الجمعة 14 ذو القعدة 1439هـ
الموافق 27 يوليو 2018م

الحمد لله الذي ألّف بين قلوب المؤمنين، فجعلهم إخوة متحابين متآزرين،  ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله،اختاره بعلمه، وائتمنه على وحيه، واختار له  خير الآل والأصحاب  أعواناً، فآمنوا به وعزروه ووقروه، وجاهدوا في الله حق جهاده،  صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعــد: فأوصيكم عباد الله ونفسي بتقوى الله تعالى، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)

معاشر المسلمين: لقد حرص نبيكم الكريم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم منذ دخوله المدينة المنورة، على تثبيت دعائم الدولة الإسلامية الجديدة، فكانت من أولى خطواته المباركة، المؤاخاة بين المسلمين جميعاً، تلك المؤاخاة  التي ذابت فيها عصبيات الجاهلية، وسقطت بها فوارق النسب واللون والمكان، وكانت من أقوى الدعائم في بناء الأمة،وتأسيس المجتمع المسلم الجديد في المدينة ، حتى يتآلف ويتحاب ويقوى، ويكون صفاً واحداً أمام أعدائه، وقد كان الرعيل الأول من آل البيت الأطهار، والصحابة الكرام إخواناً في الله متحابين متراحمين متوادين متناصحين يوالي بعضهم بعضاً، نزع الله من قلوبهم عصبية الجاهلية وضغائنها وأحقادها، وألف بين قلوبهم بعدما دخلوا في دين الله أفواجاً، وهكذا يجب أن  يكون المسلمون،اقتداءً بهم،وسيراً على نهجهم،   (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ إقْتَدِهْ)..

عباد الله: وقد تواترت الأخبار والآثار الصحيحة بتأكيد هذا الأمر بينهم، وما قد يحدث بينهم من خلاف فهو من قبيل الخلاف الاجتهادي،الذي يعذر المخطئ فيه ولله الحمد والمنة، (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) واستمعوا رحمكم الله إلى قول الله تعالى وهو يمتن عليهم بنعمة التأليف بين قلوبهم:فيقول: (وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ، فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً). ويقول تعالى:(مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ) ويقول: (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ).. وقد كانت العلاقة الحميمة، بين آل البيت وصحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، علاقة بادية للعيان، واضحة الأثر عند كل منصف،وقد استفاضت الآثار عنهم بهذا الأمر،سواء كان ذلك عند أهل السنة أوعند الشيعة في الكتب والمراجع المعتمدة لديهم. وهذه الحقائق المتواترة، هي التي يجب أن تعتمد،وتظهر وتنشر، وتوظف وتستثمر،ونعلمها لأبنائنا،ونغرسها في نفوسهم، ونربيهم عليها، لتوحيد كلمة المسلمين، ورص صفوفهم، عند دراسة ذلك الجيل الرباني الفريد، ولا يمكن لأي رواية تاريخية مهما بلغت من صحة أن تعارض الحقائق المتواترة المتوافق عليها.

وإليكم أيها الإخوة والأخوات في الله: ما يثبت هذه العلاقة الحميمة، بين آل البيت الأطهار، والصحابة الكرام… فهذا رأس البيت الكريم سيد الأولين والآخرين، محمد صلى الله عليه وآله وسلم،يتزوج السيدة عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما، وكانت أحب نسائه إليه، بعد خديجة رضي الله تعالى عنها. وتزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب ورَملةَ بنت أبي سُفيان، ويزوج رسول الله ابنته رقية لعثمان،  وبعد وفاتها زوجه رسول الله أيضاً ابنته الثانية أم كلثوم… ولعلي بن أبي طالب ابنة تسمى بأم كلثوم الكبرى من السيدة فاطمة الزهراء، زوجها علي بن أبي طالب لعمر بن الخطاب وولدت له زيداً ورقية رضي الله عنهما.. وتزوج علي بن أبي طالب أسماء بنت عُميس أرملة أبي بكر الصديق رضي الله عنه.. كما تزوج أمامة بنت العاص بن الربيع بعد وفاة خالتها فاطمة الزهراء رضي الله عنها.. وأبان بن عثمان بن عفان، تزوج أم كلثوم بنت عبد الله بن جعفر بن أبي طالب، وسكينة بنت الحسين بن علي، تزوجها مصعب بن الزبير بن العوام، رضي الله تعالى عن الجميع… إذن يا عباد الله: كان بين آل البيت وكبار الصحابة، نسب ومصاهرة وحب ومودة…واستمعوا رحمكم الله إلى قول أبي بكر في آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، حيث يقول(وَالَّذِي نَفْسِي بيده لَقَرَابَةُ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَحَبُّ إلي أَنْ أَصِلَ من قَرَابَتِي) وقال أيضاً: (أَيُّهَا النَّاسُ ارْقُبُوا مُحَمَّداً فِي أَهْلِ بَيْتِهِ) وكان علي وزير صدق لأبي بكر في خلافته، كما كان وزير صدق من بعده لعمر رضي الله عنهم جميعاً… وقد بلغ من محبة علي لأبي بكر، أنه منعه من الخروج بنفسه لقتال المرتدين، حرصاً على حياته، وعلى قيادة المسلمين، حيث أخذ بزمام راحلته، وقال إلى أين يا خليفة رسول الله ؟ أقول لك ما قال لك رسول الله يوم أحد، شِمْ سَيْفَكَ (أي ضعه في غمده), وَلَا تَفْجَعْنَا بِنَفْسِكَ، فَارْجِعْ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ أُصِبْتَ لَا يَكُونُ لِلْإِسْلَامِ نِظَامٌ أَبَداً , فَرَجَعَ وأمضى الجيش… وفي هذه الرواية أيضاً وغيرها كثير، ما يدل على استشارة الصديق لعلي رضي الله عنهما..وكذلك فعل عمر مع علي حيث جعله مستشاراً له وقاضياً..وصح أن أبا بكر كان يحمل الحسن على عاتقه ويلاعبه، ويقول بأبي شبيهٌ بالنبي، وليس شبيهاً بعلي، وعلي رضي الله عنه يسمع ويضحك، فتأمل هذه الروح الطيبة، والأريحية والرحمة، وهذا الحب المتبادل بين آل البيت الأطهار، والصحابة الكرام…ولما قال صلى الله عليه وآله وسلم لعلي (اللَّهُمَّ مَنْ كُنْتُ مَوْلَاهُ فَعَلِيٌّ مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالَاهُ وَعَادِ مَنْ عَادَاهُ) قال عمر حينئذ لعلي (هنيئاً لك يا ابن أبي طالب أصبحت وأمسيت، مولى كل مؤمن ومؤمنة) وقال عمر أيضاً لما أراد الاستسقاء وطلب المطر، بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا (العباس) فَاسْقِنَا. قَالَ: فَيُسْقَوْنَ).أي بدعائه، فانظر أخي المسلم محبة عمر لآل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقد أنكر ابن عمر على من يذكر علياً بسوء، فقد قال الخارجي نافع ابن الأزرق لأبن عمر، والله إني لأبغض علياً، فرفع إليه ابن عمر رأسه وقال : أبغضك الله ، تبغض رجلاً سابقة من سوابقه، خير من الدنيا وما فيها.. وقد مدحه ابن عمر، بأوصاف حميدة تدل على مكانته وفضله ومنزلته عنده، رضي الله عن الجميع . وهذا علي بن أبي طالب ،لما أراد البغاة قتل عثمان،جعل ولديه الحسن والحسين، على باب عثمان وأمرهما بأن يكونا طوع إشارته، في كل ما يأمرهما به،ولو أدى ذلك إلى سفك دمهما، فقال لهم عثمان :  (اعزم عليكم لما رجعتم، فوضعتم أسلحتكم ولازمتم بيوتكم) وقد اعتقد عثمان أن البغاة  لن يقدموا على سفك دمه رضي الله عنه وأرضاه…

ولقد أحسن الأمام علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه، القول في وصف إخوانه من الصحابة رضوان الله عليهم وهو أحدهم حين قال: (والله لقد رأيت أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم،  فما أرى اليوم شيئاً يشبههم ! لقد كانوا يصبحون صفراً شعثاً غبراً، قد باتوا لله سجداً وقياماً ،يتلون كتاب الله،يراوحون بين جباههم وأقدامهم،فإذا أصبحوا فذكروا الله، مادو كما يميد الشجر في يوم الريح،وهملت أعينهم، حتى تبتل ثيابهم،والله لكأن القوم باتوا غافلين)وهم في الحقيقة غير غافلين. وقد أنكر علي بن أبي طالب رضي الله عنه، قتل الزبير بن العوام حواري رسول الله، ورفض دخول قاتله عليه وقال: بشروا قاتله بالنار .

وعن جعفر بن محمّد عن أبيه رضي الله عنهم جميعاً قال: لقد رَأى عليّ  طلحةَ في وادٍ ملقى (مقتولاً)- يعني بعد حرب-، فنزل فمسَح الترابَ عن وجهه وقال: (عزيزٌ عليَّ ـ أبا محمّدٍ ـ أن أراك مجندَلاً، إلى الله أشكو عُجَري وبجَري)، فترحَّم عليه ثم قال: (ليتني متُّ قبل هذا بعشرين سنة)، وكان يقول: (إني لأرجو أن أكونَ وطلحةُ والزّبير، ممّن قال الله فيهم: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ).. فهذه عباد الله منزلة طلحة والزبير، عند علي رضي الله عنهم، رغم ما حصل بينهم، إذ الحقد والبغضاء لا طريق له إلى قلوبهم، وهذا هو حال الصحابة مع آل البيت رضوان الله عليهم أجمعين… وقد كان الإمام جعفر بن محمد الصادق، رضي الله عنه، يفتخر بانتسابه إلى البيت البكري، ويقول:(ولدني أبو بكر مرتين)وذلك لأن أم جعفر بن محمد،هي فروة بنت القاسم بن محمد ابن أبي بكر الصديق، وأمها هي أسماء بنت عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عن الجميع وأرضاهم،وقد بلغ من حب أهل البيت لكبار الصحابة ومودتهم لهم،أنهم سموا أبنائهم بدءاً بسيدنا علي، حيث سمى أحد أبنائه بأبي بكر،وآخر بعمر وثالثاً بعثمان،وهؤلاء الثلاثة ولدوا في عهد الخلفاء الثلاثة كما لا يخفى…وكذلك كان شأن ابنه الحسن رضي الله عنه حيث سمى أحد أبنائه بأبي بكر.. ولم يخالف في ذلك الحسين رضي الله عنه، فقد سمى أحد أبنائه بأبي بكر وآخر بعمر، واستشهد معه بكربلاء..وكذلك الشأن في ابنه زين العابدين، حيث سمى أحد أولاده باسم الخليفة الثاني عمر، وآخر بعثمان، أما هو فقد أحب أن يكنى بأبي بكر… والإمام موسى الكاظم،سمى أحد أبنائه أبا بكر..بل بلغ بهم الحب والوفاء بأبي بكر، بأن سمى بعضهم بناته باسم بنت الصديق، السيدة عائشة رضي الله عنها، منهم:الإمام أبو الحسن موسى الكاظم رضي الله عنه،ومن قبله جده الإمام علي بن الحسين،وعلي بن محمد الهادي وغيرهم كثير، يصعب حصرهم،كل منهم سمى أحدى بناته عائشة رضي الله عنهم جميعاً…فارجعوا إلى كتب التاريخ الموثقة، لعلكم تعقلون.

فهل يعقل أيها الإخوة والأخوات في الله: أن هؤلاء الأقارب المتلاحمين المتراحمين المتحابين الأبطال الشجعان، الذين يتخيرون مثل هذه الأمهات لأبنائهم، ومثل هذه الأسماء لفلذات أكبادهم، كانوا على غير ما أراده الله لهم من الأخوة في الإسلام والمحبة في الله، والتعاون على البر والتقوى حاشا وكلا.. فهذه يا عباد الله نماذج من سيرة خيار الأمة، من الصحابة وآل البيت مع بعضهم البعض محبة ومودة واحتراماً وتقديراً ومعرفة للفضل وأهله، وهذا غيض من فيض، وقطرة من بحر، أردت أن أبين فيه العلاقة الحميمة، والمحبة الصادقة، والأخوة المخلصة بين أهل البيت الأطهار والصحابة الكرام.

ألا فلنتخذ يا عباد الله من هؤلاء الأخيار قدوة وأسوة لنا في التراحم والتآخي والتواد والحب والتناصح والتواصل، ولنحرص على وحدة كلمتنا، ووحدة صفنا ووطننا،ولنتعامل مع أحداث التاريخ ووقائعه المضيئة، بإيجابية تعود علينا كمسلمين، وعلى الإنسانية وعلى أوطاننا ومجتمعاتنا بالنفع والفائدة،بحيث يحدث ذلك تلاحماً وتماسكاً بين أتباع المذاهب الإسلامية حتى نتمكن من مواجهة التحديات الكبرى العالمية، ونحن متراصين متكاتفين متحابين متسامحين..نلقى الله عز وجل وهو راض عنا جميعاً. نور الله قلوبنا بمحبة آل بيت النبي الأطهار، وصحابته الأخيار، ونفعنا بحبهم وتوقيرهم وإجلالهم ومودتهم والإقتداء بهم، وأدخلنا الجنة وجمعنا بهم إنه جواد كريم..

نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي سيد المرسلين،أقول ما تسمعون،واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله الآمر بالبر والإحسان، الناهي عن الإثم والعدوان، نحمده سبحانه أن هدانا للإيمان وعلمنا البيان، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان .

أما بعد فيا أيها المسلمون: يا أحبابَ القرابة والصحابة: اتقوا الله تعالى واعلموا، أن الواجب على العالم والمثقف والمنصف، أن يتوجه  نحوَ عرضِ الحقِّ المشرِق الصحيح الثابتِ، لمجتمع الصحابة والقرابة ومن تبِعَهم بإحسانٍ، ففي كُتُبِنا جميعاً سنة وشيعة، رِواياتٌ صحيحَة مُضيئةٌ، يثبِتُها النّقل، ويصدِّقها العقل، ويألَفُها الحِسُّ المؤمِن، والذَّوق الطيِّب النصوح، وتتَّفِق مع آي القرآن الكريم، وهديِ محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلّم وهدايتِه وتوجيهِه وسيرته.

أيّها المؤمنون: وإنَّ مِنَ العجَب العُجاب، أن الناظرَ والباحث المنصف، كلما تقدَّم متوغِّلاً في القِدَم، رَاجعاً إلى عصورِ الإسلام الأولى، يجِدُ التطابُقَ والتّماثُلَ والتوادَّ والتحابَ بين آل بيتِ رسول الله وصحابته الكرام، وكلّما تأخَّر بالأمة الزّمنُ، بدَت ألسنةُ الدخانِ، ومَناطِقُ الظّلام وصُوَر التشويشِ والفتن والتحريشِ، ومظاهرُ العنف الفكريّ والتعصّب المذهبيّ والطائفيّ…  لقد استمعتم عباد الله إلى النهج الإيماني الذي سارَت عليه تِلكُم المواكب الإيمانيّة الخيِّرة، والقدواتُ الحسنَة من الصحبِ والقربى، فليس في قلوبهم ولا في صدورِهم غِلّ ولا بغض ولا حقد، بل كانوا على الحقّ والخيرِ إخوانًاً وأعوانًا،متحابين متوادين متراحمين، في الصحيحين أن علي بن أبي طالب ترحم على عمر بعد وفاته وقال: (ما خلّفتُ أحداً أحبّ إليَّ أن ألقى الله بمثل عَمَله منك، وايمُ اللهِ إن كنتُ لأظنّ أن يجعلَكَ الله مع صاحبَيك، وحَسِبتُ أني كثيراً أسمع النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول: (ذهبتُ أنا وأبو بكر وعمر) و(دخلتُ أنا وأبو بكر وعمر) و(جِئتُ وخرجتُ أنا وأبو بكر وعمر)… أمّا عائشةُ رضي الله عنها فإنَّ عليّاً  كان يكرمها ويجلُّها ويحفَظ لها مكانها من رسول الله، فقد بلغه أن رجلين طعنا في عرضها فأقام عليهما الحد وجلدهما… ولمّا سئِل الإمام علي رضي الله عنه عن أهلِ النّهروان من الخوارِج: أمشرِكون هم؟ قال: هم من الشِّرك فرُّوا، قيل: أفمُنَافقون هم؟ قال: إنَّ المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً، قيل: فما هم يا أمير المؤمنين؟ قال: إخوانُنا بَغَوا علينا… أومآ علمتم رحمكم الله: أن أصحُّ الطرق في مناقبِ الإمام عليٍّ كان مِن طريق روايَة السيدة عائشة، فقد روَت حديثَ الكساء في فضلِ عليّ وفاطمة والحسَن والحسين رضي الله عنهم أجمعين، وكانت تحيل السائلين والمستَفتين إلى عليٍّ، وطلبَت رضيَ الله عنها بعد استشهادِ عُثمان رضي الله عنه أن يلزَمَ الناسُ عليًّا، فقد سَألها عبد الله بن بدِيل بن وَرقاء الخزاعي: من يبايع؟ فقالت: (الزَم عَلِيّاً)… والموضوعُ ياعباد الله ذو شُجون، والحديثُ مُضيءٌ ممتِع في كتُبِ الصِّحاحِ والتّاريخ الثابِتِ الموثَّق في كتب أهل الإسلام كلِّهم، مليءٌ بما بين أصحابِ رسول الله  وأهلِ بيتِه والتابعين لهم بإحسانٍ من مودّة ومحبَّة واعتراف بالفضل متبادَل.

وبعد: أيّها المسلمون: فيجِب أن نرسخ  ثقافة التسامُح  والقَبول المتبادَل بين المختلفين، والنظر إلى إيجابياتِ التاريخ والرجال، يجِب الزّرعُ والنّشرُ للصّوَرِ الحقيقيَّة المشرِقة الجامِعة المانِعة، لا أن تُتَتبَّع العثرات والزلاتُ والهفوات التي لا يمكن أن يخلوَ منها بشرٌ أو أمّة أو دولةٌ أو سياسة. هذا إذا كانت ثابتةً واقعة، فكيف إذا كانت مَدسوسةً مكذوبة، أو كانت تَفسيراً لمغرضٍ أو تَأويلاً من صاحِبِ هوى أو قليلِ علم أو دين؟؟ أو لا يفقه ولا يعرف ولا يميز بين الحديث الصحيح والضعيف والموضوع.

قل خير قول في صحابة أحمد

وامدح جميع الآل والنسوان

دع ما جرى بين الصحابة في الوغى

بسيوفهم يوم التقى الجمعان

فقتيلهم منهم وقاتلهم لهم

وكلاهما في الحشر مرحومان

حبّ القرابة والصحابة  فريضة

ألقى بها ربّي إذا   أحياني

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ)

اللهم ارزقنا حبك وحب نبيك محمد صلى عليه وسلم، وحب آل بيته الطيبين الطاهرين، وحب أصحابه الغر الميامين، واحشرنا معهم تحت ظل لواء سيد الأولين والآخرين، وأدخلنا الجنة مع الأبرار من النبيين والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقا، يارب العالمين. اللهم وارضَ عن خلفاء نبيك الراشدين، ذوي المقام العلي، والفخر الجلي، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن جميع الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك و كرمك وإحسانك، يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين.

اللهم أحفظ بلادنا البحرين وأحفظ خليجنا وبلاد المسلمين، من كل سوء ومكروه، وأدم علينا نعمة الأمن والإيمان والاستقرار،وألف بين قلوبنا رعاة ورعية، وجنبنا كل ما يؤدي إلى تباعد القلوب وتباغضها، اللهم اجمع كلمتنا على الحق، وأطفئ مشاعل الفتنة، وسد مسارب الفوضى، وأحفظ جيشنا ورجال أمننا،  واجعلنا صفاً واحداً على كل من أراد الشر لبلادنا يا أرحم الراحمين. اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان ناصرا ومؤيدا،اللهم كن لهم في فلسطين وفي بلاد الشام وفي اليمن وفي بورما وفي كل مكان… اللهم فرج الهم عن المهمومين، ونفس الكرب عن المكروبين، واقض الدين عن المدينين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلين والمسلمات الأحياء منهم والأموات إنك على كل شيء قدير.. اللهم صل وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين… عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

خطبة جامع الفاتح –   عدنان بن عبد الله القطان –   مملكة البحرين