الجمعة 16 محرم 1442 هـ
الموافق 4 سبتمبر 2020 م
الحمدُ لله، عزَّ سلطانه، وتقدَّست أسماؤه، وسبقت مقاديره، ونفَذ قضاؤه، سبحانَه وبحمده، عزَّ جنابُه، وجلَّ جلاله، وبلَغت حجَّته، وصدَق مقالُه، ونشهد أن لا إلهَ إلاّ الله وحدَه لا شريك له، قولُه الحقّ ووعده الصّدق، فضلُه واسع وحِرزه مانع، ونشهد أنّ سيّدَنا ونبيّنا وحبيبنا وقائدنا وقدوتنا محمّداً عبد الله ورسوله النبيّ الخاتم والشافع المشفع، صلّى الله وسلّم وبارَك عليه، وعلَى آله وأصحابه مصابيحِ الهدى وبدور الدّجى، والتّابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونَفسي بتَقوى الله تعالى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
معاشر المسلمين: في العصور الماضيةِ والأحقاب السّالفة، عاش كثيرٌ من العظماء ورجالات التأريخ والديانات، نقلتِ الأنباء أخبارَهم، ودوّنت الكتب أوصافهم، وسجّلت المدوّنات أحوالَهم، غيرَ أنه لا يوجد أحدٌ من هؤلاء العظماء والرجال، من نُقلت أخباره، ودُوّنت صفاته، وحُفظت سيرته، وكُتِب سجلّ حياتِه، كما كان لنبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، لقد وصَلَ إلينا ذلك بالنّقل المتواتر الصحيح… إنَّ سيرةَ الحبيب المصطفى محمدٍ صلى الله عليه وسلم، أصحُّ سيرةٍ لتأريخ نبيٍّ مرسَل، سيرة واضحة مدقّقة في جميع أطوارها ومراحلها، حتى قال كاتب من غير المسلمين: (محمّد هو النبي الوحيد الذي وُلِد تحت ضوء الشمس)، إشارةً من هذا الكاتب إلى دقّة سيرته عليه الصلاة والسلام وصحّتها وتوازنها…
عباد الله: يُقال ذلك ويثار والمسلمون يعيشون بين حين وآخر، ويتعرضون لحملات مسعورة موجّهة، ضد دينهم وقرآنهم نبيّهم وحبيبهم محمد صلى الله عليه آله وسلم، حملات ظالمة آثمة منكرة…
لذا فإننا نحن المسلمين نستنكر ونشجب، ما يحدث في هذه الأيام من تكرار نشر الرسوم المسيئة لنبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم، في بعض الدول الغربية والأوربية وغيرها، وتحدي مشاعر ما يقارب من ملياري مسلم في العالم والتمادي في الإساءة والاستهزاء والازدراء بالإسلام، والتنقص من قدر رسول الإسلام، والقرآن والطعن في زوجاته وصحابته رضوان الله عليهم، بحجة حرية الرأي والتعبير. فحرية الرأي والتعبير، تتناقضان مع انتهاك حقوق الآخرين والاعتداء على رموزهم ومقدساتهم وخصوصياتهم. ومن هنا، فإننا ندعو عقلاءَ العالم لنبذ هذا التعصّب المقيت، وممارسة هذا الإرهاب الفكري الذي يقود إلى تأجيج الأحقاد، واستفزازِ الشعوب، وحلولِ الكوارث التي يكتوي بنارِها الجميع ويعمّ لهيبها الجميع.. إنَّ الهجوم على الإسلام، ونبيّ الإسلام لا يزيد الدّين وأهلَه إلا صلابةً وثباتاً وانتشاراً وظهوراً، وفي كتاب ربنا: (هُوَ ٱلَّذِى أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِٱلْهُدَىٰ وَدِينِ ٱلْحَقّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدّينِ كُلّهِ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيداً) إنّهم يعلمون ونَعلم، أنّ الذين يدخلون في دين الإسلام في ازدياد وتنامي وتكاثر على الرّغم من كلّ الظروف والمتغيّرات والأحداث والمقاومات، بل والتهديد والتشويه للإسلام وأهله ونبيِّه وقرآنه العزيز. إنّنا ندعو كل منصف وكلَّ طالبٍ للحقيقة أن يقرأ دينَنا من مصادره، وأن يطّلع على سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فهي مدوّنة محفوظة تدويناً وتوثيقاً لا يدانيه توثيق ولا يقاربه تحقيق. وليعلم طالبُ الحقيقة ومبتغي الإنصاف أنّ المسلمين يكفيهم فخراً وشرفاً أن دينَهم يحرّم كلّ انتقاص واستهزاء أو تكذيبٍ لأيّ نبيٍّ من أنبياء الله، ويأمر بإتباع ما جاؤوا به، يقول تعالى: (شَرَعَ لَكُم مّنَ ٱلِدِينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً وَٱلَّذِى أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىٰ وَعِيسَىٰ أَنْ أَقِيمُواْ ٱلدّينَ وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ) بل لقد نُهي المسلمون عن التعرّض لأديان المشركين وغيرهم حفاظاً على الحقّ وحمايةً لجناب الله عزّ شأنه، ففي محكم التنزيل يقول تعالى: (وَلاَ تَسُبُّواْ ٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ فَيَسُبُّواْ ٱللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ)… أيها المؤمنون: إنَّ المسلمين يحترمون جميعَ رسل الله، ويوقّرون كلَّ أنبياء الله عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام، يقول تعالى: (آمَنَ ٱلرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبّهِ وَٱلْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِٱللَّهِ وَمَلَـئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ ٱلْمَصِيرُ) وقد اقتَضَت إرادةُ الله سبحانه وحكمته، أن يختم الأنبياءَ والرسل بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وأن يختمَ الرسالات بالإسلام الذي جاء به، ليكونَ للناس بشيراً ونذيراً، وليكون للعالمين رحمة. بعثَه على فترة من الرسل، ضلّ فيها الناس رشادَهم، وجحدوا عقولَهم وقلوبَهم، فصاروا كالأصنام تعبُد الأصنام، وكالحجارة تقدّس الحجارة، ملئوا الأرضَ خرافاتٍ وأوهاماً، فلطف الله بعباده، فاصطفى محمداً صلى الله عليه وآله وسلم، ليبلِّغ خاتمةَ رسالاته، ويهديَ بآخر كتبه، فكان بإذن الله الغيثَ الذي نزل على الأرض الموات، فتبصّر الضالّون طريقَ النجاة، واستردَّ الخلق إنسانيتَهم وكرامتهم، وفي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: (وَإِنَّ اللَّهَ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ عَرَبَهُمْ وَعَجَمَهُمْ إِلا بَقَايَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَقَالَ (لنبيه) إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِيَ بِكَ)
أيّها المسلمون: أيّها العقلاء،أيها الناس، على طالبِ الحقيقة والإنصاف أن ينظرَ فيما نالته سيرةُ المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم من العناية الفائقة، والدقّة البالغة في التدوين والتحقيق والشمول والتصنيف والاستنباط، لقد كانت سيرةً ومسيرة جليّةَ المعالم، كلّها حقٌّ، وكلّها صدق، توثيقاً وكتابة، وقراءة وبحثاً، واستيعاباً واستنباطاً. لم تُحفَظ قصةُ حياةٍ ولا سيرة رجل ولا مسيرة بطل مثلما حُفظت سيرةُ نبينا محمد صلى الله عليه و آله وسلم. سيرةٌ لم تلحقها الأساطير والأوهام، وإنّها لإحدى الدلائل التي حفظها الله لتكونَ شاهداً على صدق هذه الرسالة المحمدية العظيمة.. إنّ الذين وصفوه ودوّنوا سيرتَه أحبّوه والتزموا الاقتداءَ به، فاجتمع في وصفهم وتدوينهم أمانةُ النقل مع محبّة الموصوف، فامتزجت لديهم العاطفةُ بالدين والحب بالأمانة، فكانوا في نقلهم يؤدّون واجباً ويتّبعون سُنّة، فسلموا من الكذب والتحريف والتناقض والجهل، وذلكم ـ وربكم ـ من آيات الله للعالِمين.
عباد الله: لقد ضمّت السيرةُ النبوية العطرة جميعَ شؤون رسول الله صلى الله عليه وسلم وتفاصيل حياته وأطوار عمره، من الولادة والرضاعة والطفولة والشباب والكهولة، في حياته قبلَ النبوة، من صدقه وأمانتِه واشتغالِه بالرعي والتجارة وزواجِه، ثم ما حبِّب إليه من الخلوة والتعبُّد، ثمّ بعثته ومواقف قومه العدائية، ومقاومتهم وما واجهوه به من اتهاماتٍ من سحرٍ وجنون وكذب، ثم تزايُدِ أتباعه وعلوِّ شأنه، وما حصل مع قومه من مواجهاتٍ ومهادنات وحروبٍ ومسالمات…أمّا حياتُه الشخصية فقد نقل لنا النقلة الأثبات تفاصيلَ أوصافه الجسدية من الطول واللّون والهيئة والمشية وحياته اليوميّة من قيامه وجلوسه ونومه ويقظته وضحكه وغضبه وأكله وشربه ولباسه وما يحبّ وما يكره وعبادته في ليله ونهاره، وحياته مع أهل بيته وزوجاته وفي مسجده وأصحابه مع الأصدقاء ومع الغرباء وفي السفر وفي الحضر، ناهيكم بأخلاقه الكريمة من التواضع والحلم والحياء والصبر وحسن العشرة، بحيث لم يبقَ شيء من حياته مخفياً أو مكتوماً، إذا دخل بيته فهو بين أهله وخدمه وأولاده، وإذا خرج فهو مع الأصحاب والغرباء، وكلّ ذلك منقولٌ محفوظ، في بشريّته لم يخرج عن إنسانيّته، ولم تلحق حياتَه الأساطير، ولم تُضْفَ عليه الألوهية لا قليلاً ولا كثيراً، فهو النبيّ الرسول، والرسول الإمام، والرسول الحاكم، والرسولُ الزوج، والرسول الأب، والرسول المجاهد، والرسولُ المربي، والرسول الصديق. محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أنموذجُ الإنسانية الكاملة، وملتقى الأخلاق الفاضلة، وحامل لواء الدعوة العالمية الشاملة.
أعطاه ربُّه وأكرمه، وأعلى قدره ورفع ذكرَه، ووعده بالمزيد حتى يرضى، ولاّه قبلة يرضاها، من أطاعه فقد أطاع الله، ومن بايَعَه فإنما يبايع الله، لا قدرَ لأحد من البشر يداني قدرَه، صفوةُ خلقِ الله، وأكرم الأكرمين على الله، وحينما قال موسى كليم الله عليه السلام: (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبّ لِتَرْضَىٰ) قال الله لمحمد : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ) وحين سأل موسى الوجيهُ عند ربه عليه السلام: (قَالَ رَبّ ٱشْرَحْ لِى صَدْرِى) قال الله لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ)
أيها المؤمنون: ومع حبِّ المسلمين لنبيّهم عليه الصلاة والسلام وتعظيمِهم له وتوقيرهم لجنابه فإنّ عقيدتهم فيه أنه بشرٌ رسول، عبدٌ لا يعبَد، ورسول لا يكذَّب، بل يُطاع ويُحبّ ويوقَّر ويُتّبع، شرّفه الله بالعبودية والرسالة. ولقد علَّمنا ربّنا موقعَ نبيّنا منّا فقال عز شأنه: (النَّبِىُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) فهو أقربُ إلى قلوبنا من قلوبِنا، وأحبّ إلى نفوسنا من نفوسنا، وهو المقدَّم على أعزّ ما لدينا من نفسٍ أو مال أو ولد أو حبيب، ولن يذوقَ المسلم حلاوةَ الإيمان في قلبه وشعوره ووجدانه إذا لم يكن حبُّ رسول الله فوقَ كلّ حبيب، ففي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم: (ثلاثٌ من كنَّ فيه وجد حلاوةَ الإيمان؛ وذكر منها: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، الحديث) بل يترقّى ذلك إلى حدّ نفيِ الإيمان كما في الحديث الصحيح الآخر: (لا يؤمن أحدُكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين) بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام.
أيّها المسلمون: وهذا الحبُّ العميق الدقيق ليس حبّاً أدعائياً ولا عاطفة مجرّدة ولكنّه حبٌّ برهانُه الإتباع والطاعة والانقياد والاستسلام، وأيّ فصلٍ بين الحبّ والإتباع فهو انحرافٌ في الفهم وانحرافٌ في المنهج. الحبّ الصادق يقود إلى الإتباع، والإتباع الصحيح يذكي مشاعرَ الحبّ والمودة والشوق.
يا عقلاءَ العالم، أيّها الناس، هذا هو نبيُّنا، وهذه هي سيرتُه، وهذا هو حبّنا له وإيماننا به ومتابعتنا له، ولن نقبلَ أن ينالَ منه أحد، إنّهم بعضُ المعادين لديننا ولنبينا، هؤلاء الذين يسعَون إلى تشويه صورةِ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، كما فعلوا ويفعلون من نشر الأغاليط واختلاق الأكاذيب حولَ قرآنِنا وتفسيره والدسّ عليه.. إنّها إساءاتٌ متتابعة ومتكرّرة تثير مشاعرَ المسلمين في العالم، وممّا يؤسَف له أنّ هذه الإساءات تصدر من رجالٍ ينتسبون إلى دينهم وكنائسهم، كما ينتسبون إلى رجالات الإعلام والسياسة، بل يقف وراءَها بعضُ كبار المشاهير من رجال الدين والسياسة والفكر والفن، اتّهموا نبينا بالكذب وبالجنون وبالسرقة وقطعِ الطريق وسيئ الأفعال، ووصفوا دينَنا بأنه خدعة كبرى… إنّ هذه المحاولاتِ من التشويه والدسّ والأكاذيب والإفك إنما تسيء إلى العلاقاتِ بين الشعوب، وتبثّ بذورَ الكراهية، وتذكي أجواءَ الصراع والعنف، وتثير أبشعَ صوَر البغضاء بين الناس.
وبعد: فإنَّ ذلك كلّه مع عِظَم خطره وأليم وقعِه، فإنّ المسلمين ليسوا في شكّ من دينهم ولا من نبيّهم، فهذه الاتهامات والأوصاف عينُها سبقَ إليها أهل الجاهليّة الأولى، ولم يكن لها أيّ تأثير في السيرة النبوية ولا المسيرة الإسلامية. فالإسلام دينُ الله، ومحمّد رسول الله، وكلّ ذلك محفوظ بحفظ الله، فلله الحمد والمنة… أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (إِنَّ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلآخِرَةِ، وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً، وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ بِغَيْرِ مَا، ٱكْتَسَبُواْ فَقَدِ ٱحْتَمَلُواْ بُهْتَـٰناً وَإِثْماً مُّبِيناً)
اللهم إنا نسألك بجلال وجهك، أن تصلي وتسلم على نبينا محمد،اللهم وأجزه عنا خير ما جزيت نبياً عن أمته، اللهم زكنا بالصلاة عليه، واحشرنا في زمرته، وشفعه فينا، وأوردنا حوضه، برحمتك يا أرحم الراحمين.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم وبهدي سيد المرسلين، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي افترض على العباد محبة النبي محمد وطاعته وتوقيره والقيام بحقوقه، نحمده سبحانه حمد الشاكرين، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، بعث محمداً رحمة للعالمين، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، نبي شرح الله له صدره، ووضع عنه وزره، ورفع له ذكره، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمره.
شَهْمٌ تُشَيَّدُ بِهِ الْدُّنْيَا بِرُمَّتِهَا
عَلَىَ الْمَنَائِرِ مِنْ عُرْبٍ وَمِنْ عَجَمِ
أَحْيَا بِكَ الْلَّهُ أَرْوَاحَاً قَدْ انْدَثَرَتْ
فِيْ تُرْبَةِ الْوَهْمِ بَيْنَ الْكَأْسِ وَ الْصَّنَمِ
نَفَضَتْ عَنْهَا غُبَارَ الذُّلِّ فَاتَّقَدْتْ
وَأَبْدَعَتْ وَرَوَتْ مَا قُلْتَ لِلْأُمَمِ
رَبِّيَتَ جِيْلاً أَبِيَّاً مُؤْمِنَاً يَقِظَاً
حَسْوِ شَرِيْعَتَكَ الْغَرَّاءَ فِيْ نَهَمِ
مِنْ نَهْركَ الْعَذْبُ يَا خَيْرَ الْوَرَى اغْتَرِفُوْا
أَنْتَ الْإِمَامُ لِأَهْلِ الْفَضْلِ كُلُّهمِ
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد فيا أيها المسلمون: إنَّ هذه الهجماتِ المسيئة والشَّرسةَ على ديننا وقرآننا ونبينا صلى الله عليه وسلم، تفرِض علينَا أن نُجنِّدَ القلوبَ والهمم والأقلامَ، ووسائلَ الإعلام والتواصل، إلى عَرض السيرةِ العطرة، والحياة الطيّبة لأعظم إنسان وأفضلِ مخلوق، محمّدٍ عليه أفضل الصلاة والسلام، من واقع أوثَق المصادر العلميّة لسيرته، التي سطرتها الأيادي الأمينة، والكتابات الموضوعيّة الصادقة. واجبنا- نحن المسلمين- أن نسعَى بكلّ ما أُوتينَا من مقوِّمات ووسائل، لنقدِّم حياةَ الرسول الطاهرة، ورسالتَه العظيمة، بما فيها من الفضائل والمحاسنِ إلى العالَم، ليعرِف المنصِف والجاهلُ الحقيقةَ التي يشوِّهُها الحاقدون، ويحرِّفها الحاسدون.
كما أنَّ من أوجب الواجبات على الدول والحكام والساسةِ والعلماء والمثقَّفين والمنظمات والهيئات، الدفاع عن عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذبّ عن شخصيّته وهديه وسيرته، بالقلم واللسان والحوار الهادف، بالطرق السياسيّة والطرق العلمية، وفقَ خطاب حضاريٍّ مقبول وسلوكٍ أخلاقيّ مؤثر، وعبرَ عمل مخلِص، بمنهج قويم وأسلوب سليم، يُوصل الرسالة العالميّةَ التي بُعِث بها خير الخلق، ويبرز محاسنها ونورها الوضّاء، وشمسَها المشرقة. (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ) حتى يعذر الجميع أمام الله تبارك وتعالى. وإذا عجز المسلمون أن ينطقوا بالحق ويدافعوا عن نبيهم وقدوتهم بالحق، ويعزروه وينصروه ويذودوا عن عرضه، فبطن الأرض والله خير لهم من ظهرها، وأف على الحياة ولذتها إذا أهين إمامنا وقدوتنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه واله وسلم وفي الأرض مسلم صامت جبان!
فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي
لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْهُمْ فِدَاءُ
سبحان الله عباد الله يسبون ويتنقصون نبي الرحمة والهدى، رسول الخير والتقى، وقد نالت شفقته كل البشرية ، ورعى الحقوق المرعية حتى بلغت رحمته غير المسلمين ، قال صلى الله عليه وسلم: (ألاَ مَنْ ظَلَمَ مُعَاهِداً، أوْ انْتَقَصَهُ، أوْ كَلَّفَهُ فَوْقَ طَاقَتِهِ، أوْ أخَذَ مِنْهُ شَيْئاً بِغَيْرِ طِيبِ نَفْسٍ، فَأنَا حَجِيجُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) يا لها من رحمة عظيمة بالعالمين ، وشفقة كبيرة بالناس أجمعين، ألا هل بلغت ؟ ألا هل بلغت ؟ ألا هل بلغت ؟ اللهم فاشهد، اللهم فاشهد.
اللهم إنّا نشهدك على حبّك وحبّ نبيّك محمد، ونشهدك أنه أحب إلينا من أنفسنا وأهلينا ووالدينا وأموالنا وأولادنا وذرياتنا، اللهم إنا نبرأ إليك مما فعل الشانئون بجناب نبيك وصفيّك محمد، اللهم إنهم قد آذونا في نبينا وحبيبنا وقدوتنا وأسوتنا عليه الصلاة والسلام، فاللهم إن كان في سابق علمك أنهم لا يهتدون ولا يرعوون فاكفِ المسلمين شرورَهم وفجورهم بما شئت. اللهم إنا أحببناك، وأحببنا رسولك حبًّاً صادقًاً، فاللهم اغفر بهذا الحب والطاعة ذنوبَنا، وأسعد بها قلوبنا، وتقبّل هذه الكلمات، واجعلها لوجهك خالصات، وثقِّل بها ميزان الحسنات، ذبًّاً عن سيّد البريّات، اللهم أحينا على هديه، وأمتنا على ملته،واحشرنا في زمرته،وأدخلنا الجنة في معيته مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً،واسقنا اللهم من حوضه شربة لا نظمأ بعدها أبدا…
اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا،واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين،اللهم وفق ولاة أمورنا ملكنا حمد بن عيسى، ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان، وولي عهده سلمان بن حمد، وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، واستر عيوبنا، وفرج كروبنا، وتب علينا وارحمنا، وارفع عن بلادنا وبلاد المسلمين وبلاد العالم أجمعين، البلاء والوباء عاجلاً غير آجل، اللهم كاشف الهم، وفارج الغم، ارفع عنا البلاء والوباء، واجعل عاقبة أمرنا إلى خير يارب العالمين.
اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم ولي عليهم خيارهم، ولا تسلط عليهم شرارهم، ولا تجعل لعدو ولا طاغية عليهم سبيلاً يا سميع الدعاء.
اللهم حرر الأقصى من عدوان الصهاينة المعتدين ومن احتلال الغاصبين، اللهم اجعله شامخاً عزيزاً إلى يوم الدين.
اللهم اغفِر لنا ولوالِدِينا، ولِلمُسلمين والمُسلمات والمُؤمنين والمُؤمنات، الأحياء منهم والأموات برحمتِك يا أرحمَ الراحمين.
(إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين