الجمعة 18 شوال 1440 هـ

الموالق 21 يونيو 2019 م

الحمد لله الولي الحميد، ذي العرش المجيد، الفعَّال لما يُريد، نحمده سبحانه ونشكرُه وعدَ الشاكرين بالمزيد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةَ الإخلاص والتوحيد، ونشهد أن نبيَّنا محمداً عبدُ الله ورسولُه أفضلُ الأنبياء وأشرفُ العبيد، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله السادة الأطهار، وأصحابِه البرَرة الأخيار ذوي القول السديد والنهج الرشيد والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الوعيد وسلَّم التسليمَ الكثيرَ المزيد.

أما بعد: فأُوصيكم عباد الله ونفسي بتقوَى الله تعالى، فالتقوَى هي أكرَمُ ما أسرَرتُم، وأحسَنُ ما أظهَرتُم، وأفضلُ ما ادَّخَرتُم، الواعِظُون بها كثير، والعامِلُون بها قليل، لا يقبَلُ الله غيرَها، ولا يرحَمُ إلا أهلَها، ولا يُثيبُ إلا عليها؛ جعلني الله وإياكم من أهلها، فتقوَى الله أصلُ السلامة، وقاعِدةُ الثَّبات، وجِماعُ كلِّ خيرٍ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)

معاشر المسلمين: خلق الله البشر وابتلاهم بالمحن والبلايا ، فلا تخلو حياة بشر من نكد وتعب ونصب ومرض ! ولا يصفو وقته من كدر وهم وغم ! فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط، والمؤمن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ! وإن من أعظم مصائب البشر الابتلاء بالأمراض والأسقام، والأوجاع والأوهام! ومن حكمة الباري جل جلاله أن يبتلي العباد، بالشر والخير،  كما قال تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) ولله در القائل:

ثَمانيةٌ لا بُدَّ مِنَها عَلى الفَتَى

ولا بُدَّ أنْ يجري عَلَيهِ الثَّمانِية

سُرورٌ وهَمٌّ واجْتِمَاعٌ وفُرقَةٌ

ويُسْرٌ وعُسْرٌ ثُمَّ سُقْمٌ وعَافِية

والأمراض والهموم، وإن كانت ذات مرارة وشدة بادئ الأمر، إلا أن الباري جل شأنه جعل لها حكما وفوائد ، فقد أحصى بعض أهل العلم الكثير من الفوائد  والمنافع والثمرات للمرض فقالوا:إن انتفاع القلب والروح بالآلآم والأمراض أمر لا يحس به إلا من فيه حياة، فصحة القلوب والأرواح موقوفة على الآم الأبدان ومشاقها) يقول تعالى : (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) ويقول صلى الله عليه وسلم: (إنَّ عِظَمَ الجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ البَلاَءِ، وَإنَّ اللهَ تَعَالَى إِذَا أَحَبَّ قَوْماً ابْتَلاَهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السُّخْطُ)  ومن فوائد البلاء عباد الله : ندرك أن الإسلام جاء ليحافظ على بني البشر، فلا استسلام للمرض! بل أمر الإسلام بالتداوي، وكان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم فعل التداوي في نفسه والأمر به لمن أصابه مرض من أهله وأصحابه، فكان يقول: (إِنَّ الله أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدّوَاءَ، وَجَعَلَ لِكُلِّ داءٍ دواءٌ، فَتَدَاوُوا عباد الله وَلَا تَتَدَاوُوا بِالْحَرَامِ)، بَلْ أخْبَرَ صلى الله عليه وسلم أنَّ:  (لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرَأَ بِإِذْنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) وورد أن الأعراب قالت: يا رسولَ اللهِ أَلَا نَتَدَاوَى؟ فقَالَ صلى الله عليه وسلم: (تَدَاوُوا، فَإِنّ اللهَ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلّا وَضَعَ لهُ شِفَاءً إلّا داءً واحداً) قالوا: يا رسول الله وما هو؟ قال: الهرمُ (أي كبر السن)

أيها المسلمون: ومن رحمة الله وحكمته أنه لم يجعل شفائنا في ما حرم علينا! بل قد أكرمنا ربنا جل وعلا بالقران الكريم وجعله الشفاء والبلسم فقال أصدق القائلين: (وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَاراً) وصَحَّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ جِبرِيلَ عَليهِ السلامُ رَقَاهُ فقَالَ: (بِاسْمِ اللهِ يُبْرِيكَ، وَمِنْ كُلِّ دَاءٍ يَشْفِيكَ) فقَولُهُ: (وَمِنْ كُلِّ دَاءٍ يَشْفِيكَ) دَلِيلٌ علَى شُمُولِ الرُّقيةِ لجَميعِ أَنوَاعِ الأَمرَاضِ النَّفسِيَّةِ والعُضْوِيَّةِ والبدنية.

يَقُولُ أهل العلم: (فَالْقُرْآنُ هُوَ الشِّفَاءُ التَّامُّ مِنْ جَمِيعِ الْأَدْوَاءِ الْقَلْبِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ، وَأَدْوَاءِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَكَيْفَ تُقَاوِمُ الْأَدْوَاءُ كَلَامَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ الَّذِي لَوْ نَزَلَ عَلَى الْجِبَالِ لَصَدَّعَهَا، أَوْ عَلَى الْأَرْضِ لَقَطَّعَهَا)

واعلموا عباد الله أن العلاج نوعان: نوع بالأدوية المعروفة عند الأطباء ونوع بالرقية، وكلاهما مما جاءت به الأدلة الشرعية كما سمعتم، وفي هذه الخطبة سوف يكون الكلام بإذن الله على العلاج بالرقية الشرعية التي غفل عنها كثير من الناس.

أيها الأخوة والأخوات في الله: إن الرقية الشرعية بالقراءة على المريض طريق ناجح ومفيد في كل الأمراض بإذن الله، وخاصة الأمراض التي يعجز الطب المعروف عنها وهي ثلاثة: السحر، والمس بالجن، والعين (الحسد)، فإن الطريق الوحيد لعلاج هذه الأمراض الثلاثة هو الرقية الشرعية… إن الاستشفاء بالرقية الشرعية ليس شعوذة ولا دجل ولا خرافة، وليس خاصا بالبسطاء والفقراء والمساكين، بل هو هداية ربانية، وعبادة وقربة إلهية يفعلها ويأخذ بها كل عبد يؤمن بالله واليوم الآخر، بل كلما ازداد إيمانك وعلمك وتدينك كنت أكثر أخذا بالرقية الشرعية، فسيد من رقى نفسه، وسيد من رقى غيره، وسيد من علم المسلم الرقية، وسيد من حث ورغب بالرقية الشرعية، إنه أكمل الخلق إيمانا ودينا، هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. فقد رقى صلى الله عليه وسلم نفسه؛ ورقى أهله، ورقى غيره، فقد كان إذا أتى مريضا أو أتي به، قال: (أَذْهِبِ البَاسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لاَ شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ، شِفَاءً لاَ يُغَادِرُ سَقَماً) ثم اعلموا أن من أنفع الرقى ما كان بالقران والسنة النبوية الصحيحة، قال تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) وليس هناك سور من القران أو آيات لا بد منها في الرقية، بل القران كله من أوله إلى آخره ينفع في الرقية، ولكن هناك سور وآيات جاءت بها الأدلة فينصح بها للرقية، فمنها سورة الفاتحة وآخر ثلاث سور من القران: الصمد والفلق والناس، ومنها آية الكرسي وهي أعظم آية في كتاب الله، وآخر آيتين من سورة البقرة، ومن ذلك أن يقرأ الآيات التي جاء فيها ذكر السحر إذا كان الإنسان مسحورا وهي في سور البقرة والأعراف ويونس وطه، فهي مناسبة للمرض بإذن الله تعالى.. واعلموا رحمكم الله أن الرقية الشرعية تجوز بإجماع العلماء بثلاثة شروط: (الأول) أن تكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته، (الثاني) أن تكون باللسان العربي أو بما يعرف معناه، (الثالث) أن يعتقد المريض أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل الشافي هو الله تعالى إنما هي سبب، كما أن علاج الأطباء سبب، ثم يضاف إلى ذلك أن المريض يقبل هذه الرقية وكذلك الراقي نفسه يعتقد أن هذه الرقية نافعة بإذن الله، وأما أن يقبله المريض، ولم يكن الراقي واثقا بالله أن هذه الرقية سبب ناجح، فإنها لا تنفعه حينئذ.

أيها المسلمون: واعلموا حفظكم الله أنه يجوز للمريض أن يذهب إلى من يرقيه ممن يحسن الرقية، ولكن أنفع الرقية ما كان الإنسان يرقي نفسه بنفسه أو يرقي أهله، وذلك لعدة أمور:  (الأول) أن هذه هي السنة النبوية فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرقي نفسه بنفسه ويرقي أهله… (الثاني) أنه أعظم في التوكل على الله، لأن طلب الرقية من الغير فيه قصور في جانب التوكل، ولذلك كان من صفات الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب أنهم لا يطلبون من غيرهم أن يرقيهم.

(الثالث) أنه أيسر وأكثر سهولة، فإن الإنسان يستطيع رقية نفسه بنفسه وأهله في كل وقت وبدون قيود، وأما الذهاب للرقاة فإنه يحتاج إلى موعد ووقت للوصول إليهم ثم قد يكون عندهم زحام فيتأخر الدور ثم لا يطيل الراقي وقت الرقية لوجود أناس ينتظرون.

(الرابع) أنه أبعد عن الفتنة وخاصة للراقي مع النساء، فإن الشيطان قريب ومخادع، والشيطان له مداخل وطرق خفية، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)  ولذلك فإنه ينصح الرقاة الذين يرقون النساء بالحذر من الفتنة.

عباد الله: ليس هناك طريق للرقية لابد منه، بل الرقية بالقران نافعة بإذن الله على أي وجه كان، فمن ذلك: أن تقرأ على نفسك أو مريضك وتنفث بعد القراءة سواء أكان بعد السورة كاملة أو بعد آية أو آيتين فذلك كله جائز، وإن وضعت يدك على مكان الألم فإنه نافع بإذن الله، وقد جاءت الأدلة بنحوه، والنفث هو إخراج الهواء من الفم ومعه شيء خفيف من الريق، ولو قرأت بدون نفث جاز. ومن ذلك: أن تضع يدك على مكان الألم من جسدك،وَتَقُولَ:(بِاسْمِ اللهِ) ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَتقَولَ سَبْعَ مَرَّاتٍ: (أَعُوذُ بِاللهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ) وَمِنَ الرُّقْيَةِ: أَنْ تَقْرَأَ الْقُرْآنَ وَتَنْفُثَ فِي يَدَيْكَ وَتَمْسَحَهُ عَلَى مَكَانِ الْأَلَمِ، فَعَنْ أم المؤمنين عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ، فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، جَعَلْتُ أَنْفُثُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُهُ بِيَدِ نَفْسِهِ، لِأَنَّهَا كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْ يَدِي.. وصح في الحديث أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ وَقُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ… أيها المؤمنون: وإنه مما ينبغي التنبيه عليه: أن مدة الرقية تختلف باختلاف المرض والمريض، فكما الأدوية المعروفة قد يحتاج الإنسان لاستعمالها وقتا قصيرا وقد تكون مدة طويلة فكذلك الرقية ينبغي مراعاة ذلك فيها، فلا يستطيل المريض المدة ثم يلجأ للطرق المحرمة من الذهاب للسحرة أو المشعوذين، بل يواصل الرقية متوكلا على الله راجيا الشفاء منه عز وجل، بل إنه كما مر في الحديث الصحيح، أنه تنبغي الرقية كل ليلة عندما تأوي إلى فراشك بالمعوذات وتمسح كل جسدك فاحرصوا على هذا التوجيه النبوي.

نسأل الله تعالى أن يشفي كل مريض ويعافي كل مبتلى إنه سميع الدعاء.

نفعني الله وإياكم بالقران العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد فيا أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى واعلموا أن الرقية الشرعية، لا تعارض ولا تنافي الأخذ بالأسباب، فيأخذ المسلم بالأسباب بالعلاج المباح كذلك، فيذهب للأطباء، ويأخذ الأدوية النافعة، ويزور العيادات النفسية، وينتفع من الحجامة والعسل والأعشاب، فكل هذه العلاجات والأدوية هي من نعم الله تعالى التي أنعمها على عباده للشفاء، وعلى المؤمن أن يتوكّل على الله تعالى حق التوكلّ، فيوقن أن الشفاء هو من عند الله سبحانه، والرقية هي مجرد سبب للعلاج، ويتوجّه بصدقٍ إلى خالقه عز وجل..ألا وإن ممّا ينبغي التنبّه لهُ، تعليقُ بعضُ النّاسِ كلّ ما يحدث لهمْ منْ ابتلاءاتٍ ومحنٍ ومشكلاتٍ في بيوتهمْ أو أمراضٍ تصيبُ أبدانهمْ أوْ أوْلادهمْ، أو حوادثَ سياراتٍ، أو حرائقَ، أو ذهاب أموالهمْ، أو عدمُ تيسيرِ تجاراتهمْ، أو أيّ فشلٍ في حياتهمْ تعليقها على شمّاعةِ العينِ والحسدِ، مما جعلَ العلاقات الاجتماعية تتأثر كثيراً، وهناكَ منْ يخشى أنْ تظهرَ عليهِ نِعَم الله خوفًاً منْ العينِ والحسدِ؛ لدرجة أنهُ يوجدُ من وصلَ بهم الأمرُ إلى الوساوسِ حتّى معَ أقرب الناس وأكثرُ ما ينتشرُ ذلك بين النّساءِ، وهذا اعتقادٌ خاطئٌ لا بدّ منْ التخلص منه، فليسَ كلُّ ما يصيبُ الإنسانَ بسببِ الحسد والعين.. عباد الله: وأنفع الرقى الشرعية هي ما تكون بقراءة الشخص نفسه، وأنفع ما يقرؤه هي سورة الفاتحة، فيجِد فيها راحة وعافية وشفاءً برحمة أرحم الراحمين. وقد وردت فيها نصوص عديدة في الرقية، ولِما اشتملت عليه من الثناء على الله، والاستعانة به، والتوكل عليه، وسؤاله جوامع النعم.

في الصحيح أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم قرءوا بالفاتحة على مريض فشفاه الله تعالى فأعطوهم جُعلاً على الرقية، فأقرّهم عليه الصلاة والسلام على ذلك..

وكذلك المحافظة على أذكار الصباح والمساء تقي الإنسان بإذن الله شرور العين والحسد والسحر، ويقرأ المريض سورة الإخلاص والمعوّذتين وآية الكرسي بعد كل صلاة وقبل النوم، كما يحافظ على قراءة آخر آيتين من سورة البقرة كل ليلة، ويدعو بالدعاء الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فقد رُوي عن أبي سعيد ألخدري رضي الله عنه أنه قال: (أنَّ جَبرائيلَ، أتى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فقالَ: يا مُحمَّدُ اشتَكَيتَ؟ قالَ: نعَم، قالَ: بسمِ اللَّهِ أرقيكَ، مِن كلِّ شيءٍ يؤذيكَ، مِن شرِّ كلِّ نفسٍ أو عَينٍ، أو حاسِدٍ اللَّهُ يَشفيكَ، بِسمِ اللَّهِ أَرقيكَ) ولا مانع أن يأخذ القراء والرقاة شيئًاً على القراءة بلا طلبٍ منهم ولا رجاء ، ولكن ليتّقوا ربَّهم، وليدَعوا عنهم هذا الطمع والجشَع، والمبالغات والمبيعات من زيتٍ وعسلٍ وماء، واشتراط النقود، وليدَعوا عنهم الأراجيفَ وتخويفَ الناس وإمراضَ الناس بما يقولون، فليتَّقوا الله، وليعلَموا أنّ علمَ الغيب عند الله، وإنّما هي أسباب، والله جل وعلا من وراء القصد..

ولاشك أن هناك بحمد الله من الرقاة من عُرف بدينه وصلاحه وتقواه، ويخلو من المخالفات، ولايتخذ مكاناً يأتيه الناس إليه، متبعاً في ذلك طريقة السلف الصالح، فهؤلاء على أجر عظيم في خدمة الناس.. نسأل الله تعالى أن يكافئهم على بذلهم، ونسأل الله الشفاء لكل مريض وأن يرفع البأس عنهم، وأن يكفي المجتمع شر السحرة والدجالين والمشعوذين وآكلي أموال الناس بالباطل.

اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين، اللهم اشف مرضانا ومرضى المسلمين الذين أعجزتهم الأمراض والأسقام وأقعدهم قضاؤك عن المشي والقيام، هبهم يا ربنا الصحة والعافية،وهبهم الشفاء العاجل منك، فإنه لا شفاء إلا شفاؤك، هبهم شفاءً لا يغادر سقماً، لا إله إلا أنت ولي المؤمنين،وعدة الصابرين، يا أرحم الراحمين… اللهم داونا بدوائك،واشفنا بشفائك،وعافنا من جميع بلائك،عافنا في قلوبنا وأرواحنا وأبداننا وأجسادنا واصرف عنا كل أذى وشر يا حي ياقيوم يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم آمنا في وطننا واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائرَ بلاد المسلمين.اللهم وفق ولاة أمورنا ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزراءه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد،اللهم وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين.. اللهم من أراد بلادنا وبلاد الحرمين الشريفين وخليجنا وجيشنا ورجال أمننا، بشر وسوء وفتنة فأشغله بنفسه، وأجعل كيده في نحره، وأدر دائرة السوء عليه يا سميع الدعاء… اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين. اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصراً ومؤيداً،في فلسطين وفي بلاد الشام وفي اليمن، اللهم أصلح أحوالهم،اللهم فرج همهم ونفس كربهم، وألف بين قلوبهم،واحقن دمائهم، ولا تجعل لعدو ولا طاغية عليهم سبيلا..

اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، والموت راحة لنا من كل شر… ( رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.)  اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات إنك على كل شيء قدير.. اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) فاذكروا الله العلي الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ويغفر الله لي ولكم.

     خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين