الجمعة 8 رجب 1440 هـ

الموافق 15 مارس 2019 م

الحمد لله المبدئ المعيد الفعال لما يريد ، ذي العرش المجيد، والبطش الشديد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، هدى صفوة العبيد إلى المنهج الرشيد ، والمسلك السديد ،  وأنعم عليهم بعد شهادة التوحيد ، بحراسة عقائدهم عن ظلمات التشكيك والترديد، وسلك بهم إلى إتباع رسوله المصطفى واقتفاء آثار صحبه الأكرمين المكرّمين بالتأييد والتسديد، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، المبعوث بالقرآن المجيد، والمؤيد بالرعب والحديد، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الوعيد وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى وخشيته وطاعته، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم: (وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَيَخْشَ ٱللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلْفَائِزُون)

معاشر المسلمين: إن للسُّنَّة النبوية الشريفة، مكانةً عالية كبرى، ومنزلة سامية عظمى؛ إذ هي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي؛ و هي ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقوال، وما أثر عنه من أفعال، وما سجل عنه من إقرار، فأحكامنا الشرعية التي أُمِرْنَا أن نعمل بها، إنما نستقيها من وحي ربنا الذي يشمل القرآنَ الكريمَ، والسُّنَّة النبوية المطهرة الصحيحة، ومما يدل على أن السنة هي وحي من الله، قوله جل وعلا عن نبيه محمد صلى الله عليه: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) وقوله تعالى: (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ) وقوله سبحانه: (وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ) وبين العلماء أن آيات الله هي القرآن الكريم، والحكمة هي السنة النبوية. والسُّنَّة -عباد الله- شارحةٌ ومفسرةٌ لكثير من الأحكام المجمَلَة في القرآن الكريم؛ فقد بيَّن سبحانه، بأنه تكفَّل ببيان كتابه فقال: (إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) وبيانه يكون على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، يقول تعالى: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) فأين يجد المسلم في القرآن الكريم أن صلاة الظُّهْر والعصر والعِشَاء أربع ركعات؟ وأين يجد أيضاً مسائل الزكاة، وتفاصيل أحكام الصيام والحج وغير ذلك؟ فعَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصْيَنٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَجُلاً أَتَاهُ فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ  فَحَدَّثَهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ : حَدِّثُوا عَنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَلا تُحَدِّثُوا عَنْ غَيْرِهِ ، فَقَالَ عمران : (إِنَّكَ امْرُؤٌ أَحْمَقُ، أتَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَنَّ صَلاةَ الظُّهْرِ أَرْبَعاً لا تَجْهَرُ فِيهَا، وَعَدَّ الصَّلَوَاتِ، وَعَدَّ الزَّكَاةَ، وَنَحْوَهَا، ثُمَّ قَالَ أَتَجِدُ هَذَا مُفَسَّراً فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ كِتَابُ اللَّهِ تعالى قَدْ أَحْكَمَ وأجم ذَلِكَ، وَالسُّنَّةُ النبوية تُفَسِّرُ ذَلِكَ المعنى…

وكما أن السنة النبوية مبيِّنة ومفصلة لأحكام القرآن الكريم، فهي تستقلّ ببعض الأحكام والتشريعات: كإيجاب صدقة الفطر، وتحريم الذهب والحرير على الرجال، والنهي عن الجمع بين المرأة وعمتها، والمرأة وخالتها، والنهي عن عقد النكاح من المحرم لنفسه أو لغيره، والنهي عن بيع الرجل على بيع أخيه، وخطبته على خطبة أخيه، وغيرها من الأحكام، فالواجب علينا جميعاً عباد الله أن نتمسك بالكتاب والسنة، وألا نفرق بينهما من حيث وجوب الأخذ بهما كليهما، وإقامة التشريع عليهما معاً، فإن هذا هو الضمان لنا ألَّا نزيغَ ولا ننحرفَ ولا نميل ولا نضلَّ، كما بيَّن ذلك رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ)

أيها الإخوة والأخوات في الله: لقد جاءت النصوص الشرعية مبينةً أن طاعة الرسول طاعة لله، ومؤكِّدة على وجوب طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم وإتباعه، والتحذير من مخالفته وتبديل سُنَّته؛ فمن ذلك قوله تعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًاً) وقوله عز وجل: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) وقوله تعالى:(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالاً مُبِيناً) وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (فمن رَغِبَ عن سُنَّتِي فليس مني) وقوله: (خيرُ الحديثِ كتابُ اللهِ، وخيرُ الهديِ هديُ محمدٍ) فلا يمكن تطبيق الإسلام إلا بالرجوع إلى السُّنَّة، ولا إسلامَ للمرء بدون قَبُول السُّنَّة والعمل بها.

أيها المؤمنون: ومما أخبر عنه الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم أنه سيأتي من بعده أقوام يَرُدُّون أحاديثَه ويطعنون فيها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ،  فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ).. والواجب على كل مسلم ومسلمة، أن يحذرا من دعاة الضلالة الذين يَرُدُّونَ أحاديثَ رسولِ اللهِ الثابتةَ، ويشكِّكُون في السُّنَّة النبوية ويطعنون فيها، ويقولون: أوامرُ النبي لا تلزمنا، ويلبِّسون على الناس، ويدعون أنهم يُظهرون الحقائقَ، وهم -في حقيقة الأمر- يروِّجون الأباطيلَ، ويحاربون ثوابتَ الدين، ويأتون بالْمُحْدَثَات، ويشكِّكون في الْمُسَلَّمَات، وما أشدَّ هلكةَ مَنْ كان على هذا المسلك الوعر. يقول الإمام أحمد رحمه الله: (مَنْ رَدَّ حديثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو على شَفَا هلكة)، وقال الحسن البربهاري رحمه الله: (وإذا سمعتَ الرجلَ يطعن على الأثر أو يَرُدّ الآثارَ أو يريد غير الآثار، فَاتَّهِمْهُ على الإسلام، ولا تَشُكَّ أنه صاحب هوى مبتدِع).

أيها الإخوة: لقد اتخذ الطعن في السُّنَّة النبوية صُوَراً متعددة وطُرُقًاً متنوعة، فتارةً عن طريق الطعن في حجيتها ومكانتها، وتارةً عن طريق الطعن في الأسانيد بالهوى وبغير علم، والتقليل من شأنها، وتارةً عن طريق الطعن في منهج المحدِّثين في النقد والجرح والتعديل، وتارةً عن طريق الطعن في المرويات بالتشكيك فيها وادعاء التناقض والتعارض بينها، وتارة بالطعن في الصحابة الكرام، وهم من نقلوا لنا القرآن الكريم، و حملوا لنا السنة النبوية المطهرة، فإذا تم الطعن فيهم والتشكيك في مقدرتهم، فسوف يصل الشك فيما نقلوه لنا من أصول الدين.. وتارةً عن طريق محاكمة السنة للرأي، وأنها متخلفة ولا تتوافق مع العقل والحسّ والذوق، وتارةً عن طريق محاكمتها إلى مقاييس بشرية، وأنها تتعارض مع اكتشافات العصر الحديث… إلى غير ذلك من أنواع الطعون.. وفي الآونة الأخيرة واجهت السُّنَّةُ النبويةُ المطهرةُ حرباً ضروساً، وتعرضت لحملات ضارية مِنْ قِبَل أعداء الإسلام أو من قبل من يدعون العلم والثقافة والمعرفة والتحرر من بني جلدتنا المغرر بهم، وكلُّ ذلك حلقة في سلسلةِ الْمَوْجَةِ الشرسةِ من الهجوم على الثوابت وقطعيات الدين، وينبغي ألا يغيب عنا -عباد الله- أن التشكيك في مصادر التلقي أمر قديم وخصوصاً السُّنَّة النبوية منذ الصدر الأول للإسلام، كما أن المعاصرين الذين تَصَدَّوْا للحكم على السُّنَّة النبوية من خلال آرائهم وتوجهاتهم لم يأتوا بجديد وإنما هم امتداد لأهل الأهواء والبِدَع والزيغ والضلال من قبلهم، الذي حكى أهلُ العلم شبهاتِهم وَتَوَلَّوُا الردَّ عليها.

أيها المسلمون: إن المتأمل في ظاهرة الطعن في السُّنَّة النبوية والناظر في أحوال أهلها قديماً وحديثاً يتبين له بجلاءٍ حقيقةُ هذه الدعوة الباطلة، علاوةً على الدعوة الأخرى الآثمة، وهي زَعْم إعادة قراءة التراث، ويُدخلون في التراث نصوصَ القرآن الكريم برؤية معاصرة مختلفة عن المنهج الحقّ، يبثُّون من خلالها سموماً وتشكيكات في الوحي، ويهدفون في نهاية الأمر إلى هدم دين الإسلام القويم.. وهنا عباد الله يأتي السؤال المهم؛ الذي ينبغي أن يدور في خَلَد كلِّ مسلم ومسلمة: ما دور المسلمين في الدفاع عن السُّنَّة النبوية؟ وما موقفهم من أعدائها والطاعنين فيها والمشككين في صحتها  فالجواب يتلخص في الأمور التالية:

أولاً: العناية بالسُّنَّة النبوية جمعاً وتنقيحاً وتصنيفًاً وحفظًاً وتعليماً ونشراً، من قبل الجامعات ومراكز الأبحاث وأهل العلم والمحدثين.

ثانياً: حثّ الناس على التمسك بالسُّنَّة النبوية الشريفة الصحيحة والدعوة إلى تطبيقها في حياة الأمة؛ أفراداً وَأُسَراً ومجتمعات ودولاً.

ثالثاً: تربية الأمة على محبة الرسول صلى الله عليه وسلم وإجلاله وتوقيره وتبجيله، ومعرفة قَدْرِهِ الشريف ومكانته العَلِيَّة.

رابعاً: الإنكار على كل متنقِصٍ للرسول صلى الله عليه وسلم أو طاعن في سنته، والتحذير ممن يدعي أن نصوص القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية الصحيحة قابلة للنقد والاعتراض، وعدم التساهل معه، بل السعي في كشف أمره وبيان زيف عمله ومحاسبته على جرمه

أيها المسلمون: ومِمَّا يُطمئن القلبَ ويسرّ الخاطرَ أن الأمة المسلمة بحمد الله لا تخلو في كل عصر، ومنه عصرنا هذا ممن يدافع عن السُّنَّة النبوية وينشرها، ويعمل على خدمتها، جمعاً وتحقيقًاً وتخريجاً وشرحاً، وردًّاً على خصومها وفضحاً لأعدائها.

وإذا كان دَيْدَن الصحابة الكرام رضي الله عنهم الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته يفدونه بأنفسهم وأهليهم وأموالهم وينافحون عنه، فأنصار الدين والمنافحون عن سُنَّة سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم الذين جاءوا من بعدهم هم على شاكلتهم، يحاكونهم في غَيْرَتهم ونصرتهم سُنَّته، وذودهم عن حياضها، لسان حالهم: سيبقى أُسْدُ الشَّرَى لمن يطعن في سُنَّة خير الورى، لا يَدَعُونَ مفترياً ينال منها إلا ذَبُّوا عنها، ولا يعمد أحد إلى التشكيك فيها إلا وَجَدَ من يزجره ويمنعه، ويكفُّه ويردعه غضبةً لرب الأنام وحميةً لدين الإسلام.

أيها المؤمنون: لقد سخر الله سبحانه وتعالى العلماء جيلاً بعد جيل لحفظ السنة النبوية المطهرة من التحريف والتغيير فقام الصحابة الكرام بحفظ أقوال وأفعال وإقرارات النبي صلى الله عليه وسلم، وقام بعضهم بكتابتها، ثم قام من بعدهم من التابعين بتدوينها، وتصنيفها، ثم تنقيتها وتمحيصها، ووضع العلماء قواعد صارمة في علم الرجال، وعلم الجرح والتعديل، ووضعوا ضوابط لبيان وتمييز الأحاديث الصحيحة عن غيرها، وتفردوا بوضع منهج متميز في نقد الرجال لم تصل إليها أمة من الأمم السابقة للتثبت والتحقق من الأحاديث الصحيحة وتمييزها عن غيرها، واستطاعوا وضع المؤلفات لإفراد الأحاديث الصحيحة والحسنة ومؤلفات أخرى للأحاديث الضعيفة والموضوعة، وبذلك حفظت السنة النبوية من التغيير والتحريف، ووصلت لدرجة عالية من التدقيق نفتخر بها ونباهي جميع الأمم.

فاللهم اجعلنا من الناصرين لدينك، المتبعين لرضوانك، المتمسكين بِسُنَّة نبيك، الذابِّين عنها والداعين إليها ياسميع الدعاء.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد فيا أيها المسلمون: لا يزال أعداء الإسلام والمسلمين يحرصون على النيل من دين الله تعالى بشتى الصور والأساليب، وينشرون شبهاتهم وضلالاتهم بين عامة المسلمين، فينساق وراءهم بعض ضعاف الإيمان والجهلة من المسلمين، ولو أن واحداً من هؤلاء الناس، فكَّر قليلاً لعلم أن شبههم خاوية، وأن حجتهم داحضة، ومن أيسر ما يمكن أن يرد به المسلم على هذه الشبهة المتهافتة، أن يسأل نفسه: كم ركعة أصلي الظهر؟ وكم هو نصاب الزكاة وهذان سؤالان يسيران، ولا غنى بمسلم عنهما، ولن يجد إجابتهما في كتاب الله تعالى، وسيجد أن الله تعالى أمره بالصلاة ، وأمره بالزكاة ، فكيف سيطبق هذه الأوامر من غير أن ينظر في السنَّة النبوية الصحيحة؟ إن هذا من المحال، ولذا كانت حاجة القرآن للسنَّة النبوية أكثر من حاجة السنَّة للقرآن! كما قال أهل العلم.

عباد الله:إن من أوجه الرد على من يزعم أنه لا حاجة للمسلمين للسنَّة المشرفة، وأنه يُكتفى بالقرآن الكريم: أنه بهذا القول يرد كلام الله تعالى في كتابه الكريم ، حيث أمر في آيات كثيرة بالأخذ بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وبالانتهاء عما نهى عنه، وبطاعته، وقبول حكمه، ومن ذلك : قوله تعالى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا، وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) وقوله سبحانه:(قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) وقوله سبحانه: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ) فماذا يصنع هذا الزاعم المدعي أنه يُكتفى بالقرآن الكريم ويُستغنى به عن السنَّة النبوية في هذه الآيات؟ وكيف سيستجيب لأمر الله تعالى فيها ؟… عباد الله: وإليكم بعض الآيات التي لا يمكن فهمها فهماً صحيحاً على مراد الله تعالى، إلا من طريق السنة النبوية :منها قوله تعالى: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ، أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ) فقد فهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (بظلم) على عمومه الذي يشمل كل ظلم ولو كان صغيراً ، ولذلك استشكلوا الآية  فقالوا : يا رسول الله أيُّنا لم يلبس أيمانه بظلم ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : ( ليس بذلك، إنما هو الشرك، ألم تسمعوا إلى قول لقمان لأبنه: (يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ، إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) ومنها  قوله تعالى: (وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَن يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) فظاهر هذه الآية يقتضي أن قصر الصلاة في السفر مشروط له الخوف، ولذلك سأل بعض الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ما بالنا نقصر وقد أَمِنَّا؟ قال : (صدقة تصدَّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته). ومنها قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ) فبينت السنة القولية أن ميتة الجراد والسمك  والكبد والطحال، من الدم حلال، فقال صلى الله عليه وسلم: أُحِلَّتْ لَكُمْ مَيْتَتَانِ وَدَمَانِ، فَأَمَّا الْمَيْتَتَانِ فالْجَرَادُ والْحُوتُ أي : السمك بجميع أنواعه، وَأَمَّا الدَّمَانِ فَالْكَبِدُ وَالطِّحَالُ) ومنها، قوله تعالى : (قُل لَّا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَىٰ طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) ثم جاءت السنَّة فحرمت أشياء لم تُذكر في هذه الآية ، كقوله صلى الله عليه وسلم : (كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَكُلُّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ حرام)

فعليكم عبادَ الله بلزوم سُنَّة نبيِّكم صلَّى الله عليه وسلَّم في جميع أحوالكم؛ فإنها سعادة لمن تمسَّك بها، ونجاةٌ له في الدنيا والآخرة.

اللهم اجعلنا من أتباع نبيك محمد صلى الله عليه وسلم  حقاً وصدقاً، الذابين عن شرعه، المقتدين بهديه، القائمين بسنته وشريعته، وأوردنا حوضه، واسقنا من يده الشريفة، شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبداً.

اللهم اجعلنا من المعتصمين بكتابك وبسنة نبيك، ومن الفائزين في الآخرة برضوانك والجنة إنك سميع الدعاء.

اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وارنا الباطل باطلأ وارزقنا إجتنابه.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.

اللهم أحفظ بلادنا وبلاد الحرمين الشريفين، وخليجنا، واجعله آمناً مطمئناً سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين. اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى، وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان  وولي عهده سلمان بن حمد، اللهم أعنهم على أمور دينهم ودنياهم.  وهيئ لهم من أمرهم رشداً، وأصلح بطانتهم. ووفقهم للعمل الرشيد، والقول السديد، ولما فيه خير البلاد والعباد إنك على كل شيء قدير.. اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان ناصرا ومؤيدا، اللهم كن لهم في فلسطين وفي بلاد الشام وفي اليمن وفي كل مكان.

اللهم أنقذ المسجد الأقصى من عدوان المعتدين، ومن احتلال الغاصبين، اللهم اجعله شامخاً عزيزاً إلى يوم الدين.

اللهم بارك لنا في رجب وشعبان، وبلغنا رمضان، غير فاقدين ولا مفقودين، وأعنا على صيامه وقيامه، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك على كل شيء قدير.. اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين…

عِبَادَ الْلَّهِ:إِنَّ الْلَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِيْ الْقُرْبَىَ وَيَنْهَىَ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ، فَاذْكُرُوْا الْلَّهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيْمُ الْجَلِيْلِ يَذْكُرْكُمْ،وَاشْكُرُوهُ عَلَىَ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ الْلَّهِ أكبر والله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُوْنَ وَيَغْفِرْ الْلَّهَ لِيَ وَلَكُمْ.

      خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين