الجمعة 20 ذو الحجة 1439هـ
الموافق 31 أغسطس 2018م

الحمدُ لله، يقول الحقَّ وهو يهدي السبيل، ونشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، هو حسبُنا ونعم الوكيل، ونشهد أنّ سيدنا ونبينا محمّداً عبد الله ورسوله المبعوث بكلّ خلُق جميل وفعلٍ نبيل، صلّى الله عليه وعلى آله المثنَى عليهم بمحكَم التنزيل، وصحبِه ذوي المكانةِ والتفضيل، وسلِّم تسليماً كثيراً.

أمّا بعد: فيا عباد، الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى: (يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)

معاشر المسلمين: وهكذا  انقضى موسم من أشرف مواسم أهل الإسلام، ومرّت الأيام المعلومات ثم الأيام المعدودات، وكانت تلك الأيام محملة بالخيرات والمسرات والفضائل والبركات، ذهب الحجيج وعاشوا رحلة الحج الأكبر، وتنقلوا بين المشاعر، وتعرضوا للنفحات؛ طمعاً في رضا رب الأرض والسماوات، عادُوا بعدها فَرِحينَ بما آتَاهمُ اللهُ مِن فضلهِ، مُستبشرِينَ بما مَنَّ عَليهم مِن توفِيقِهِ وحجِّ بيتهِ، فهنيئاً للحجَّاجِ حَجُّهُم وَعِبَادَتُهُم وَاجتِهَادُهُم… وأما في سائر البلدان فبشائر الخير لم تنقطع، فأدرك المسلمون عشر ذي الحجة التي هي أفضل أيام الدنيا عند الله، فصاموا يوم عرفة الذي يكفر صيامه سنتين، حتى صار كأنه من أيام رمضان، لكثرة صائميه حتى من الصغار، ومر بهم يوم النحر فصلوا وضحوا، وامتلأت مصليات الأعياد، ثم توالت عليهم أيام التشريق فأكلوا وشربوا وذكروا الله، وحمدوه وشكروه على ما رزقهم، فما أجدرهم أن يفرحوا بذلك كله؛ (قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) وهكذا عباد الله تنقضي مواسم الخير، بل هكذا تنتهي حياة الإنسان سريعة خاطفة ثم يجني ما أودعه فيها، فطوبى لمن قدم خيراً، ونال ثواباً وأجراً.

أيها المؤمنون: ولعلنا وفي عجالة نستذكِرَ شيئاً مما قد تعلَّمناهُ من مدرسةِ الحجِّ من فوائدَ، وَمَا جنيناهُ خلالَ أَيَامهَا مِنْ عَوَائِدَ.

من أبرز دروس فريضة الحج تلكم المحبةَ التي جعلها الله  تعالى  لبيته الحرام في قلوب عباده، يقول تعالى: (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا) يقول عبد الله ابن عباس  رضي الله عنهما وغيره: لا يقضون منه وطراً، يأتونه ثم يرجعون إلى أهليهم، ثم يعودون إليه، ولله در القائل عن كعبة الله:

لاَ يَرْجِعُ الطَّرْفُ عَنْهَا حِينَ يَنْظُرُهَا

حَتَّى يَعُودَ إِلَيْهَا الطَّرْفُ مُشْتَاقَا

مع أن مكة المكرمة شرفها الله، أرض جرداء، وجبال سوداء؟ ومع هذا فقلوب المؤمنين كلُها تحن إليها، لا لأجل بقعتها؛ بل لأنها مأوى طاعة الله وتنزُّل رحمته.

عباد الله: لن ينسى الحجاج ولا المقيمون مشهد الحجيج في عرفات، حين كانت العيونُ دامعةً، والأكفُ مرفوعةً، والقلوبُ مخبتة، الجميع عرف هناك فقره وذله ورأينا شيئاً من دلائل عظمته سبحانه وتعالى. حين نرى ألواناً من الناس كلٌ يدعو ربه بلغته، كل يطلب حاجته، كل يناجيه بخفي الصوت، وهو سبحانه العظيم لا تختلف عليه حاجة، ولا يشغله طلب عن طلب، بل يسمع ذلك كله، فيجيب سؤالاً، ويغفر ذنباً، ويكشف كرباً، ويشفي مريضاَ، ويغني فقيراً، وهو على كل شيء قدير، وذلك شيء من دلائل عظمة الله وقدرته وكرمه ورحمته.

ومن دروس الحج أنك ترَى الحاجَّ يتحرَّى ويسأَلُ، ويتتبَّعُ ولا يحيدُ؛ حتَّى يكونَ حَجُّهُ كُلُّهُ وفقَ الهديِ النبوِيِّ الْكَرِيمِ، وهذا شيء جميل لكن الأَجملَ أَنْ يجعلَ العبدُ المسلمُ هذا الاقتفاءَ وذاك الإتباع مَنهجَهُ فِي حياتهِ كُلِّهَا؛ فِي عبادتهِ لربه ومُعاملتهِ مع خلقه، فِي مَظهرِهِ ومَخبرِهِ، فِي حضَرِهِ وسفرِهِ، ونومهِ ويَقظَتِهِ، وفي أَحوالهِ كلِّهَا يكونُ قَرِيباً مِنْ سنَّةِ نبيِهِ صلى الله عليه وسلم مُتعلِّقًا بِهَا.وإِذا رُزِقَ العبدُ اقتِفاءً حسناً فتحتْ لهُ الْهدايةُ أَبوابها، وتنزَّلتْ عليهِ الرَّحماتُ الإِلَهِيَّةُ (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)

عبد الله: إنه ليس أمراً هيناً ذهابك إلى مكة أو استغلالك موسم العشر بأنواع الطاعات كم من الناس من لم يُعر هذا الموسم اهتمامه، فمضى عليه دون جهد يذكر، كم من الناس من لم يحج فرضه، مع أنه قادر ومستطيع، وما ذاك إلا أن المعاصي والذنوب والغفلة كبلته عن ذلك العمل ولا شك.. لهذا كان من دروس الحج شكر الله تعالى على هذا الإنعام (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) فلا بد أن يكون العبد شاكراً لربه منيباً إليه، وليس الشكر كما يتصوّره البعض بأنه الشكر اللساني فقط، لكنه في حقيقة الأمر هو الشكر القلبي، حيث يظل قلبك متعلقًاً بخالقك، مستشعراً نعمته عليك، ومعه الشكر العملي، فتكون بعيداً عن كل ما يغضب المنعم عليك، قريباً من كل ما يحبه ويرضاه، يقول تعالى مبيناً هذا المعنى: (اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ)، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة وقدوة حسنة، فقد كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه الشريفتان فيقال له: يا رسول الله، لم تفعل ذلك وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟! فيجيب صلوات ربي وسلامه عليه معلماً للأمة حقيقة الشكر (أفلا أكون عبداً شكوراً).

عباد الله: لقدِ استحضرَ الحجَّاجُ أنَّ (الحجَّ المبرورَ ليسَ لهُ جزاءٌ إِلَّا الجنَةَ)، فأَنفقوا أَموالهمْ، وضحّوا بأوقاتِهِمْ، وتحمَّلُوا مَا تَحملوا بنفُوسٍ مُطمئنَّةٍ، وقلوبٍ راضيَةٍ.. إِنَّ استشعارَ ثوَابِ العملِ الصالح يُعلي الهمةَ، ويطردُ الكسلَ، ويربِي فِي المسلِمِ الحرصَ على الأَعمالِ الصالحاتِ، وَالْمُدَاوَمَةَ عَلَيْهَا، وَالْتِزَامَهَا طِيلَةَ الْحَيَاةِ.

أما والله لن يتساهل أو يفرط في الصلاة من سمع قول الله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) وقوله سبحانه (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) وقول النبي صلى الله عليه وسلم: إن بين المرء وبين الشرك والكفر: تركَ الصلاة)… أَما واللهِ لن تترد يدٌ عنِ الصَّدقَةِ، ولنْ تشِحَّ نفسٌ عنِ البذلِ إِذَا ما استحضَرَتْ صِدقًاً قولَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: (لا يَتَصَدَّقُ أَحَدٌ بِتَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ إِلَّا أَخَذَهَا اللهُ بِيَمِينِهِ، فَيُرَبِّيهَا كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حتَّى تكونَ مثلَ الجبلِ أَو أَعظمَ).

أيها المؤمنون: وعَلّمتنا مدرسةُ الحجِّ أيضاً قصرَ الأَملِ، لقدْ خرجَ الحاجُّ مِنْ ديارِهِ مُصَبِّراً نفسهُ علَى الطَّاعَاتِ، حَابِساً هواهُ عَنِ الشَّهَواتِ طِيلةَ أَيَّامِ مِنًى وعرفاتٍ؛ لأَنَّهُ يَستيقِنُ أَنَّها ساعَاتٌ معدوداتٌ ويأتِي الرَّحيلُ عمَّا قرِيبٍ. فما أَجملَ أَن يستحضرَ الحاجُّ قصرَ أَيَّامِ عُمرِهِ، وأَنَّ المُكثَ فِي هذهِ الدَّارِ قلِيلٌ، والبَقَاءَ فيها يسيرٌ، وهذَا مبدأٌ ربَّىَ عليهِ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ صحابتهُ الكرامَ حين قال: (كن فِي الدُّنيَا كأنَكَ غريبٌ، أَو عابرُ سبيلٍ)

أيها الأخوة والأخوات في الله : وإذا كان الدخول في الإسلام يجب ما قبله وينقل الإنسان من الموت إلى الحياة، فإن الحج كذلك يجب ما قبله، إنه يسدل الستار على كل السلبيات التي تَلَبّسَ بها المسلم من قبل.. نعم -أيها المصلون-  الحج مرحلةٌ فاصلة بين حياة وحياة، بين ماض وآت، وفي الحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم (من حج ولم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته امه) يرجع أبيض الصفحة نقي التاريخ يعود سالماً من تبعات ماضيه، آمناً من غوائل معاصيه، كما أن من صام يومَ عرفه يفوز بغفران سنتين ماضية وآتيه، إذن فتلك الأيام التي مرت، كانت بمثابة صفحة جديدة طوت ما قبلها بإذن الله، خرج منها المسلمون ممن وفق للحج أو لصيام يوم ركن الحج. وقد حطوا عن كواهلهم تبعات السنين وزلات الماضي، وأقبلوا وهم يقولون (تائبون آيبون لربنا حامدون). ولا يشترط في التوبة معاشر الأحبة أن تكون بسبب ذنب ومعصية بل قد تكون انتقالاً من عمل إلى عمل أحسن منه، ومن خلق إلى خلق أكرم منه، ومن فهم إلى فهم أفضل منه، ومن حياة طيبة إلى حياة أطيب (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) إن الله يحبهم لأنهم متجددون إلى الأفضل وأحوالهم في تغير إلى الأحسن في كل عام يزيد قربهم من ربهم، وتزيد عبادتهم، ويزداد فقههم، ويتعاظم ورعهم.

يا من قصدت البيت الحرام، ليكن حجك أول فتوحك، وتباشيرَ فجرك، وإشراقَ صبحك، وبدايةَ مولدك، وعنوانَ صدق إرادتك، تقبل الله حجك وسعيك، وأعاد الله علينا وعليك هذه الأيام المباركة أعواماً عديدة، وأزمنة مديدة، والأمة الإسلامية في عزة وكرامة، ونصر وتمكين، ورفعة وسؤدد.

أيها المسلمون: وبهذه المناسبة الكريمة، وانطلاقاً من قول الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم (لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ) فإننا نتقدم بالشكر والتقدير لقيادتنا الكريمة ممثلة في جلالة الملك حمد بن عيسى وسمو رئيس الوزراء وسمو ولي العهد حفظهم الله والحكومة الموقرة، ودعمهم الكبير والمستمر لبعثة الحج البحرينية وحرصهم على راحة حجاجنا من المواطنين والمقيمين وتقديم أفضل الخدمات الممكنة لهم.. كما أننا نشكر الله تعالى على أن جعل الحرمين الشريفين بأيد أمينة مخلصة، تراعي مصالح المسلمين في كل مكان، وتحرص على أمنهم وسلامتهم وراحتهم،ثم نشكر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله ورعاه وولي عهده وحكومته الرشيدة، على ما قدموه ويقدمونه لأمتهم الإسلامية من رعاية وتفان واهتمام بالحرمين الشريفين،ونهنئهم على نجاح موسم الحج لهذا العام وكل عام،  فالمملكة العربية السعودية لم تدخر جهداً إلا بذلته في سبيل تذليل الصعاب أمام الحجاج.ولم تمنع أحداً من زيارة بيت الله الحرام. ولم تتوان المملكة يوماً من الأيام، في تسخير كل إمكانياتها وطاقاتها البشرية والمادية، من أجل تيسير أعمال الحج، وخدمة ضيوف الرحمن، الذين يفدون إليها من كل حدب وصوب، وإن مشاريع التطوير والتوسعات في الحرمين الشريفين،والخدمات والتنظيمات،  والتي لم تتوقف طيلة العقود الماضية، رغبة في تيسير أعمال الحج، وسلاسة أداء المناسك، وحماية للحجاج وسلامتهم، لخير شاهد ودليل،ولا ينكر ذلك إلا من أعمى الله بصره وبصيرته،وأراد الشر والسوء والفتنة بالمملكة، فمن يقصد المملكة العربية السعودية حرسها الله، يلحظ كل عام تجديداً وتميزاً في الخدمات المقدمة للحجاج والمعتمرين والزوار،لمكة المكرمة وللمدينة المنورة والمشاعر، فالجهود الكبيرة التي تقوم بها حكومة خادم الحرمين الشريفين لراحة وخدمة ضيوف الرحمن، تشهد تطوراً كبيراً عاماً بعد عام، مما سهل على الحجاج أداء مناسكهم بيسر وسهولة، وفي جوّ إيماني وروحاني مبهر.

نسأل الله تعالى أن يوفق خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده وحكومته الرشيدة، لما يحب و يرضى، وأن يسدد على طريق الخير خطاهم، وأن يجزيهم خير الجزاء، ويجعلهم مفاتيح للخير، مغاليق للشر، وأن يصلح لهم البطانة، ويجمع بهم كلمة المسلمين، ويجعلهم حامين لبلادهم وبلاد ومقدسات المسلمين.

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمد الشاكرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إله الأولين والآخرين، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله أفضل الأنبياء والمرسلين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أما بعد فيا أيها المسلمون: إن العمل الصالح، والحج المبرور الذي يقبله الله تعالى من العبد له علامات: من ذلك انشراح الصدر، وسرور القلب، ونور الوجه، ومن علاماته أن صاحبه مستمر في طاعة الله عز وجل، مداوم عليها، فالحسنة تجر الحسنة.. (وإِنَّ أَحَبَّ الأَعْمَالِ عِنْدَ اللَّهِ أَدْوَمُهَا وَإِنْ قَلَّ)، وقد نهى المولى سبحانه وتعالى عن الانقطاع عن العمل الصالح فقال:(وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًاً)، وهذا مثل لامرأة في مكة كانت تخيط الثوب، حتى إذا قاربت الانتهاء منه، فكت ذلك المخيط، وذهب جهدها هباءً منثوراً، فكذلك الذي يحج ويتعب ويسافر من بلده، ثم لا يستمر في طاعة الله عز وجل، أو يعود إلى الذنوب والمعاصي، فمثله كمثل هذه المرأة، الذي ذهب جهدها هباءً منثوراً.

أيها المؤمنون: وإن للمداومة على الطاعات والأعمال الصالحات آثاراً عظيمة، من ذلك: اتصال القلب بالله، وترويض النفس على طاعة الله. وأنها سبب لمحبة الله وولايته. وفي الحديث الصحيح الذي يرويه صلى الله عليه وسلم عن ربه: (ومَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ، تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ)

وكذلك من آثارالطاعات: النجاة من الشدائد، يقول صلى الله عليه وسلم: (أحْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، أحْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ أَمَامَكَ، تَعَرَّفْ إِلَيْهِ فِي الرَّخَاءِ يَعْرِفْكَ فِي الشِّدَّةِ)..

والمداومة على الطاعات سبب لمحو الذنوب والخطايا: يقول صلى الله عليه وسلم: (أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهْراً بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ هَلْ يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ؟ قَالُوا: لَا يَبْقَى مِنْ دَرَنِهِ شَيْءٌ. قَالَ: فَذَلِكَ مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهِنَّ الْخَطَايَا)… ومن آثار المداومة على الطاعات، حسن الخاتمة، جعلني الله وإياكم من أهلها، يقول تعالى: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ ۚ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ). وهنا قد يسأل سائل ويقول: ما الأسباب التي تعين على المداومة والاستمرار على الطاعة والعمل الصالح ؟ فنقول إن الأسباب كثيرة، من ذلك: العزيمة الصادقة على طاعة الله، وكذلك القصد في العمل بمعنى التوسط، فلا إفراط ولا تفريط، يقول صلى الله عليه وسلم: (عَلَيْكُمْ مِنْ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ فَوَاللَّهِ لَا يَمَلُّ اللَّهُ حَتَّى تَمَلُّوا) وَكَانَ أَحَبَّ العمل إِلَى النبي صلى الله عليه وسلم مَا دَاوَمَ عَلَيْهِ صَاحِبُهُ .

وكذلك من الأسباب المعينة على الطاعة  مجالسة أهل الخير والصلاح، فإنهم ينبهون الغافل، ويذكرون الناسي، يقول صلى الله عليه وسلم: (الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ) ومن الأسباب العظيمة المعينة على الطاعات محاسبة النفس دائماً على التقصير في جنب الله، وقراءة سير السلف من الصحابة والتابعين في ذلك؛ فإن ذلك من أعظم الأسباب المعينة على طاعة الله تعالى. أخيراً أيها المسلمون: لقد أنزل الله سورة النصر على رسوله صلى الله عليه وسلم في آخر حياته وفيها الأمر بالاستغفار، فقال أهل العلم: شرع الاستغفار بعد نهاية كل عمل، لعلّ الواحد منا يكون قد قصر في أدائه.. نسأل الله تعالى أن يتقبل أعمالنا، وأن يخلص نياتنا، وأن يزكي نفوسنا، ويطهرها من الغل والحقد والحسد والنفاق، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم حبب إلينا الأيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين… اللهم تقبل من الحجاج حجهم، اللهم اجعل حجهم مبروراً، وسعيهم مشكوراً، وذنبهم مغفوراً يارب العالمين.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم اجعل هذا البلد آمناً مطمئناً سخاءً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم آمنا في وطننا، ووفق ولاة أمورنا، وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين.

اللهم من أراد بلادنا وبلاد الحرمين الشريفين وخليجنا وجيشنا ورجال أمننا، بشر وسوء وفتنة فأشغله بنفسه، وأجعل كيده في نحره، وأدر دائرة السوء عليه يا سميع الدعاء.

اللهم انصر عبادك المظلومين في كل مكان، اللهم كن معهم ناصراً ومؤيداً في فلسطين وفي بلاد الشام وفي اليمن وفي بورما وفي كل مكان، اللهم ارفع البلاء عنهم، اللهم احقن دماءهم، وأحفظ أعراضهم، وأطفالهم ونساءهم ورجالهم وشيوخهم، ولا تسلط عليهم من لا يخافك ولا يرحمهم..

اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، وأشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم إنَ لنا أحباباً قد فقدناهم، وفي التُراب وسدَناهم، اللهم فاجعل النور في قبورهم يغشاهم ، واكتُب يا ربنا الجنة سُكناهم، واكتُب لنا في دار النعيم لُقياهم، إنك مولانا ومولاهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)

اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله: (إِنَّ ٱللَّهَ يَأْمُرُ بِٱلْعَدْلِ وَٱلإْحْسَانِ وَإِيتَآء ذِى ٱلْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ ٱلْفَحْشَاء وَٱلْمُنْكَرِ وَٱلْبَغْى يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)  فاذكروا الله العلي الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون ويغفر الله لي ولكم.

خطبة جامع الفاتح –   عدنان بن عبد الله القطان –   مملكة البحرين