الجمعة 11 محرم 1440هـ
الموافق 21 سبتمبر 2018م

الحمد لله يخلق ما يشاء ويختار, ويصطفي للشرف من شاء من الأخيار ، شرّف رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم على كل البرية، وجعل ذريته أشرف ذريّة، نحمده تعالى ونشكره، ونثني عليه ونستغفره، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، نتقرب إلى الله تعالى بمحبة رسوله وعترته الطاهرة الزكية، صلى الله وسلم وبارك عليهم، وعلى سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان.

أما بعد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

معاشر المسلمين: في شهر شعبان المبارك، لسنة أربع من الهجرة النبوية الشريفة، ها هو رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في المدينة المنورة، يجرُّ إزاره مسرعاً قد سَمِعَ خبراً خفق له فؤادُه، وتحركت من أجله لواعجُ شوقه، لقد ولدت أبنته السيدة فاطمةُ بنت محمد صلى الله عليه وسلم طفلاً… فدخل الجدُّ صلَّى الله عليه وسلَّم على ابنته فاطمة رضي الله عنها، وحمل الوليدَ المبارك بين يديه، ثم أتى بتمرةٍ، فلاكها بريقه الشريف، وحنَّك الطفل بها، وأذن في أذنه ودعا له، ثم التفت إلى أبن عمه وزوج أبنته علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقال له: (ما أسميته؟)، قال عليٌّ: جعفراً، فاختار النبي صلَّى الله عليه وسلَّم لهذا المولود الجميل اسماً لم يكن للناس به عهد من قبل فقال لعلي: (بل سمِّه الحُسين)

أَكْرِمْ بفَاطِمَةَ البَتُولِ وبَعْلِهَا

وبِمَن هُمَا لمُحَمَّدٍ سِبْطَانِ

غُصْنَانِ أَصْلُهُمَا برَوْضَةِ أَحْمَدٍ

للهِ دَرُّ الأَصْلِ والغُصْنَانِ

ولما بلغ الحسين يومه السابع من عمره، عقَّ عنه جدُّه محمدٌ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم بشاتين… وقد بلغ من رعاية النبي صلى الله عليه وسلم لسبطيه الحسن والحسين، وحرصه على وقايتهما من كل سوء ومكروه وشر، أنه كان كثيراً ما يعّوذهما من كل ما يخاف عليهما من ّشره، فيقول: (أعيذكما بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لامَّةٍ)… وكان الحسين أشبه أهل البيت برسول الله صلى الله عليه وسلم.. يقول سفيان بن عيينة رحمه الله: قلت لعبيد الله بن أبي يزيد: رأيت حسين بن علي؟ قال: نعم، أسود الرأس واللحية، إلا شعيرات ها هنا في مقدم لحيته، فلا أدري أخضب وترك ذلك المكان شبهاً برسول الله  صلى الله عليه وسلم أو لم يكن شاب منه غير ذلك..

نشأ الحسين رضي الله عنه مع أخيه الحسن بالمدينة المنورة، وعاصر بضع سنين من حياة جده المصطفى صلى الله عليه وسلم، فأخذ عنه الكثير، وحظي بشرف حبه وحدبه، وتأثر به وهو لا يزال طفلاً.. عاش هذا الطفل، وترعرع في بيت النُّبوة، الذي قال الله تعالى عنه: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) وامتلأ قلب المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم فرحاً ومحبةً ورحمةً بهذا الطفل الصغير، حتى سمَّاه: ريحانته، بل بلغ من مَحبَّته صلَّى الله عليه وسلَّم للحسين أنَّه كان لا يطيق سماعَ بكائه… مرَّ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يوماً على باب علي رضي الله عنه، فسمع صوت الحسين يبكي، فنادى أبنته فاطمة رضي الله عنها: (يا زهراء، أَمَا علمتِ أنَّ بكاءه يؤذيني، أما علمت أنَّ بكاءه يؤذيني)… كَبر الحسين رضي الله عنه قليلاً، فكانت خُطُواته الصغيرة لا تخطيء مسجد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم؛ شوقًاً لرؤية جده محمد صلَّى الله عليه وسلَّم، تعلَّق هذا الوليد الصغير بجدِّه تعلُّقًاً كبيراً، فكان إذا سمع صوته هفَا له قلبُه، وأسرع نحوه يلاعبه، ويغرف من عطفه حنان الأبوَّة.

أيها المؤمنون: ورد أنَّ النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم كان يخطب بأصحابه يوماً، فدخل الحسن والحسين، عليهما ثوبان أحمران يعثران من المشي، فلم يصبر النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أمام هذا المنظر وهو بشرٌ من البشر، فقطع خطبته ونزل من فوق منبره، فأقبل نحوَهما وضمَّهما إليه، فصعد بهما المنبر، ثم قال: صدق الله : (إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلاَدُكُمْ فِتْنَةٌ) ثم قال: (نظرتُ إلى هذين فلم أصبر)، ثم شرع في خطبته وأكملها.

بل ربما دخل الحسين رضي الله عنه مسجدَ النبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم فامتَطَى ظهرَ الرسول عليه السلام وهو ساجد، فيطيلُ النبي  محمد هذه السجدة؛ كراهيةَ أن يُعجله…

خرج النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يوماً إلى طعام دعي له، وفي طريقه رأى الحسين يلعب مع الغلمان، فتقدم النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم نحوه وبسط يديه، فجعل الحسين يفرُّ هاهنا وهاهنا، والنبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم يضاحكه، ثم حمله وقبله وقال: (حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ ، أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًاً ، حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنَ الْأَسْبَاطِ)

يكفي الحسن والحسينَ ابنا علي -رضي الله عنهما- شرفًاً وفضلاً وفخراً قولُ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم عنهما: (الحسن والحسين سيدَا شباب أهل الجنة)

أيها الأخوة والأخوات في الله: وقبل أن يفارق النبيُّ صلوات الله عليه هذه الدنيا بلحَظات يسيرات، لم ينسَ أن يودِّع الحسين وأخاه الحسن رضي الله عنهما بقبلاتٍ حارَّات، ثم أوصى بهما خيراً.. تألم الحسين رضي الله عنه وهو في ربيعه السادس لوفاة جده صلَّى الله عليه وسلَّم، وحزن عليه حزناً شديداً؛ فقد كان الجد في حياته والداً رحيماً، ومربياً عظيماً، ولم يمضِ من الأيام ستة أشهر إلا والأحزان تتجدَّد في قلب ذلك الصبيِّ الصغير، لقد فُجِع بفاجعة عظيمة؛ توفِّيت أمُّه فاطمة الزهراء سيدة نساء الجنة رضي الله عنها وأرضاها. فلا تَسَلْ بعد ذلك عن مرارات الحزن وزفرات الأشجان، التي كان يدافعها ذلك القلب البريء… لا عليك يا حسين، لا تحزن ولا تغتمَّ ولا تجزع، فوالله لن ينساك أصحاب محمد، وأحباب محمد صلَّى الله عليه وآله وصحبه وسلَّم.. لقد سمع الصحابة الكرام نبيهم صلى الله عليه وسلم، وهو يثني الثناء العطر، على سبطيه الحسن والحسين رضي الله عنهما، وراقبوه وهو ينزل من على منبره خوفًاً عليهما من التعثر والسقوط، رأوه وهو يحنو عليهما، ويظللهما بعطفه الأبوي، فماذاُ تراهم سيفعلون مع الحسن والحسين رضي الله عنهما. نعم يا عباد الله: لقد عاش الحسين رضي الله عنه مع أخيه الحسن بعد وفاة الجد صلَّى الله عليه وسلَّم حياة الحب والإكرام واقعاً محسوساً، فكان الأصحاب رضي الله عنهم، يكرمونه إكراماً للنبي، ويحبونه محبةً للنبي صلَّى الله عليه وسلَّم.. كيف لا، وقد كان أشبهَ الناس بالحبيب صلَّى الله عليه وسلَّم؟! فقد كان مُحَيَّاه يذكِّر الأصحابَ بمحمدٍ عليه الصلاة والسلام- لقد وفَّى الصدِّيق -رضي الله عنه- بصاحبه في الغار، فكان أبو بكر وهو ابن الستين عاماً، يعطف ويحنو على الحسين الشيءَ الكثير؛ كان إذا رآه يُقْبِل عليه ويبشُّ له، كان رضي الله عنه يقول للناس: (ارقُبُوا محمداً صلَّى الله عليه وسلَّم في آل بيته). أي أرعوه واحترموه وأكرموه…

فاضَتْ عينا الصديق رضي الله عنه يوماً من الدموع، وهو يقول لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه: (والله لَقرابةُ رسول الله صلى الله عليه وسلم أحبُّ إليَّ أن أصل من قرابتي).

أيها المسلمون: أما الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقد كان يُجِلُّ الحسين، ويوقِّر الحسين، ويحب الحسين؛ كيف لا، والحسين صِهْرُ الفاروق رضي الله عنهم؟! فقد تزوَّج عمر أختَ الحسين، أمَّ كلثوم بنت عليٍّ -رضي الله عنهم- ولما أنشأ عمر -رضي الله عنه- الديوان، كان يفرض للحسن والحسين العطايا كما يفرض لأهل بدر؛ محبةً وإكراماً للسِّبْطَين الجليلين..كسا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوماً، أبناء الصحابة ولم يكن في ذلك ما يصلح للحسن والحسين، فبعث إلى اليمن فأتى بكسوة لهما ثم قال: (الآن طابت نفسي)..

عباد الله: فتح المسلمون بلاد الفرس، وجِيء ببنت يَزْدَجِرْد (كسرى أنوشروان) ملِك الفرس إلى عمر -رضي الله عنه- وكانت من أجمل النساء، فلم يستأثرها عمر لنفسه ولا لذريته وأقاربه، وإنما أهداها إلى أحب الناس إليه، أهداها للحسين بن علي -رضي الله عنهما- فتزوَّجها وأنجبت له عليَّ بن الحسين زين العابدين، وهو الوحيد الذي بقي من نسل الحسين رضي الله عنهم جميعاَ.

ثم جاء ذو النورين عثمان بن عفان -رضي الله عنه- فحفظ للحسين فضله ومكانته، وكان قريباً من قلب عثمان لقرابته منه؛ فقد كان عثمان  زوج خالتَيِ الحسين بن علي: رقية وأم كلثوم؛ بنتيْ محمد صلَّى الله عليه وسلَّم.

وقد كان الحسين رضي الله عنه بطلاً شجاعاً مجاهداً في سبيل الله، حيث شارك في فتوحات أفريقيا وخراسان وطبرستان في عهد الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه.

وعاش الحسين -رضي الله عنه- حياةَ الإكرام أيضاً في زمن معاوية رضي الله عنه؛ فكان معاوية يبعث للحسن والحسين من العطاء الشيءَ الكثير، وكان للحسين شرفُ المشاركة مع الجيش الذي بعثَه معاوية لفتْح القسطنطينية، الذين قال عنهم النبي -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (أوَّل جيشٍ من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفورٌ لهم)

عباد الله: وهكذا كانت محبة بقية الأصحاب رضي الله عنهم للحسين رضي الله عنه، كان عبد الله أبن عباس رضي الله عنهما يأخذ بركاب الحسن والحسين إذا ركبا، فقيـل لـه: أتأخذ بركابهما وأنت أسن مهما ؟ فقال: هذين أبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن من سعادتي أن آخذ بركابهما. ويرى هذا من النِّعَم عليه، ورأى عمرو بن العاص الحسين بن علي يمشي بجوار الكعبة، فقال:(هذا أحبُّ أهل الأرض إلى أهل السماء).

وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه خرج يوماً في جنازة ومعهم الحسين بن علي، فأعيا الحسين وتعب، فقعد في الطريق فجعل أبو هريرة ينفض التراب عن قدميه بطرف ثوبه، فقال الحسين: يا أبا هريرة وأنت تفعل هذا؟ فقال أبوهريرة: (دعني فوالله لويعلم الناس منك ما أعلم لحملوك على رقابهم)

تلك نظرة الصحابة رضوان الله عليهم لريحانة المصطفى صلى الله عليه وسلم الحـسين بـن عـلي رضي الله عنهم ، وهـذه مكانته عندهم.

أيها المؤمنون: كان الحسين رضي الله عنه فاضلاً، رفيع السجايا، حميد الفعال، كثير الصوم والصلاة، مقبلاً على الله تعالى، ويروى أنه حج إلى البيت الحرام خمساً وعشرين حجة ماشياً ! وكان كريماً سخي اليد، كثير الصدقة فعالاً للخير بكل وجوهه.

تلك يا عباد الله ومضات سريعة مشرقة من سيرة السيد الشريف أبي عبد الله الحسين، ريحانة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ومحبوبه، سيد شباب أهل الجنة.

نسأل الله تعالى أن يجمعنا به مع سيد الأنبياء والمرسلين، وآله الطيبين الطاهرين، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، إنه خير مأمول وأكرم مسئول.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

  

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وكفى بالله شهيداً، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إقراراً به وتوحيداً، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأزواجه وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها المسلمون: إن من الأحداث المؤلمة المحزنة المفجعة للقلوب، استشهاد الإمام الحسين بن علي رضي الله تعالى عنه وعن أبيه وعن آله الطيبين الطاهرين، وكان ذلك في يوم الجمعة العاشر من المحرم سنة إحدى وستين من الهجرة على أيدي الطغاة البغاة المجرمين في كربلاء من أرض العراق…

وكيف لا نأسى ونحزن على مثل هذا المصاب الجلل في ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إنه أبو عبد الله الحسين أبو الشهداء، وريحانة رسول الله في الدنيا، وسيد شباب أهل الجنة يوم القيامة، وهو الذي قال فيه سيد الخلق محمد صلى الله عليه وآله وسلم: (حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْناً حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنْ الْأَسْبَاطِ)، أي هو كأمة صالحة من الأمم، فله عظيم القدر في الدنيا، وعظيم الأجر في الآخرة..

ولا يخفى على كل مسلم فضل الحسن والحسين رضي الله عنهما، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ حَسَنٌ وَحُسَيْنٌ هَذَا عَلَى عَاتِقِهِ، وَهَذَا عَلَى عَاتِقِهِ، وَهُوَ يَلْثِمُ هَذَا مَرَّةً، وَيَلْثِمُ هَذَا مَرَّةً، حَتَّى انْتَهَى إِلَيْنَا فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تُحِبُّهُمَا؟ فَقَال:َ(مَنْ أَحَبَّهُمَا فَقَدْ أَحَبَّنِي وَمَنْ أَبْغَضَهُمَا فَقَدْ أَبْغَضَنِي). وسأل رجل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن حكم دم البعوض يُصِيبُ الثَّوْبَ في الصلاة، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: ممن أنت؟ قال من أهل العراق، (وقد بلغ ابن عمر بأن الرجل قد شارك في قتال الحسين)، فقال: قاتلك الله؟ أنْظُرُوا إِلَى هَذَا الرجل يَسْأَلُ عَنْ حكم دَمِ الْبَعُوضِ، وَقَدْ قَتَلُوا ابْنَ بنت رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإني سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ:(إِنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنْ الدُّنْيَا). يقول علماء أهل السنة: (لا ريب أن قتل الحسين من أعظم الذنوب؛ وأن فاعل ذلك والراضي به والمعين عليه مستحق لعقاب الله تعالى الذي يستحقه أمثاله). ويقولون أيضاً: (وأما من قتل الحسين أو أعان على قتله أو رضي بذلك؛ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين؛ لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً).

عباد الله: حب العترة الطاهرة من آل بيت النبوة، والوقوف على ذكرى الحسين وآل البيت رضوان الله تعالى عليهم، يجب أن يكون في التأسي والإقتداء بهم في رفض الظلم والدعوة إلى الإصلاح بالحكمة والموعظة الحسنة، والرفق بالمدعوين، والحذر من الخائنين، والثبات على الحق، والصبر على المصيبة.

التأسي بآل البيت، يجب أن يكون كما كان بين القرابة والصحابة من  التراحم والمحبة والتآخي والتواد، والتناصح والتواصل، وحب الخير لجميع  المسلمين، والبعد عن الشر والحقد والبغضاء، والتعاون على البر والتقوى، والحرص على الوحدة الإسلامية، ووحدة الكلمة والصف والمجتمع والأمة..

التأسي بآل البيت يجب أن يكون  في التخلق بأخلاقهم وصفاتهم، وحفظ اللسان عن السب والشتم والطعن واللعن، إقتداء بسيد أهل البيت صلى الله عليه وسلم القائل: (لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ، وَلَا اللَّعَّانِ، وَلَا الْفَاحِشِ، وَلَا الْبَذِيءِ) والقائل: (لا يستقيمُ إيمانُ عبدٍ حتى يستقيمَ قلبُه، ولا يستقيمُ قلبُه حتى يستقيمَ لسانُه).. ونحن اليوم كأمة إسلامية واحدة، على اختلاف مذاهبنا وطوائفنا، نواجه أعداءً كثر للإسلام والمسلمين، ونواجه خصوماً لا حصر لهم، يتربصون بنا عدواناً، وبمقدراتنا ومقدساتنا سلباً ونهباً، والواجب يقتضي أن نجعل من عاشوراء، مناسبة لوحدة الأمة والوطن وإبعادها عن التوظيف السياسي، وتأكيد التلاحم بين الراعي والرعية وبين أبناء الأمة والوطن الواحد، والابتعاد عن إثارة الفتن والمحن والتحريض، ونجعلها محطة للعمل نحو مستقبل أكثر اِتحاداً وتآلفاً وتعاوناً وتكاتفاً وإصلاحاً، من أجل عزة وكرامة ورفعة هذه الأمة، وأوطان المسلمين..

رحم الله الإمام الحسين بن علي ومن معه في الشهداء الخالدين، ورحم الله شهداء المسلمين ماضياً وحاضراً وإلى يوم الدين. اللهم إنا أحببنا الحسن والحسين وأمّهما وأباهما وعِترتهما الصالحة؛ لحبّنا لنبيك صلى الله عليه وسلم، فاجعلنا يوم القيامة مع من أحببْنا. اللهم ارزقنا حبك وحب نبيك محمد صلى الله عليه وسلم، وحب آل بيته الطيبين الطاهرين، وحب أصحابه الغر الميامين، واحشرنا معهم تحت لواء سيد الأولين والآخرين، وأدخلنا الجنة مع الأبرار مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.. اللهم وارضَ عن خلفاء نبيك الراشدين، ذوي المقام العلي، والفخر الجلي، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن جميع الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك و كرمك وإحسانك، ياذا الجلال والإكرام. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في وطننا، وفي خليجنا، ووفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى، اللهم وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد، وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة، يا رب العالمين. اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان، ناصراً ومؤيدا،ً اللهم كن لهم في فلسطين وفي بلاد الشام وفي اليمن، اللهم ألطف  بهم،  وفرج همهم، ونفس كربهم، وأصلح أحوالهم، وألف بين قلوبهم،وصن أعراضهم، واحقن دماءهم، ولا تجعل لعدو ولا طاغية عليهم سبيلا…

اللهم نور على أهل القبور من المسلمين قبورهم، واغفر للأحياء ويسر لهم أمورهم،، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون، ويغفر الله لي ولكم.

خطبة جامع الفاتح –   عدنان بن عبد الله القطان –   مملكة البحرين