الحمد لله الذي هدى الأمة إلى دين الإسلام، وبيَّن لهم فيه الأحكام، نحمده سبحانه يكرِم من يشاء برحمته ويدخلهم الجنة دار السلام، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمةً للأنام، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوَى الله عزّ وجل، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) معاشر المسلمين: السعادة والنعيم مطلب كل إنسان.. كلنا يحب أن يكون له قصر رضي، وطعام شهي، ومركب وطي، وسيارة فارهة، وملابس فاخرة، وزوجة حسناء جميلة، وخدم يقومون على خدمته، هذا هو نعيم الدنيا الذي تعلقت به قلوبنا .. ولكن، (وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ) نعيم الدنيا نراه بأعيننا، ونحسه بجوارحنا.. لكننا نؤمن أن نعيماً آخر هو أعظمُ وأبقى من هذا النعيم، (قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ، وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى، وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾.. نعم عباد الله .. إنه نعيم الآخرة، نعيم الجنة، ونحن اليوم على موعد مع رحلة إيمانية، نطوّف من خلالها في أرجاء الجنة، عبر الآيات القرآنية، والأحاديث النبوية الصحيحة، لنقف على شيء من ذلك النعيم، ونقارنه بنعيم الدنيا .. نذكر بالجنة في هذا الشهر الكريم، لأن الجنة تفتح أبوابها إذا جاء رمضان، ويكون للصائمين في الجنة باب خاص بهم يسمى الريان، يقول صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَاباً يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ، يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ) اللهم اجعلنا من أهل الجنة يا رب العالمين..
أيها المؤمنون: يحشر المتقون إلى الرحمن وفداً، ويساقون إلى الجنة زمراً. لقد وجدوا ما وعدهم ربهم حقًاً، رضي الله عنهم ورضوا عنه. ناداهم عز وجل: (يَا عِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنتُمْ تَحْزَنُونَ، الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ، ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ) أي تتنعمون وتسعدون وتسرون في الجنة…أول زمرة منهم يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونهم على أشد كوكب دريٍّ إضاءة، على خلق رجل واحد على صورة أبيهم آدم، لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم على قلب واحد، يسبحون الله بكرةً وعشياً (دَعْوٰهُمْ فِيهَا سُبْحَـٰنَكَ ٱللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ ٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ). يناديهم المنادي: لكم النعيم سرمداً، تحيون ولا تموتون أبداً، وتصحون ولا تمرضون أبداً، تشبون ولا تهرمون أبداً، وتنعمون ولا تبأسون أبداً، يحل عليكم رضوان ربكم فلا يسخط عليكم أبداً… جنات عدن يدخلونها، غرفاتها من أصناف الجوهر كله، يرى باطنها من ظاهرها، وظاهرها من باطنها، فيها من النعيم واللذائذ ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. اقرؤوا إن شئتم: (فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ ٱلاْنْفُسُ وَتَلَذُّ ٱلاْعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ) (فِيهَا أَنْهَارٌ مّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ، وَأَنْهَارٌ مّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ، وَأَنْهَـٰرٌ مّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لّلشَّـٰرِبِينَ، وَأَنْهَـٰرٌ مّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى، وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلّ ٱلثَّمَرٰتِ وَمَغْفِرَةٌ مّن رَّبّهِمْ)… رياضها مجمع المتحابين، وحدائقها نزهة المشتاقين، وخيامها اللؤلؤية على شواطئ أنهارها بهجة للناظرين، عرش الرحمن سقفها، والمسك والزعفران تربتها، واللؤلؤ والياقوت والجوهر حصباؤها، والذهب والفضة لبناتها: (غُرَفٌ مّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأنْهَـٰرُ)… عاليات الدرجات في عاليات المقامات، بهيجة المتاع، قصر مشيد، وأنوار تتلألأ، وسندس وإستبرق، وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة، وفرش مرفوعة، هم فيها على الأرائك متكئون. ظلها ممدود، وطيرها غير محدود، فاكهة مما يتخيرون، ولحم طير مما يشتهون. قطوفها دانية للآكلين، وطعمها لذة للطاعمين. قد ذللت قطوفها تذليلاً… نعيم البدن بالجنان والأنهار والثمار، ونعيم النفس بالأزواج المطهرة، ونعيم القلب وقرة العين بالخلود والدوام، عيش ونعيم أبد الآباد، عطاء من ربك غير مجذوذ…. فيها أزواج مطهرة، خيرات حسان الوجوه، جمعن الجمال الباطن والظاهر من جميع الوجوه، في الخيام مقصورات، وللطرف قاصرات، تقصر عن حسنهن عيون الواصفين (عُرُباً أَتْرَاباً لاِصْحَـٰبِ ٱلْيَمِينِ) لا يفنى شبابها، ولا يبلى جمالها: (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ) فيا من انتهك حرمات رب العالمين .. إياك أن تبيع الحور العين ببنات الطين .. غض بصرك عن الحرام، وأحفظ نفسك من الزنى والفجور، وقدم العفة مهراً للحور. واعلموا رحمكم الله أن الزوجة الصالحة المؤمنة من أهل الدنيا يكون جمالها في الجنة يفوق جمال الحور العين! لماذا؟ لأنها هي التي صامت وقامت لله عز وجل، وهى التي حاربت الشهوات وصبرت على الأذى والبلاء، فاستحقت من الله أن يكافئها، يقول تعالى: (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً عُرُباً أَتْرَاباً) والمرأة التي لم تتزوج في الدنيا فإن الله تعالى يزوجها ما تقر بها عينها في الجنة. وصدق الله العظيم: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ، فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً، وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)… أيها الأخوة والأخوات في الله: أصحاب الجنة يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين، ويحلون من أساور من ذهب ولؤلؤاً، (وَسَقَـٰهُمْ رَبُّهُمْ شَرَاباً طَهُوراً) (يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَـٰفٍ مّن ذَهَبٍ وَأَكْوٰبٍ) يجتمعون في ظلها الظليل يتنازعون فيها كؤوس الرحيق المختوم، والتسنيم والسلسبيل، تتوالى عليهم المسرات والخيرات والإحسان والمكرمات… نزع من قلوبهم الغل، وطرد عنهم الحَزَنُ والهمّ: (وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا ٱلْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ ٱلَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ ٱلْمُقَامَةِ مِن فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ). هدوءٌ ورضاً يغمره السلام والاطمئنان، والود والأمان، يبلغهم ربهم السلام: (سَلاَمٌ قَوْلاً مّن رَّبّ رَّحِيمٍ) والملائكة يدخلون عليهم من كل باب بالسلام: (سَلَـٰمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَىٰ ٱلدَّارِ). وخزنة الجنة يحيونهم بالسلام: (سَلَـٰمٌ عَلَيْكُـمْ طِبْتُمْ فَٱدْخُلُوهَا خَـٰلِدِينَ) في جنات عدن يأتلفُ شملهم مع آبائهم وأزواجهم وذرياتهم وإخوانهم وأحبابهم: (جَنَّـٰتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوٰجِهِمْ وَذُرّيَّاتِهِمْ) (وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مّنْ غِلّ إِخْوَاناً عَلَىٰ سُرُرٍ مُّتَقَـٰبِلِينَ) وفي جو التجمع والتلاقي تنادي الملائكة بالتكريم والترحيب: (سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمُ ٱدْخُلُواْ ٱلْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)…
أيها المسلم، أيتها المسلمة: وهل تريان نعيماً فوق هذا النعيم؟ نعم لقد بقي بعد الحسنى الزيادة؛ فهذا هو يوم المزيد، فاستمع يوم ينادي المنادي: يا أهل الجنة إن ربكم تبارك وتعالى يستزيركم: (أي يطلب زيارتكم) فحي على الزيارة، فينهضون إلى الزيارة مبادرين؛ فإذا بالنجائب قد أعدت لهم حتى إذا انتهوا إلى الوادي الأفيح، نصبت لهم منابر من نور، ولؤلؤ وزبرجد، وجلسوا على كثبان المسك ؛ ثم ينادي المنادي: يا أهل الجنة: سلام عليكم (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَـٰمٌ)… يا أهل الجنة هذا يوم المزيد؛ ثم يكشف الرب الحجب ويتجلى لهم فيغشاهم من النور ما يغشاهم…. فيا قرة عيون الأبرار بالنظر إلى الوجه الكريم في الدار الآخرة، ويا ذلة الراجعين بالصفقة الخاسرة: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَىٰ رَبّهَا نَاظِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ)… أيها الإخوة المؤمنون: هؤلاء هم أصحاب الحسنى وزيادة: (كَانُواْ قَلِيلاً مّن ٱلَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ، وَبِٱلاْسْحَـٰرِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ، وَفِى أَمْوٰلِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّائِلِ وَٱلْمَحْرُومِ) يصلون بالليل والناس نيام، يصومون وغيرهم يأكل، وينفقون وغيرهم يبخل، ويقاتلون وغيرهم يتقاعس ويجبن… أولئك هم عباد الله حفظوا وصية الله، ورعوا عهده، بربهم يؤمنون، وبربهم لا يشركون ،وهم من خشيته مشفقون، استجابوا لربهم، وأقاموا الصلاة، وأنفقوا سراً وعلانية في السراء والضراء، يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة، يجتنبون كبائر الإثم والفواحش، إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وإذا تليت عليهم آياته، زادتهم إيمانًاً وعلى ربهم يتوكلون، عن اللغو معرضون، وللزكاة فاعلون، ولفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. لأماناتهم وعهدهم راعون. طالما تعبت أجسادهم من الجوع والسهر، واستعدوا من الزاد بما يكفي لطول السفر، عبراتهم تجري وفي قلوبهم معتبر، كثر استغفارهم فحطت خطاياهم، وكل ما طلبوا من ربهم أعطاهم، فسبحان من اختارهم واصطفاهم، (إنهم عباد الله المخلَصون)، فيهم الإمام العادل، والشهيد المحتسب، والشاب الصالح العفيف، والمرأة الصالحة المتعففة، فيهم المؤمن التقي، والمنفق المتصدق الذي لا يخشى الفقر. أقوام يقطرون نزاهة ،أفئدتهم مثل أفئدة الطير، فيهم الذين لا يرقون ولا يسترقون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون، متحابون في جلال الله عز وجل، فيهم صاحب القرآن يقرأ ويرتل ويرتقي، فيهم تارك المراء ولو كان محقـاً، وتارك الكذب، ولو كان مازحاً، وبيت في الجنة لمن حسن خلقه، يكظم الغيظ ويعفو عن الناس والله يحب المحسنين. فيهم من أطعم الطعام، وأفشى السلام، وصلى بالليل والناس نيام، خاف مقام ربه، ونهى النفس عن الهوى. جنة ربي لكل أواب حفيظ من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب. عيون تبكي من خشية الله، وعيون تحرس في سبيل الله، يخافون من ربهم يوماً عبوساً قمطريراً، فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرًة وسروراً، وجزاهم بما صبروا جنة وحريرًا… أيها المؤمنون: كل الذي سمعتم عن النعيم في الجنة ليس مقصوراً على الرجال دون النساء، إنما هو للرجال والنساء على حد سواء،يقول تعالى: (وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ) ويقول: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأنفُسُ وَتَلَذُّ الأعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).الله أكبر يا عباد الله، أهل الجنان والغرفات أقوام آمنوا بالله وصدقوا المرسلين: (وَقَالُواْ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِى هَدَانَا لِهَـٰذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا ٱللَّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبّنَا بِٱلْحَقّ وَنُودُواْ أَن تِلْكُمُ ٱلْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ).
ألا هل من مشمر إلى الجنة – يا عباد الله – فلنقل كما قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن المشمرون إن شاء الله. نحن المشمرون إن شاء الله…
اللهم إنا نسألك رضاك والجنة ونعوذ بك من سخطك والنار، اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل. اللهم إنا نسألك نعيماً لا ينفد وقرة عين لا تنقطع، ولذة النظر إلى وجهك الكريم والشوق إلى لقائك، في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، استجب اللهم يا ربنا دعائنا، إنك على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين،أقول ما تسمعون،واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين،من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه،إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:فيا أيها المسلمون: لقد حدّث الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وآله وسلم قال:(إني لأعْلمُ آخِرَ أهْلِ النَّار خُرُوجاً منها، أوْ: آخرَ أهل الجنةِ دُخُولاً فِيهَا: رجلٌ يخرُجُ منَ النَّارِ حَبْواً، فيقولُ اللهُ لَهُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الجنَّةَ، فيأْتِيهَا فيُخَيَّلُ إليهِ أنَّهَا مَلأَى، فيرْجعُ فيقولُ: يا رَبِّ، وجَدْتُهَا مَلأَى، فيقولُ اللهُ عزَّ وجَلَّ له: اذْهبْ فادْخُلِ الجنَّةَ، فيَأْتيها فيُخَيَّلُ إليه أنها مَلأَى، فيقولُ: وجدْتُها مَلأَى، فيقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: اذْهَبْ فادْخُلِ الجنَّةَ، فإنَّ لكَ مِثْلَ الدُّنيا وعَشَرَةَ أمْثالِها، فَيقُولُ: أتَسْخرُ بِي وْأنْتَ المَلِكُ؟!) قَالَ الرَّاوِي: فَلَقَدْ رَأَيْتُ رسولَ اللهِ ضَحِكَ حتَّى بدَتْ نوَاجِذُهُ، فكانَ يقولُ: (ذلكَ أَدْنَى أهلِ الجَنَّةِ مَنْزِلَةً).أيها المسلمون: والأحاديث الصحيحة الواردة في ذكر نعيم الجنة وعذاب النار وأوصافهما وأهلهما كثيرة في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
وبعد: عباد الله أسمعتم إلى حال أدنى أهل الجنة منزلة في الجنة إنه لنعيم عظيم فما بالكم بأعلاها إنها والله لفرصة عظيمة للراغبين في دخولها ما دمنا في زمن الفسحة والإمهال فاتقوا الله رحمكم الله وبادروا وشمروا واعملوا وأحسنوا وأبشروا
أيها الصائمون والصائمات: أعلموا رحمكم الله أنه لم يبق من هذا الشهر إلا أيام معدودة، أشغلوها بذكر الله وتلاوة القرآن والصلاة والصدقة وصلة الرحم، احرصوا على قيام الليل وتحري ليلة القدر، فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر شَدَّ مِئْزَرَهُ، وأحيا ليلَهُ، وأيقظ أهله، واجتهد في ما لا يجتهد في غيرها، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واسألوه العفو والعافية.. واعلموا حفظكم الله أن الله شرع لكم في ختام شهركم أعمالاً عظيمة، تسدُّ الخلل، وتجبر التقصير، وتزيد المثوبة والأجر، فندبكم في ختام شهركم إلى الاستغفار والشكر والتوبة، فقال تعالى: (وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) كما شرع لكم زكاة الفطر شكراً لله على نعمة التوفيق للصيام والقيام، وطهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، وتحريكاً لمشاعر الأخوة والألفة بين المسلمين، وهي صاع من طعام من برّ أو نحوه من قوت البلد كالأرز وغيره، فيجب إخراجها عن الكبير والصغير والذكر والأنثى من المسلمين، ويستحب إخراجها عن الحمل في بطن أمه، والأفضل إخراجها ما بين صلاة الفجر وصلاة العيد، وإن أخرجها قبل العيد بيوم أو يومين فلا حرج إن شاء الله. ولا بأس في دفع القيمة في زكاة الفطر، وقد جوز أخراج القيمة جمع من العلماء والأئمة الأعلام (ومقدارها دينار ونصف)، فأدوا رحمكم الله زكاة الفطر طيبة بها نفوسكم، وادفعوها إلى مستحقيها من الفقراء والمساكين والأرامل والأيتام والمحتاجين ونحوهم، وراقبوا الله فيها وقتاً وقدراً ومصرفاً، فقد أعطاكم مولاكم الكثير وطلب منكم القليل. واشكروا ربَّكم على تمامِ فرضكم، وابتهجوا بعيدكم بالبقاء على العهدِ وإتباع الحسنةِ بالحسنة، وإيّاكم والمجاهرةَ في الأعياد بقبيح الفعال والآثام، يقول أحد السلف: كلّ يوم لا يُعصَى الله فيه فهو عيد، وكلّ يوم يقطعه المؤمن في طاعة مولاه وذكره فهو عيد.
تقبل الله منّا ومنكم صالحَ الأعمال، وجعلنا وإيّاكم والمسلمين جميعاً مِن عتقائه من النّار، إنّه سميع مجيب الدعاء.
أيها الأخوة والأخوات في الله: لا يفوتني أن أذكركم بأنه تحت رعاية كريمة لصاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المفدى حفظه الله ورعاه، وإحياء لليلة القدر المباركة، يقيم المجلس الأعلى للشئون الإسلامية حفل تكريم قراء مملكة البحرين الفائزين في المسابقات الدولية للقرآن الكريم وذلك مساء اليوم في هذه الليلة بعد صلاة التراويح في هذا الجامع جامع أحمد الفاتح الإسلامي ، والدعوة عامة للجميع.
اللهم اختم لنا شهر رمضان برضوانك، والعتق من نيرانك، وجد علينا بلطفك وامتنانك، وهب لنا ما وهبته لأوليائك، اللهم اجعلنا ممن قبلت صيامه، وأسعدته بطاعتك فاستعد لما أمامه، وغفرت له زلله وآثامه. اللهم أعد علينا رمضان أعواماً عديدة، وأزمنة مديدة، اللهم وفقنا لتدارك بقايا الأعمار، وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار…
اللهم ارزقنا الاستقامة والعمل الصالح في رمضان وبعد رمضان يا رب العالمين.
اللهم إن كان في سابق علمك أن تجمعنا في مثل هذا الشهر فبارك لنا فيه، وإن قضيت بقطع آجالنا وما يحول بيننا وبينه فأحسن الخلافة على باقينا، وأوسع الرحمة على ماضينا، وعمنا جميعا برحمتك ورضوانك، واجعل الموعد بحبوح جنانك وغفرانك، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.
اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.
اللهم أحفظ بلادنا البحرين وبلاد الحرمين الشريفين، وخليجنا، واجعله آمناً مطمئناً سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين، الْلَّهُمَّ وَفِّقْ وُلاةَ أُمُوْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَىَ، الْلَّهُمَّ وفق ملكنا حَمِدَ بْنِ عِيْسَىْ وَرَئِيْسَ وُزَرَائِهِ خليفة بن سلمان وَوَلِيَّ عَهْدِهِ سلمان بن حمد، الْلَّهُمَّ وَفِّقْهُمْ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَىَ وَخُذْ بِنَوَاصِيْهِمْ لِلْبَرِّ وَالْتَّقْوَىْ وَسَدِّدْ عَلَىَ طَرِيْقِ الْخَيْرِ خُطَاهُمْ وَهَيِّئْ لَهُمْ الْبِطَانَةَ الْصَّالِحَةَ الْنَّاصِحَةَ يَارَبْ الْعَالَمِيْنَ.. الْلَّهُمَّ كُنْ لإخْوَانِنَا الْمُسْتَضْعَفِيْنَ الْمُضْطَهَدِيْنَ فِيْ كُلِّ مَكَانٍ، الْلَّهُمَّ كُنْ لَهُمْ فِيْ فِلِسْطِيْنَ وفي بلاد الشام وفي اليمن وَفي كُلُّ مَكَانٍ، الْلَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّهُمْ وَنَفِّسْ كَرْبَهُم وَآَمَنَ رَوْعَهُمْ وَأَصْلَحَ أَحْوَالِهِمْ وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوْبِهِمْ، وَلا تَجْعَلْ لْعَدُوِّ ولا طاغية عَلَيْهِمْ سَبِيْلاً يَارَبْ الْعَالَمِيْنَ.
الْلَّهُمَّ نَوِّرْ عَلَىَ أَهْلِ الْقُبُوْرِ مَنْ الْمُسْلِمِيْنَ قُبُوْرِهِمْ، وَاغْفِرْ لِلأحْيَاءِ وَيَسِّرْ لَهُمْ أُمُوْرَهُمْ.. الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ. عِبَادَ الْلَّهِ: إِنَّ الْلَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِيْ الْقُرْبَىَ وَيَنْهَىَ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ،. فَاذْكُرُوْا الْلَّهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيْمُ الْجَلِيْلِ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَىَ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ الْلَّهِ أَكْبَرُ، وَالْلَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُوْنَ وَيَغْفِرْ الْلَّهَ لِيَ وَلَكُمْ.
خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين