الجمعة 12 جمادى الأولى 1440هـ

الموافق 18 يناير 2019 م

الحمدُ لله، يقول الحقَّ وهو يهدي السبيل، ونشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، هو حسبُنا ونعم الوكيل، ونشهد أنّ سيدنا ونبينا محمّداً عبد الله ورسوله المبعوث بكلّ خلُق جميل وفعلٍ نبيل، صلّى الله عليه وعلى آله المثنَى عليهم بمحكَم التنزيل، وصحبِه ذوي المكانةِ والتفضيل، وسلِّم تسليماً كثيراً.

أمّا بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين:إن في ديننا الإسلامي العظيم، وشريعته المطهرة، إقامةً للحياة الأسرية، على قاعدة العدل والمعاملة بالإحسان، وتحريم الظلم والعدوان، ألا وإن من الظواهر السيئة، والصور القبيحة، ما يحدث بين الزوجين من التصرفات والسلوكيات بعد الافتراق والطلاق، مما لا يقره الشرع القويم، ولا يرضاه الطبع السليم، ولا الخلق الكريم. يقول جل وعلا: (وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ ۚ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ). جاء في التفسير: أن من مضامين هذه القاعدة، الحث على التعاطف والتراحم، والترغيب في المعروف والفضل والتعامل بالإحسان والصلة والشفقة

عباد الله: وهناك تصرفات تحدث بعد الطلاق هي من الظلم المبين، ومن العدوان العظيم، الذي حذَّر منه رب العالمين، يقول صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل أنه قال: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّماً، فَلَا تَظَالَمُوا)

ويقول صلّى الله عليه وسلّم: (اتقِ دعوةَ المظلومِ، فإنّها ليس بينَها وبينَ اللهِ حجابٌ)

إنها أفعال تحدث بعد الطلاق من المطلقين تتضمن السعي إلى الإضرار بالآخر، وإلحاق الأذية به والحرص على إعناته، وإلحاق المشقة به، وذلك أمر محرم في شرع الله جل وعلا، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، يقول تعالى: وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً) ويقول سبحانه: (لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ). يقول أهل العلم: (إن الله جل وعلا حينما قال: (وَلاَ تَنسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ) ختم هذه الآية بقوله: (إِنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) وهذا يجري مجرى التهديد بما قد يحدثه أحد الزوجين بالآخر من ضرر بعد الطلاق، أو إهمال في واجب عليه، أو أداء حق مترتب عليه، بل الذي ينبغي في الإسلام أن يكون الإنسان عادلاً في تعامله مع كل أحد، فكيف بمن سبق أن ربط بينهما رباطٌ عظيم وهو الزواج، فحينئذ عليهما أن يكون التعامل بينهما مندرجاً إما بالعدل والإنصاف الواجب، وهو أخذ الواجب وإعطاؤه، وإما أن يكون التعامل بالفضل والإحسان، وهذه مرتبة أعلى وهي إعطاء ما ليس بواجب من التسامح في الحقوق والغض عما في النفوس، والحرص على المعاملة بالأخلاق الكريمة، والمعاملة الحسنة… أيها المؤمنون: إذا تقررت تلك القواعد المثلى، والأصول العظمى، التي تضبط التعامل بعد الطلاق في حكم الإسلام، فإن هناك صوراً من الظلم الحاصل، والعدوان الواقع في هذه المسائل، تشهد بذلك أروقة المحاكم، ويشهد بذلك ما يشاع من أخبار صادمة في أوساط المجتمع المسلم، وذلك في صور شتى، منها: مماطلة وتسويف بعض الأزواج بحقوق المطلقة المقررة لها في القرآن الكريم، والسنة المطهرة، من بذل مؤخر الصداق، أو المماطلة والتسويف ببذل الواجب في الطلاق قبل الدخول والخلوة وهو نصف الصداق وربنا جل وعلا يقول في ذلك: (وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً) وكذا مما لا يجوز التهرب منه، ما هو واجب للمطلقة الرجعية، من عدم جواز إخراجها من مسكنه ما دامت في العدة، أو من بذل نفقة العدة لها. يقول سبحانه (وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ، لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ، وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ، وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ)، وكذا مما لا يجوز المماطلة والتسويف به وهو في الصور الواقعة، عدم بذل النفقة للمطلقة البائن متى كانت حاملاً حتى تضع، والبائن هي التي لا يجوز للمطلق أن يراجعها إلا بعقد جديد إذا كانت البينونة صغرى، أو بعد نكاح من آخر إذا كانت البينونة كبرى، يقول تعالى: (وَإِن كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ)..  عباد الله: ومن صور الظلم الواقعة بعد الطلاق، تهربُ بعض الآباء ومماطلتهم وتسويفهم عن الالتزام بالنفقة للأولاد؛ خاصة الذين تحت حضانة والدتهم المطلقة، تلك النفقة الواجبة بصريح نصوص الشريعة وإجماع الأمة، وكذا يلحق بذلك، إهمالُ الأب في مراعاة تعليم أولاده أو رعايتهم الصحية، ونقص الإشراف والاهتمام بهم ما داموا تحت حضانة والدتهم، فضلاً عن إسداء العطف إليهم، وهم ينتظرون ذلك من أبيهم. كذا ظلم الأب لأولاده من طليقته والتقصير عليهم في النفقة، وتفضيل أولاده من زوجته الثانية في العطايا والهبات. يقول صلى الله عليه وسلم: (اتَّقُوا اللَّهَ، وَاعْدِلُوا بين أَوْلَادِكُمْ) ويقول: (كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِ بيته وَهُوَ مَسْؤولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) ويقول صلى الله عليه وسلم: (كفى بالمرء إثماً أن يُضيِّع مَنْ يقوت أو يعول)

أيها الأخوة والأخوات في الله: إن الواجب على الرجل والمرأة بعد أن قدر الله جل وعلا طلاقهما لحكمة، وانفصل أحدهما عن الآخر، أن يحرصا على المأوى الدافئ، والملجأ الآمن للأولاد، وأن يحرصا على غرس الحب والسكينة والهدوء والطمأنينة في نفوس أبنائهم.. على الأب والأم بعد أن وقع الطلاق المكروه، أن يتعاونا على المصالح المشتركة في غرس التربية الحسنة، وأن يكمل أحدهما وظيفة الآخر، ويوجدا حواراً أسرياً مشتركاً لحل المشكلات، وحسم كل الخلافات، لتحقيق الأمن النفسي والأمان الاجتماعي للأولاد في توافق وتفاهم من الوالدين على أساليب التنشئة السليمة، لينموا الأطفال نمواً سليماً، ولا يحصل ذلك إلا بالتعاون والاحترام المتبادل بين الوالدين؛ ولهذا فإن من الصور السيئة التي تقع بعد الفرقة، حرمانَ الأم من حقها الأصليِّ، الذي قرره شرع الإسلام في حضانة صغارها..روي أَنّ امْرَأَةً قَالَتْ يَا رَسُولَ اللّهِ إنّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءٌ، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءٌ، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءٌ، وَإِنّ أَبَاهُ طَلّقَنِي فَأَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنّي فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ أَنْتِ أَحَقّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي أي مالم تتزوجي) واسمعوا لتطبيق الصحابة رضي الله عنهم ما سطَّره النبي صلى الله عليه وسلم من توجيه، روي أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه حكم على عمرَ بن الخطاب رضي الله عنه بعاصم، لأمه أم عاصم، وكانت مطلقة وأراد عمر انتزاعه منها، فقال له أبو بكر: (ريحُها وفراشها وشمُّها ولُطفُها خيرٌ لهُ منكَ) ، وفي لفظ: (الْأُمّ أَعْطَفُ وَأَلْطَفُ وَأَرْحَمُ وَأَحْنَى وَأَرْأَفُ هِيَ أَحَقّ بِوَلَدِهَا مَا لَمْ تَتَزَوّجْ) ألا وإن أعظم جُرماً من حرمان الأم من حقها في الحضانة، ما يفعله بعض الآباء القساة فيحرمها من الحضانة، ثم يعلو ذلك قبحاً بمنعها من الزيارة مطلقًاً، ومن رؤية أولادها البتة، وقد قال صلى الله عليه وسلم وهو الرحيم المشفق: (لَا تُولَهُ وَالِدَةٌ عَلَى وَلَدهَا) وقال: (مَن فَرَّقَ بيْن والِدَةٍ وولدِها فَرَّقَ اللهُ بيْنَه وبيْنَ الأحِبَّةِ يومَ القيامَة) وذلك لأن الأمُّ أضْعَف الوالدَيْن، وأكثرهما رحمةً بالولَد؛ لمَا جبَلها الله  تعالى  عليه مِن العَطْف والرِّقة، والرحمة والحنان؛ ولأنَّ ولدَها مضغةٌ منها، خرَج من بطنِها، ورَضع لَبَنها، ونام في حجْرِها، ووجَد حنانها ودِفْأَها، ولا يَفهم الولدَ وطباعَه حقَّ الفهم إلا أمُّه، ولو كانت أُميَّةً لا تقرأ ولا تكتب، ويَكفي دليلاً على رحمة الأم بولدها أنَّ الرضيع إذا جاعَ دَرَّ لبنُ أمِّه ولو كان بعيداً عنها ! ويلحق بذلك منعُ الأمِّ الأولاد إذا كانوا تحت حضانتها منعهم من زيارة والدهم؛ فذلك أمر أيضاً حرام ولا يجوز في حكم الإسلام لأن فيه إغراءً بالعقوق، ودفعاً إلى قطيعة الرحم، وذلك كبيرة من كبائر الذنوب… أيها المسلمون: ومن صور الظلم التي تُمارس بعد الطلاق ما يقع من أحد الوالدين من النَّيْل من عِرض الآخر وشتمه، والاستهزاء به والانتقاص من قدره على مسمع من الآباء، الأب يشتم عند أولاده أمهم، والأم تشتم والدهم عند أولاده، فذلك مما يجرح كرامة ومشاعر الأبناء ويؤذيهم نفسياً وإن لم يتكلموا بذلك وذلك من الظلم المبين من أوجه متعددة. وأشد من ذلك جرماً ما يقع من بعض الآباء، حينما ينتقم من الأم المطلقة عن طريق تعذيب الأولاد جسدياً بالضرب القاسي المبرح ونحوه، أو معنوياً وذلك بالتكلم عليهم بالألفاظ النابية والعبارات البشعة مما يسمى اليوم بالعنف الأسري، وهو محرم شرعاً وعقلاً وعرفاً، وسواء كان ذلك مباشرة من الأب أو بإذن ورضىً منه عن طريق بعض زوجات الآباء، فليتق الله كلُّ من أغواه الشيطان وركن إلى العدوان ونسي الرحمة والإحسان؛ فمهما بلغ الحق مبلغه، ومهما اندفن في النفس من ضغينة على الآخر، فما ذنب الطفل البريء؟ وربنا جل وعلا يقول: (وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى) والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (أَلَا لَا يَجْنِي جَانٍ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ ، لَا يَجْنِي وَالِدٌ عَلَى وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ عَلَى وَالِدِهِ) أين هؤلاء من قوله صلى الله عليه وسلم : (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا، وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا) أين قسوة هؤلاء من توجيه المصطفى صلى الله عليه وسلم، تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: قَدِمَ نَاسٌ مِنَ الْأَعْرَابِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: أَتُقَبِّلُونَ صِبْيَانَكُمْ  فَقَالُوا: نَعَمْ، فَقَالُوا : لَكِنَّا وَاللَّهِ مَا نُقَبِّلُ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أوَ أَمْلِكُ إِنْ كَانَ اللَّهُ نَزَعَ الرحمة من قلوبكم). وصح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبَّل أبن أبنته فاطمة، الحسن بن علي رضي الله عنهما وعنده رجل، فقال الرجل: إن لي عشرةً من الولد ما قبلتُ منهم أحداً، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: (من لا يَرْحمْ لا يُرحمْ)..  أيها الآباء: تذكروا توجيه النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال: (مَا من شَيْء أَثْقَلُ فِي مِيزَانِ الْمُؤْمِنِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْفَاحِشَ الْبَذِيءَ) وقال صلى الله عليه وسلم: (ليس المؤمنُ بالطعَّانِ ولا اللعَّان، ولا الفاحشِ ولا البذيء).

فاتقوا الله عباد الله والتزموا بتلك التوجيهات والآداب الشرعية، تفلحوا وتفوزوا وتسعدوا في الدنيا والآخرة.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله نحمده على ما أنعم به علينا وأسداه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، للرسالة اصطفاه،  وللحق هداه، ومن الكوثر أعطاه ، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد فيا أيها المسلمون:إن من الصور المحرمة، ما يحصل بعد الطلاق، من إفشاء سر أحد المطلقين ونشره وإذاعته بين الناس؛ مما يكون فيه إضرارٌ بالآخر وأذيته، يقول العلماء: (يحرم على كل مطلق إفشاءُ السر، إذا كان فيه إضرار وأذية، وما يكون فيه غضاضة عليه). يقول صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ، وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا) ويقول الحسن البصري رحمه الله: (إن من الخيانة أن تحدث بسر أخيك، فكيف بإفشاء سر من ربطتك به علاقة شرعية وجمعتكما كلمة الله عز وجل؟. ولعلنا ندرك خطورة هذا الأمر، حينما نعلم أن إحدى زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم وهي حفصة بنت عمر رضي الله عنها، حينما أسرَّ النبي صلى الله عليه وسلم إلى زوجته حفصة حديثاً، فلما أخبرت به عائشة رضي الله عنها، وأطلعه الله على إفشائها سرَّه، أعلم النبي حفصة ببعض ما أخبرت به، وأعرض عن إعلامها بعضه تكرماً، فلما أخبرها بما أفشت من الحديث، قالت: مَن أخبرك بهذا؟ قال: أخبرني به الله العليم الخبير، الذي لا تخفى عليه خافية، يقول تعالى: (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ، فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ) وغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وطلق حفصة، حتى قال له جبريل : (إِنَّ اللَّهَ يُقْرِئُكَ السَّلامَ، وَيَقُولُ لَكَ: رَاجِعْ حَفْصَةَ فَإِنَّهَا صَوَّامَةٌ قَوَّامَةُ ، وَهِيَ زَوْجَتُكَ فِي الْجَنَّةِ) وفي أواخر السورة، قال تعالى: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا، امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا) قال المفسرون عن هذه الخيانة: إن امرأة نوح، كانت تكشف سره، فإذا آمن مع نوح أحد، أخبرت الكفرة من قوم نوح به، أما امرأة لوط، فكانت إذا استضاف لوط أحداً أخبرت أهل المدينة ممن يعملون السوء، حتى يأتوا ويفعلوا بهم الفاحشة، وعلى هذا فقوله تعالى: (فخانتاهما) يعني أن إفشاء الأسرار خيانةٌ للأمانة، ومصداقه قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ)

عباد الله: إن الواجب على المطلقين الحفاظ على الأسرار الزوجية، والأمور التي كانت مشتركة فيما بينهما حتى بعد الطلاق، فهذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حدث بينه وبين زوجته صفية بنت أبي عبيد رضي الله عنها مشكلة، فجاء أصدقاؤه وأخته حفصة أم المؤمنين يسألونه عن هذه المشكلة التي بينه وبين زوجه، فقال:(سبحان الله! كيف أفضي بسر امرأة هي أقرب الناس إلي؟ هي زوجتي  فلم يُفضِ إليهم بشيء من سره، ثم إنه طلقها فأتوه يسألونه عن السبب فقال: (سبحان الله! كيف أفضي بسر امرأة أجنبية لا علاقة بيني وبينها ؟…عباد الله: ومن الصور المحرمة أن يفتري أحد المطلقين على الآخر الكذب ويختلق عليه ما لا يصح من قول أو فعل أو وصف ليشين به الآخر ويعيبه به، يقول جل وعلا: (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَأُوْلـئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ).

نسأل الله تعالى أن يصلح أسر المسلمين، وأحوال الأزواج والزوجات، ويؤلف بين قلوبهم، ويصلح شأنهم كله، ويبارك لهم في أولادهم وذرياتهم. اللهم اجعل بينهم من المودة والرحمة افضلها، ومن الصبر والرأفة أكملها، ومن الشكر والطاعة أعمها. وأهدهم لما فيه الخير والصلاح يارب العالمين.

اللهم يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه أجمع بين المطلقين والمطلقات، وردهم إلى بعضهم وأصلح أحوالهم، وألف بين قلوبهم، وانشر السعادة والخير والصلاح والتدين في بيوتهم.

اللهم حبب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان واجعلهم من الراشدين.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في وطننا، وفي خليجنا ووفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد، وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين.. اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح أحوالهم في فلسطين وفي وبلاد الشام وفي اليمن، اللهم احقن دماءهم، واجمع على الحق والهدى والصواب كلمتهم، وول عليهم خيارهم، واكفهم شرارهم، وابسط الأمن والعدل والرخاء في ديارهم، وأعذهم من الشرور والفتن، ما ظهر منها وما بطن..

اللهم كن لإخواننا المستضعفين المشردين من بلاد الشام وغيرهم، في هذا البرد القارس والثلج الكثيف، اللهم أنزل دفئك ورحمتك، على من هم بالخيام والعراء يلتحفون السماء، ويفترشون الأرض، برحمتك ولطفك يا أرحم الراحمين.

اللهم اغفر ذنوبنا، واستر عيوبنا، ونفس كروبنا، وعاف مبتلانا، واشف مرضانا، وارحم الله موتانا برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين…

عِبَادَ الْلَّهِ: (إِنَّ الْلَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِيْ الْقُرْبَىَ وَيَنْهَىَ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ). فَاذْكُرُوْا الْلَّهَ الْعَلِيَّ الْعَظِيْمُ الْجَلِيْلِ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَىَ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ الْلَّهِ أَكْبَرُ، وَالْلَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُوْنَ وَيَغْفِرْ الْلَّهَ لِيَ وَلَكُمْ.

         خطبة جامع الفاتح الإسلامي – عدنان بن عبد الله القطان – مملكة البحرين