الجمعة 23 رمضان  1439هـ
الموافق 8 يونيو 2018م

الحمد لله وفق من شاء لطاعته، فكان سعيهم مشكوراً، وأجرهم موفوراً، الحمد لله الذي جعل لكل حي في هذه الدنيا زوالاً، ولكل مقيم انتقالاً، ليعتبر أهل الإيمان فيبادروا بالأعمال الصالحات في زمن الإمهال، ولا يغتروا بطول الأعمار والآمال، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له العظيم في قدره، المتعال فوق خلقه، الكريم في عطائه وفضله، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل في سنته: (بادروا بالأعمال) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان.

أما بعد:فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله، اتقوا الله تعالى، وتفكروا في سرعة مرور الليالي والأيام، واعلموا أنها تنقص من أعمارنا، وتطوى بها صحائف أعمالنا، فلنبادر بالتوبة الصادقة، والأعمال الصالحة، قبل أن يتخطفنا الموت، فنندم على ما أعطانا الله من الفرص السانحة.

معاشر المسلمين: ما أسرعَ ما تنقضِي الليالي والأيّام، وما أعجلَ ما تنصرِم الشهور والأعوام، وهذه سُنّة الحيَاة. أيّامٌ تمرّ وأعوَام تكرّ، وفي تقلّب الدّهر عِبر، وفي تغيُّر الأحوال مدّكَر، يقول تعالى: ( أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ) فهذا شهرُ رَمضانَ تقوَّضَت خِيامه، وتصرَّمت لياليه وأيّامُه، قرُب رَحيلُه، وأزِف تحويلُه، انتصَب مودِّعاً، وسَار مسارعاً، ولله الحمد على ما قضَى وأبرَم، وله الشّكر على ما أعطى وأنعم… فاستدركوا رحمكم الله بقيّتَه بالمسارعة إلى المكارم والخيرات، واغتنامِ الفضائل والقرُبات، ومن أحسن فعليه بالتمام، ومن فرَّط فليختم بالحسنى فالعمل بالخِتام، يقول جل وعلا ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ، وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ، أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)

فمن لم يختم قراءة القران، فليكمل ما تبقى عليه من آياته وسوره، ومن أكمل فليضاعف من حسناته وأجوره، هكذا عباد الله يجب أن نودع رمضان، بعمل صالح نقدمه بين يدي الله، فكتاب الله لا تمله النفوس، ولا تشبع منه القلوب، فهو منهج أمة ودستور حياة … يقول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يَقُولُ الصِّيَامُ: أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، وَيَقُولُ الْقُرْآنُ: مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ، قَالَ: فَيُشَفَّعَانِ)   كما ينبغي لنا أن نودع رمضان، بإتمام الأعمال والعزم على الاستقامة على الطاعات، و بكثرة الدعاء بأن يتقبل الله منا صيامه وقيامه وسائر العبادات والطاعات فيه، فقد وصف الله تعالى حال عباده المؤمنين، بعد القيام بالعبادات والطاعات بأنهم : (يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ، أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ، أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ) أي يخافون أن ترد أعمالهم ولا تقبل ، فهل شغلك هذا الهاجس يا عبد الله، وأنت تودع شهر  رمضان ، يقول الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه : (كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل ، ألم تسمعوا إلى قول الحق عز وجل : (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾ وكان رضي الله عنه: ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان :(ياليت شعري من هذا المقبول منَّا فنهنيه، ومن هذا المحروم فنعزيه ، ثم ينادي  أيها المقبول هنيئاً لك،  أيها المردود جبر الله مصيبتك) …

فودعوا عباد الله شهركم بخير ختام، فربما لا يعود على أحد منا رمضان مرة أخرى بعد هذا العام، فاختموا شهركم بخير، واستمروا على مواصلة الأعمال الصالحة التي كنتم تؤدونها فيه في بقية العام، فإن رب الدهر هو رب رمضان، وهو مطلع علينا وشاهد على أعمالنا، وقد أمرنا سبحانه بفعل الطاعات في جميع الأزمنة والأوقات، ومن كان يعبد شهر رمضان، فإن شهر رمضان سينتهي وينقضي، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، فلنستمر عباد الله على عبادة الله جل وعلا في جميع أيام أعمارنا، يقول تعالى: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) نعم إن بعض الناس هداهم الله، يتعبدون في شهر رمضان خاصة، فيحافظون فيه على الصلوات في المساجد، ويكثرون من البذل والإحسان وتلاوة القرآن، فإذا انتهى رمضان، تكاسلوا عن الطاعات، وبخلوا بما كانوا يبذلون من الصدقات، بل ربما تركوا الصلوات والجمعة والجماعات، فهؤلاء قد هدموا ما بنوه، ونقضوا ما أبرموا، وكأنهم يظنون أن اجتهادهم في رمضان، يكفر عنهم ما يجري منهم في سائر العام من القبائح والموبقات، وترك الواجبات، وفعل المحرمات، ولم يعلم هؤلاء أن تكفير رمضان وغيره للسيئات، مقيد باجتناب الكبائر، يقول تعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ، وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيماً) ويقول صلى الله عليه وسلم: (الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبت الْكَبَائِرَ) وأي كبيرة بعد الشرك أعظم من إضاعة الصلوات؟ وقد صارت إضاعتها عادة مألوفة عند بعض الناس أصلحهم الله. وقد سُئل بعض السلف الصالح عن قوم يجتهدون في شهر رمضان، فإذا انقضى ضيعوا وأساءوا، فقال: (بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان). لأن من عرف الله خافه في كل زمان ومكان. وقال الحسن البصري رحمه الله: (أبى قوم المداومة، والله ما المؤمن بالذي يعمل الشهر والشهرين، أو العام أو العامين، لا والله، ما جعل لعمل المؤمن أجل دون الموت).

عباد الله: هذه أيامُ شهر رمضان تتقلص، ولياليه الشريفةُ تنقضي، شاهدةٌ بما عملنا، وحافظةٌ لما أودعنا، هي لأعمالنا خزائن محفوظة، ينادي ربنا يوم القيامة: (يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِـيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ) هذا هو شهرنا، وهذه نهاياته، كم من مستقبلٍ له لم يستكملهُ، وكم من مؤمل بعود إليه لم يدركهُ، هلا تأملنا الأجل ومسيرَهُ، وهلا تبينا خداع الأمل وغرورَهُ..

أيها الأخوة والأخوات في الله: إن كان في النفوس زاجر، وإن كان في القلوب واعظ، فقد بقيت من أيام هذا الشهر بقية، بقيةٌ من عشره الأواخر، كان يحتفي بها نبيكم محمد صلى الله عليه وسلم أيما احتفاء، فإذا دخلت العشر الأخيرة من رمضان، شمر وجدَّ وشدَّ المئزرَ، وهجر فراشه وأيقظ أهله،تحرياً لليلة القدر، يطرق الباب ليلاً على أبنته فاطمة  وزوجها علي رضي الله عنهما قائلاً:(ألا تقومان فتصليان؟!) يطرق الباب عليهما وهو يتلو: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ) ويتّجه إلى حجرات نسائه رضي الله عنهن آمراً: (أيقظوا صواحب الحجر، فرب كاسية في الدنيا عاريةٍ يوم القيامة) (لم يكن نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم إذا بقي من رمضان عشرة أيام، يدع أحداً من أهله يطيق القيام إلا أقامه).

عباد الله: إن من رحمة الله تعالى بنا، أن اختصنا من بين سائر ليالي وأيام العام، بليلة القدر، إنها ليلة شرفها الله بأن أنزل فيها كتابه، أنزل فيها القرآن العظيم الذي بين أيدينا من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، وأخبرنا بذلك في قوله: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ) وفي هذه الليلة المباركة العظيمة، يحدث أمر عظيم، يقول عنه الخبير اللطيف: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) أي: في هذه الليلة المباركة يقضى ويفصل كل أمر أحكمه الله تعالى في تلك السنة إلى مثلها من السنة الأخرى، من مقادير العام وما يحدث فيه، وما يكون فيه من الآجال والأرزاق والأحداث، قال بذلك غير واحد من السلف الصالح.. فعجباً لعبد تكتب مقاديره، وما يحدث له طوال العام، وهو في حالة غفلة عن الله عز وجل، وما أسعد عبداً كان في تلك الليلة مقبلاً مناجياً لربه ومولاه… هذه الليلة أكرمنا الله فيها بالأجر المضاعف العظيم، يقول سبحانه: (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) فما أعظمها من منحة، وما أكرمها من عطية، ليلة واحدة تقومها لله تكون خيراً لك من عمرك كله، خير لك من ثلاثة وثمانين عاماً وربع العام، فأنت قد لا تعمر حتى تصل الثمانين، وإن وصلت فهل ستنفق عمرك كله في العبادة؟!

يقول صلى الله عليه وسلم: (تَحَرَّوْا لَيْلَةَ الْقَدْرِ فِي العَشْرِ الأوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ). فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بتحري هذه الليلة في العشر الأواخر، ثم خص من العشر الليالي الوتر منها، وهي ليلة إحدى وعشرين, وثلاث وعشرين, وخمس وعشرين, وسبع وعشرين, وتسع وعشرين. وأرجى لياليها هي ليلة سبع وعشرين.. ولم يحددها النبي صلى الله عليه وسلم بليلة محددة، ليجتهد العباد في طلبها ويجٍدوا في العبادة، وحتى يظل الأمل موجوداً عند العباد في فضل الله تعالى وكرمه وعفوه ومنته..

فاغتنموا رحمكم الله بقية عشركم هذه طلباً لها، واشغلوها بالصلاة والقيام والذكر وقراءة القرآن، وعُجُّوا بالدعاء؛ فقد قال ربكم عز شأنه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنّي فَإِنّي قَرِيبٌ، أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ، فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) تقول أمُ المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله، أرأيتَ إن علمتُ ليلة القدر ماذا أقول فيها؟ قال قولي: (اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني، اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا)

أيها الصائمون والصائمات: لقد شرع لكم مولاكم في ختام شهركم أعمالاً عظيمة، تسدُّ الخلل وتجبر التقصير وتزيد المثوبة والأجر، فندبكم في ختام شهركم إلى الاستغفار والشكر والتوبة، فقال تعالى: (وَلِتُكْمِلُواْ ٱلْعِدَّةَ وَلِتُكَبّرُواْ ٱللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ). كما شرع لكم زكاة الفطر شكراً لله على نعمة التوفيق للصيام والقيام، وطهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين، وتحريكاً لمشاعر الأخوة والألفة بين المسلمين، وهي صاع من طعام من برّ أو نحوه من قوت البلد كالأرز وغيره، فيجب إخراجها عن الكبير والصغير والذكر والأنثى من المسلمين، ويستحب إخراجها عن الحمل في بطن أمه، والأفضل إخراجها ما بين صلاة الفجر وصلاة العيد، وإن أخرجها قبل العيد بيوم أو يومين فلا حرج إن شاء الله. ولا بأس في دفع القيمة في زكاة الفطر، وقد جوز أخراج القيمة جمع من العلماء والأئمة الأعلام (ومقدارها في هذا العام دينار ونصف نظراً لارتفاع الأسعار، فأدوا رحمكم الله زكاة الفطر طيبة بها نفوسكم، وادفعوها إلى مستحقيها من الفقراء والمساكين والأرامل والأيتام والمحتاجين ونحوهم، وراقبوا الله فيها وقتاً وقدراً ومصرفاً، فقد أعطاكم مولاكم الكثير وطلب منكم القليل، فاشكروه على نعمه وفضله.

نسأل الله تعالى أن يمن علينا بالقبول والمغفرة والعتق من النار بمنّه وكرمه، وأن يبلغنا ليلة القدر ويوفقنا لقيامها، وأن يجبر كسرنا على فراق شهرنا، ويعيده علينا وعلى بلادنا أعواماً عديدة، وأزمنة مديدة، وعلى الأمة الإسلامية وهي ترفل في حلل العز والنصر والتمكين، وقد عاد لها مجدها وهيبتها بين العالمين، إنه خير مسئول وأكرم مأمول…

نفعني الله وإيّاكم بالقرآن العظيم، وبهديِ سيد المرسلين، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كلّ ذنبٍ فاستغفروه، إنّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

وفاة سمو الشيخ عبد الله بن خالد رحمه الله

الحمد لله العلي القدير، السميع البصير، الذي أحاط بكل شيء علماً وهو اللطيف الخبير، علم ما كان وما يكون وخلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة نرجو بها النجاة في يوم النشور، ونشهد أن محمداً عبده ورسوله البشير النذير والسراج المنير، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن على طريقتهم يسير وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد فيا أيها المسلمون: المَوتُ، غاية كل مخلوق، ونهاية كل موجود، وسنة الله الماضية في كل حي،  يقول الله تعالى مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) ويقول تعالى :﴿ ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ) ويقول سبحانه: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ)

عباد الله: لقد ودعت مملكة البحرين بالأمس القريب شيخاً باراً جليلاً من شيوخها، ورمزاً وطنياً مخلصاً من رموز العلم والأدب والتاريخ والخير والعطاء والأيادي البيضاء، إنه سمو الشيخ عبد الله بن خالد بن علي آل خليفة رحمه الله، رئيس المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، حيث ترك الفقيد في هذا الوطن بصمات تاريخية مشهودة، ومآثر طيبة محمودة، وعمل بكل جد وصدق وإخلاص في مجالات كثيرة، ليحظى سموه بمكانة دينية ووطنية واجتماعية كبيرة أكسبته حب الجميع وتقديرهم واحترامهم  له.

وكان لسموه الدور الأهم والأبرز في تأسيس وبلورة عدد من القطاعات الدينية؛ بدءاً بإنشاء إدارة الشئون الإسلامية ومراكز تحفيظ القرآن الكريم في العام 1976م مروراً بتأسيس شئون القرآن الكريم والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، إلى جانب دوره البارز في تطوير العمل والتشريعات في المحاكم الشرعية والمدنية وفي شئون الأوقاف الإسلامية وأموال القاصرين وبكل ما يتعلق بالبحث والدعوة والإرشاد.

وكان رحمه الله نعم الرجل، الحكيم الخلوق المتواضع المحبوب، والمربي الفاضل، والوطني المخلص، والمثقف والأديب والفقيه والقاضي والداعية، هكذا عرفناه، ونحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً، واللسان يعجز عن أن يوفي الراحل حقه ويعدد صفاته.

ولا يسعنا في هذا المقام إلا أن نرفع أحر التعازي والمواساة، إلى جلالة الملك حمد بن عيسى وإلى سمو رئيس الوزراء، وإلى ولي العهد الأمين، وإلى أنجال وأحفاد الفقيد والأسرة المالكة الكريمة، وإلى أهل البحرين جميعاً، وإلى كل محب للفقيد ، سائلين المولى عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته، ويسكنه الفردوس الأعلى من جنته، وأن يلهم الجميع الصبر والسلوان.

اللهم إنا نسألك في هذا الشهر المبارك، وفي هذه الأيام المباركة، أن تغفر للفقيد عبد الله بن خالد، وتدخله الجنة مع الصالحين الأبرار.

اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله، ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله دارا خيرا من داره، وأهلا خيرا من أهله، وأدخله الجنة وأعذه من عذاب القبر أو من عذاب النار.

اللهم طيب ثراه، وأكرم مثواه، واجعل الجنة مستقره ومأواه، اللهم أسقه من حوض سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم شربة هنيئة لا يظمأ بعدها أبداً.

اللهم أغفر لجميع موتى المسلمين والمسلمات، وارحمنا يا مولانا إذا صرنا إلى ما صاروا إليه، تحت الجنادل والتراب وحدنا، ونجنا من عذاب القبر ومن هول الحساب، برحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم اختم لنا شهر رمضان برضوانك، والعتق من نيرانك، وجد علينا بلطفك وامتنانك، وهب لنا ما وهبته لأوليائك، اللهم اجعلنا ممن قبلت صيامه، وأسعدته بطاعتك فاستعد لما أمامه، وغفرت له زلله وآثامه. اللهم أعد علينا رمضان أعواماً عديدة، وأزمنة مديدة، اللهم وفقنا لتدارك بقايا الأعمار، وآتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار…

اللهم ارزقنا الاستقامة والعمل الصالح في رمضان وبعد رمضان يا رب العالمين.

اللهم إن كان في سابق علمك أن تجمعنا في مثل هذا الشهر فبارك لنا فيه، وإن قضيت بقطع آجالنا وما يحول بيننا وبينه فأحسن الخلافة على باقينا، وأوسع الرحمة على ماضينا، وعمنا جميعا برحمتك ورضوانك، واجعل الموعد بحبوح جنانك وغفرانك، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم اجعل كلمتك هي العليا إلى يوم الدين، اللهم آمنا في وطننا وفي خليجنا واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين، اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى، اللهم وفق ملكنا حمد بن عيسى ورئيس وزرائه خليفة بن سلمان وولي عهده سلمان بن حمد، اللهم وفقهم لما تحب وترضى وخذ بنواصيهم للبر والتقوى وسدد على طريق الخير خطاهم وهيئ لهم البطانة الصالحة الناصحة يارب العالمين..

اللهم كن لإخواننا المستضعفين المضطهدين في كل مكان، اللهم كن لهم في فلسطين وفي بلاد الشام وفي اليمن وفي كل مكان، اللهم فرج همهم ونفس كربهم وآمن روعهم وأصلح أحوالهم وألف بين قلوبهم، ولا تجعل لعدو ولا طاغية عليهم سبيلا، يارب العالمين..

اللهم صل وسلم وزد وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عباد الله: إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العلي العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون ويغفر الله لي ولكم.

خطبة جامع الفاتح –   عدنان بن عبد الله القطان –   مملكة البحرين