكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إلى الشَّأْمِ، فَاسْتَدَارُوا إلى القِبْلَةِ). فما أعظم استجابة الصحابة رضوان الله عليهم لأمر الله، فلم ينتظروا حتى يتموا صلاتهم ! وإنما تحولوا في الحال وهم في هيئة الركوع من قبلة بيت المقدس إلى اتجاه البيت الحرام، حيث أراد الله لهم، وهكذا شأن المسلم الصادق يدور مع أمر الله حيث دار، وحيثما أتجه فوجهته نحو الله عز وجل، (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ واسِعٌ عَلِيمٌ) إنها استجابة فورية لا تسويف فيها ولا جدال لدرجة تجعلهم يصلون نصف الصلاة إلى الأقصى، ونصفها إلى القبلة الجديدة الكعبة المشرفة، لقد علمونا رضي الله عنهم كيف نستقبل أوامر الله وتعاليم الإسلام بهذه السرعة، استجابة لأمر الله تعالى، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، فلنتحول كما تحول الصحابة في حادث تحويل القبلة إلى منهج الإسلام بكلياته وجزئياته إلى ما يرضي الله عز وجل.

أيها الأخوة والأخوات في الله: ومن الدروس المستفادة أيضاً: حب الوطن والانتماء إليه: ويتضح ذلك من خلال تشوف النبي صلى الله عليه وسلم لتحويل القبلة من بيت المقدس، إلى الكعبة المشرفة، قبلة أبيه إبراهيم عليه السلام، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يرغب أن يكون هذا التشريف وأن تكون وجهة الناس تجاه هذا الوطن الذي أحبه وتربى على أرضه،وشب على ثراه، وترعرع بين جنباته ، وما ذلك إلا دليل على قوة الارتباط وصدق الانتماء، فمحبة الوطن طبيعية، طبع الله النفوس عليها، وديننا الإسلامي الحنيف يحث الإنسان على حب وطنه، ولعل خير دليل على ذلك: ما أعلنه  رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حبه ووفائه لوطنه مكة، وهو يغادرها مهاجراً إلى المدينة حيث قال فيما صح عنه، (مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ، وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ).

ولما أمر صلى الله عليه وسلم بالتوجه في صلاته إلى بيت المقدس، كان يحب أن يكون هذا الشرف العظيم لمكة المكرمة، التي ولد ونشأ بها، وتقلب في ربوعها وجبالها ووديانها، وتعلقت نفسه وروحه بها، حيث بيت الله الحرام وحرمه الآمن وكان يقلب وجهه في السماء رجاء أن يرزق التحول إليها حتى أكرمه الله عز وجل بذلك.

عباد الله: ومن دروس هذا الحدث الجليل: بيان العناية بشأن الصلاة: فكما أن الصلاة فرضت ليلة الإسراء والمعراج بلا واسطة بين الله عز وجل وبين حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم، فقد أعطيت مزيداً من العناية والاهتمام بشأنها حيث تم تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام أول مسجد وضع في الأرض، قبلة خليل الله إبراهيم عليه السلام، وهذه دلالة واضحة على أهمية الصلاة وبيان منزلتها، فهي عماد الدين وعصام اليقين ومعراج المؤمن ووسيلة القرب من الله تبارك وتعالى وهذا ما أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي) وقوله: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ، إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ)

ومن ثم كان لزاماً على كل مسلم ومسلمة أن يعتني بها ويحافظ عليها في أوقاتها لينال رضا الله عز وجل، ففي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أيُّ الأعْمالِ أحَبُّ إلى اللهِ؟ قالَ: الصَّلاةُ علَى وقْتِها) إن الطهارة طهارة للنفس، ونقاء للقلب، ومحو للسيئات، فكم أن الماء يطهر أدران البدن، فهي تطهر النفس وتمحو الذنوب، مصداقأ لحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: (أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْراً بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟ قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ. قَالَ: فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا).

 أيها المؤمنون: ومن دروس هذا الحدث الجليل: إظهار العلاقة الوثيقة بين المسجد الحرام والمسجد الأقصى، فالمسجد الحرام هو أول مسجد وضع لعبادة الله ، والمسجد الأقصى هو ثاني المساجد، كما ورد في الحديث الشريف عن الصحابي الجليل أبي ذر الغفاري رضي الله عنه قال: قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ أَوَّلَ؟ قالَ: المَسْجِدُ الحَرَامُ. قُلتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قالَ: ثُمَّ المَسْجِدُ الأقْصَى قُلتُ: كَمْ كانَ بيْنَهُمَا؟ قالَ: أَرْبَعُونَ، وحَيْثُما أَدْرَكَتْكَ الصَّلَاةُ فَصَلِّ، والأرْضُ لكَ مَسْجِدٌ) لقد ربط الله تعالى بين المسجدين- المسجد الحرام والمسجد الأقصى- ليشعر المسلم أن لكلا المسجدين قدسيته، وفي ذلك توجيه للمسلمين حكاماً ومحكومين بأن يعرفوا منزلة المسجد الأقصى ويستشعروا مسؤوليتهم نحوه، إذ أنه مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعراجه إلى السماوات العلى، وكان القبلة الأولى التي صلى إليها المسلمون، ومن هنا فصون واحد منهما صون للآخر، والتفريط في أي واحد منهما تفريط في الآخر، كما يجب حمايتهما معاً وصونهما معاً فهما أمانة في أعناق المسلمين جميعاً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها… إنها يا عباد الله، لدروس عظيمة وعبر، نستخلصها من هذا الحدث الجليل في تاريخ الإسلام، وإنها مناسبة عزيزة تمر بنا لتذكرنا بمقدساتنا- المسجد الأقصى، والمسجد الحرام، والمسجد النبوي الشريف- مقدسات أمرنا الله تعالى أن نحميها ونحافظ عليها، وإنه لحدث يثبت وحدة هدف الأنبياء، ووحدة سبيلهم، فخاتم الأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم يستقبل قبلة الأنبياء قبله، ثم يستقبل قبلة أبيه إبراهيم عليه السلام، ليثبت أن دين الله واحد،إنه دين الإسلام الذي جاء به جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وصدق الله العظيم حيث يقول: (وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ)

 اللهم أحينا مسلمين وأمتنا مسلمين وألحقنا بالصالحين غير خزايا ولا مفتونين برحمتك يا أرحم الراحمين.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله فتح لعباده أبواب الإنابة، نحمده ونشكره على نعمه ونسأله الزيادة، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في العبادة، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم القيامة.

أما بعد فيا أيها المسلمون: نحمد الله تبارك وتعالى على أن مد في أعمارنا، وأنعم علينا حتى أظلنا شهر شعبان، ونسأل الله تعالى أن يبلغنا بفضله وكرمه شهر رمضان، وشهر شعبان من الأشهر القليلة التي يهتم بها المسلمون الآن، أما سلفنا الصالح رحمهم الله فكانوا يهتمون به، ويكثرون فيه من أعمال البر كالصيام والقيام والصدقة والذكر وقراءة القرآن وغير ذلك  من العبادات والطاعات المشروعة ليحصل التأهب والاستعداد لتلقي رمضان، وترتاض النفوس بذلك على طاعة الرحمن. فينبغي للمسلم ـ شكراً لنعمة الله عليه ــ اغتنام هذه الأيام الفاضلة، والأوقات الشريفة، بالأعمال الصالحة، وأن يضع في ميزان أعماله اليوم  ما يسره أن يراه فيه غداً  مخلصاً لله تبارك وتعالى، متأسياً فيها برسول الله صلي الله عليه وسلم، الذي كان من هديه الإكثار من الصيام في هذا الشهر، فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَصُومُ حتَّى نَقُولَ: لا يُفْطِرُ ويُفْطِرُ حتَّى نَقُولَ: لا يَصُومُ، فَما رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اسْتَكْمَلَ صِيَامَ شَهْرٍ إلَّا رَمَضَانَ، وما رَأَيْتُهُ أكْثَرَ صِيَاماً منه في شَعْبَانَ). وقد ذكر صلى الله عليه وسلم الحكمة في إكثاره صلى الله عليه وسلم من صوم شعبان حيث قَالَ ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى الله رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِم)  فينبغي للمسلم ويستحب في حق من يطيق الصيام، أن يبادر باغتنام هذه الأيام الفاضلة، ويكثر من الصيام في هذا الشهر، ومن كانت عليها من النساء قضاء أيام من رمضان، فلتبادر إلى قضائها، ولله در القائل:

مَضَى رَجَبٌ وَمَا أَحْسَنْتَ فِيهِ

                                وَهَذَا شَهْرُ شَعْبَانَ المُبَارَكْ

 فَيَا مَنْ ضَيَّعَ الأَوْقَاتَ جَهْلاً

                                بِحُرْمَتِهَا أَفِقْ وَاحْذَرْ بَوَارَكْ

فَسَوْفَ تُفَارِقُ اللَّذَّاتِ قَسْراً

                           وَيُخْلِي المَوْتُ كُرْهاً مِنْكَ دَارَكْ

 

 تَدَارَكْ مَا اسْتَطَعْتَ مِنَ الخَطَايَا

                                بِتَوْبَةِ مُخْلِصٍ وَاجْعَلْ مَدَارَكْ

 عَلَى طَلَبِ السَّلاَمَةِ مِنْ جَحِيمٍ

                                فَخَيْرُ ذَوِي الجَرَائِمِ مَنْ تَدَارَكْ

عباد الله: شهر شعبان شهر عظيم، فيه يوم فيه مزية على كل أيام العام، وهو ليلة النصف من شعبان، ليلة النصف من شعبان صحت فيها فضائل، ولم تصح فيها فضائل أخر، ذكرت في كتب السير، ونقلت في بعض كتب الأحاديث والمصنفات والرقائق، وقد نبه العلماء على الضعيف والموضوع منها، فيجب الحذر من العمل والتعبد بها، لكن الثابت والصحيح منها، ما ذكره المحققون من أهل الحديث، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إِنَّ اللهَ يَطَّلِعُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ فَيَغْفِرُ لِخَلْقِهِ جَمِيعاً إِلَّا لِمُشْرِكٍ أَوْ مُشَاحِنٍ) وقال: (يَنْزِلُ رَبُّنَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، (نزولاً يليق بجلاله) فَيَغْفِرُ لأَهْلِ الأَرْضِ إِلا مُشْرِكًاً أَوْ مُشَاحِنًاً) . إن الشرك والشحناء والبغضاء يا عباد الله، التي قد ترد على القلوب، وقد تصل إلى الجوارح والأفعال والألسنة، يجب نبذها وتركها والحذر منها والتوبة منها، حتى لا نكون محرومين من هذا الفضل والأجر والثواب، فأيكم يحب أن يكون من المحرومين ولا يرضى لنفسه أن يكون من المرحومين؟ من رضي لنفسه الحرمان فهو شقي، ومن نبذ ذلك من نفسه راضياً مرضياً، وهادياً مهدياً، وقاضياً بعظيم الرجاء وبكثير الرغبة بما عند الله تعالى من الثواب، فله الرحمة وله الرضا، فالشرك بالله من محبطات الأعمال يقول تعالى: (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) والحقد والبغضاء والشحناء والعداوة والخصام بين المسلمين  من أعمال الجاهلية، خصوصاً بين الآباء والأبناء، وبين الأزواج والزوجات، وبين الجيران والإخوان، وبين الأصحاب والأصدقاء، وبين القبائل والعوائل والجماعات. فلماذا لا يعفو بعضنا عن بعض، ويسامح بعضنا بعضاً، ويتنازل بعضنا لبعض، فهل من عفو يبني به المؤمن عزاً ويرفع به قدراً لنفسه في الدنيا والآخرة ويحفظ به سلامة مجتمعة وأمنه وازدهاره.. يقول صلى الله عليه وسلم: لا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلامِ) ويقول: (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثٍ  فَمَنْ هَجَرَ فَوْقَ ثَلَاثٍ فَمَاتَ دَخَلَ النَّارَ)…

 اللَّهمَّ ألِّفْ بينَ قلوبِنا، وأَصلِحْ ذاتَ بينِنا، وأهدِنا سُبُلَ السلامِ، اللهم أدِم الوفاق والحبّ والصلة بين الآباء والأرحام والإخوان والأصحاب، وطهر قلوبهم من الحقد والشحناء والبغضاء..

اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها،اللهم اجعل خير أعمارنا أواخرها وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا

يوم نلقاك، اللهم أحسن خواتيمنا وأحسن أعمالنا وأقوالنا ونياتنا، واجعلها خالصة لوجهك الكريم يا رب العالمين..

اللهم أختم بالصالحات أعمالنا وبالسعادة آجالنا، وبلغنا مما يرضيك آمالنا. اللهم بارك لنا في شعبان وبلغنا رمضان، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك يا ذا الجلال والإكرام.. اللهم أقل عثراتنا، واغفر زلاتنا، وكفر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار..

اللهم أعز الإسلام وانصر والمسلمين اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين…

اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.. اللهم وفق ولاة أمورنا وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين.

اللهم ارفع عنا البلاء والوباء وعاملنا بما أنت أهله، ولا تعاملنا بمن نحن أهله، أنت أهل التقوى والمغفرة.

اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان ناصراً ومؤيداً، اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى، وأهله، واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا، وعاف مبتلانا، واشف مرضانا، واشف مرضانا،  برحمتك يا أرحم الراحمين.

الْلَّهُمَّ نَوِّرْ عَلَىَ أَهْلِ الْقُبُوْرِ مَنْ الْمُسْلِمِيْنَ قُبُوْرِهِمْ، وَاغْفِرْ لِلأحْيَاءِ وَيَسِّرْ لَهُمْ أُمُوْرَهُمْ، الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.

      (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ  وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

         خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين