الجمعة 24 صفر 1440هـ
الموافق 2 نوفمبر 2018م

الحمد لله المعز لمن استجاب لأمره، المذل لمن عصاه وخالفه، نحمده سبحانه لا إله غيره ولا معبود سواه،ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أتم علينا النعمة وأكمل لنا الملة، (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِينًاً) ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وترك الناس على المحجة البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلوات ربي وسلامه عليه، وعلى آله المستجيبين لربهم، وأصحابه المعتزين بيقينهم، وأتباعه الثابتين على دينهم وإيمانهم، (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ)

أما بعد فيا عباد الله:أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ، وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) وإن من لوازم تقوى الله سبحانه، أن يستجيب المسلم لأوامر الله وأوامر رسوله صلى الله عليه وآله وسلم؛ كما أمر الله بذلك في محكم كتابه بقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ، وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ، وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) إن المنهج الشرعي يا عباد الله قائم على الاستجابة، قائمٌ على التنفيذ، قائمٌ على التطبيق، قائمٌ على المبادرة بالاستجابة لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وهكذا كان شأن الصحابة رضوان الله عليهم، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، كان شأنهم المتابعة، وكان شأنهم التنفيذ، وكان شأنهم التطبيق، ما وقفوا يوماً يحتجون، أو يعترضون، أو يفرضون الشبه، أو الحجج على أمر الله، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم، وفي هذا يقول الله جل وعلا: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًاً)  إذا جاء أمر الله، فلا خيار لك أيها العبد ويا أيتها الأمة، إذا جاء شرع الله، فلا خيار لكِ أيتها الأمة، إذا جاء أمر الله وتعاليم دينه، فلا خيار لفرد ولا لمجتمع من المجتمعات أن يفعل أو لا يفعل، أن يختار أو لا يختار، لا يبقى أمامه إلا أن يقول: سمعت وأطعت، ولا يبقى للأمة أن تقول إلا: سمعنا وأطعنا، يقول الله جل وعلا: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)

أيها المؤمنون:إن الاستجابة لأوامر الله، والمبادرة بالتنفيذ والتطبيق، صفة من صفات المؤمنين، وهي صفة الأنبياء والمرسلين، وهي صفة الملائكة  المقربين، (لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) فهذه استجابة نبينا صلى الله عليه وسلم، وهو الوحيد الطريد الشريد الذي  لا معين ولا نصير له إلا الله عز وجل، يؤذيه أهل مكة، ويضعون الشوك في طريقه، ويلقون سلى الجزور على ظهره، فيخرج هائماً على وجهه لا يجد أحداً يعينه، فيذهب إلى أهل  الطائف بأبي هو وأمي، فيغرون به السفهاء، ويصفون له صفين يرمون أقدامه بالحجارة حتى أدموها، ذلك النبي خير من وطئت قدمه الثرى، أشرف الأنبياء والمرسلين، يقول له الله جل وعلا: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) فماذا كان شأنه صلى الله عليه وسلم بعد ورود أمر الله له؟ كان شأنه الاستجابة، لمّا نزل قول الله: (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) صعد على جبل الصفا، ونادى قريشاً بطناً بطناً، وفخذاً فخذاً،وقال واصباحاه، فاجتمعوا إليه، فقال: (لو قلت لكم: إني منذركم عن جيش يصبحكم، أو يمسيكم، هل أنتم مجربون عليَّ كذباً؟) قالوا: أبداً ما جربنا عليك كذباً، فقال: (إني رسول من الله إليكم، أن اعبدوا الله وحده، ولا تشركوا معه أحداً) فماذا كان جوابهم ؟ قال أشقاهم: تباً لك يا محمد، ألهذا جمعتنا سائر اليوم؟ استجاب النبي صلى الله عليه وسلم لربه، وكانت استجابة إصرار، لا تراجع فيها، فلما رأوا عظم شأنه، وصدق عزيمته، وقوة تطبيقه لأمر ربه ومضائه، قالوا: يا محمد! اعبد إلهنا سنة، ونعبد إلهك سنة، فقال: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)  قالوا: يا محمد! إن كنت تريد مالاً أعطيناك، وإن كنت تريد جاهاً سودناك، وإن كنت تريد جمالاً زوجناك، وإن كان الذي بك رئيٌ من الجن عالجناك، فماذا قال؟ قال: (والله لو وضعتم الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر، ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه) هكذا كانت استجابة نبيكم صلى الله عليه وسلم لأمر الله تبارك وتعالى.

أيها المسلمون: أما استجابة الصحابة رضوان الله عليهم لأمر الله عز وجل، فلهم في باب الاستجابة شأن عظيم جداً، كانوا يعلمون أن هذا القرآن ما نزل إلا ليتلى ويعمل به، ويكون كل واحد منهم قرآناً يمشي على وجه الأرض، ما نزل القرآن لكي يتزين به في المجالس، أو يعلق على الجدران والصدور، أو يتبرك بحروفه ورسمه، والله ما نزل إلا وحياً مباركاً، وشفاءً وإنقاذاً لأمة ضلت، وإبصاراً لأمة عميت،ومنهج حياة للمسلمين، فعلموا أن الاستجابة هي الأمر الطبيعي لنزول هذا القرآن، فاستجابوا له، ولو كان ذلك على حساب ما تأصل وشربته القلوب من عاداتهم  وتصرفاتهم وأفعالهم، لما نزل قول الله جل وعلا في شأن تحريم الخمر؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) لم يكن هذا قوياً في صرفهم عنها في غير أوقات الصلوات،  حتى نزل قوله جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) ، لما بلغت هذه الآية أسماع الصحابة رضوان الله عليهم (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) ماذا كان شأنهم مع الاستجابة؟ كان بعضهم قد وضع مجةً من الخمر في فمه فأراقها، وكان بعضهم قد رفع الكأس إلى فيه فرمى به، وكان بعضهم يملك الدنان الكبيرة والجرار الكثيرة من الخمر المعتقة، فما كان منه إلا أن أراقها، وشق دنانها، وكسر أوعيتها، قال الرواة: سالت شوارع وأودية المدينة من الخمر من قوة استجابة الصحابة لأمر الله، وهذه يا عباد الله استجابة عجيبة، ما قال أحدهم: لو أكملت هذا الكأس الذي رفعته، ولم يقل الآخر: لو بلعت هذه الشربة التي مججتها، وما قال الآخر: لو فعلت بهذه شيئاً، لو أني خللتها، وجعلتها خلاً، لو أني بعتها على غير المسلمين، لو أني فعلت بها كذا وكذا، لمّا سمعوا قول الله تعالى: (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) استجابوا فوراً، وأراقوها، وأبعدوها من دورهم ومجالسهم ومجتمعاتهم وأوطانهم،وقالوا انتهينا،انتهينا يا رب. فما أعظم هذه الاستجابة، وما أقواها، وما أجلها يا عباد الله.

أيها الأخوة والأخوات في الله: ولما نزلت آيات الحجاب على النساء والفتيات المسلمات، ونزل قول الله جل وعلا: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)

استجابت نساء الأنصار وفتياتهم، واستجابت نساء المسلمين أجمعين، ما تخلفت واحدةٌ منهن عن الاستجابة، فخرجن كالغربان متلفعات بمروطهن،متحجبات ساترات لما حرم الله عليهن كشفه،ولم تقل بعضهن كما تقول بعض نسائنا وفتياتنا اليوم أصلحهن الله،ما هذه الرجعية؟وما هذا التخلف؟ ولماذا فرض الله هذا الحجاب علينا؟ إنها الاستجابة لله وللرسول،فأين نحن من هذه الاستجابة.

عباد الله: لقد كان الصحابة رضوان الله عليهم  يستجيبون لله ولرسوله ولو على أرواحهم، وذلك لحبهم لله ولنبيه صلى الله عليه وسلم. فهذا الصحابي الجليل حنظلة بن أبي عامر رضي الله عنه يدخل بزوجته في ليلة من ليالي الجهاد، فيصيح المنادي:  يا خيل الله اركبي، فيقوم من أحضان زوجته جنباً لم يغتسل بعد، ويأخذ سلاحه ولامته، ويمتطي صهوة فرسه، ويدخل ساحة الميدان، استجابة فورية لنداء الجهاد في سبيل الله، لم يقل: ما زلت في شهر العسل، ولم يقل: ما زلت في ليلة العرس، ولم يقل إنها أحلى ليالي العمر كما نقول نحن في هذه الأيام، استجاب فوراً لأمر الله تعالى، فيقتل شهيداً، فالنبي صلى الله عليه وسلم في تلك الحالة وفي تلك الليلة يلتفت، ثم يعرض بوجهه، يقول الصحابة:(ما بالك يا رسول الله؟ فيقول: إن صاحبكم لتغسله الملائكة، فاسألوا أهله ما شأنه؟ فسئلوا زوجته، فقالت: خرج من عندي وهو جنب حين سمع الصيحة للجهاد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم،(لذلك غسلته الملائكة،لذلك غسلته الملائكة،لذلك غسلته الملائكة)..الله أكبر ما أعظم هذه الاستجابة يا عباد الله.

وهذا أحد الصحابة رضي الله عنه كان ماضياً إلى المسجد، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم يخطب ويقول: (لا يبقين أحد منكم إلا ويجلس، فجلس في الطريق، فلما خرج النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ما الذي أجلسك هنا؟ قال: سمعتك تقول: لا يبقين أحد منكم إلا ويجلس فجلست مكاني فور سماعي كلامك هذا يا رسول الله! فحمد النبي صلى الله عليه وسلم ربه، ودعا له بخيرٍ وأثنى عليه)

هكذا يا عباد الله كانت الاستجابة سواء عرفوا السبب والعلة، أو لم يعرفوا، والآن -يا عباد الله- تقول لأحدهم: إن الله حرم هذا فيقول لك معترضاً: لماذا ؟ تقول: إن الله شرع هذا فيقول: لماذا؟ تقول: إن الله نهاك عن هذا، فيقول:ما سبب ذلك وما المصلحة في هذا، دعونا من هذه الأحكام، إنها رجعية وتخلف، إننا في عصر العولمة والتقدم والانفتاح؟ أين الاستجابة والانقياد، وأين الطاعة والخضوع؟ وأين الاحتكام لله وشرعه؟ وأين الاحتكام لسنة نبيه؟ لدى هؤلاء، بل أين نحن من الاستجابة لله ولرسوله يا عباد الله؟..

يا شباب الإسلام! يا رجال الأمة! يا معاشر المؤمنين والمؤمنات! أتستجيبون لأمر الله؟ إن الله حرم الفساد في الأرض، إن الله حرم الربا،والرشا،والسرقة والاختلاس، وحرم الزنا والدعارة والمجون،وحرم الخمور والمسكرات والمخدرات، وحرم سفك الدماء، والقتل بغير حق، وحرم  الغيبة والنميمة، وحرم السعي بالفساد في الأرض، أتستجيبون لأمر الله؟ هل نقول: سمعنا وأطعنا ؟ أم نقول: لماذا؟ وكيف؟ ولعل؟ ومتى؟ وربما؟ وأين… إلى آخره، ليست هذه من صفات المؤمنين، فإن كنا وكنتم مؤمنين، فلنستجب لله فوراً، فلنستجب لله في أنفسنا،وفي بيوتنا وفي عباداتنا وفي معاملاتنا وفي أعمالنا، وفي وظائفنا، وفي تعليمنا، وفي أسواقنا، وفي متاجرنا، وهذه والله هي الاستجابة الحقيقية وإلا فلا. ( وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ)، (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)..

اللهم إنا نشكو إليك قسوة القلوب، وضعف الاستجابة، اللهم أعنا على أنفسنا حتى نستجيب لك، ونستجيب لرسولك صلى الله عليه وسلم، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.. نَفَعَنِيْ الْلَّهُ وَإِيَّاكُمْ بِالْقُرْآَنِ الْعَظِيِمِ، وَبِهَدْيِ سَيِّد الْمُرْسَلِيْنَ، أَقُوْلُ مَا تَسْمَعُوْنَ وَاسْتَغْفِرُ الْلَّهَ لِيَ وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِيْنَ، فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُوْرُ الْرَّحِيْمُ.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه،والشكر له على توفيقه وامتنانه،ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه سبحانه،ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى سبيل الله ورضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه،وسلم تسليما كثيراً.

أما بعد فيا أيها المسلمون: يقول الله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: فتضمنت هذه الآية أموراً منها: أن الحياة النافعة إنما تحصل بالاستجابة لله ورسوله، ومن لم تحصل له هذه الاستجابة، فلا حياة له، وإن كانت له حياةٌ بهيميةٌ مشتركةٌ بينه وبين أرذل الحيوانات، فالحياة الحقيقية الطيبة هي حياة من استجاب لله والرسول ظاهراً وباطناً، فهؤلاء هم الأحياء وإن ماتوا، وغيرهم أموات وإن كانوا أحياء الأبدان، ولهذا كان أكمل الناس حياة أكملهم استجابةً لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، وإن كل ما دعا إليه ففيه الحياة، فمن فاته جزءٌ منه، فاته جزءٌ من الحياة، وفيه من الحياة بحسب ما استجاب للرسول عليه الصلاة والسلام انتهى كلامه رحمه الله.

الله أكبر! يا عباد الله إنه لا حياة حقيقية؛ إلا لمن استجاب لله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم،والتزم بتعاليمه، ولا تحصل الاستجابة إلا بطاعة الله ورسوله، والوقوف عند حدود الله، ولزوم هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، والاحتكام إليه، والرضا به، والتسليم المطلق له،وصدق الله (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) عن أبي سعد بن المعلى رضي الله عنه، قال: (كنت أصلي فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم، فدعاني، فلم آته حتى صليت، ثم أتيته، فقال: ما منعك أن تأتيني؟ ألم يقل الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) فإذا كانت إجابة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم واجبةً في حياته، فإن الاستجابة لما صح من سنته بعد وفاته واجبة، وتحرم مخالفتها، وتقديم شيء عليها، وقد رتب الله الوعيد الشديد، والانتقام الأكيد على المخالفين لها بقوله: (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)

أيها المؤمنون: إذا كان تأخر الصحابي الجليل أبي سعد بن المعلى لحظات عن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم حين دعاه، وهو يصلي يعبد الله؛ سبَّب إنكار الرسول صلى الله عليه وسلم عليه، لعدم مبادرته واستجابته لأمره، فكيف بحال كثير من الناس اليوم ولا حول ولا قوة إلا بالله! وقد آل الأمر بكثير من الناس إلى نبذ أوامر الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وراء ظهره والعياذ بالله! ومن تأمل ما يعيشه فئام وجماعات من البشر، وجد أن أقوالهم وأعمالهم وتصرفاتهم واعتقاداتهم تترجم ذلك وتفصح عنه جيداً.

أيها المسلمون: إن من استجاب لله؛ استجاب الله له، يقول تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى) ويقول عز وجل مبيناً نتيجة الفريقين: (لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) وما أشد ضرورة المسلمين في هذا الزمن إلى استجابة الله لهم! ولكن لما حصل الخلل في استجابتهم لله ورسوله، منعوا من إجابة الله لهم، ووكلوا إلى أنفسهم، ومن وكله الله إلى نفسه؛ وكله إلى ضعف وعجز وعورة، ولن تنكشف الغمة، وتصلح حال الأمة إلا بقيامها لله مثنى وفرادى، جماعات ودولاً، واستجابتها لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحمايتها والغيرة عليها، والدفاع عنها، ونصرة المستمسكين بها: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)…

اللهم أقل عثراتنا، واغفر زلاتنا، وكفر عنا سيئاتنا،وتوفنا مع الأبرار.اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم،ولا تعذبنا بمعاصينا فإنك علينا قادر.اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك،وبطاعتك عن معصيتك،وبفضلك عمن سواك.

اللهم أهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال والأقوال لا يهدي لأحسنها إلا أنت ،واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت.

اللهم أعنا على شهوات أنفسنا، وقسوة قلوبنا، وضعف إرادتنا، ولا تكلنا إلى أنفسنا، ولا إلى أحد غيرك، اللهم لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين، ولا أقلّ من ذلك يارب العالمين.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين،اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين،اللهم رد المسلمين إلى دينهم رداً صحيحاً جميلاً.

اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم أصلح قادتهم وعلمائهم، وشبابهم وفتياتهم، ونسائهم ورجالهم، يا ذا الجلال والإكرام. اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا، اللهم وفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى، ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان، وولي عهده سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين. اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان، ناصراً ومؤيداً، اللهم كن لهم في فلسطين وفي بلاد الشام وفي اليمن، اللهم وأصلح أحوالهم، وفرج همهم ونفس كربهم، وألف بين قلوبهم، ولا تجعل لعدو عليهم سبيلا. اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات إنك على كل شيء قدير..

اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين…

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون ويغفر الله لي ولكم.

خطبة جامع الفاتح –   عدنان بن عبد الله القطان –   مملكة البحرين