الجمعة 15 ربيع الأول 1440هـ
الموافق 23 نوفمبر 2018م

الحمد لله الذي لا تغيض ينابيع فضله، ولا تضطرب موازين عدله، له غيب السموات والأرض، وإليه يرجع الأمر كله، وما الله بغافل عما تعملون، نحمده سبحانه ونشكره على جزيل الفضل، وسابغ العطاء، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذي الآلاء والنعماء، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، أصفى الناس قلباً، وأزكاهم نفساً، وأعظمهم خلقاً، صلى الله وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه البررة الأوفياء، والسادة الحنفاء، ومن سلك سبيلهم واقتفى.

أما بعد: فيا عباد الله،أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، اتقوا الله حق التقوى، فإنها جماع الخيرات، وسبيل السعادة والنجاة، بها تزكو النفوس، وتستقيم الألسن، وتصلح القلوب، فاتقوا الله تعالى في كل ما تقولون وما تفعلون: (وَٱتَّقُواْ يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)

معاشر المسلمين: إن دين الإسلام، وهو الدين الكامل في أحكامه، الشامل في تشريعاته، قد هدى إلى أرقى الأخلاق، وأرشد إلى أكمل الآداب، ونهى عن مساوئ الأفعال ومستقبح الأقوال، وإن مما وجه إليه الإسلام من الفضائل والآداب، العناية بأدب الحديث، وحسن المنطق، وحفظ اللسان عن اللغو وفضول الكلام، فلقد أكرم الله تعالى بني آدم، وميزهم عن سائر الحيوان بنعمة العقل والبيان، وامتن سبحانه وتعالى بهذه النعمة على خلقه بقوله: (أَوَلَمْ يَرَ ٱلإِنسَـٰنُ أَنَّا خَلَقْنَـٰهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مٌّبِينٌ) فحق هذه النعمة أن تُشكر ولا تكفَر، وأن يُراعى فيها ما يجب لله تعالى من حفظٍ عن الحرام، وصيانة عن الآثام، فإن اللسان من أعظم الجوارح أثراً، وأشدها خطراً، فإن استُعمل فيما يُرضي الحق، وينفع الخلق، كان من أكبر أسباب السعادة والتوفيق لصاحبه في الدنيا والآخرة، وإن استعمل فيما يسخط الجبار جل جلاله، ويضر بالعباد ألحق بصحابه أكبر الأوزار، وأعظم الأضرار.

ولذا يا عباد الله عُني الإسلام بأمر اللسان أيما عناية، فحث ربنا جل وعلا في محكم التنزيل، وعلى لسان سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه، على حفظ اللسان، وصيانة المنطق، ومجانبة الفحش والبذاء، فقال جل وعلا: (وَقُل لّعِبَادِى يَقُولُواْ ٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ، إِنَّ ٱلشَّيْطَـٰنَ كَانَ لِلإِنْسَـٰنِ عَدُوّاً مُّبِينًاً)، ووصف الله تعالى ذوي الإيمان وأرباب التقى بالإعراض عن اللغو، ومجانبة الباطل من القول، فقال عز شأنه: (قَدْ أَفْلَحَ ٱلْمُؤْمِنُونَ ٱلَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَـٰشِعُونَ وَٱلَّذِينَ هُمْ عَنِ ٱللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ) ، وقال سبحانه: (وَإِذَا سَمِعُواْ ٱللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ لَنَا أَعْمَـٰلُنَا وَلَكُمْ أَعْمَـٰلُكُمْ سَلَـٰمٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِى ٱلْجَـٰهِلِينَ) والمؤمن مأمور بأن يكون كلامه مستقيماً لا اعوجاج فيه ولا انحراف، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً  يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) فحفظ اللسان عن المآثم والحرام، عنوانٌ على استقامة الدين وكمال الإيمان، كما في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ ، وَلا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ) ، بل إن جوارح الإنسان كلها مرتبطة باللسان في الاستقامة والاعوجاج، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفِّر اللسان، تقول: اتق الله فينا؛ فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا)، يقول الإمام النووي رحمه الله: معنى (تكفر اللسان) أي: تذل له وتخضع)… وإن حفظ المرء للسانه، وقلة كلامه عنوان أدبه، وزكاء نفسه، ورجحان عقله، كما قيل في مأثور الحكم: (إذا تم العقل نقص الكلام)، وقال بعض الحكماء: (كلام المرء بيان فضله، وترجمان عقله، فاقصره على الجميل، واقتصر منه على القليل)… أيها المؤمنون: وإن المسلم الواعي ليحمله عقله، ويدفعه إيمانه، إلى الاعتناء بحسن اللفظ، وجميل المنطق حين يرى المقام يدعو إلى الكلام، وإلا آثر الصمت ولزم الكف طلباً للسلامة من الإثم، عملاً بتوجيه رسول الهدى صلى الله عليه وسلم  في قوله: َ(مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ)… فحسن التعبير عما يجول في النفس أدب رفيع، وخلق كريم، وجه الله تعالى إليه أهل الديانات السابقة، وأخذ عليهم به العهد والميثاق، فقال عز وجل: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) وإن الطيِّب من القول ليجمل مع كل أحد من الناس، سواءٌ في ذلك الأصدقاء أو الأعداء، فهو مع الأصدقاء سببٌ لاستدامة الألفة والمودة، وأما حسن الكلام مع الأعداء فإنه مما يُذهب وحر الصدور، ويسلّ السخائم والضغائن، ويطفئ الخصومات كما قال سبحانه: (ٱدْفَعْ بِٱلَّتِى هِىَ أَحْسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِىٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظّ عَظِيمٍ)

أيها المسلمون: إن للِّسان آفاتٍ عظيمةً، وإن للثرثرة وفضول الكلام مساوئ كثيرة، وقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في التحذير من ذلك: (من كثر كلامه كثر سقطه، ومن كثر سقطه قلَّ حياؤه، ومن قلَّ حياؤه قلَّ ورعه، ومن قلَّ ورعه مات قلبه)، وقال بعض السلف: (أطول الناس شقاءً وأعظمهم بلاءً من ابتُلي بلسان منطلق، وفؤاد منطبق)… فمن الحزم والرشاد اجتناب فضول الكلام، وحفظ اللسان عن كل ما لا ينفع ولا يفيد في أمر دينٍ أو دنيا؛ إذ بهذا وصى رسول الهدى صلى الله عليه وسلم  أمته، وحثها عليه، فقد قال صلى الله عليه وسلم لصاحبه معاذ بن جبل رضي الله عنه : (كف عليك هذا) وأشار  إلى لسانه، فقال معاذ: يَا نَبِيَّ اللهِ ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِعلى وُجُوهِهِمْ ، أَوْعلى مَنَاخِرِهِمْ ، إِلاَّ حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ.).؟!

وعن سفيان الثقفي رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، ما أخوف ما تخاف عليَّ؟ قال: فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه، ثم قال: (هذا)… ولأجل هذا يا عباد الله كان سلف هذه الأمة وخيارُها يخشون خطر اللسان، ويحاذرونه غاية الحذر، فكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول : (والله الذي لا إله غيره، ما على ظهر الأرض شيء أحوج إلى طول سجن من لسان)، وقال الإمام علي رضي الله عنه: (بكثرة الصمت تكون الهيبة) وقال عبد الله ابن عباس رضي الله عنهما: (يا لسان قل خيراً تغنم، واسكت عن شر تسلم). وقال الحسن البصري رحمه الله : (لا تستقيم أمانة رجل حتى يستقيم لسانه، ولا يستقيم لسانه حتى يستقيم قلبه) . وقال الإِمامُ الشافعيُّ رحمه اللّه لصاحبه الرَّبِيع: يا ربيعُ! لا تتكلم فيما لا يعنيك، فإنك إذا تكلَّمتَ بالكلمة ملكتكَ ولم تملكها، وأنشأ يقول:

أحفظ لسانَك أيُّها الإِنسانُ

لا يلدغنَّك إنه ثُعبانُ

كم في المقابرِ من قتيلِ لسانِه

كانتْ تهابُ لقاءَه الشجعانُ

وقال عطاء بن أبي رباح رحمه الله: (أما يستحي أحدكم إذا نشرت صحيفته التي أملاها صدْرَ نهاره أن يكون أكثر ما فيها ليس من أمر دينه ولا دنياه)… فاللسان ـ يا عباد الله ـ حبل مرخي في يد الشيطان، يصرف صاحبه كيف يشاء إن لم يُلجمه بلجام التقوى، أما حين يطلق للسانه العنان، لينطق بكل ما يخطر له ببال، فإنه يورده موارد العطب والهلاك، ويوقعه في كبائر الإثم وعظيم الموبقات، من غيبة ونميمة، وكذب وافتراء، وفحش وبذاء وإشاعة  وتطاول على عباد الله، بل وربما أفضى بالبعض إلى أن يجرِّد لسانَه مِقراضاً للأعراض بكلمات تنضح بالسوء والفحشاء، وألفاظ تنهش نهشاً، فيسرف في التجني على عباد الله بالسخرية والاستهزاء، والتنقص والازدراء، وتعداد المعايب، والكشف عن المثالب، وتلفيق التهم والأكاذيب، وإشاعة الأباطيل، لا يحجزه عن ذلك دينٌ ولا يزعه عنه مروءة ولا حياء، كأنه لم يسمع قوله عز شأنه: (سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ) وقوله عز وجل: (مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)،وأين هو من قوله عليه الصلاة والسلام: (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان، ولا الفاحش ولا البذيء) وقوله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الرَّجُلَ ليَتَكَلَّمُ بالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوانِ اللَّهِ تَعالى مَا كَانَ يَظُنُّ أنْ تَبْلُغَ مَا بلَغَتْ يكْتُبُ اللَّه لَهُ بهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يلْقَاهُ، وَإنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمةِ مِنْ سَخَطِ اللَّه مَا كَانَ يظُنُّ أنْ تَبْلُغَ مَا بلَغَتْ يكْتُبُ اللَّه لَهُ بهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يلْقَاهُ) وإن البلاء ليعظم يا عباد الله  حين يُرى من عليه سِيما العلم والصلاح والتدين وهيئات الوقار والاحتشام ويُسْفر عن فُحش وبذاء، حتى لا يدع لصاحب فضل فضلاً، ولا لذي قدر قدراً، يحمل عليهم الحملات الشعواء أحياءً وأمواتاً لزلة لسان، أو سَبق قلم، أو لموقف خاص معهم، وقد لا يكون شيء من ذلك، وإنما هو الحسد والبغي، أفلا حَجَزه عن ذلك عقلٌ وخلق، إن لم يمنعه دين وتقى؟! أولا يمنعه من ذلك ما يعلمه من عيوب نفسه وكثرة مثالبه؟! وقد قال بعض السلف لمن سمعه يقع في أعراض الناس: (قد استدللنا على كثرة عيوبك بما تُكثر من عيوب الناس).

عباد الله: إن المتأمل في واقع المجتمعات اليوم ليرُوعه أن أكثر ما تنشغل به الكثرة الكاثرة من الناس في المجالس والمنتديات ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، وما يُبثُّ عبر وسائل الإعلام المختلفة، غالبه من لغو الكلام وفضول القول، تميل إليه الأنفس، وتصغي إليه الآذان، وتلوكه الألسن، ثم لا تعود منه بطائل، ولا تخرج منه بفائده، بل غالبه يعود بالضرر في العاجل والآجل، وكل ذلك ليس من هدي الإسلام وآدابه؛ لأن الإسلام يكره اللغو والفضول، والانشغال بسفاسف الأمور، ويحب معاليها وفضائلها، وقد قال سبحانه: (لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيماً)

فاتقوا الله رحمكم الله،والتزموا بتعاليم الإسلام، وتأدبوا بآداب أهل الإيمان، واحفظوا ألسنتكم عن الحرام، فمن وُقي شر لسانه فقد وُقي شراً عظيماً، ومن استعمل لسانه في الخير والطاعة والمباح من الكلام وُفق للسداد والكمال، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

نسأل الله جل وعلا أن يقينا شر ألسنتنا ويحفظها علينا من الآفات والموبقات المحرمة، وأن يُعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته إنه ولي ذلك والقادر عليه.

نفعني الله وإياكم بالقرآن الكريم، وبهدي سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد؛ فيا أيها المسلمون أيها المواطنون الكرام: غداً السبت بإذن الله تعالى، يتوجه الناخبون من المواطنين، في جميع محافظات المملكة إلى صناديق الاقتراع، للمساهمة الفاعلة في مسيرة التقدم والرخاء والازدهار للبلاد، وذلك بانتخاب ممثليهم ونوابهم  صناع القرار لإدارة شئون البلاد والعباد، والشروع في ممارسة حقهم الدستوري الذي أرسته القيادة العليا في مملكتنا الغالية البحرين… والواجب على كل مواطن غيور على مصلحة وطنه، أن يتفاعل مع الحياة النيابية من حوله، وأن يقف منها موقفاً ايجابياً، وينظر إليها نظرة ملؤها التفاؤل والأمل والرجاء، وليس اليأس والقنوط والإحباط  والانزواء والابتعاد والمقاطعة، ولا بد من مراعاة سنة التدرج في الإصلاح والتصحيح، لإنجاح هذه التجربة أسوة بالدول العريقة بالديمقراطيات.

أيها الأخوة والأخوات: إن ممارسة حق الانتخاب، والقيام بواجب التصويت لاختيار النواب ذوي الصلاح والكفاءة والعلم، والأمانة والنزاهة والأهلية، والعدالة والرأي والحكمة وأصحاب التخصصات المفيدة المتنوعة، لدخولهم في المجلس النيابي أو المجلس البلدي، يعتبر ذلك واجباً وطنياً على كل مواطن ومواطنة، حيث أصبحت هذه المجالس النيابية والشورية والبلدية تمثل الأسلوب الأفضل والأمثل، الذي يستطيع المواطن من خلاله أن ينهض بواجب النصيحة ويسمعها للآخرين، ويضمن وصولها إلى من يريد، كما يستطيع المواطن من خلال هذه المجالس أن يوسع دائرة الإصلاح والتصحيح، فلا يسع المواطن الحريص على مصلحة وطنه، أن يقف صامتاً أو مقاطعاً، أو ينسحب من الميدان.

أيها المواطنون: إن الله تعالى يدعوكم إلى وضع الأمور في نصابها باختيار الأكفأ والأصلح والأنفع، حيث يقول تعالى: (إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) والأمانة هي التي يستشعرها الفرد حينما يخدم وطنه وأبناء مجتمعه، أمانةٌ تدفعه إلى تقديم المصلحة العامة على الخاصة، وتجعله يؤثر مصلحة الوطن على ما سواها، أمانة تحمله على العمل بكل جد وإخلاص دون انحياز لجماعة أو لحزب أو لفئة أو طائفة؛ بل للوطن وأبنائه بكل فئاته ومكوناته…

أيها الإخوة والأخوات في الله:إن الواجب الوطني يلزمنا أن نتجاوب مع المرحلة المقبلة، ونهب جميعاً للمشاركة في هذا المشروع الإصلاحي المبارك الذي خطه صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة أيده الله لتنطلق به مملكة البحرين إلى ميادين التقدم والتطور والرخاء، لذلك علينا أن نحسن اختيار من يمثلنا، ولا نتردد عن الإدلاء بشهادتنا والمشاركة بأصواتنا، وإعطائها لمن يستحقها، وأما من يحاول العزلة والابتعاد والانزواء والمقاطعة، متذرعاً بأسباب واهية، وعلل متهافتة، يعتبر مقصراً في تحمل مسؤولياته الوطنية، ومتوانياً عن أداء ما كلف به، ومفوتاً لتحقيق مصلحة عامة…

أيها الناخب الكريم: شارك إخوانك المواطنين، في الانتخابات النيابية والبلدية، وكن ايجابياً، وضع صوتك عند من تعتقد أنه الأكفأ والأصلح والأنفع، ومن سيكون مفتاحاً للخير، مغلاقاً للشر، إن الواجب على الجميع في هذه المرحلة أفراداً وجماعاتٍ، جمعياتٍ وهيئاتٍ وتجمعاتٍ،أن يلبوا نداء الوطن، ويشاركوا في انتخاب واختيار من يرونه أهلاً وكفؤاً لتحمل هذه الأمانة والمسؤولية، من أجل بناء المستقبل الأفضل والتطلع إلى المكانة اللائقة والمرموقة لمملكتنا الغالية البحرين.

نسأل الله تعالى أن يوفق الراعي والرعية لما يحبه ويرضاه، وأن يمن على الجميع بالصحة والعافية والرخاء والأمن والأمان، اللهم اجعل عهد ملكنا حمد بن عيسى، عهد خير وسعد وبركة وصلاح للبلاد والعباد، ووفقه ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد  لما تحب وترضى،وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة، اللهم أصلح ذات بيننا، وألف بين قلوبنا رعاة ورعية، وأهدنا سبل السلام، وأهدنا إلى صراطك المستقيم. اللهم اجعل يومنا خيراً من أمسنا، واجعل غدنا خيراً من يومنا، وأحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.

اللهم آمنا في وطننا وخليجنا،اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم انصر عبادك المستضعفين في كل مكان. اللهم كن لهم ناصراً ومؤيداً، اللهم أصلح أحوالنا وأحوالهم، اللهم أصلح أحوالهم في فلسطين وفي سوريا وفي اليمن وفي أراكان وفي الصين وفي كل مكان،اللهم فرج همهم ونفس كربهم، وأصلح أحوالهم، وألف بين قلوبهم،واحقن دمائهم،وولي عليهم خيارهم، واصرف عنهم شرارهم، ولا تجعل لعدو ولا طاغية عليهم سبيلا..

اللهم إنا نعوذ بك من زوال نعمتك، وتحول عافتيك، وفجاءة نقمتك، وجميع سخطك… اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك على كل شيء قدير.

اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ والإحسان وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ويغفر الله لي ولكم.

خطبة جامع الفاتح –   عدنان بن عبد الله القطان –   مملكة البحرين