الجمعة 16 ذو القعدة 1440هـ
الموافق 19 يوليو 2019م
الحمد لله الذي أنشأ وبَرَا، وخلق الماء والثَّرى، وأبدع كل شيء ذَرَا، لا يغيب عن بصره دبيب النمل في الليل إذا سرى، ولا يعزب عن علمه ما عَنَّ وما طَرَا، اصطفى آدم ثم عفا عمَّا جرى، وابتعث نوحاً فبنى الفُلْك وسرى، ونجَّى الخليل من النار فصار حرها ثرى، نحمده سبحانه ما قُطِع نهارٌ بسيرٍ وليلٌ بسُرًى، ونصلي ونسلم على رسوله محمد المبعوث في أمِّ القُرى، وعلى أبي بكر صاحبه في الدار والغار بلا مِرَا، وعلى عمر المحدَّث عن سرِّه فهو بنور الله يرى، وعلى عثمان زوج ابنته ما كان حديثاً يُفترى، وعلى عليٍّ بحر العلوم وأَسَد الشَّرى، وعلى آله وأزواجه وأصحابه مصابيح الدجى وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله، اتَّقوا الله حقَّ التقوى، واستمسِكوا من الإسلام بالعروة الوُثْقى، واعلموا أنَّكم غداً بين يدي الله موقوفون، وبأعمالكم مجزيُّون، وعلى كسبكم محاسَبون وأنَّ المصير إلى جنَّة أو نار، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)
معاشر المسلمين: إن من أعظم نعم الله على عباده، أن يكون للإنسان وطن يعيش تحت ظلاله، ويتنفس هواءه، يجد فيه معنى السكينة، وحقيقة الطمأنينة، فيه تتصل أمجاد الأجداد بالأحفاد، وتتلاحم قلوب الأهل والأحباب، فالوطن نعمة جليلة ومنة عظيمة؛ من أراد أن يعرف علو قدرها وسمو مكانتها، فلينظر في كتاب الله جل وعلا، فقد قرن خروج الجسد من الوطن بخروج الروح من الجسد، قال الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً) من أراد أن يعرف علو قدر هذه النعمة وسمو مكانتها، فلينظر إلى حال من فقدها، وليتدبر قيمتها في ميزان من حرمها، فالوطن مهد الصبا ومدرج الخطى ومرتع الطفولة، وملجأ الكهولة، ومنبع الذكريات، وموطن الآباء والأجداد، ومأوى الأبناء والأحفاد، فكم زلزلت بحب الأوطان مكامن وجدان، وأطلق حبها قرائح شعراء، وسكبت في حبها محابر أدباء، وضحى من اجلها بالغالي والنفيس الأوفياء، ولقد صح في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في الرقية على المَرِيضِ: (بِسْمِ اللهِ تربَةُ أَرْضِنَا، بِرِيقةِ بَعْضِنَا، يُشْفَى سَقِيمُنَا، بإِذْنِ رَبِّنَا). ولقد أثر، أن العرب كانت إذا غزتْ وسافرتْ حملتْ معها من تُربة بلدها رملاً وعفراً تستنشقه عند نزْلةٍ أو زكام أو صُداع) ياله من حب، وياله من وفاء، وياله من انتماء، فللمولى سبحانه وتعالى الحمد على نعمة الوطن، هذه النعمة التي لا تقدر بالأموال، ولا تساوم بالأرواح، بل تبذل الأموال لأجلها وترخص الأرواح في سبيل الدفاع عنها، فان محبة الأوطان والحفاظ على أمانتها ليست شعارات مجردة، ولا عبارات جوفاء، بل لا بد أن تتغلغل في القلب إيماناً، وتسكن في النفس اقتناعاً، وتترجمها الجوارح والطاقات سلوكاً وعملاً، فالمخلصون يؤمنون بضرورة تقديم كل ما بوسعهم، وبأقصى جهدهم، وبأعظم طاقتهم، لخدمة الوطن وبنائه، وحمايته، والدفاع عنه، والتضحية بالمال والنفس في سبيل أمنه واستقراره، أولئك لهم بشرى الله جل وعلا في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)… وإننا لنجد في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمى الأمثلة لحب الوطن المتعمق في القلب، ولترجمته في الواقع عملاً وبناءً، وحمايةً ودفاعاً وتضحية، فلقد وجه المصطفى صلى الله عليه وسلم البشرية عامة وبخاصة أهل الإسلام أن يجيدوا للوطن الانتماء، وأن يحسنوا له الولاء، وان يخلصوا له الوفاء، داعياً إياهم أن يترجموا حبهم للوطن الذي يظلهم ويحتضنهم، إلى عمل وجد، وحفاظ عليه ودفاع عنه ضد قوى الشر؛ ويظهر ذلك جلياً في فعل المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ إذ يلقي درساً بليغاً يقرع كل الآذان، ويتردد صداه في كل زمان ومكان، وذلك عندما خرج صلى الله عليه وسلم مهاجراً، ووصل أطراف مكة، التفت إليها، وقال: (وَاللهِ إِنَّي أَعْلَمُ أَنَّكِ خَيْرُ أَرْضِ اللهِ وَأَحَبَّهَا إِلَى اللهِ، وَلَوْلاَ أَنَّ أَهْلَكِ أَخْرَجُوُنِي مِنْكِ مَا خَرَجْتُ) وفي رِوَاية: (مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وَأَحَبَّكِ إِليَّ، وَلَوْلاَ أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُوُنِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ)، بل انظر إلى حاله صلى الله عليه وسلم حينما وطأت قدمه وطنه الثاني (المدينة) إذ يتوجه إلى الله داعياً أن يحبب إليهم المدينة كما حبب إليهم مكة، فيقول: (اللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْمَدِينَةَ، كَمَا حَبَّبْتَ إِلَيْنَا مَكَّةَ، أَوْ أَشَدَّ) وها هو النبي صلى الله عليه وسلم يعيش هذا الحب والانتماء الوطني بكل وجدانه وجوارحه؛ إذ يشتاق إليه إن غاب عنه ، فعن أَنَس بْن مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ انه قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَأَبْصَرَ دَرَجَاتِ المَدِينَةِ أَوْضَعَ نَاقَتَهُ – أَيْ أَسْرَعَ بِهَا- وَإِنْ كَانَتْ دَابَّةً حَرَّكَهَا)، يبرم وثيقة المدينة، (معاهدة الدفاع المشترك) بينه وبين غير المسلمين من الطوائف التي كانت تسكن المدينة بهدف الدفاع عن الوطن، والحماية له من أي عدو يناوئه أو أي خطر يتهدده، يضحى بالغالي والنفيس في سبيل أمنه واستقراره، فعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَأَجْوَدَ النَّاسِ ، وَأَشْجَعَ النَّاسِ ، وَلَقَدْ فَزِعَ أَهْلُ المَدِينَةِ ذَاتَ لَيْلَةٍ ، فَانْطَلَقَ النَّاسُ قِبَلَ الصَّوْتِ فَاسْتَقْبَلَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ سَبَقَ النَّاسَ إِلَى الصَّوْتِ، وَهُوَ يَقُولُ : لَنْ تُرَاعُوا لَنْ تُرَاعُوا، وَهُوَ عَلَى فَرَسٍ عُرْيٍ مَا عَلَيْهِ سَرْجٌ ، فِي عُنُقِهِ سَيْفٌ) والمتدبر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، يجد أن جميع الغزوات التي شارك فيها كانت حماية للوطن ودفاعاً عنه وعن استقراره وأمنه وأمانه، ورداً لعدوان أعدائه وإبطالاً لحيلهم ومكرهم، قال تعالى: (وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) ففي غزوة الخندق اجتمعت الأحزاب من كل حدب وصوب لحصار المدينة والإغارة عليها فكان القتال دفاعاً عن النفس والوطن والعرض. وفي غزوة أحُد؛ أراد المشركون أن يستبيحوا حرمة المدينة وان يعتدوا على المسلمين في وطنهم؛ فكان الدفاع عن الأرض والعرض رداً للعدوان وحماية للوطن.
أيها المؤمنون: إن المسلم الحقيقي يكون وفياً أعظم ما يكون الوفاء لوطنه، مستعداً للتضحية دائماً في سبيله بنفسه، محباً أشد ما يكون الحب له، حب أجل وأسمى من أن ترتقي إليه شبهة أو شك؛ قيل لأعرابي: كيف تصنعون في البادية إذا اشتد االحر، حين ينتعل كل شيء ظله؟ قال: (يمشي أحدنا ميلاً، فيرفض عرقاً، ثم ينصب عصاه، ويلقي عليها كساه، ويجلس في فيه يكتال الريح، فكأنه في إيوان كسرى). الله أكبر أي حب هذا؟ وهو يلاقي ما يلاقي، يجعله يقول: أنا في وطني بهذه الحالة ملك مثل كسرى في إيوانه .
أيها الأخوة والأخوات في الله: إن حقوق الوطن في الحفاظ عليه وحمايته والدفاع عنه، ليست كلمات ترددها الألسنة، أو شعارات نهتف بها، أو لافتات نرفعها، بل أفعال وواجبات علينا جميعاً أن نقوم بها ،أن نسعى من اجل تحقيقها؛ فخدمة الوطن مرتبطة بعمل الفرد وسلوكه ارتباطاً لا انفكاك منه، يلازمه في كل مكان؛ في حله وترحاله، في المنزل والشارع ومقر العمل، فتظهر حماية الوطن في المحافظة على منشآته ومنجزاته، في القيامُ بالواجبات والمسئوليّات، في احترام دينه وثقافته وعاداته وتقاليده، والمحافظة على مرافِقه ومواردِ الاقتصادِ فيه، والحِرص على مكتسَباته وعوامِل بنائه، تظهر في إخلاص كل عامل في عمله، في نشر القيم والأخلاق الفاضلة، ونشر روح التسامح والمحبة، تظهر بالعمل والكسب والإنتاج من اجله ، بالمشاركة الايجابية في بنائه، تظهر في تضافر الجهود من اجل رفعته، في التنافس في خدمته كل حسب طاقاته وقدراته، تظهر حماية الوطن في احترام أنظمته وقوانينه، وطاعة ولى الأمر؛ فقد قال رسول الله صلي الله عليه وسلم :(مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي وَمَنْ عَصَى أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي) تظهر حمايته، في التصدي للشائعات والأراجيف والأباطيل التي يقصد بها ملء القلوب من الفتن والمصائب، وشحْن القلوب بالأحقاد والبغضاء على المجتمع والتشكيك في الانجازات، والبناء والتعمير، غاية هذا أن تملأ قلوب الناس حقداً على وطنها، وحقداً على أمنها؛ وحقداً على ولاتها ليرى أصحاب هذه الشائعات والافتراءات في المجتمع تفككاً، وتناحراً، ومن ثم نقول : إن مروج الشائعات لئيم الطبع، مريض النفس، منحرف التفكير، عديم المروءة، ترسب الغل في أحشائه، ساع في الأرض بالفساد، للبلاد والعباد؛ وقد قال الله تعالى: (وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ *الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ) فلزم علينا الحذر أن نكون ممن يعاونهم دون أن ندري، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِباً أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ). فليكن منهج كل واحد منا عند الحديث قول الرسول صلى الله عليه وسلم (وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ). وليكن منهج كل واحد منا في سمعه قول الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)
عباد الله: تظهر حماية الوطن والحفاظ عليه في المحافظة على الوحدة بين أبناء الوطن، ونبذ الطائفية، فالجميع متساوون في الحقوق والواجبات، مهما اختلفت الألوان أو حتى العقائد؛ فمما لا شك فيه أن الأديان بحكم انتمائها إلى السماء، لا تأمر إلا بالخير والصلاح، ولا تدعو إلا إلى البر والحب والإحسان، ولا توصي إلا بالأمن والسلم والسلام، وما كانت يوماً في حد ذاتها عائقاً أمام التعايش والتماسك والترابط، وإنما العائق: هو وهم يكمن في عقول سفهاء الأحلام، أحداث الأسنان، الذين يتوهّمون أنهم يمتلكون الفهم المطلق، والعلم الذي لم يأت به احد قبلهم، فضلوا وأضلوا بأفكارهم الخاطئة وافهامهم المنحرفة، إذ يقول الحق سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) ولقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع خطبة جامعة مانعة تضمنت هذه القيمة النبيلة، فقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ، وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ، وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ، وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ، وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى) وقال عليه الصلاة والسلام: (النَّاسُ كُلُّهُمْ بَنُو آدَمَ ، وَآدَمُ خُلِقَ مِنْ تُرَاب)
فاللهم آمنا في وطننا وديارنا، وأصلح اللهم جميع أمورنا، وألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا، وأهدنا سبل الرشاد.
نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الواحد القهار، العزيز الغفار، نحمده تعالى حمداً يتجدد بالعشي والإبكار، ونشكره سبحانه على نعمه الغزار، ونسأله المزيد من فضله المدرار، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عالم الغيب والشهادة وكل شيء عنده بمقدار، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله المصطفى المختار، صلى الله وسلم عليه وعلى آله البررة الأطهار، وصحبه الأئمة الأبرار، والتابعين ومن تبعهم بإحسان صلاة تترى آناء الليل وأطراف النهار.
أما بعد فيا أيها المسلمون، أيها المواطنون الكرام، اتقوا الله تعالى واعلموا، أن حماية الأوطان لا تقتصر على مواجهة العدوان، بل تمتد إلى مناهضة كل فكر متطرف وإرهابي،
ففي مناهضتها توجيهاً للعقول والقلوب إلى الوسطية والاعتدال والسلم والسلام والمحبة والمودة، وليس ذلك مقصوراً على عقول الشباب فحسب، بل لابد أن يمتد ذلك حتى يصل إلى النشء ، فالعناية بالنشء مسلك الأخيار، وطريق الأبرار، ولا تهلك امة إلا حين ينتشر التطرف بين أجيالها؛ ولذلك كان السلف الصالح يعنون بأبنائهم منذ نعومة أظفارهم؛ يعلمونهم وينشئونهم على الخير، ويبعدونهم عن الشر، ويختارون لهم المعلمين الصالحين والمربين الحكماء والأتقياء، إذ أن العقائد المنحرفة والأقوال الشاذة والأفكار المتطرفة لا تظهر إلا بترك العلماء أهل التقى والسماحة والوسطية والأخذ عنهم، وأخذ العلم والفتوى من جماعات متطرفة أهل جهل وهوى… يقول الإمام الغزالي رحمه الله: (الصبي أمانة عند والديه وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة خالية عن كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه؛ فإن عُوِّد الخير وعُلِّمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة أبواه وكل معلم له ومؤدب، وإن عود الشر وأُهمل إهمال البهائم، شقي وهلك وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له) يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)… عباد الله: كما تظهر حماية الوطن في مناهضة كل دعوة هدامة، أو محاولة استقطاب البعض لمصلحة أصحاب الأهواء المشبوهة.
وكذلك المحافظة على أسرار البلاد الداخلية، وعدم التعامل مع الخونة أعداء الوطن، ومن يريدون به السوء، أو ينفثون سمومهم في أجواء المجتمعات بغياً وعدواناً، وتحريضاً وتشويشاً عبر قنواتهم الفضائية الحاقدة، فواجب أبناء الوطن أن يكونوا عيوناً ساهرة لحماية أمن الوطن، وأن يتضامنوا في درء أي خطر يهددهم، وأن يلتفوا حول ولاة أمرهم جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المفدى، ورئيس وزرائه، وولي عهده حفظهم الله جميعاً، وأن يتكاتفوا مع رجال الأمن، والمخلصين من أبناء الوطن، لردع كل من تسول له نفسه، أن يهدد هذا الوطن، وأن يكونوا يداً واحدة على من سواهم.
وإننا من على هذا المنبر نوجه رسالة دعم وتأييد إلى أبناء الوطن الشرفاء من رجال جيشنا البواسل بقوة دفاع البحرين، ورجال أمننا الأبطال بوزارة الداخلية، والحرس الوطني، ونقول لهم لستم وحدكم، فنحن جميعاً معكم وفي ظهوركم وعن أيمانكم وعن شمائلكم صفاً واحداً، وكلنا ثقة في وطنيتكم وحرصكم على فداء دينكم ووطنكم، والدفاع عن أرضكم وأعراضكم، والمحافظة على أمن وطنكم واستقراره، حرص غيركم على حب الحياة وطول البقاء، وقدرتكم على تحقيق النصر بإذن الله تعالى على كل من يريد التعدي على وطنكم ودياركم.
نسأل الله تعالى أن يحفظ لنا بلادنا البحرين ملكاً وحكومة وشعباً من كل سوء ومكروه، وأن يحفظ علينا أمننا وأيماننا ويجعلنا حماة وجنداً لهذا الوطن الغالي.
اللهم سدد على طريق الخير خطى ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد، اللهم بارك لهم في جهودهم وأعنهم على تحقيق آمال وطموحات مواطنيهم، وما يصبون إليه من تقدم وتطور ونماء وازدهار ورخاء.
اللهم إنا نستودعك بلادنا وقيادتنا وأهلنا وأولادنا ونفوسنا ودمائنا وأعراضنا وأموالنا، اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، واكْنُفْنا بركنك الذي لا يُرام، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، اللهم أحفظنا من بين أيدينا، ومن خلفنا، وعن أيماننا، وعن شمائلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتَاَلَ من تحتنا.
اللهم من أراد بلادنا وبلاد الحرمين الشريفين وخليجنا وجيشنا ورجال أمننا، بشر وسوء وفتنة فأشغله بنفسه، وأجعل كيده في نحره، وأدر دائرة السوء عليه يا سميع الدعاء.
اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح أحوالهم في فلسطين وفي بلاد الشام وفي اليمن وفي كل مكان، اللهم ولي عليهم خيارهم ولا تسلط عليهم شرارهم يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أحفظ القدس والأقصى وأهلهما من كيد أعداء الدين، اللهم كن معهم و ثبتهم وانصرهم على من عاداهم، اللهم ارزقنا صلاة طيبة في المسجد الأقصى قبل الممات يارب العلمين.. اللهم أصلِح لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرنا، وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خيرٍ، واجعل الموتَ راحةً لنا من كل شرٍّ.
اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات إنك على كل شيء قدير.. اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمدا وعلى آله وصحبه أجمعين. عباد الله: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون)
فاذكروا الله العلي الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ويغفر الله لي ولكم.
خطبة جامع الفاتح الإسلامي- عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين