الجمعة 14 ربيع الآخر 1440هـ
الموافق 21 ديسمبر 2018م

الحمد لله الذي أبان لخلقه الهدى والسداد، وهدى أولياءه للصراط المستقيم وسبيل الرشاد، نحمده سبحانه ونشكره على ما أسبغ من النعم وأعاد، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يهدي من يشاء، ومن يضلل الله فما له من هاد، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، أفضل المرسلين وأكرم العباد، صلى الله عليه وعلى اله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم التناد.

أما بعد: فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: إن من حكمة الله تعالى، ومن فضله على عباده، أن صرف الليل والنهار والأيام، وقلب الشهور والفصول والأعوام؛ لما في ذلك من مصالح عظيمة كثيرة، وحكم بالغة كبيرة، ولو كان الزمان كله فصلا واحدا لفاتت على الخلق مصالح الفصول الباقية، ولحرموا منافع التفاوت والاختلاف فيها، يقول ربنا جل جلاله: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ، وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ)

وهذه من آيات الله الكونية العظمى التي تشهد بربوبيته، وتدل على عظيم قدرته وألوهيته، (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ * وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)

عباد الله: وفي فصل الشتاء يتحول الجو من حار إلى بارد، وتتقلب فيه الرياح من هادئة إلى عاصفة، وشدة البرد في هذا الفصل من الزمهرير الذي أعده الله تعالى عذابا للمكذبين في جهنم؛ وفي الشتاء عبر وعظات فشدة البرد  وشدة الحر نفسان من جهنم؛ لتذكير العباد في الدنيا بنار الاخرة؛ ليتقوا ما يوردهم إياها، ويأخذوا بأسباب النجاة منها. كما ثبت في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضاً، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ) وَالزَّمْهَرِيرُ: شِدَّةُ البَـرْدِ.

أيها المؤمنون: ولما كان فصل الشتاء معروفا بشدة البرد وهبوب الرياح القارسة في غالب وقته، وموسما لنزول الأمطار وانخفاض درجات الحرارة، مع حاجة الناس للألبسة الثقيلة، ولا يخفى ما يجدونه من مشقة في مثل هذه الظروف والأحوال؛ فقد شرع من الأحكام ما يتناسب وهذه المشاق.

وهذه جملة من الأحكام والاداب المتعلقة بالشتاء، فمنها: التيمم، فمن أراد الوضوء أو الغسل ولم يجد الماء، أو وجده ولكنه شديد البرودة – مع مراعاة عدم التساهل في تهيئة ما يسخن به الماء – أو كان البرد قارسا وخاف على نفسه الهلاك أو ضررا في جسده إن هو استعمل الماء: شرع له التيمم؛  يقول الله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّاً غَفُوراً) وَعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: لَمَّا بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لأحدى الغزوات، قَالَ: فَاحْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ، فَأَشْفَقْتُ إِنِ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلَكَ، فَتَيَمَّمْتُ ثُمَّ صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِي صَلَاةَ الصُّبْحِ، قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ  ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ:(يَا عَمْرُو: صَلَّيْتَ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟) قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللهِ، إِنِّي احْتَلَمْتُ فِي لَيْلَةٍ بَارِدَةٍ شَدِيدَةِ الْبَرْدِ، فَأَشْفَقْتُ إِنِ اغْتَسَلْتُ أَنْ أَهْلَكَ، وَذَكَرْتُ قَوْلَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) فَتَيَمَّمْتُ، ثُمَّ صَلَّيْتُ. فَضَحِكَ رَسُولُ اللهِ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئاً) فأقره الرسول صلى الله عليه وسلم على فعله، ولم يعنفه.

أخوة الإيمان: ولابد من التنبه بأن مشقة الوضوء بالماء البارد توجب لصاحبها عظيم الأجر، كيف وقد قام لله تعالى وأسبغ وضوءه على أطرافه وهو يرتعد من شدة البرد طلبا لرضوانه، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الخَطَايَا وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟). قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ الله! قال:(إِسْبَاغُ الوُضُوءِ عَلَى المَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الخُطَا إِلَى المَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاةِ بَعْدَ الصَّلاةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ)  يقول أهل العلم: وإسباغ الوضوء تمامه، والمكاره تكون بشدة البرد وألم الجسم ونحوه.

كما أن الشتاء فرصة كذلك لقيام الليل لمن وفقه الله، حيث أن النفس تأخذ حظها من النوم ثم تقوم بعد ذلك لصلاة الليل لطوله، روي عن الحسن البصري رحمه الله أنه قال: (نعم زمان المؤمن الشتاء، ليله طويل يقومه، ونهاره قصير يصومه). هذه مشاعر السلف -رحمهم الله- في الشتاء فرح وغبطة، همة ونشاط، جد واجتهاد فيما يقرب إلى الله.

إن قيام ليل الشتاء شاق على بعض النفوس، وذلك أن النفس تتألم أشد الألم بالقيام من الفراش في شدة البرد، حتى أن بعض الناس ربما ترك صلاة الفجر في جماعة بسبب ضعفه عن مجاهدة نفسه أصلحهم الله.

أيها الأخوة والأخوات في الله: ومن الأحكام التي فيها تخفيف من الله تعالى على عباده، ورحمته عز وجل بهم، ويحتاجها المسلم والمسلمة وخاصة في هذا الفصل: أن شرع سبحانه لهم المسح على الخفين والجوربين بدلا من غسل الرجلين إذا كانتا مستورتين بخف أو جورب ونحوهما وذلك بشرط أن يكونا قد لبسا على طهارة، وأن يكون المسح عليها في حدث أصغر، لا في الجنابة ولا في ما يوجب الغسل، عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فتوضأ، فأهويت لأنزع خفيه فقال: دعهما، فإني أدخلتهما طاهرتين) فمسح عليهما، فيجوز المسح عليها للمقيم يوما وليلة- أي أربعا وعشرين ساعة- وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن- أي اثنتان وسبعون ساعة – فعن شريح بن هانئ قال: أتيت عائشة رضي الله عنها أسألها عن المسح على الخفين، فقالت: عليك بعلي ابن أبي طالب، فسله فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه فقال: (جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوما وليلة للمقيم)، إلا إذا أصابته جنابة فيلزمه خلعهما وغسل القدمين مع سائر الجسد؛ لما رواه صفوان بن عسال رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن، إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم) وتبدأ مدة المسح من أول حدث بعد اللبس على طهارة, عند أكثر العلماء. وكيفية المسح: أن يبل المتوضئ يديه بالماء ثم يمرهما على ظاهر قدميه فقط، اليد اليمنى على القدم اليمنى واليسرى على اليسرى مرة واحدة عند كل وضوء من أطراف أصابع القدمين إلى بداية الساق) يقول الإمام علي رضي الله عنه : (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح على ظاهر خفيه) وكذا يشرع المسح على الجوربين؛ لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (توضأ ومسح على الجوربين…) والجورب: ما يلبس في الرجل لدفع البرد ونحوه، ويجب أن يكون الجوربان ساترين لمحل غسل الفرض من القدمين ليصح المسح عليهما.

عباد الله: ولما كان الشتاء موسما لنزول الأمطار وهي نعمة الله عز وجل، وخير للبلاد والعباد، تستحق منا الشكر، ووقت نزول المطر هو من أوقات الاستجابة للدعاء، ومما ورد من الأذكار والأدعية عند نزول المطر أن يقول المسلم: (مطرنا بفضل الله ورحمته)، وكذلك أن يقول: (اللهم اجعله صيبا نافعا) وإذا كثر المطر يقول: (اللهم حوالينا ولا علينا) وغير ذلك من الأدعية والسنن.

ومما يباح فعله عند نزول الأمطار الجمع بين الصلاتين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في وقت إحداهما، خاصة إذا تبللت الثياب وحصل معها المشقة والحرج، كما ذهب إلى ذلك كثير من العلماء، وهذه الرخصة لمن يصلي جماعة في مسجد يتأذى في طريقه إليه، على تفصيل عند أهل العلم في مسائل الجمع في المطر وغيره، فقد جاء في الحديث الصحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء  بالمدينة في غير خوف ولا مطر. قيل لابن عباس : ما أراد إلى ذلك ؟ قال : أراد أن لا يحرج أمته). وروي (أن أهل المدينة كانوا يجمعون في الليلة المطيرة بين المغرب والعشاء، ويجمع معهم عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لا يعيب عليهم ذلك). فالجمع بين الصلاتين لأجل المطر رخصة من الله عز وجل والله يحب أن تؤتى رخصه، ولكن لا ينبغي التساهل في هذا الجمع،  بل يكون الجمع مقيّداً بالمسوغ الشرعي للجمع من مطر أو وحل شديد أو ريح شديدة باردة ونحوه من الأعذار التي ذكرها أهل العلم.

عباد الله: ويشرع للمؤذن أن يقول عند شدة المطر أو الريح أو البرد: (صلوا في رحالكم) أي: منازلكم؛ لما رواه نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما، أنه نادى بالصلاة في ليلة ذات برد وريح ومطر، فقال في اخر ندائه: ألا صلوا في رحالكم، ألا صلوا في رحالكم ، ثم قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة أو ذات مطر في السفر أن يقول: (ألا صلوا في رحالكم)

أيها الأخوة والأخوات في الله:والشتاء فرصة للطاعة وموسم للعبادة ولا يفطن لذلك إلا الحريصون على كسب الحسنات ومضاعفة الدرجات، روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الشتاء ربيع المؤمن طال ليله فقامه، وقصر نهاره فصامه) وعن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال: (مرحبا بالشتاء، تنزل فيه البركة ويطول فيه الليل للقيام، ويقصر فيه النهار للصيام). ومن كلام يحيى بن معاذ رحمه الله قوله: (الليل طويل فلا تقصره بمنامك، والإسلام نقي فلا تدنسه باثامك). فالمؤمن يقدر في الشتاء على صيام نهاره من غير مشقة، ولا كلفة تحل به من جوع أو عطش، فلا يحس بمشقة الصيام.

روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (الغنيمة الباردة الصوم في الشتاء) وكان أبو هريرة رضي الله تعالى عنه يقول:(ألا أدلكم على الغنيمة الباردة) قالوا: بلى, فيقول: (الصيام في الشتاء، وقيام ليل الشتاء)

نفعني الله وإياكم بالقران العظيم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله عالم السر والنجوى، يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور؛ نحمده ونشكره، ونتوب إليه، ونستغفره. ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،ونشهد أن سيدنا  ونبينا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى اله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا.

أما بعد فيا أيها المسلمون: إن كثيرا من الناس يقصدون أماكن الترويح والتنزه والبر في أيام الشتاء والربيع، وذلك للتغيير من نمط الحياة اليومية، وللترويح ودفع الملل عن النفس البشرية، وإذا صدقت نية العبد والتزم حدود الشرع في ذاك الترويح: كان عملاً مباحاً يؤجر عليه، يقول تعالى:(قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين). وينبغي لمن خرج للبر للتنزه مراعاة الآداب الشرعية، والتزام الأخلاق الإسلامية، والأحكام والسنن المرعية، ومن تلك الآداب الدعاء عند نزول المكان؛ يقول صلى الله عليه وسلم: (من نزل منزلا ثم قال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق: لم يضره شيء، حتى يرتحل من منزله ذلك) كذلك يجب المحافظة على الصلوات وأدائها في وقتها، وعدم التساهل فيها ، خصوصا صلاة الفجر، لأن غالب أحوال من يخرجون إلى البر أنهم لا توقظهم إلا الشمس، كما ينبغي للمتنزهين أن يبتعدوا عن السهر الذي يضرهم، ويمنعهم من الاستيقاظ لأداء صلاة الفجر في وقتها… ومن وجبت عليه الجمعة وأدركها وهو في البر، فينبغي أن يحرص على  إقامتها في أقرب جامع من مكان التخييم.

ومن الآداب عدم الإسراف في المأكل والمشرب والحرص على إعطاء ما يزيد منها للمحتاجين من الرعاة وأهل الحاجة.. ومن الآداب نظافة المكان الذي تخيم فيه والحرص عليه وعدم ترك الفضلات والأوساخ، فهو ليس ملكا للنازل بل هو مرفق عام لكل الناس، فليتعامل النازل فيه كما يتعامل إذا كان في بيته ومسكنه.

عباد الله: ومن الآداب في  البر وغيره، عدم إزعاج الناس وأذيتهم برفع الأصوات بالغناء والموسيقى وأبواق السيارات والتفحيط والتحرش والمعاكسات، لأن هذه الأفعال تدخل في قوله تعالى:(والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا) وقوله  صلى الله عليه وسلم: (من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم) كما يجب احتشام النساء وتسترهن إذا ذهبن يمشين حول المكان فالله جل وعلا مطلع عليهن والحكم لا يختلف عن البلد بل في البر يزداد الأمر أهمية لخطورة الموقف وأثاره عليهن وعلى أهلهن…

ومن الآداب إعطاء الجيران في المخيمات حقوقهم، فقد يكون بجوارك أناس خرجوا لمثل ما خرجت له، فاحرص على عدم إزعاجهم، وإن كان لهم حاجة من خدمة فقدمها لهم، وإن كان معك فضل طعام فأعطهم، ففي ذلك تالف وتعاون وتراحم، وتكاتف وتحقيق لوصية نبينا محمد  صلى الله عليه وسلم،  حيث أوصى عند طبخ اللحم من إكثار المرق، وإعطاء الجيران منه.

كما ينبغي للمسلم عند النوم أن ينفض ما بداخل الفراش، حفاظا على نظافته أو إصابته بمكروه من الحشرات والمؤذيات التي قد تكون وقعت عليه.. ومن الآداب إطفاء النار عند النوم، يقول صلى الله عليه وسلم: إن هذه النار إنما هي عدو لكم، فإذا نمتم  فأطفئوها عنكم) وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنه يتتبع نيران أهله، فيطفئها قبل أن يبيت.. كما ينبغي الحرص في البر على الصحبة الطيبة التي تعين على الخير وتدل عليه وتشجع عليه، وتبعد المسلم عن الشر وأهله، ولعل من أعظم البلايا ضياع الوقت في الغيبة والنميمة، والسخرية والاستهزاء، وذلك فعل كثير من الناس في البلد وفي البر عافانا الله وإياكم من هذا البلاء، وجعلنا وإياكم مباركين أينما كنا، ورزقنا وإياكم كثرة الاستغفار في الليل والنهار.

اللهم فقهنا في الدين، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً في الدنيا والآخرة، واجعلنا من عبادك الفائزين.

اللهم أغننا بالعلم، وزينا بالحلم، وأكرمنا بالتقوى، وجملنا بالعافية، وأسعدنا في الدنيا والآخرة، إنك على كل شيء قدير.

اللهم أصلِح لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرنا، وأصلِح لنا دنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي إليها معادُنا، واجعل الحياةَ زيادةً لنا في كل خيرٍ، والموتَ راحةً لنا من كل شرٍّ..اللهم أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، وأدخلنا الجنة مع السابقين، وارزقنا الفردوس الأعلى يا أكرم الأكرمين.

اللهم أحفظ بلادنا البحرين وبلاد الحرمين الشريفين، وخليجنا، واجعله آمناً مطمئناً سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين.

اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى، وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان  وولي عهده سلمان بن حمد، اللهم أعنهم على أمور دينهم ودنياهم..  وهيئ لهم من أمرهم رشداً، وأصلح بطانتهم. ووفقهم للعمل الرشيد، والقول السديد، ولما فيه خير البلاد والعباد إنك على كل شيء قدير.. اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان ناصراً ومؤيداً، اللهم كن لهم في فلسطين وفي بلاد الشام وفي اليمن وفي كل مكان يا سميع الدعاء… اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات إنك على كل شيء قدير.. اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين… عباد الله :إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون،فاذكروا الله العلي الجليل يذكركم،واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ويغفر الله لي ولكم.

خطبة جامع الفاتح –   عدنان بن عبد الله القطان –   مملكة البحرين