الحب الحقيقي في الإسلام
عدنان بن عبد الله القطان
13 ذو الحجة 1442 هـ – 23 يوليو 2021 م
—————————————————————————
الحمد لله الذي شرّفنا بالإسلام، وتابع علينا الإحسان والإنعام، وتفضَّل على التائبين بالعفو عن الزلل والآثام، شرع لنا الأعياد وأفاض السرور، ومنَّ علينا بالعطاء والحبور، نحمده سبحانه ونشكره على سوابغ فضله وآلائه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، وحبيبه وخليله، جاء برسالة المحبة والصدق والصفاء والوفاء والتوحيد، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه والسائرين على نهجه إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أمّا بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)
معاشر المسلمين: لا يوجد دينٌ على وجه الأرض يحثُّ أتباعَه على المحبة والتحابُب والتوادِّ مثلُ دينِ الإسلام، لقد جاءت كلمة الحبِّ والمحبَّة في كتاب الله عز وجل أكثر من
ثمانين مرة؛ بل إن من حِكَم ديننا الحنيف ولطائف تعاليمه، أن أمرَنا بإعلان الحبِّ وعدم كتمانه؛ فقد قال نبيُّنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم :(إذا أحبَّ المرء أخاه فليُخبِره أنه يُحبُّه)… تُحدِّثُ كتبُ السِّيَر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبَ في أول أيامه في المدينة حين وصل إليها مهاجراً خطبهم عن الحب والمحبة، وكان مما قال عليه الصلاة والسلام : (أحِبُّوا ما أحبَّ الله، وأحِبُّوا اللهَ من كل قلوبِكم، ولا تملُّوا كلامَ الله وذكرَه)، وقال: (تحابُّوا بروح الله بينكم، إن اللهَ يُبغِضُ أن يُنكَثَ عهدُه).. أيها الإخوة والأخوات في الله: ومشاعرُ الحب الصادق في الإنسان لها شأنٌ عجيبٌ؛ فهي ممتدةٌ إلى كل ما يقعُ تحت مشاعره ونظره واتصاله وعلاقاته؛ من حبِّه لربه، وحبِّه لنبيِّه، وحبِّه لدينه ومُعتقَده، وحبِّه لنفسه، وحبِّه لوالديه وزوجته وأولاده، وإخوانه وأصدقائه، وحبِّ الناس أجمعين، وحبِّ وطنه ومُمتلكاته، وحبِّ ما حوله مما خلقَه الله في هذه الحياة الدنيا، وبثَّه فيها من طبيعةٍ وموجوداتٍ جامدةٍ ومُتحرِّكة بجمالها وألوانها وروائحها ومناظِرها وزينتها.
أيها المؤمنون: وأعلى حبٍّ وأعظمه حبُّ الله جل جلاله الذي منحَ نعمةَ الوجود والإمداد، والهُدى والرشاد والإسعاد، ثم حبُّ الحبيب المُصطفى ﷺ وسيلةِ الخلق إلى ربهم، أجرى الله على يديه هدايةَ البشرية. يقول ﷺ (لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ)
أيها الأخوة والأخوات في الله: حبُّ الله له صلاتُنا ونُسكُنا ومحيانا ومماتُنا، هو أهل التقوى وهو أهلُ المغفرة، وحبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هو قُدوتنا وأسوتنا وحبيبُنا وشفيعُنا، وكلُّ مُصابٍ بعده جلَل. عن أنس رضي الله عنه أن رجلًا سألَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم : متى الساعةُ؟ قال: (ما أعددتَ لها؟). قال: ما أعددتُ لها كثيرَ صلاةٍ ولا صيامٍ ولا صدقةٍ، إلا أني أحبُّ اللهَ ورسولَه. فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : (أنت مع من أحببتَ). وفي روايةٍ: (المرءُ مع من أحبَّ). قال أنس: (فما رأيتُ المسلمين فرِحوا بشيءٍ بعد الإسلام فرحَهم بذلك القول من النبي) ولا يجد عبدٌ حلاوةَ الإيمان حتى يكون الله ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما، فالله تعالى غذانا بنعمه، وصوَّرَنا بقُدرته، ورزقَنا بقُدرته، ودبَّر أمرَنا بلُطفه وحكمته… محبَّةُ الله هي المنزلةُ التي يتنافسُ فيها المُتنافِسون، وإليها يُشمِّر العامِلون، وبرَوح نسيمها يتروَّح العابِدون؛ فهي قوتُ القلوب، وقُرَّة العيون، وغذاءُ الأرواح، وهي الحياةُ التي من حُرِمَها فهو في جُملة الأموات، وهو النور الذي من فقَدَه فهو في بحر الظُّلُمات، والشفاءُ الذي من عدِمَه حلَّت بقلبِه جميعُ الأسقام، واللذَّة التي من لم يظفَر بها فعيشُه كلُّه همومٌ وغموم وآلام.
عباد الله: وإن من علامات حبِّ الله: الأُنسَ بمُناجاته، والخلوة به، وتلاوة كتابه، وحبَّ كل ما يُحبُّه… ومن لُطفِ الله وكرمه وفضله أنه عزَّ شأنُه يُحبُّنا ويحبُّ توبتَنا، ويريدُ أن يتوبَ علينا، وهو يحبُّ المحسنين، ويحبُّ التوابين، ويحبُّ المُتطهِّرين، ويحبُّ المتقين، ويحب المتوكلين ويحب المقسطين.
ثم يأتي بعد حبِّ الله وحبِّ رسولِه بقيةُ المحبوبات التي فطرَ الله الناسَ عليها، وهي دائرةٌ واسعةٌ عندنا أهل الإسلام؛ من حبِّ الوالدَيْن والأولاد والأزواج والأهل والعشيرة والقريبِ والغريبِ وولاة الأمور والأوطان والمُمتلكات والأشياء، وسائر المحبوبات.
أما دائرةُ البُغض والكُره فهي محصورةٌ في الشيطان وأعداء الدين والمُحادِّين لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
أيها المسلمون والمسلمات: وهذه صورةٌ جميلةٌ من الحبِّ والمحبَّة، تحفظُها لنا سيرةُ نبيِّنا محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم وهو القدوة والأسوة، وخيرُ الهديِ هديُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وهو الذي يحملُ همَّ الأمة كلها في سرَّائِها وضرَّائِها، في حربها وسِلمها، هذا النبيُّ الكريم ذو المشاعر الفيَّاضة كيف يُجسِّدُ الحبَّ الصادق مع أهله، وكيف يُبادِله أهلُه ذلك الحبَّ؟إنها أمُّنا أمُّ المؤمنين عائشةُ رضي الله عنها ، كان لقاؤهما الأول من الزواج، لقاءً ملؤُه الحياء والرقَّة والمودة، قد قدَّم لها عليه الصلاة والسلام كأسَ اللبن، فاستحيَت، فلامَها صويحباتُها، فأخذَته على استحياءٍ، وشرِبته على خجلٍ، ولا تزالُ المحبَّةُ والمودة بين الحبيبَين حتى إنه عليه الصلاة والسلام يضعُ فاه على الموضعِ الذي تشربُ منه، ويشربُ هو من فضلَة مائِها… وفي السفَر يكونُ بينهما حديثُ السَّمَر والأخبار، وإذا ابتعدَا عن الأنظار تجِد المسابقَة على الأقدام، فيسبِقُها مرةً وتسبِقُه أخرى، فيضحَك الحبيبُ المصطفى عليه الصلاة والسلام ويقول لها: (هذه بتلكَ).
وحينما حكَت له قصةَ أبي زرعٍ في خبر النِّسوة الإحدى عشرة مع أزواجهنَّ، وذكرَت خيرَهنَّ وأكرمَهنَّ بعلًا قال لها عليه الصلاة والسلام: (أنا لكِ كأبي زرعٍ لأم زرعٍ).
إنه التفاعُل الكريمُ مع الأحاديث المُتبادَلة، وحسن فنِّ الاستماع والمُتابَعة.
وذات ليلةٍ تحدَّر العرقُ من جبينه الطاهر عليه أزكى الصلاة والسلام ، فنظرَت إليه عائشةُ رضي الله عنها فأعجبَها، فقالت: إن جبينَك ليعرَق، وإن عرقَك ليتولَّدُ نوراً، ولو رآك أبو كبيرٍ الهذلي الشاعر لعلِمَ أنك أحقُّ بشِعره. فقال لها ﷺ مُتابِعاً ومُستملِحاً: (وماذا قال أبو كبيرٍ؟). قالت: إنه يقول:
وإذا نظرتَ إلى أسِرَّة وجهه
برَقَت كبرق العارِضِ المُتهلِّلِ
فقام المُصطفى ﷺ فقبَّل ما بين عينَيها وقالَ لها: (جزاكِ الله خيراً، ما سُرِرتِ منِّي كسرورِي منكِ) فهل رأيتُم أرقَّ من هذه المشاعر ؟ حتى في حال الغضب والمُغاضبة يبقى الحبُّ مُتماسِكاً؛ يقول ﷺ للحبيبة عائشة رضي الله عنها : (إني لأعلمُ إذا كنتِ عني راضِية وإذا كنتِ عليَّ غضبَى). قالت: وكيف ذلك؟ قال: (إذا كنتِ عني راضيةً قلتِ: لا وربِّ محمدٍّ، وإذا كنتِ عليَّ غضبَى قلتِ: لا وربِّ إبراهيم). فتردُّ الحبيبةُ أمُّنا أمُّ المؤمنين رضي الله عنها وعن أبيها : أجلْ واللهِ، ما أهجُر إلا اسمَك يا رسول الله.
فتأمَّلوا هذه الرقَّةَ والأدبَ والعذوبة في كلماتٍ تحفظُ الحبَّ بين الزوجين وتحفظُ مقامَ النبوة.
وكان صلى الله عليه وسلم يضعُ خدَّه على خدِّها، ويحمِلُها على ظهره لتُبصِرَ لعبَ الأحباش في المسجد يوم العيد، ثم لا يزالُ على ذلك حتى تقولَ: اكتفيتُ، اكتفيتُ، وكان إذا نام صلى الله عليه وسلم أحبَّ أن يضعَ رأسه على فخِذِها، وما زالَ يفعلُ ذلك، حتى إنه لما توفِّي عليه الصلاة والسلام تُوفِّي بين سَحْرها ونحرِها وعلى صدرها رضي الله عنها وأرضاها.
أيها المسلمون: هذه الأخبار والأحوال بين نبيِّنا وأهله مُستفيضةٌ عند أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم؛ لأن الرسولَ صلى الله عليه وسلم يُعلِنُ ذلك ولا يكتُمه؛ ليعلمهم كيف تكون المعاملة مع الأهل، فقد سئل عليه الصلاة والسلام عن أحب الناس إليه؟ فقال: (عائشة). قالوا: ومن الرجال؟ قال: (أبوها).
عباد الله: الحبُّ شيءٌ عظيمٌ، ولذلك عظَّم الله المنةَ بإيقاع المحبَّة بين أهل الإيمان والتقوى، فقال عزَّ شأنه: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً)
وقال: (الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ). الحبُّ يُضفِي على الحياة بهجةً وسروراً، وينقلُها إلى أجواءٍ من السعادة والجمال والرضا، ويكسُو الروحَ بهاءً وحبوراً.. ومن دائرة الحبِّ الواسِعة: الحبُّ الخاصُّ المقرون بالرحمة نحو الفقراء واليتامى والمساكين والأرامل والطبقات المُستضعفة ومن يحتاج إلى مزيدِ عطفٍ وحنانٍ من ذوي كلِّ كبد رطبةٍ، والمسلمُ يحبُّ الحيوانات ويعطِفُ عليها، ويُحسِنُ إليها، ويحبُّ الزينةَ والمناظرَ البهيجة ويستمتِعُ بها،يقول تعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ)،ويقول سبحانه: (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ، وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ).. وقد سُئِل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يحبُّ أن يكون ثوبُه حسناً ونعلُه حسناً، فقال عليه الصلاة والسلام: (إن الله جميلٌ يحبُّ الجمالَ، ونظيفٌ يحبُّ النظافةَ).
عباد الله: أما حبُّ الأوطان والتعلُّق بها فيكفي في ذلك قولُ الحبيب المُصطفى صلى الله عليه وسلم في مكة شرَّفها الله (والله إنكِ لأحبُّ البِقاع إلى الله، ولولا أني أُخرِجتُ منكِ ما خرجتُ)، وقال: (اللهم حبِّب إلينا المدينةَ كما حبَّبتَ إلينا مكةَ)…والجهاد والقتالُ من أجل الأوطان هو قتالٌ في سبيل الله، وقد قال عزَّ شأنه: (وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا)
أيها المسلمون: تلك شذراتٌ من الحبِّ والمحبوبات، والناسُ إذا تحابُّوا تواصَلوا، وإذا تواصَلوا تعاونوا، وإذا تعاونوا عمِلوا، وإذا عمِلوا عمَرُوا، وإذا عمَرُوا بُورِك لهم،
وكمال اللذَّة تابعٌ لكمال المحبة، فأعظمُ الناس لذَّةً بالشيء أكثرُهم محبَّةً له، ومن يُرِد الكمالَ فليُعوِّد نفسَه محبَّةَ الناس، والتودُّد إليهم، والتحنُّن عليهم، والرأفةَ والرحمة بهم، فالناسُ مخلوقون من نفسٍ واحدةٍ، وإذا كان الناسُ كلُّهم من نفسٍ واحدةٍ فحقٌّ عليهم أن يكونوا مُتحابِّين مُتوادِّين، متآخين متآلفين.
وإذا أحكمَ الإنسانُ نفسَه الغاضبةَ وانقادَ لنفسه العاقلة صار الناسُ كلُّهم عنده إخواناً وأحباباً، وقد قيل: (لو تحابَّ الناسُ وتعامَلوا بالمحبة لاستغنَوا عن العدل؛ فإن العدلَ خليفةُ المحبَّة يُحتاجُ إليه حينما لا توجد المحبَّة).
فاتقوا الله عباد الله، واسلكوا نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحب والمحبة تفلحوا، وتسعدوا في الدنيا والآخرة.
اللهم اجعلنا ممن أحب فيك، واكتب لنا حبك وحب من يحبك، وألهمنا حبك وحب رسولك وحب المؤمنين. اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسُنَّة نبيِّه محمد – صلى الله عليه وسلم -، وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ وخطيئة، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقه وامتِنانه، ونشهد أن إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشأنه، ونشهد أن محمداً عبدُه ورسولُه الداعِي إلى سبيل الله ورِضوانه، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابِهِ ومن تبِعَهم بإحسانٍ.
أما بعد: فيا أيها الأخوة والأخوات في الله: ذلك هو الحبُّ، وهؤلاء هم المُحبُّون والمحبوبون؛ فالحبُّ الصادقُ يجعل المُرَّ حلواً، والكدرَ صفاءً، وهو الذي يُلينُ الحديدَ، ويُذيبُ الحجر، وبه تنقلِبُ المِحَنُ مِنَحاً، والابتلاءاتُ نِعَماً.. ولقد جاء في ديننا الحنيف من التوجيهات والتعليمات ما ينشر المحبَّة ويبسُطها، فوجَّه إلى أخلاقيَّاتٍ ومسالك وتصرُّفاتٍ تغرِسُ المحبَّةَ في النفوس، فقال صلى الله عليه وسلم: (تهادَوا تحابُّوا)، وقال: (لا تحقِرنَّ من المعروف شيئاً ولو أن تلقَ أخاكَ بوجهٍ طلقٍ)،وقال (وتبسُّمُك في وجهِ أخيك صدقة)، والتهنئةُ بالمسرَّات، والبشارةُ بالمحبوبات كقدوم المولود وزواج الأقارب والأصحاب، فمن رُزِق مولوداً هُنِّئَ ودُعِيَ له: (بُورِك لك في الموهوب، وشكرتَ الواهِب، وأصلح الله المولود)، وفي الزواج:يقال للزوجين (باركَ الله لكما، وباركَ عليكما، وجمعَ بينكما في خيرٍ)… وتبادلُ الزيارات بين الإخوان، وفي الحديثِ الصحيح، يقول صلى الله عليه وسلم: أن رجلًا زارَ أخًا له في قريةٍ أخرى فأرسلَ الله على مدرجَته ملَكًا، فلما أتَى عليه قال: أين تُريد؟ قال: أريدُ زيارةَ أخٍ لي في الله في هذه القرية. قال: هل لك من نعمةٍ تربُّها؟ قال: لا، غيرَ أني أحببتُه في الله. قال: (فإني رسولُ الله إليكَ بأن الله قد أحبَّك كما أحببتَه فيه)… وكذلك وردت التوجيهات النبوية في زيارة المريض، وتشييع الجنائز، وإفشاء السلام، يقول صلى الله عليه وسلم (لا تدخُلوا الجنةَ حتى تُؤمِنوا، ولا تُؤمِنوا حتى تحابُّوا، أولا أدلُّكم على شيءٍ إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشُوا السلامَ بينكم). وكذلك وتنفيسُ الكروب، وسترُ العيوب، ومن يسَّرَ على مُعسِرٍ يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن سترَ مسلماً سترَه الله في الدنيا والآخرة، وقضاءُ الحوائج؛ فمن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته. أيها المؤمنون: فقدانُ الحبِّ شيءٌ مُخيفٌ ينقلُ الإنسانَ إلى مرتبة الحيوان الذي لا تُحرِّكه إلا غرائِزُه وأنانيَّتُه ومطالِبُه الشخصية، ومن الغلط الفاحِش والمُنكر العظيم في هذا العصر بثقافته وإعلامه: ربطُ الحبِّ بالمعاني الساقطة، والمُسلسلات الهابِطة، والأغاني الآثِمة، والتمثيليات الفاضِحة، والعلاقات المُحرَّمة. مسَخوا الحبَّ إلى علاقاتٍ آثِمة وعلاقاتٍ قصيرةٍ محدودةٍ، حبٌّ يلُوكُه الإعلامُ الهابِط، ومعاذ الله أن يُحارِبَ الإسلام الغرائِزَ والفِطَر أو يكبِتَها، ولكنَّه يُنظِّمُها ويُهذِّبُها ويسلُك بها مسالكَ الصلاح والإمتاع والانتفاع والابتهاج.
إن من السوء والبذاءة أن يُغرسَ في عقول الأطفال والناشئة أن الحبَّ ما هو إلا علاقاتٌ مُحرَّمة، وأكاذيبُ خادِعة، وخيانات غادرة.
إننا ـ والله ـ في زمان انقلبت فيه الموازين، واختلت فيه المقاييس، والتبست الحقائق، وسميت فيه الأشياء بغير أسمائها؛ فسمي الفسوق والخنا والفجور والزنا حباً، وسميت العفة والحياء والحشمة والوفاء مرضاً، وسميت العلاقة الزوجية الكريمة والحياة الأسرية النبيلة عبئاً وقيداً، وسمي قطع الطريق وقتل الأبرياء جهاداً، وسمي الجهاد الحق، الجهاد في سبيل الله ونصرة دينه وإعلاء كلمته، سمي إرهاباً، وسمي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر اعتداءً وتدخلاً في الشؤون الخاصة، وسميت العادات الدنيئة والأخلاق الرديئة ثقافة، وسمي التمسك بالدين وإحياء السنة رجعية وتخلفًاً، وسمي تقليد غير المسلمين ومشابهة الفجار رقياً وتقدماً، وسمي الرقص الماجن والغناء الهابط والبغاء فناً، إنها ـ والله ـ لمن أشراط الساعة، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
اللهم أهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرفُ عنا سيئها إلا أنت.
اللهم إنا نسألك أن ترزقنا حبك، وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربنا إلى حبك، اللهم ما رزقتنا مما تحب، فاجعله لنا قوة فيما تحب، وما صرفته عنا مما نحب، فاجعله انصرافًاً إلى ما تحب… اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل.
اللهم أعز الإسلام وانصر والمسلمين اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.
اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين.اللهم وفق ولاة أمورنا وفق ملكنا حمد بن عيسى وولي عهده رئيس وزرائه سلمان بن حمد اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين.. اللهم وفِّق المسئولين والعاملينَ والمتطوعين في فريق البحرين الوطني وأحفظنا وبلادنا وبلاد المسلمين والعالم أجمعين من الأوبئة وسيئ الأسقام والأمراض، ولا تؤاخذنا بذنوبنا وتقصيرنا، ومّن بالشفاء والعافية على المصابين بهذا البلاء والوباء، وعجل بانتهائه في القريب العاجل برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان ناصراً ومؤيداً، اللهم أحفظ بيت المقدس والمسجد الأقصى، وأهله، واجعله شامخاً عزيزاً عامراً بالطاعة والعبادة إلى يوم الدين اللهم فرج الهم عن المهمومين ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم والدينا وذوي الحقوق علينا، وارحم موتانا وموتى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.
الْلَّهُمَّ صَلِّ وَسَلَّمَ وَزِدْ وَبَارِكَ عَلَىَ سَيِّدِنَا وَنَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَىَ آَلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ.
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)
خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين