الجمعة 16 ربيع الآخر 1441 هـ

الموافق 13 ديسمبر 2019 م

 

الحمد لله الذي أرسل رسوله محمداً بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيداً، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه ومن تبعهم بإحسان وسلم تسليماً مزيداً.

أمّا بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: إن من أعظم نعم الله عز وجل علينا أن جعل لنا وطناً نعيش فيه آمنين مطمئنين، ومن حق هذا الوطن وواجبه علينا أن نحافظ على أمنه وأمانه واستقراره، وأن نعمل على حمايته والدفاع عنه، بكل ما أوتينا من قوة حتى نترجم حبنا له إلى واقع معيشي وعمل ملموس .. وإذا كان الوطن هو مهد الإنسان، ومرتع صباه فلابد أن يشعر الإنسان الصادق بحبه لهذا الوطن، اعترافاً بجميله، فيجتهد في حمايته ورفع شأنه، ويعمل جاهداً على رفعته ورقيه، ويرد عنه كيد الكائدين .

وقد علمنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم حب الوطن في أرقى صوره، في مواقف كثيرة منها ما كان منه صلى الله عليه وسلم حين أخرجه قومه من بلده مكة التي ولد فيها ونشأ وترعرع بين جنباتها وهاجر إلى المدينة المنورة، فخاطب مكة متأثراً لفراقها وكأنها عاقل يسمع ويجيب، (وَاَللَّهِ إنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللَّهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللَّهِ إلَى اللَّهِ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ) وفي رواية: (مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وأَحبَّكِ إلَيَّ، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ). ومن هنا نؤكد أن حماية الأوطان والمحافظة على أمنها وسلامتها والدفاع عنها واجب على كل إنسان ينعم بالعيش فيها،  وجدير بالذكر أن حماية الأوطان ليست قاصرة على حمل السلاح ومواجهة العدوان والأخطار الخارجية فحسب، بل هناك وسائل أخرى لحماية الأوطان تتمثل في عدم السماح لأحد بالمساس بها أو النيل منها أو العبث بها أو الإفساد فيها أو الكيد لأهلها أو ترويع أبنائها بل على العكس من ذلك فإنه ينبغي العمل على النهوض بها وبنائها في كافة المجالات والقطاعات ومن ذلك : البناء الاقتصادي : فلا شك أننا في حاجة إلى أن نتعاون جميعاً من أجل بناء الوطن اقتصادياً، ولا يتحقق ذلك إلا بالعمل الجاد المثمر وزيادة الإنتاج حتى يكون الإنسان عاملاً معطاء ومعمراً في الأرض حتى يدركه الموت أو تأتيه الساعة وقد حث على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: (إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا) ولن تتحقق حماية الوطن اقتصادياً إلا بتضافر الجهود للعمل والإنتاج وتهيئة المناخ المناسب للاستثمار، ومنع كل صور الغش والاحتكار واستغلال حاجة الفقراء، فهذه كلها أمور تتنافى مع الدين والخلق والوطنية التي تقتضي أن يرعى الناس حقوق بعضهم البعض وأن لا يكون كل منهم سبباً في تضييق العيش على الآخر والإضرار بمصالحه، فهذا أمر محرم في كل الشرائع والأديان لما يسببه من نشر للبغض والكراهية بين الناس. كما أن بناء الوطن اقتصادياً يتطلب ترشيد الإنفاق والاستهلاك وعدم الإسراف والتبذير فقد أرشدنا القرآن الكريم والسنة النبوية إلى كل ذلك، فقال تعالى (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) وقال: (وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً،  إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً) وقال صلى الله عليه وسلم: (مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّاً مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ، فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ) … عباد الله: ومن وسائل حماية وبناء الأوطان، البناء الاجتماعي: الذي يقوم على التعاون المثمر بين جميع أفراده بالمحبة والمودة والاحترام الكامل، بحيث يتمكن الشباب من الاستفادة من حكمة الشيوخ، ويستفيد الشيوخ من طاقة الشباب، فيوجه كل واحد منهما طاقاته إلى ما يعود نفعه بالخير على البلاد والعباد، وهذا التعاون أحرى ما يكون بين كافة أطياف المجتمع وفئاته وطبقاته… ويتحقق أيضاً بالمساواة بين جميع أفراده في الحقوق والواجبات إذ لا مجال للمجاملة والمحسوبية أو أكل المال بالباطل، فلا يجوز لأحد أن يأخذ مال غيره بدون حق قال تعالى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ ۚ) كما يتطلب البناء الاجتماعي التراحم والتعاون بحيث يرحم الكبير الصغير، والغني الفقير، فيعود الغني بفضله على أخيه الفقير، ممتثلاً لقول نبينا صلى الله عليه وسلم (مَنْ كَانَ مَعَهُ فَضْلُ ظَهرٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلى مَنْ لا ظَهْرَ لَهُ، وَمَن كانَ لَهُ فَضْلٌ مِن زَادٍ فَلْيَعُدْ بِهِ عَلَى مَن لا زَادَ لَهُ) ولكي يتحقق الحفاظ على الوطن اجتماعياً لابد من أن يتحلى كل أبنائه بالمشاركة الإيجابية في إصلاحه، والإسهام في النهوض به، فإن الإسلام دعا إلى الإيجابية في كل ما من شأنه خدمة الوطن ورفعته، طوال حياة الفرد منذ نعومة أظفاره، حتى نهاية حياته، فالمسلم لا يقف من الأحداث موقف المشاهد المتفرج فحسب، بل يجب أن يكون إيجابياً يسعى إلى محاربة الفساد والإفساد والتخريب على قدر استطاعته وبالحكمة والموعظة الحسنة، ممتثلاً لقول الله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ، إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)

وقول نبينا صلى الله عليه وسلم (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ). فالتغيير باليد للحاكم والسلطان، والتغيير باللسان والبيان للعلماء وأهل العلم، والتغيير بالقلب لعامة الناس، وحيث يقول صلى الله عليه وسلم: (انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِماً أَوْ مَظْلُوماً، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُوماً أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِماً كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ: تَحْجُزُهُ أَوْ تَمْنَعُهُ مِنْ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ) فما أستحق المسلمون الخيرية إلا بإسهامهم الإيجابي في بناء أوطانهم، وابتغاء النفع للإنسانية جمعاء، يقول تعالى: كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ)…

أيها المسلمون: إن المسلم الحق لا ينبغي أن يكون سلبياً متكاسلا أو متقاعساً عن الإسهام في بناء وطنه وحمايته، بل يجب أن يكون إيجابياً متحملاً مسئوليته تجاه مجتمعه حتى يسهم في رقيه ورفعته، فالإسلام لم يعف أحداً من المسئولية حتى الخادم جعله مسئولاً في مال سيده يقول نبينا صلى الله عليه وسلم: كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مسئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ ومسئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مسئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا ومسئولةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ ومسئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ ومسئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ)… عباد الله: ومن وسائل حماية وبناء الأوطان: البناء السلوكي: ولا يكون ذلك إلا بنشر القيم الخلقية والإنسانية بين جميع أفراد المجتمع كالصبر والحلم والرفق والرحمة والوفاء والصدق والأمانة وغيرها من مكارم الأخلاق التي هي جوهر رسالة الإسلام، فقد سئل صلى الله عليه وسلم ما الدين؟ قال (حسن الخلق) بل إن النبي صلى الله عليه وسلم أولاها عناية فائقة حين أعلن أن الغاية من بعثته إنما هي إتمام مكارم الأخلاق حيث قال صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثتُ لأتمم مكارمَ الأخلاقِ) ومن البناء السلوكي الذي يحمي الأوطان:عدم السخرية والاستهزاء بالآخرين أو التقليل من شأنهم غمزاً أو لمزاً أو بث الشائعات الكاذبة بين الناس، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ، وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)

أيها المؤمنون: ومن وسائل حماية وبناء الأوطان: البناء العلمي والفكري فلا شك أن ذلك من أهم سبل البناء وتحقيق التقدم لأي مجتمع، لذلك حرص الإسلام على نشر العلم بين أبناء الأمة، فكانت أول آيات القرآن الكريم نزولاً، (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ، خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ، اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ، الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) وبعدها نزلت سورة القلم الذي هو أول أداة من أدوات تحصيل العلم، قال تعالى: (ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ) وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن مكانة العلم في الإسلام لا تدانيها مكانة، كما قال ربنا في كتابه، (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ). فالعلم هو أحد أعمدة بناء الأوطان وحمايتها والنهوض بها فبه يقضى على التخلف والفقر والجهل والأمية وغيرها من الأمور التي تؤخر الوطن ولا ينكر أحد أن النمو الاجتماعي والاقتصادي في أي دولة من الدول مرهون بالعلم . كما أن البناء الفكري يسهم في تنمية العقول وتصحيح المفاهيم الخاطئة ويعمل على حماية المجتمع من أصحاب الدعوات الهدامة والأفكار المتطرفة التي تصدر من مرضى القلوب، وضعفاء النفوس، الذين لا يحبون وطنهم بل يعملون على زعزعة أمنه واستقراره، وهدم بنيانه، وتمزيق أوصاله، وتفريق كلمته، وليس لهم هدف سوى نشر الفوضى التي تؤدي إلى فتن عظيمة تعصف بالبلاد والعباد، من قتل وتدمير وتخريب وزعزعة لأمن الفرد والمجتمع. فالإنسان إذا أحب وطنه أستشعر مسئولية المحافظة على أمنه واستقراره ولا يستجيب لمن يسعى لتخريبه من الأدعياء، فكم يحتاج وطننا اليوم إلى قلوب سليمة منفتحة على كل أبواب الخير، وكم يحتاج وطننا إلى جموع متآلفة متعاونة تقية، تتعامل فيما بينها بإحسان وأمان واطمئنان. فبهذه القيم الخلقية تحمى الأوطان، وتعصم من كل مظاهر الفوضى والانحلال وتصان من الضياع فسلامة الوطن وقوة بنيانه وسمو مكانته وعزة أبنائه بتمسكهم بالقيم الفاضلة والأفعال الحميدة .

نسأل الله العظيم أن يحفظ بلادنا من كل سوء ومكروه ،وأن يهيئ لنا من أمرنا رشداً.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله المنعم على عباده بعظيم آلائه، نحمده سبحانه على تعاقُبِ نعمائه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله، أفضل رسله وخاتم أنبيائه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد فيا أيها المسلمون: إنَّ قِيَمَنا الإسلاميةَ وتعاليمنا القرآنية، تَحُثُّنا على العملِ بإخلاصٍ لتحقيقِ أمنِ الوطنِ واستقرارِه ورخائِه وتقدمِه ورُقِيِّه، فإنَّ خدمةَ البلاد والعباد نوعٌ من أنواع العبادة العامةِ، التي يَتَقرَّبُ بها المسلم إلى ربِه ومولاه. وإننا اليوم أحوجَ ما نكونُ إلى أنْ نتسامح ونتصالح ونتصافح ونتناصح، ونفتحَ صفحة جديدة ملؤها الحب والوفاء والإخلاص للجميع، ونضع أيديَنا في يدِ كلِ مخلصٍ غيورٍ على هذا الوطن، ونلتفَ جميعاً حولَ قيادتنا وولاة أمرنا، لنقطعَ الطريقَ أمامَ كُلِ حاقِدٍ أو طامعٍ أو مُعْتَدٍ، ونَقِف سداً منيعاً وصفاً واحداً قوياً أمام تحدياتِ الداخلِ والخارج…

أيها الأخوة والأخوات في الله: تعيشُ مملكتنا الغالية البحرين في هذه الأيام، مناسبات عزيزة غاليةٌ على نفوسنا ألا وهي احتفالاتها بذكرى قيام الدولة البحرينية الحديثة في عهد المؤسس الأول أحمد الفاتح رحمه الله، ككيان عربي إسلامي، عام 1783م، والذكرى الثامنة والأربعين لانضمامها في الأمم المتحدة، دولة كاملة العضوية، والذكرى العشرين لتسلم جلالة الملك حمد بن عيسى حفظه الله ورعاه مقاليد الحكم في البلاد،  والذكرى الخامسة ليوم الشهيد، وذكرى يوم الشرطة البحرينية البواسل الأوفياء، وذكرى يوم المرأة البحرينية، وفي هذا العام فرحنا بفوز منتخبنا الوطني ببطولة كأس الخليج العربي 24 التي وحدت مشاعر جميع أطياف الوطن والمقيمين فيه بالفرحة والسرور ونبارك للجميع هذا الفوز، وهي أيام عزيزة على نفوسنا يتأكد فيها الولاءُ للوطنِ، عَمَلاً وإخلاصاً، وجِدَّاً وبناءً، ودفاعاً وتفانياً.. وتُجَدَّدُ فيها البيعةُ والولاءُ للقيادةِ الكريمة نُصْحَاً وطاعةً، وتعاوناً ومؤازرة… وإننا من خلال هذه المناسبات العزيزة ندعو الجميع كل من واقع مسئوليته إلى الدفع باتجاه التنمية والتطوير والتحضر والحفاظ على أمن البلد واستقراره وعدم الوقوف حجر عثرة أمام المشروع الإصلاحي الكبير الذي أرساه جلالة الملك حفظه الله ورعاه والذي توافقت وأجمعت عليه كافة الأطياف، ونخص بالذكر العلماء والمفكرين والمثقفين والسياسيين والخطباء ونواب الشعب والقائمين على الجمعيات والمؤسسات. إذ ندعوهم جميعاً إلى القيام بواجباتهم تجاه الوطن والمجتمع ومواصلة النصح والإرشاد والإصلاح بالحكمة والموعظة الحسنة والعمل على ترشيد الخطاب الديني والسياسي، ونبذ الطائفية والإرهاب والعنف، وتحكيم الشرع والعقل وتصحيح الفكر المنحرف لدى بعض الفئات الطائفية المتعصبة التي يسوقها الحماس المندفع من شباب الوطن إلى طريق مسدود ليست في صالح أحد، وهي ليست من الدين في شيء، ولا هي في صالح الوطن ولا المواطن، حيث إنَّ مهمة علماء الدين والمثقفين والسياسين في تصحيح مسار دعاة العنف والإرهاب والتخريب يرتكز على ضرورة تحقيق قاعدة اجتماع الكلمة ووحدة الصف، وترسيخ ثقافة التعايش السلمي، وتأكيد مبدأ الاحترام المتبادل بين الحاكم والمحكوم وما دعا إليه الدين الحنيف من طاعة ولاة الأمر في المعروف، وصولاً إلى مجتمع تسوده روح المحبة والإخاء وينعم بالأمن والأمان والاستقرار والرخاء والوحدة. أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ)

نسأل الله تعالى أن يؤلف بين قلوبنا، ويحفظ لنا بلادنا البحرين ملكاً وحكومة وشعباً من كل سوء ومكروه، وأن يحفظ علينا أمننا وأيماننا ويجعلنا حماة وجنداً لهذا الوطن الغالي. اللهم سدد على طريق الخير خطى مليكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد، اللهم بارك لهم في جهودهم وأعنهم على تحقيق آمال وطموحات مواطنيهم، وما يصبون إليه من تقدم وتطور ونماء وازدهار ورخاء.

اللهم إنا نستودعك بلادنا وقيادتنا وأهلنا وأولادنا ونفوسنا ودمائنا وأعراضنا وأموالنا، اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، واكْنُفْنا بركنك الذي لا يُرام، ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، اللهم أحفظنا من بين أيدينا، ومن خلفنا، وعن أيماننا، وعن شمائلنا، ومن فوقنا، ونعوذ بعظمتك أن نغتَاَلَ من تحتنا.. اللهم من أراد بلادنا وبلاد الحرمين الشريفين وخليجنا وجيشنا ورجال أمننا، بشر وسوء وفتنة فأشغله بنفسه، وأجعل كيده في نحره، وأدر دائرة السوء عليه يا سميع الدعاء… اللهم أصلح أحوالنا وأحوال المسلمين في كل مكان،اللهم أصلح أحوالهم وولي عليهم خيارهم ولا تسلط عليهم شرارهم يا ذا الجلال والإكرام… اللهم أحفظ القدس والأقصى وأهلهما من كيد أعداء الدين، اللهم كن معهم و ثبتهم وانصرهم على من عاداهم، اللهم ارزقنا صلاة طيبة في المسجد الأقصى قبل الممات يارب العلمين.. اللهم أصلِح لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرنا، وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خيرٍ، واجعل الموتَ راحةً لنا من كل شرٍّ.. اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات إنك على كل شيء قدير.. اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمدا وعلى آله وصحبه أجمعين. عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) فاذكروا الله العلي الجليل يذكركم،واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ويغفر الله لي ولكم.

      خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين