عدنان بن عبد الله القطان

1 ذو القعدة 1442 هـ – 11 يونيو 2021

 

———————————————————-

 

الحمد لله معزّ من أطاعه واتقاه، ومذلّ من خالف أمره وعصاه، لا يذل من والاه ولا يعز من عاداه، ينصر من نصره، ويغضب لغضبه، ويرضى لرضاه، نحمده سبحانه ونشكره حمداً وشكراً يملآن أرضه وسماه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وخيرته من خلقه ومصطفاه، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه والتابعين ولكل من نصره ووالاه، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد : فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله عز وجل،  فإنها النجاة للعبد في الدنيا والآخرة، وما قيمة الإنسان بلا إيمان ولا تقوى (وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ)

معاشر المسلمين: إن الله يغار، وإن المؤمن يغار، وغيرةُ الله أن يأتي المؤمنُ ما حرَّم الله عز وجل عليه، من أجل ذلك حرَّم الفواحِش.

الغيرةُ رحمكم الله هي أسمَى سِمات الرجل الحُرِّ الكريم، والمرأة الحُرَّة الكريمة -فضلاً عن المُسلم الصالح الغَيور، شقاء البشرية وتعاستُها، وفسادُ المُجتمعات وتفكُّكها في ذهاب الغَيرة، واضمِحلال الكرامة. نعم -عباد الله- حينما يكون المُجتمع صارِماً في نظام أخلاقِه، وضوابِط سُلُوكِه، غَيوراً على كرامته وكرامة أمَّته، مُؤثِراً رِضا الله تعالى على نوازِع أهوائه وشهواتِه، حينئذٍ تستقيمُ في طريق الصلاح مساراتُه، وترتفعُ في منهج الإصلاح مناراتُه… بصيانة العِرض يتجلَّى صفاءُ الدين، وجمالُ الإنسانية، وبتدنيسِه وهوانِه ينزلُ الإنسانُ إلى أحطِّ الحيوانات بهيميَّة، ومن حُرِم الغَيرة حُرِم طُهر الحياة، ولا يُمتدَحُ بالغيرة إلا كرامُ الرجال، وكرائمُ النساء… أيها المؤمنون: لقد ابتُلِي أهلُ هذا العصر بانحرافٍ مقيتٍ بغيض، يُريد تجريد الإنسان من فطرته، ومن أعلى خصائصِه التي أكرمَه الله بها، وفضَّله فيها على كثيرٍ ممن خلق تفضيلاً… وإن مما يُخيفُ ويُرعِب: مُستوى المُجاهَرة والإعلان في هذا الانحِراف والشذوذ الذي أصبحَت تتبنَّاه دول ومُنظَّماتٌ وقوانين وتشريعات، وتدعو الشباب والفتيات إلى ممارسته، ليُضفُوا بذلك الشرعيَّةَ والإباحيَّةَ على ما حرَّمه الله عز وجل، وحرَّمته جميعُ الديانات، والكتب المنزلة على الأنبياء، والشرائع السماوية، وأبَتْه الفِطَرُ السليمة، والنفوسُ السويَّة. أتدرون ما المقصودُ بهذا يا عباد الله؟ إنه اللواطُ والسِّحاقُ، إنه الشذوذ والجنسُ الثالث والمِثليُّون، في أسماءٍ ونعوتٍ يستحِيي الكريمُ أن يلفِظَها، ويأنَفُ ذو المروءةِ أن يتفوَّه بها، فضلاً عن أن يُؤذِي بها الأسماع، أعزكم الله ورفع قدركم.

فتنةٌ وبلاءٌ وفواحِش تستعبِدُ النفوسَ المريضة، يعيشُ أصحابها عيشَةَ الهوان، أسرى أهوائِهم، انحرَفوا عن مسالِك الرُّشد وسبيل القصد، شُذوذٌ يُخرِج الإنسان عن طبعِه إلى طبعٍ لم يطبَعه الله عليه، حتى الحيوان البَهيم لا يسلُك هذا المسلَك. بل هو ذو طبعٍ منكوس، وإذا انتكَسَ الطبعُ انتكَسَ القلبُ والعملُ والهُدى، فيستطيبُ صاحبه الخبيثَ، ويفسُدُ حالُه وكلامُه وعملُه.

اللواطُ عياذًا بالله يجلِبُ الهمَّ والغمَّ، والنُّفرةَ من الفاعِلِ والمفعولِ به، ويُظلِمُ الصدرَ، ويكسُو النفسَ وحشةً، يظهرُ على صاحبِهِ كالعلامةِ، يعرِفُها من له أدنَى فِراسَة.

بل لقد قال ابن القيم رحمه الله: (إنه يُفسِدُ حالَ الفاعِلِ والمفعولِ به فساداً لا يكادُ يُرجَى بعده صلاحٌ، إلا أن يشاءَ الله بالتوبة النَّصُوح). يذهبُ بالحياء، والحياءُ هو حياتُه وحياةُ القلوبِ، ومن فقدَ الحياءَ استحسنَ القبيحَ، واستقبحَ الحسنَ، وذهبَ ماءُ وجهِه، وحينئذٍ يستحكِمُ فيه الفسادُ والانحِراف، عياذًاً بالله من مقتِ الله وغضبه وعقابه.

أيها المسلمون: لم يبتلِ الله سبحانه بهذه الكَبيرة قبل قومِ لُوطٍ أحداً من العالمين، وعاقبَهم عقوبةً لم يُعاقِبها أحداً غيرَهم، وجمعَ عليهم أنواعَ العقوبات، منها: الهلاك، وقلب الديار، والخسف، والرَّجم بالحجارة من السماء، فنكَّلَ بهم نَكالاً لم يُنكِّله بأمةٍ سِواهم وذلك لعظيم فسادِهم وفظاعَة جُرمهم.. ولما قلب قوم لوط فطرة الله تعالى التي فطر الناس عليها، قلب الجبار عليهم ديارهم فجعل عاليها سافلها يصف لنا ذلك جبار السموات والأرض بقوله: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ، مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ، وَمَا هِيَ مِنْ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) يقول الحافظُ ابن القيِّم رحمه الله: (لما كانت مفسدةُ اللُّوطيَّة من أعظم المفاسِد، كانت عقوبتُه في الدنيا والآخرة من أعظم العقوبات). وقد لعنَ نبيُّنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم مُرتكِبَ هذه الفاحِشة، فقال: (لعنَ الله من عمِلَ عملَ قومِ لُوطٍ، لعنَ الله من عمِلَ عملَ قومِ لُوطٍ، لعنَ الله من عمِلَ عملَ قومِ لُوطٍ). قالها ثلاثًاً. ويقول عليه الصلاة والسلام: (ملعونٌ من عمِلَ عملَ قوم لُوطٍ)

أيها الأخوة والأخوات في الله: تأمَّلُوا هذا الحديث عن نبيِّنا الصادق المصدوق محمدٍ صلى الله عليه وسلم: فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: (يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ: خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ، لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ والأمراض الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا… الحديث) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولا نستبعد أن ما أصاب العالم اليوم من جوائح وأوبئة ومصائب بسبب تحدي البشر وطغيانهم، وفسادهم ومجونهم وانتهاكهم لحرمات الله عز وجل.. ثم انظُروا حفظكم الله ما تقولُه الإحصاءات العالميَّة، تقول: (إن مُعدَّلات انتشار مرض نقص المناعَة (الإيدز) تظهرُ في مرتكبي الفاحشة من المتشبهين بالنساء من الرجال، والمسترجلات المتشبهات بالرجال من النساء، بنسبةٍ تزيدُ على عشرين مرَّة عن غيرِهم) كما ذكرَت الإحصاءات ظهورَ أوبِئةٍ جديدةٍ من هؤلاء الشواذِّ اللوطيِّين والسِّحاقيَّات في مناطِق عديدةٍ من العالَم، كما تتراوَحُ الإصابةُ فيما بين هؤلاء المتشبهين بالنساء والمسترجلات من النساء، إلى نسَبٍ تصِلُ إلى ثمانية وستين بالمائة.. ومن الأمراضِ التي يُبتلَى بها هؤلاء الشُّوّاذ كما ذكر الأطباء:التهاب الكبد الفيروسي، وأمراض الزهري والسيلان والهربس وسرطان الشرج والغدد اللمفاوية، والخلل بالجهاز المناعي  مع أمراضٍ عصبيَّة، واضطِراباتٍ نفسيَّة، وقلقٍ واكتِئابٍ، وشعورٍ بالنقص، قد يقودُ إلى القتل والانتِحار) عياذاً بالله. أما قولُ نبيِّنا محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم:(حتى يُعلِنُوا بها). فإن الأمرَ مُخيفٌ. نعم، إن مما يُخيفُ ويُرعِب: مُستوى المُجاهَرة والإعلان الذي أصبحَت تتبنَّاه دول ومُنظَّماتٌ وقوانينُ وتشريعات، نسأل الله السلامة والعافية ليُضفُوا بذلك الشرعيَّة والإباحيَّة على ما حرَّم الله، وحرَّمته جميع الديانات، وأبَتْه الفِطرُ السليمة والكرامات العُليا، في خروجٍ صارخٍ على تعاليم الشرع المُطهَّر، والأخلاق الرَّفيعة، والفضائلِ العُليا، والقِيَم السامِيَة… قال بعضُ أهل العلم: إن الجُرأة على الفواحِش تُجرِّئُ على قطيعة الرَّحِم، وعقوق الوالدَين، وكسب الحرام، وظُلم الخلق، وإضاعة المال والأهل والعِيال.

هل الحريةُ عباد الله تعني المُجاهَرة والمُفاخَرة والتباهِي عياذًاً بالله بالأفعال الشاذَّة والمُنحرِفة والمُحرَّمة؟ ومما يُؤسَفُ له أشد الأسف: أن هذه المُنظَّمات الدوليَّة المُؤتمَنة على صحة الناس في العالَم لم تُفكِّر أو تُوصِ بمنعِ هذه الجرائِم، وإنما اشتغلَت بإيجادِ ما أسمَتْه (الطرق الآمِنة التي تُؤمِّنُ احتياجات هؤلاء الشواذِّ واللُّوطيَّة والسحاقيات المائعين المتكسرين) مع اعتِرافها بقولها: (إنها لم تتمكَّن من كبحِ جِماحِ انتِشار فيروس الإيدز)

أيُّ انتِكاسةٍ أعظم ممن يدَّعِي أنه يُحافِظُ على حقوق الإنسان وهو يُحوِّلُه إلى بهيمةٍ أو أحطَّ من البَهيمة؟ أيُّ حمايةٍ لهؤلاء الشواذِّ؛ بل أيُّ حقوقٍ لمن ينتهِكُ حُرمات الله، ويقتلُ العِفَّة، وينحَرُ الفضيلة؟ إنها مسالِكُ الجاهليَّة المُظلِمة. أيها الإخوة في الله: اعلموا حفظكم الله أن من أسباب الوقوع في مثلِ هذه القاذُورات والفواحِش: الإعراض عن الله… من عرفَ ربَّه وأقبلَ عليه جمعَ عليه قلبَه، وانتظَمَ أمرُه وطابَت نفسُه واستقامَت فِطرتُه وصلُحَ أمرُه… ومن أسباب الوقوع في الفواحش والانحِراف: الفراغ، يقولُ أهل العلم: (وما تكونُ هذه الفواحِش إلا لأرعَنَ بطَّال، وقلَّ أن يكون في شُغلٍ من عبادةٍ أو صناعةٍ أو تجارةٍ). وأعظمُ الفراغ: فراغُ القلبِ من محبَّة الله وخشيَته ولذَّة القُربِ منه وحُسن عبادتِه، والنفسُ لا تقعُدُ فارِغة، فمن لم يشغَلها بما ينفَع شغلَتْه بما يضُرُّ… عباد الله: ومن أسباب الانحِراف:كثير من وسائل الإعلام والفضائيات المُنحرِفَة الضالة، فلها تأثيرُها البالِغ في جرِّ الناس والنفوسِ إلى الهاوِيَة، في صُورِها، وكلِماتِها، وانفِعالاتِها وقصصها، وأفلامها ومُسلسلاتها، مما يُبعِدُ عن الحياء والحِشمة والوقارِ والعِفَّة والغَيرة والمروءة. ويكثُرُ في ذلك بعضُ الكِتابات، والمقالات المُنحرِفة، والروايات الساقِطة، وسِيَر المُنحرِفين والشَّاذِّين، وما يُسمُّونَه بمُغامراتهم العاطفيَّة، ومُراهقاتِهم الشَّانِئة المخزية.. لا بُدَّ من الرِّقابة الصارِمة من قبل الغيورين، على هذا الإعلام المُنحرِف، وعدم التهاوُن في بثِّ ما يُروَّج له أو يُهوِّن من وقعِه من القصص والأفلام الخَليعة، أو التمثيليَّات السَّاقِطة، والروايات الإباحيَّة، والشُّذوذ الممقوت، نسأل الله الحماية والعافِية. عباد الله: ومن أسباب الانحِراف: التهتُّك، والتبرُّج، والخلاعة وعدم الاحتشام، وما يدعُو إليه من إطلاق البصر، والنظرُ بريدُ الفواحِش وهو سهمٌ من سهام إبليس. والحِشمةُ والسِّترُ لا يبعَثُها إلا دينٌ أو خُلُق، والسِّترُ والاحتِشام مُنسجِمٌ مع الغَيرة، والعُرِيُّ والتهتُّكُ والخلاعة مُنسجِمٌ مع الهوى والشهوة؛ فالغيرةُ تبعَثُ على الحشمة والعفاف والوقار، والشهوةُ تبعَثُ على التهتك والعري والتفسخ…

ومن أسباب الانحِراف: سُوءُ استخدام أدوات التواصُل من الهواتِف، والشبكات، والمواقِع، وما يجُرُّه ذلك من سُوء القول والعمل، مما يُوقِع في سُوء العواقِبِ وسُوء الفِعال.

وبعدُ: عباد الله: فإن من ضعُفَت غيرتُه على دينِه، ضعُفَت غيرتُه على عِرضِه لا محالَة، وقد قالوا -وبِئسَ ما قالوا-: إن الحِجابَ والتستر والحِشمة والمُحافَظة، هي التي تدعُو إلى الكَبتِ والحِرمان والتخلف والرجعية، وقد كشفُوا كلَّ شيءٍ، وأباحُوا كلَّ شيءٍ، وما زادَهم ذلك إلا سَعاراً وجنوناً في الجريِ وراء الشَّهوات، وإشباع الغرائِز في الحرام، فأحلُّوا ما حرَّم الله، وحرَّموا ما أحلَّ الله، حتى كادُوا أن يقولوا لأهل العِفَّة والتستر والحِشمة والكرامة: (أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَلُوطًاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن الْعَالَمِينَ* إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَآءِ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ* وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَ أَن قَالُواْ أَخْرِجُوهُم مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ* فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ* وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ)

 نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي يسر لنا سبل الهدى و التقى والعفاف، ونجانا بفضله مما يحذر المرء منه ويخاف،وأكرمنا بجوده الذي ليس على أحد بخاف، وجعلنا بكرمه ومنته من المسلمين الأحناف، نحمده سبحانه ونشكره أن شرع لأمة الإسلام من الحدود ما يحفظ بها عليها أمنها الأخلاقي والاجتماعي والمالي  ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم  تسليماً كثيراً.

أما بعد فيا أيها المسلمون: انتِشارُ الفواحِش في مجتمعات المسلمين، من أكبر أسباب زوالِ النِّعَم وحُلول النِّقَم؛ فإنها تُوجِبُ سخَطَ الله ومكرَه وإعراضَه عن الواقِع فيها، فأيُّ خيرٍ يُرجَى وأيُّ شرٍّ يُؤمَن من عبدٍ حلَّت عليه لعنةُ الله وسخَطُه؟ وكيف تكونُ حياةُ من مقتَه ربُّه وأعرضَ عنه ولم ينظُر إليه؟… عباد الله: أما أسباب الوقاية والسلامة من هذه الفواحِش المُنكَرة؛ فأولُها: الإخلاصُ لله، واللُّجوء إليه، وقد قال الله في نبيِّه يوسف عليه السلام: (كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ) فالله يصرِفُ عن عبدِه ما يسوؤُه من المَيل إلى هذه الفواحِش وأصحابِها والتعلُّقِ بها بإخلاصِه لربِّه… الثاني: غضُّ البصر؛ فغضُّ البصر يُورِثُ الراحةَ والطُّمأنينة، يقول عزَّ شأنُه: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ، وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) فجعلَ الله غضَّ البصر وحِفظَ الفَرْج أقوى تزكيَةٍ للنفوس، يقول بعضُ السَّلَف:(مَن غضَّ بصره عن محارم الله، عوَّضه الله إيماناً يجد حلاوته في قلبه) وسُئِل الجُنَيد رحمه الله: بِمَ يُستعانُ على غضِّ البصر؟ قال: (بعلمِك أن نظرَ الله إليك أسبقُ إلى ما تنظُرُه).. الثالث: تجنب الحديث عن الفواحش وأصحابها؛ لأن كثرة أخبارها تدعو النفوس إلى التهاون بها واستسهالها، ولا تزال تتكرر حتى تصير متداولة مألوفة غير مستنكرة؛ وقد قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ) الرابع: تجنب أصدقاء السوء الذين يزينون الحرام، ويتكلمون في الحرام، ويستسهلون الحرام، ويدلون عليه، فكم من شاب صالح وشابة صالحة من أسرة طيبة فسد وفسدت حياته بسبب صديق أو صديقة فاسدة! فصديق السوء (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ) الخامس:من الأسباب المانِعة الحافِظة -بإذن الله وعونِه-: البُعدُ عن مواطِن الفواحِش، وبيئاتِها، وأماكن الرِّيَب، فإذا ابتعَدَ البدنُ ابتعَدَ القلبُ. السادس: الاشتِغالُ بما ينفع، فإذا كان الفراغُ يُوقِعُ في المصائِب؛ فإن الاشتِغالَ بما ينفع يحفَظُ العُمر، ويُثمِرُ البرَّ والخير، وما ينفعُ لا يقعُ تحت حصرٍ؛ من خدمة الأهل، وطلب المعاش، والصناعات، والتِّجارات، والصُّحبة الطيِّبة. السابع: الاجتِهادُ في أنواع الطاعات والعبادات، وقد قال عزَّ شأنُه: (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)

وقال في الزكاة: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) ولاسيَّما الاشتِغالُ بالذِّكر والدعاء والاستِغفار وحُسن العبادة.

أيها المسلمون والمسلمات: ومن الوصايا: الحِرصُ التامُّ على تماسُك الأُسرة، وبذل المزيد من الرِّعاية والعِنَاية، في الأبناء والبنات، وحُسن تربيتهم ووقايتهم وإبعادهم عن البيئات الموبوءَة المشبوهة.

عباد الله: لقد جدَّ أهلُ الفُحش والبَذاء ليُغيِّروا هذه الأسماء القذِرة والفحشاء الشَّنيعة، ليُضفُوا عليها أسماءً مرغبة، ويُروِّجُوا قبولَها ليخِفَّ وقعُها، ويهونَ إنكارُها… فعلى علماء الأمَّة ودعاتها ورِجال الفِكر والرَّأي والصحافة أن يقولوا كلمتَهم في رفعِ هِمَّة الأمة… إن أمَّتنا اليوم بأمَسِّ الحاجة إلى الأقلام الجادَّة والمقالات الصادِقة والكتابات الأخلاقية السامية، والأفكار المُخلِصَة وإلى الهِمَم العالِية والعزائِم القوية والقول المُستنير والله المُستعان وعليه التُّكلان.. اللهم أهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت…

اللهم أرنا الحق حقاً وارقنا إتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا إجتنابه.. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين. اللهم أغفر لنا ذنوبنا وجدنا وهزلنا وخطئنا وعمدنا وكل ذلك عندنا. اللهم إنا نستغفرك لكل ذنب يعقب الحسرة، ويورث الندامة، ويحبس الرزق ويرد الدعاء، ياسميع الدعاء. اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين. اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في وطننا، وفي خليجنا ووفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين… اللهم وفِّق العاملينَ والمتطوعين في فريق البحرين الوطني في القطاع الصحي والعسكري والأمني والإعلامي والإداري والتطوعي، اللهم أَعِنْهم وانفع بهم، وبارك في جهودهم، وأحفظهم من كل سوء ومكروه برحمتك وفضلك وجودك يا أرحم الراحمين.

اللهم أكشف البلاء والوباء عن البلاد والعباد وعن جميع المسلمين وردنا إليك رداً جميلاً، ولا تؤاخذنا بذنوبنا وتقصيرنا يا ذا الجلال والإكرام… اللهم كن لإخواننا المستضعفين المظلومين في كل مكان ناصراً ومؤيداً، اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى، وأحفظ أهله، وأحفظ المصلين فيه،  واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين. اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا، ونفس كروبنا، وعاف مبتلانا، واشف مرضانا، واشف مرضانا، وارحم موتانا وارحم موتانا،  برحمتك يا أرحم الراحمين.

الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ. (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ  وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

         خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين