الجمعة 15 رجب 1440 هـ

الموافق 22 مارس 2019

 

الحمد لله خالق كل شيء، ورازق كل حي، أحاط بكل شيء علماً،وأحصى كل شيء عدداً، وكل شيء عنده بأجل مسمى، نحمده سبحانه ونشكره، ونتوب إليه ونستغفره وهو بكل لسان محمود، ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وهو الإله المعبود، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه الركع السجود، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى اليوم الموعود، وسلم تسليماً كثيراً…

أما بعد:فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (وَاتّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمّ تُوَفّىَ كُلّ نَفْسٍ مّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)

معاشر المسلمين: ربنا الرحمن الرحيم، أوجدنا من العدم، وأسبغ علينا وافر النعم، وهدانا لأكمل الشرائع وأقوم الملل، خلق أبانا آدم من طين، ثم خلق ذريته من بعده من سلالة من ماء مهين، فسبحان من خلق الخلق بقدرته، وصرَّفهم في هذا الوجود والكون بعلمه وحكمته، وأسبغ عليهم الآلاء والنعماء بفضله وواسع رحمته، خلق الإنسان عاجزاً ضعيفًاً، ثم أمده بالصحة والعافية، فكان به حليماً رحيماً لطيفاً، وصدق الله العظيم: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ، ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً، ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًاً وَشَيْبَةً، يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ)، فقوة الشباب التي يعيش بها الإنسان أجمل الأيام والذكريات مع الأهل والأصحاب والأحباب، ثم تمر السنون والأعوام وتتلاحق الأيام تلو الأيام، حتى يصير هذا الشاب إلى المشيب والكبر، ويقف عند آخر هذه الحياة فينظر إليها فكأنها نسج من الخيال أو ضرب من الأحلام. يقف في آخر هذه الحياة، وقد ضعف بدنه، وانتابته الأسقام والآلام.. نعم عباد الله الكبير الصالح، رجلاً كان أم امرأة ، جعلنا الله وإياكم من عباده الصالحين، سيودع الدنيا بعد طول عمر وعبادة وعمل ونصب ومرض وكلل، وكلنا والله سنمر بهذه المرحلة،   فيا الله ما أسعد الإنسان إذا لقي ربه ووافاه، فأسعده وجازاه، ولهذا كان آخر عمر المؤمن جوهرة لاقيمة له.. سُئل بعض السلف الصالح فقيل له: من أسعد الناس؟ قال: أسعد الناس من ختم الله له بالخير…. نعم أسعد الناس من حسُنت خاتمته، وجاءت على الخير قيامتُه، يقول صلى الله عليه وسلم : (خيركم من طال عمره وحسن عمله، وشركم من طال عمره وساء عمله) ويقول عليه الصلاة والسلام: (أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً)…ويقول صلى الله عليه وسلم: (أَعْمَارُ أُمَّتِي مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى السَّبْعِينَ وَأَقَلُّهُمْ مَنْ يَجُوزُ ذَلِكَ) يا ابن آدم إذا رق عظمك، وشاب شعرك فقد أتاك النذير، يقول تعالى : ( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمْ النَّذِيرُ) يقول أهل العلم: والنذير هو : وهْنُ العظام، والشيب في الشعر والرأس). فهو تذكرة من الله جل جلاله، وتنبيه من الله سبحانه وتعالى رحمةً بعباده، وإلا فلربما غفلوا وكانوا عن طاعته بعيدين، فرحمهم الله جل وعلا بهذا النذير؛ حتى تحسن خاتمة أعمالهم ؛ فيُحسن الله جزاءهم،  فقد كان السلف الصالح رحمة الله عليهم إذا بلغ الرجل منهم أربعين سنة لزم المساجد، وسأل الله العفو عما سلف وكان، وسأله الإحسان فيما بقي من الأزمان،وصدق الله العظيم حيث يقول: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً، قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ، وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ، وَإِنِّي مِنْ الْمُسْلِمِينَ،  أُوْلَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ، وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) نعم عباد الله كانوا إذا بلغوا أربعين عاماً لزموا بيوت الله، وأكثروا من ذكر الله ومن تلاوة كتاب الله، وأحسنوا القدوم على الله جل جلاله… أما اليوم مع الأسف الشديد ما هو حال أبناء الخمسين والستين والسبعين؟  كثير منهم هداهم الله، غافلون لاهون !! إلا من رحم ربك والله المستعان …

فمنهم من  يلهث في هذه الدنيا، لا يتذكر ولا يعتبر، لا ينيب ولا يدَّكر بحال من سبقه من الأهل والأقران والإخوان والخلان. تجده إذا غابت عليه الشمس وقد مُلئ بالذنوب والآثام من غفلة الدنيا وسيئاتها، ينطلق إلى المجالس  والمقاهي إلى مجلس فلان وعلان، وينهمك في الغيبة والنميمة والجدال والقيل والقال وغير ذلك مما لا يُرضي الله تعالى، فيأتي عليه يومه خاملاً كسلاناً بعيداً عن رحمة الله، تاركاً للصلوات والجمع والجماعات ولا حول ولا قوة إلا بالله… ذكر صاحب كتاب حلية الأولياء عن وهب بن منبه رحمه الله، قال في بعض الحكمة: (قرأت في بعض الكتب، أَنَّ مُنَادِياً يُنَادِي مِنَ السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ يَا أَبْنَاءَ الأَرْبَعِينَ، أَنْتُمْ زَرْعٌ قَدْ دَنَا حَصَادُهُ، يَا أَبْنَاءَ الْخَمْسِينَ، مَا قَدَّمْتُمْ وَمَا أَخَّرْتُمْ، يَا أَبْنَاءَ السِّتِّينَ ، لا عُذْرَ لَكُمْ ، لَيْتَ الْخَلْقَ لَمْ يُخْلَقُوا ، وَإِذَا خُلِقُوا عَلِمُوا لِمَاذَا خُلِقُوا، قَدْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ ، فَخُذُوا حِذْرَكُمْ، قَدْ أَتَتْكُمُ السَّاعَةُ ، فَخُذُوا حِذْرَكُمْ)

أيها المسلمون: كبارنا خيارنا، أهل الفضل والحلم فينا، هم قدوتنا في كل خير، هم أئمتنا إلى الطاعة والبر.  يا معاشر الكبار، أنتم قدوة لأبنائكم وبناتكم وأهليكم، قدوة في مجتمعاتكم وقرابتكم …أيها الشيخ الكبير: إذا جلست مع الأبناء والبنات فإن كنت محافظًاً على الخير والطاعات أحبوك وهابوك وأجلّوك وأكرموك، وإن وجدوك تسب الناس وتشتمهم وتنتقصهم وتعيبهم وتغتابهم أهانوك وأذلوك ثم سبوك وعابوك، وهكذا يُجزى المحسن بالإحسان، والمسيئ بالخيبة والخسران، وما جزاء الإحسان إلا بالإحسان.

يا معاشر الآباء من آباء وأمهات : ورَّثوا الأبناء والأحفاد جميل خصالكم، وخلاصة تجاربكم في الحياة، لاطفوا الأبناء والبنات وهذبوهم، واهجروا الألفاظ السيئة، والأساليب القاسية معهم تجدونه براً ووفاء في دنياكم وأجراً وذخراً لكم في ُأخراكم … (فما نحل والدٌ ولداً أفضل من أدب حسن)، فهو خير ميراث وأقوم تراث.  كم يذكرونكم بعد رحيلكم بتلك الكلمات الحانية، والوصايا النافعة، وكم هي سلسلة الأجور والحسنات حينما ينقلونها لأبناء جيلهم بل ولأبنائهم وأحفادهم.

أيها الأخوة والأخوات في الله: وإذا كان حديثنا عن كبير السن رجلاً كان أم امرأة، فلا بد من الحديث عن حقوقه التي طالما ضُيَّعت عند كثير من الناس، ومشاعره وأحاسيسه التي طالما جُرحت، وآلامه وهمومه وغمومه وأحزانه التي كثرت وعظمت… إنه الكبير الذي رقَّ عظمه، وكبر سنه، وخارت قواه، وشاب رأسه، إنه الشيخ الكبير الذي له حق الأبوة، وفضل السابقة إلى الخير… أصبح صنف من الكبار اليوم غريباً حتى بين أهلِه وأولاده، ثقيلاً حتى على أقربائه وأحفاده، من هذا الذي يجالسه؟ من هذا الذي يؤانسه؟ من هذا الذي يباسطه ويدخل السرور عليه؟. كم تجد شيخاً كبيراً إذا تحدث سارع إلى مقاطعته الصبيان، وإذا أبدى رأيه ومشورته، سفهه الصغار وضعاف الأحلام، فأصبحت حكمته وحنكته إلى ضيعة وخسران، أما إذا خرج من بيته فقد كان يخرج بالأمس القريب إلى الأهل والأرحام والأصحاب والأحباب وإلى الإخوان والخلان، يزورهم ويزورونه، يقضي حوائجهم ويقضون حوائجه،أما اليوم فهو إذا خرج يخرج بالأشجان والأحزان، يخرج إلى الأحباب والأصحاب، يُشيع موتاهم، ويعود مرضاهم، فالله أعلم كيف يعود إلى بيته، يعود بالقلب المجروح المنكسر، وبالعين الدامعة، وبالدمع الغزير المنهمر، لأنه ينتظر دوره..

يا معاشر الكبار، رحم الله ضعفكم، وجبر كسركم، في الله عوض عن الفائتين، في الله أنس للمستوحشين.. يا معاشر كبار السن الكرام، أنتم كبار في قلوبنا، وكبار في نفوسنا، وكبار في عيوننا، كبار بعظيم حسناتكم وفضلكم بعد الله علينا، أنتم الذين علمتم وربّيتم وبنيتم وقدّمتم وضحّيتم، لئن نسي البعض فضلكم، فإن الله لا ينسى، ولئن جحد الكثير معروفكم، فإن البر لا يبلى والمعروف لا يفنى، ولئن طال العهد على ما قدمتموه من خيرات وتضحيات لوطنكم وأمتكم، فإن الخير يدوم ويبقى ثم إلى ربك المنتهى، وعنده الجزاء الأوفى:  (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً)  يا معاشر الكبار الكرام، أمّا الآلام والأسقام التي تجدونها فالملائكة كتبت حسناتها، والله عظمَّ أجورها، وستجدونها بين يدي الله، فالله أعلم كم كان لهذه الأسقام والآلام من حسنات ودرجات، اليوم تُزعجكم وتقلقكم وتُبكيكم وتقض مضاجعكم، ولكنها غداً بين يدي الله تفرحكم وتضحككم، فاصبروا على البلاء، واحتسبوا عند الله جزيل الأجر والثناء، فإن الله لا يمنع عبده المؤمن حسن العطاء، واحذروا من التسخط والجزع، يقول الله تعالى في الحديث القدسي: (إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي الْمُؤْمِنَ فَلَمْ يَشْكُنِي إِلَى عُوَّادِهِ أَطْلَقْتُهُ مِنْ أُسَارِيَّ ، ثُمَّ أَبْدَلْتُهُ لَحْماً خَيْراً مِنْ لَحْمِهِ ، وَدَماً خَيْراً مِنْ دَمِهِ ، ثُمَّ يسْتَأْنَفُ الْعَمَلَ). ولما ذُكر لطلحة بن مطرف أن التابعي طاووس بن كيسان رحمه الله كان يكره الأنين من الألم، فما سُمع طلحة يئن حتى مات، وكذلك الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله حين ذُكر له ذلك لم يئن إلا في تلك الليلة التي مات فيها… وقال سلام بن أبي مطيع رحمه الله: دخلت على مريض أعوده فإذا هو يئن من الألم فقلت له: اذكر المطروحين على الطريق، اذكر الذين لا مأوى لهم، ولا لهم من يخدمهم، قال ثم دخلت عليه بعد ذلك فسمعته يقول لنفسه : (اذكري المطروحين في الطريق، اذكري من لا مأوى له ولا له من يخدمه) ويقول صلى الله عليه وسلم : (عَجَباً لأمرِ المؤمنِ إِنَّ أمْرَه كُلَّهُ لهُ خَيرٌ وليسَ ذلكَ لأحَدٍ إلا للمُؤْمنِ إِنْ أصَابتهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فكانتْ خَيراً لهُ وإنْ أصَابتهُ ضَرَّاءُ صَبرَ فكانتْ خَيراً لهُ). ويقول صلى الله عليه وسلم : (عِظَمُ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاَءِ، وَإِنَّ اللَّهَ، إِذَا أَحَبَّ قَوْماً ابْتَلاَهُمْ. فَمَنْ رَضِيَ، فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ، فَلَهُ السُّخْطُ) ويقول  عليه الصلاة والسلام: (من يرد الله به خيراً يصب منه) وإليكم عباد الله هذه البشارة العظيمة من نبيكم وحبيبكم صلى الله عليه وسلم إذ يقول: (إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ، ابْتَلاهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ أَوْ فِي مَالِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ ، ثُمَّ صَبَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى يُبَلِّغَهُ مَنْزِلَتَهُ الَّتِي سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)

آباؤنا وكبارنا جبر الله خواطركم، وأجزل في الدنيا والآخرة أجركم و ثوابكم، فأحسنوا الظن بما تجدونه عند الله ربكم…يقول تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ، أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)

نسأل الله جل وعلا طول عمر مع حسن عمل، كما نسأله سبحانه صحة في قلوبنا وصحة في أبداننا، وأن لا يحوجنا إلى غيره سبحانه، وأن يحسن ختامنا على الخير.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله ذي العظمة والجلال، نحمده سبحانه ونشكره على نعمِه المُسْداةِ في الحال والمآل، ونشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له الكبير المتعَال، ونشهَد أنّ سيّدنا ونبيّنا محمّداً عبده ورسوله، دلّ على طريقِ الخير، وحذّر من الغوايَة والضّلال، صلّى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبِه أولي الأحلام والنّهى.

أما بعد: فيا معشر كبار السن، إنابة إلى الله الواحد القهار، وتوبة من الحليم الغفار.

إذا تقربت إلى الله شبراً تقرب منك ذراعاً، وإن تقربت منه ذراعاً تقرب منك باعاً، وإذا أتيته تمشي أتاك هرولة، إذا نظر الله إلى قلبك أنك تحب التوبة وتحب الإنابة إليه، فتح لك أبواب رحمته، ويسر لك السبيل إلى مغفرته وجنته، إلى متى وأنت عن الله بعيد، إلى متى وأنت في غفلة؟ إلى متى وأنت بعيدٌ عن الله طريد؟ ما الذي جنيت من السهرات والسمرات والسفرات المشبوهة والمحرمة والقيل والقال ؟ وما الذي جنيت من الجلوس هنا وهناك؟ توبة إلى الله…

يا معاشر الكبار، إن مما يحفظ عليك صحتك وقوتك حتى مع كبر سنك، طاعة الله جل وعلا، وأن لا تستخدم هذه الجوارح في معصيته، وهذا شيء من معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم :(أحفظ الله يحفظك)، أي: من حفظ الله في صباه وقوته حفظه الله في حال كبره وضعف قوته، ومتعه بسمعه وبصره وحوله وقوته وعقله.

فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قلّما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم  يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه: (اللَّهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تحُولُ به بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعَاصِيكَ، وَمِنْ طَاعَتِكَ مَا تُبَلِّغُنَا بِهِ جَنَّتَكَ، وَمِنَ اليَقِينِ مَا تُهَوِّنُ بِهِ عَلَيْنَا مُصِائب الدُّنْيَا، وَمَتِّعْنَا بِأَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّتِنَا أبداً مَا أَحْيَيْتَنَا ، وَاجْعَلْهُ الوَارِثَ مِنَّا)  والوارث هو الباقي، والمراد إبقاء قوته إلى ما بعد الكبر وانحلال القوى وحتى اقتراب الموت. قال بعض كبار السن وهو صادق فيما يقول: اللهم أحسن لي الخاتمة، فمات بين الركن والمقام في الحرم المكي. وقال ثان: اللهم أحسن الختام، فمات وهو ساجد بين يدي الله جل جلاله. وقال ثالث: اللهم إني أسألك حسن الخاتمة، فمات يوم الخميس صائماً لله جل جلاله.وقال رابع: اللهم أمتني الميتة الحسنة، ولما سئل عن الميتة الحسنة، قال: أن يتوفاني ربي وأنا ساجد، فأعطاه الله ما تمنى، وقبض روحه وهو ساجد، أحسنوا الختام رحمنا الله وإياكم، وأقبلوا على الله جل جلاله بسلام، وودعوا هذه الدنيا بأحسن الأعمال وشيم الكرام، فإن الأعمال بالخواتيم.

يا معاشر الشباب، إجلال الكبير وتوقيره وقضاء حوائجه، سنة من سنن الأنبياء، وشيمة من شيم الأوفياء،ارحموا الكبار وقدّروهم ووقّروهم وأجلُّوهم، لاسيما من الوالدين من الآباء والأمهات، والإخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات،  فإن الله يحب ذلك ويثني عليه خيراً كثيراً، يقول صلى الله عليه وسلم: (إن من إجلال الله إكرام  ذي الشيبة المسلم) ، إذا رأيت أيها الشاب، الشيخ الكبير فارحم ضعفه، وأكبر شيبَهُ، وقدِّر منزلته، وارفع درجته، وفرج بإذن الله كربته، يعظم الله لك الثواب، ويجزل الله لك به الحسنى في المرجع والمآب.  وفي الأثر (ما أكرم شابٌ شيخاً لسنه إلا قيض الله من يكرمه عند كبر سنه)

معاشر الأبناء: لا تستنكفوا من خدمة والديكم، فلطالما خدموكم ورفعوا عنكم الأذى والقذى، فأحسنوا إليهم إن الله يحب المحسنين، وعظّموا منزلتهم عند الأبناء والأحفاد، يجلّونكم ويحاكوكم في البر والإحسان … وإن اضطررتم في خدمتهم ورأيتم حاجتهم لخدم وحشم فكونوا معهم موجهين ومشرفين ومتابعين، وتعبـّدوا لله في السلام والثناء عليهم صباحاً ومساءً، يرفع الله درجاتكم في جنان الخلد.

يا معاشر الشباب، ما كان للشيوخ الكبار من الحسنات فانشروها واقبلوها واذكروها، وما كان من السيئات والهنات، فاغفروها واستروها، فإن الله يُعظم لكم الأجر والثواب.

اللهم اختم لنا بخير، اللهم اختم لنا بخير، اللهم اجعل خير أعمارنا أواخرها، وخير أعمالنا خواتمها، وخير أيامنا يوم نلقاك، اللهم اجعل أسعد اللحظات وأعزها لحظة الوقوف بين يديك برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم ارحم كبارنا وأصلح شبابنا ووفق للخير صغارنا، وخذ بنواصينا لما يرضيك عنا.

اللهم ارحم والدينا، اللهم ارحم والدينا، اللهم ارحم والدينا، واغفر لهم واغفر لهم وارض عنهم، رضاً تحل به عليهم جوامع رضوانك، وتحلهم به دار كرامتك وأمانك، ومواطن عفوك وغفرانك، وتسبغ عليهم لطائف برك وإحسانك، اللهم ومن مات منهما فاجعل قبره روضة من رياض الجنة، وأمده بالروح والريحان، يا أرحم الراحمين.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.

اللهم أحفظ بلادنا البحرين وبلاد الحرمين الشريفين، وخليجنا، واجعله آمناً مطمئناً سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين. اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى، وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان  وولي عهده سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وسدد على طريق الخير خطاهم، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين.

اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان ناصراً ومؤيداً، اللهم كن لهم في فلسطين وفي بلاد الشام وفي اليمن وفي كل مكان…اللهم أنقذ المسجد الأقصى من عدوان المعتدين، ومن احتلال الغاصبين، اللهم اجعله شامخاً عزيزاً إلى يوم الدين.

اللهم أغفر وارحم إخواننا المغدور بهم في المساجد، ممن قتلوا على أيدي المتطرفين،

اللهم ارحمهم واجعلهم من الشهداء الأبرار، واربط على قلوب ذويهم بالصبر والاحتساب،  وشافي وعافي جرحاهم، وأحفظ المسلمين في كل مكان يارب العالمين.

اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا ونفس كروبنا وعاف مبتلانا واشف مرضانا، وارحم الله موتانا برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين…

عِبَادَ الْلَّهِ:إِنَّ الْلَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِيْ الْقُرْبَىَ وَيَنْهَىَ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ، فَاذْكُرُوْا الْلَّهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيْمُ الْجَلِيْلِ يَذْكُرْكُمْ،وَاشْكُرُوهُ عَلَىَ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ الْلَّهِ أكبروالله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُوْنَ وَيَغْفِرْ الْلَّهَ لِيَ وَلَكُمْ.

  خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين